مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

دراسات قرآنية  
  المجتمع الإنساني في القرآن الكريم
-4-
 السيد محمد باقر الحكيم


ـ(24)
الإنسان والمجتمع الإنساني هدف أساسي في القرآن الكريم لما حظي به الكائن البشري من كرامة عند الله، ومكانة في الكون، وقدرة على الخلافة. وسور القرآن الكريم تتناول جوانب شتى مما يرتبط بالإنسان والمجموعة البشرية في إطار عقائدي تارة واجتماعي وتاريخي وأخلاقي تارة أخرى.
والباحث تناول في الحلقات السابقة مباحث تمهيدية ودخل في موضوع الاستخلاف وفصل القول في نظرية خلافة الإنسان على ظهر الأرض، وفي هذه الحلقة تناول مصطلح المجتمع، وتحدّت عن عناصر المجتمع الإنساني حسب نظرية الشهيد الصدر وعن الوحدة والاختلاف الفطريين.
ـ(25)
التعريف بمصطلح المجتمع
تمهيد:
في بداية الحديث عن المجتمع الإنساني لابد من التعرض لمصطلح «المجتمع» وبيان ما يتضمنه هذا المصطلح من مفاهيم، خاصة وأنه قد استخدم بشكل واسع عند الحديث عن الإسلام ورسالته الخاتمة، حيث يقال عادة بأن الإسلام رسالة سماوية جاءت لتنظيم المجتمع الإنساني وهدايته وتكامله.
لم ترد لفظة«المجتمع» وبهذه الصيغة في القرآن الكريم، كما يلاحظ عدم استعمالها بصورة واسعة في الخطاب اللغوي العام لعصر نزول القرآن الكريم، الأمر الذي قد يكشف عن استحداثها في اللغة العربية، وقد عبر القرآن الكريم عن مفهوم المجتمع بمفردات أخرى تقاربه في المضمون العام منها:
الجمع
وهي اللفظة الأقرب إلى لفظة «المجتمع» من ناحية المادة والاشتقاق اللغوي، كما أنها الأقرب من ناحية المعنى، حيث استخدمها القرآن الكريم في مقام التعبير عن الجماعة والمجتمع في عدة آيات منها: قولـه تعالى: ﴿سيهزم الجمع ويولون الدبر﴾ (1)، حيث عبر بالجمع عن مجتمع المشركين بصورة عامة.
وقوله تعالى: ﴿إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنّما استزلهم الشيطان...﴾ (2)، حيث عبر عن الجماعتين الممثلتين لمجتمعين متقابلين متحاربين هما: مجتمع المسلمين ومجتمع المشركين بـ «الجمعين».
القـوم
وهي من أوسع المفردات التي استخدمت قرآنياً للتعبير عن المجتمع، إذ
ـ(26)
وردت (383) مرة، وبصيغ مختلفة.
وكثر استعمالها عند الحديث عن جماعة الناس الذين ينتمي إليهم النبي بأواصر القربى والنسب، أو بأواصر العلاقات الاجتماعية الواحدة، كقوله تعالى: ﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم...﴾ (3).
﴿قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبرو...﴾ (4).
﴿وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود. وقوم إبراهيم وقوم لوط﴾(5).
كما استعملت كثيراً عند الحديث عن الجماعة التي يوحدها الإيمان بالله سبحانه وتعالى، أو الصفات المشتركة من العلم والتقوى والفهم، كما ورد ذلك في سياق الدعوة إلى التفكر في آياته وأخذ العبرة بما حلّ بالكافرين والمعاندين لـه عز وجل، كقوله تعالى: ﴿... وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون﴾(6).
﴿...كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون﴾(7).
﴿فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون﴾(8).
﴿إنّا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون. ولقد تركنا منها آية بيّنة لقوم يعقلون﴾(9).
كما استخدمت للتعبير عن الجماعة البشرية بصورة مطلقة كقوله تعالى ﴿..ليجزي قوما بما كانوا يكسبون﴾ (10). ﴿كذلك وأورثناها قوما آخرين﴾(11).
﴿... وإن تتولّوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم﴾(12).
الشعب والقبيلة
وردت لفظة الشعب والقبيلة في القرآن الكريم في مقام التعبير عن الجماعات
ـ(27)
البشرية التي يربطها عامل النسب أو اللغة، كما في قولـه تعالى: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفو...﴾ (13).
حيث قسمت الآية الشريفة الناس إلى جماعات ترتبط فيما بينها بروابط طبيعية كانت أساس تكوّن المجتمع البشري، مثل النسب واللغة، وبيّن أن الهدف من هذا التقسيم والاختلاف، هو إيجاد العلاقات الإنسانية، من خلال التعارف والتعاون على إدارة هذه الحياة والتكامل في مسيرتها.
الأُمـة
ولعل هذه المفردة هي أقرب المفردات تعبيراً إلى مصطلح «المجتمع» بمعناه المعاصر المعروف من الناحية السياسية والاجتماعية.
وقد وردت قرآنياً بمفهومها اللغوي بمعنى «الجماعة» أي المجموعة من الناس التي تربطها رابطة الاجتماع، بحيث يكون معناها مجرد الجماعة، فيعبر عنها بالأمة، ولعل هذا هو الأصل في استخدامها، قال تعالى: ﴿وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمم...﴾ (14)، أي قطعهم الله تبارك وتعالى وجعلهم على شكل جماعات.
﴿..تخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة﴾(15)، أي جماعة أربى من جماعة.
﴿ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون...﴾ (16)، أي وجد عليه جماعة من الناس.
كما وردت لفظة «أمة» تارة أخرى في مقام التعبير عن البعد الاجتماعي المعنوي للجماعة، كما في قولـه تعالى: ﴿إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾(17)، إذ أشارت الآية الكريمة إلى جماعات من الناس متعددة بحسب
ـ(28)
الواقع اللغوي والتاريخي والشعوبي، ولكنها ترتبط فيما بينها بروابط فكرية وعقائدية وسلوكية وأهداف سياسية وحركية، بحيث تعبر بمجموعها عن مجتمع متكامل، وهذه الجماعات هي جماعة الأنبياء عبر التاريخ الإنساني التي كانت ترتبط بينها برباط الإيمان بالله تعالى وتوحيده وبالغيب والوحي الإلهي وبالدعوة إلى الأخلاق الفاضلة والتكامل في السيرة الإنسانية بالرغم من تعددها في لغتها وقومها وأماكنها وتاريخها. لعل أفضل مقطع قرآني تناول فيه موضوع الأمة، هو ما جاء في سورة البقرة، الآيات (135 ـ 143) ومن ذلك قولـه تعالى:﴿تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون﴾(18)، حيث تكرر لفظ الأمة في هذا المقطع عدة مرات وكأنه يتحدث عن تاريخ الأمة الإسلامية وتأسيسها ومعالمها، فقد وردت هذه الآية مرتين: تارة في معرض الحديث عما كان يقوله المشركون تجاه الأمة الإسلامية، وأخرى في معرض الحديث عن ما كان يقوله اليهود والنصارى للمسلمين والموقف الصحيح من ذلك، وعرض العقيدة الإسلامية السليمة، ثم جاءت هذه الآية الكريمة فقسمت الناس إلى أمتين:
أمة قد خلت لها ما كسبت من أعمال وتبعات وآثار تلك الأعمال في مجمل مسيرتها، وأمة أخرى هي الأمة المسلمة التي جاءت بعد تلك الأمة لها ما تكسب أيضاً، ولا تسأل إحداهما عما تفعل الأخرى، فالرابط لهذه الجماعة وتلك هو السلوك والكسب والنتائج والآثار.
إذ من الواضح أن التقسيم هنا ليس تقسيماً قائماً على أساس العلاقات الطبيعية، مثل الدم أو التاريخ أو اللغة، إذ أن بعض النصارى واليهود كانوا من العرب ومن سكنة الجزيرة العربية، كما كان بعضهم من غير العرب ـ أيضاً ـ وهذا هو حال المسلمين ـ أيضاً ـ فيهم العربي وغيره، وإنما قام التقسيم بين
ـ(29)
الأمتين على أساس الأفكار والعقائد والشعائر والسلوك، وهي أمور تختلف فيها هذه الجماعة عن تلك.
ولذلك طرح القرآن الكريم بعد ذلك قضية القبلة التي هي من الشعائر التي تميز هذا النوع من الأمم بعضها عن بعض، كما طرح قبل ذلك معالم الأفكار والعقائد التي تتبناها هذه الأمة والتي تعبر عن طبيعة كسبها وسلوكها في مقابل اليهود والنصارى، قال تعالى : ﴿قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب...﴾(19).
وعندما طرح موضوع القبلة الذي هو موضوع يرتبط بالجانب السلوكي والمعنوي لعلاقات الناس رتب عليه بيان هوية هذه الأمة وتميز شخصيتها بقوله تعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيد_وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه...﴾(20).
ومن خلال هذه المقارنة نستنتج أن القرآن الكريم يؤكد هنا على مفهوم الأمة باعتبارها الجماعة التي يشترك أفرادها في التاريخ المعنوي ﴿... بل ملة إبراهيم حنيف..﴾ (21)، وفي آية الحج ﴿.. ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين..﴾ (22)، ومن خلال العقيدة والسلوك الاجتماعي القائم على هذه العقيدة.
ويؤكد ذلك ما جاء في الآيات الأخرى التي وردت فيها لفظة «أمة» بمعناها الثاني، مثل قولـه تعالى : ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون﴾ (23)، إذ جعلت الآية المباركة الرابطة بين أفراد هذه الأمة التي يراد تكوينها، سلوكها الاجتماعي العام، وهو الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبهذه الروابط العقائدية والمعنوية تتقوم الأمة وتترابط فيما بينها.
ـ(30)
ومثل قولـه تعالى : ﴿ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾(24)، فالأجل الذي تتحدث عنه هذه الآية الكريمة ليس الأشخاص أو الموت والحياة المادي لهم، بل هو الأجل للعلاقات التي تربط بين هؤلاء الأشخاص عقائدياً وسلوكياً، والتغييرات الرئيسية التي تحصل في الجوانب المعنوية للروابط والعلاقات السائدة في تلك الأمم، حيث يترتب على هذه التغييرات العقائدية والسلوكية التغييرات الاجتماعية، وهو قانون وسنة إلهية، كما أكدها القرآن الكريم في مواضع أخرى ـ كما أوضحنا ذلك ـ مثل قولـه تعالى : ﴿...إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..﴾ (25).
وقوله تعالى : ﴿ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون﴾(26).
فما يصدر من الناس من أعمال سلوكية اجتماعية وما يقومون به من نشاطات فكرية ومعنوية صالحة أو طالحة يؤثر بشكل مباشر في حركة التاريخ والأوضاع الاجتماعية للناس وفي تحديد عمر هذه الأمة أو تلك، وعلى هذا يكون المقوم الحقيقي للأمة والحافظ لكيانها ولوجودها هو الجانب الفكري والمعنوي والسلوكي للجماعة والروابط بين أفرادها.
ومثل قولـه تعالى : ﴿كذلك أرسلناك في أمة قد حلت من قبلها أمم لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب﴾ (27)، حيث نلاحظ في هذه الآية أنها وردت في سياق بيان الأصول العقائدية والأخلاقية للرسالة الإسلامية، كما أنها تصف الأمة المخاطبة بأنها أمة «تكفر بالرحمن» وهي رابطة معنوية.
نعم قد تستخدم الأمة في القرآن الكريم ـ كما ذكرنا ـ بمعناها اللغوي وهو الجماعة، ولكنها عندما تستخدم بمعناها الاجتماعي يراد منها المجتمع الإنساني.
ـ(31)
الفرق بين لفظتي «الأمة» و«القوم»
وقد اتضح لنا مما سبق أن هناك فرقاً رئيسياً بين لفظتي «الأمة» و«القوم».
فلفظة «قوم» تستخدم في الأصل ـ وحسب الظاهر ـ في الجماعة التي تكون الروابط فيما بينها روابط بشرية ذات علاقة بالدم والتاريخ المادي والأرضي، وقد تتطور فتطلق الكلمة على الجماعة التي تربطها روابط معنوية.
أما «الأمة» فهي لفظة يراد منها بمعناها اللغوي مجرد الجماعة، ولكنها تطورت في الاستعمال القرآني فأصبحت كلمة تعني الجماعة التي ترتبط فيما بينها بالروابط الفكرية والعقائدية والسلوكية.
اللفظ المختار
على ضوء ما بيناه من معاني الألفاظ التي استخدمت قرآنياً للدلالة على الجماعة البشرية من قبيل : الجمع، والقوم، والشعب والقبيلة، والأمة، اتضح لنا أن لفظ «الجمع» و«الأمة» هو اللفظ القرآني الأقرب إلى مصطلح «المجتمع».
وحينئذ تكون الآيات التي تناولت موضوع «الأمة» هي الآيات التي تناولت موضوع المجتمع الإنساني بشكل عام.
الفصل الأول
عناصر المجتمع الإنساني
أشار السيد الشهيد الصدر قدس سره في محاضراته حول التفسير الموضوعي للقرآن الكريم من خلال بحثه لآية خلافة آدم ـ عليه السلام ـ، أن المجتمع يتقوم بثلاثة عناصر أساسية تشترك بالالتزام بها جميع النظريات الاجتماعية، ويمكن
ـ(32)
استنباطها من الآية الكريمة وهي قولـه تعالى : ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة...﴾ (28).
وهذه العناصر الأساسية الثلاثة للمجتمع البشري هي :
الأول (الإنسان) الخليفة : وهو المحور الأساس والعنصر الأهم من بين عناصر المجتمع الإنساني الذي خلقه الله تعالى للقيام بهذا الدور.
الثاني الأرض والطبيعة : ويراد بالأرض هي وما يحيط بها من عوامل مرتبطة بها وبالإنسان، فهي كل الكون المحيط بالإنسان والذي يتفاعل معه.
الثالث : العلاقة القائمة بين الإنسان والأرض من ناحية، وبين الإنسان والإنسان الآخر من ناحية أخرى.
إن هذه العناصر الثلاثة عناصر أساسية، ومقومات ثابتة تتشكل المجتمعات من خلالها ولا توجد نظرية اجتماعية إلهية أو مادية تتحدث عن المجتمع ولا تفترض فيه هذه العناصر الثلاثة.
الفرق بين النظرية القرآنية والنظرية المادية في تصوير العنصر الثالث
إذا كانت جميع النظريات الاجتماعية تؤمن بهذه العناصر الأساسية الثلاثة للمجتمع، فما هو الفرق ـ إذن ـ بين النظرية الإلهية القرآنية والنظريات المادية في فهم المجتمع الإنساني وحقيقته؟.
تحدث السيد الشهيد الصدر قدس سره عن الفرق الجوهري بين النظرية القرآنية والنظرية المادية في ذلك من خلال الفرق بينهما في تصوير العنصر الثالث، حيث طرح صيغتين لتصور هذا العنصر:
الأولى، الصيغة الثلاثية : وهي الصيغة التي تتبناها النظرية المادية، حيث ترى أن أطراف العلاقة هي : الإنسان، والإنسان الآخر، والطبيعة (الأرض).
ـ(33)
الثانية، الصيغة الرباعية : وهي الصيغة التي تعبر عن التصور القرآني لأطراف العلاقة في المجتمع الإنساني وهي : الله سبحانه وتعالى، والإنسان، والإنسان الآخر، والطبيعة.
ثم بيّن قدس سره أن إضافة الطرف الرابع في التصور القرآني ليس من قبيل الإضافة العددية للأطراف فتصبح الثلاثة أربعة، بل هي إضافة ذات تأثير جوهري على مضمون هذه العلاقة بين الأطراف الأخرى، وعلى ضوئه تتحول العلاقة من علاقة قائمة على أساس الندية والصراع بين الإنسان والإنسان الآخر، وعلى أساس المالكية والقدرة والهيمنة بين الإنسان والطبيعة.. إلى علاقة «استخلاف»:
المستخلِف فيها هو الله سبحانه وتعالى.
والخليفة هو الإنسان.
والمستخلَف عليه هو الطبيعة وبقية الناس.
ثم أضاف أن كون الله سبحانه وتعالى الطرف الرابع في هذه العلاقة لا يجعله ـ عزّ وجل ـ جزء من المجتمع الإنساني، لأنه ليس عنصراً أساسياً فيه، بل هو خارج عنه، غاية الأمر أن علاقة الإنسان الاجتماعية هي علاقة «الاستخلاف» وهي تتقوم بوجود المستخلف وهو الله عز وجل، فالعلاقة به سبحانه تكون مستبطنة في علاقات الإنسان مع العناصر الأخرى، ويصبح لهذه العلاقة مضمون مؤثر بشكل أساسي على علاقة الإنسان بالعناصر الأخرى المكونة للمجتمع كما سبق ذكره.
وبذلك يصبح الدين سنة من سنن التاريخ الإنساني الذي يتحكم بمسار حركة الإنسان والتاريخ، وهذا الدين هو الدين الفطري الذي فطر الله تعالى عليه الإنسان، وهو إحساسه بالاستخلاف والاستئمان، والذي كان يوجه البشرية
ـ(34)
في حركتها في مقابل الكفر، وهو الوقوع تحت تأثير الهوى والطغيان والشيطان، حيث يتفرق الإنسان ويختلف.
ومن الممكن أن نشير إلى ملاحظتين على هذا العرض الدقيق للنظرية القرآنية حول المجتمع:
الأولى : إن النظريات الاجتماعية المادية أو الإلهية قد تختلف بينها، ولا يمكن أن نفسر هذا الاختلاف على أساس البعد الرابع في العنصر الثالث وحده ببيان أن المادية تلتزم بأبعاد ثلاثة للعلاقة، بخلاف النظرية الإلهية التي تلتزم بأبعاد أربعة، بل إن هذا الاختلاف يكون منطلقاً من تصورها للنظام العام الذي ينظم ويصور هذه العلاقة ذات الأبعاد الثلاثة أو الأربعة، وهذا النظام يمثل عنصراً رابعاً من عناصر المجتمع الإنساني، إذ أن العلاقة تارة ينظر إليها في أصل وجودها مجردة عن الصيغة والصورة التي يشكلها، فهي العنصر الثالث في المجتمع الذي تشترك بالالتزام به جميع النظريات المادية والإلهية، وأخرى ينظر إليها من خلال الصيغة والصورة اللتين تنظمان النظام الذي يشكلها، فيصبح هذا النظام والصيغة عنصراً رابعاً في المجتمع الإنساني تختلف فيه النظريات المادية عن الإلهية.
والعلاقة في وجودها الخارجي وإن كانت ملازمة لصيغة معينة لا يمكن أن تنفك عنها، ولكن من الواضح أن أصل العلاقة التي تشترك بقبولها كعنصر في المجتمع الإنساني في غير الصيغة التي تشكل هذه العلاقة والتي تختلف فيها النظريات الاجتماعية.
كما أن النظام والصيغة للعلاقة هي عنصر حقيقي لكل مجتمع إنساني، إذ أن هوية المجتمع تتكون من خلال تصور هذا النظام لهذه العلاقة، وبذلك يصبح الدين والهدى الذي تشير إليه الآية القرآنية: ﴿.. فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع
ـ(35)
هُداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ (29)، جزء من المجتمع الإنساني في النظرية القرآنية.
الثانية : إن البعد الرابع في العنصر الثالث وهو العلاقة، وإن كان أمراً حقيقياً في النظريات الإلهية، حيث يتمثل بالله تعالى، ولكن البعد الرابع يكون موجوداً ـ أيضاً ـ في العلاقة القائمة في المجتمع غير الإسلامي، وذلك من خلال «الهوى» و«الشيطان» و«الطاغوت»، كما عبر عنه القرآن الكريم، إذ يبدو من القرآن الكريم أن المحور والبديل لله تعالى في حياة الإنسان الاجتماعية والسلوكية هو «الهوى» و«الطاغوت» و«الشيطان»، لأن مسار الإنسان محدد بينهما ليس لـه خيار ثالث غيرهما، فإما مجتمع الله تعالى، وإما مجتمع الهوى والطاغوت والشيطان.
وبذلك نرى أن العلاقة في حقيقتها ذات أبعاد أربعة سواء في النظرية الإسلامية الصحيحة أو في واقع النظريات المادية أو الغيبية المنحرفة، ويختلف هذان الخطان من النظرية في طبيعة البعد الرابع، كما يؤكد ذلك القرآن الكريم في آيات خلافة الإنسان وغيرها.
وقد يكون منظور السيد الشهيد الصدر قدس سره إلى كون العلاقة ثلاثية في التصورين، هو بيان الفهم الإنسان المادي للعلاقة بين عناصر المجتمع على أنها ثلاثية، حيث لا يدرك التصور المادي الطرف الآخر لها.
وأما واقع العلاقة ـ كما يقتضيه الفهم القرآني للعلاقة فهي في كل الأحوال رباعية، ولكنها إما «إلهية» أو «شيطانية».
ويعرف ذلك ـ كما أشرنا ـ من خلال تأكيد القرآن الكريم، إذ طرح الله سبحانه وتعالى في مقابل الهوى والطاغوت والشيطان، قال تعالى : ﴿الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت
ـ(36)
يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾ (30).
﴿الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت..﴾ (31)، وقال تعالى : ﴿أفرأيت من اتخذ إلههُ هواه وأضلّه الله على علم..﴾ (32).
كما طرح في نهاية آيات الاستخلاف التي وردت في سورة البقرة أتباع الهدى والإيمان في جانب، وأتباع الهوى والكفر في جانب آخر، قال تعالى : ﴿قلنا أهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾ (33).
وعلى هذا يكون الإنسان من منظور قرآني بين نوعين وصيغتين من العلاقة كليهما رباعي الأطراف وهما:
الأول ـ علاقة الاستخلاف : وهي ما نعبّر عنه بالصيغة الدينية للعلاقة ذات الطبيعة الإلهية الحقة، وبعدها الرابع هو الله سبحانه وتعالى وهو المستخلف للإنسان.
الثاني ـ علاقة «الهوى» والطغيان : وهي الصيغة الأخرى للعلاقة التي يكون البعد الرابع فيها هو الشيطان أو إبليس، وتكون ذات طبيعة شيطانية قائمة على أساس الهوى والغواية والطغيان.
النظام الاجتماعي عنصر رابع من عناصر المجتمع
والنظام الاجتماعي الذي هو عبارة عن مجموعة حدود وأبعاد تتصور فيها هذه العلاقة، لـه دور تحديد وتشخيص وتوضيح حدود العلاقة بين هذه الأطراف الثلاثة في الفهم المادي لها وبين الأطراف الأربعة في الفهم القرآني، والنظام الاجتماعي في نظر القرآن هو الذي يستبطن فهم العلاقة على أساس
ـ(37)
الاستخلاف.
ولعل هذا هو مراد الشهيد الصدر قدس سره حين أشار إلى هذا البعد الرابع في العلاقة وأوضح فيه مبدأ الاستخلاف.
وعلى هذا تكون عناصر المجتمع الإنساني حسب تصورنا أربعة، وهي :
الأول : الإنسان.
الثاني : الأرض والطبيعة.
الثالث : أصل العلاقة بين الإنسان والإنسان من جهة، والإنسان والطبيعة من جهة أخرى.
الرابع : النظام الاجتماعي الذي يحدد ويشخص شكل هذه العلاقة، ولا تختلف المجتمعات البشرية بعضها عن بعض في تعيين العناصر الأساسية للمجتمع، إلا في العنصر الرابع وهو النظام الاجتماعي.  
الفصل الثاني
الوحدة والاختلاف الفطريان
أولاً : دور الوحدة
بعد مرحلة الحضانة التي مرّ بها آدم ـ عليه السلام ـ في الجنة، وهبوطه إلى الأرض مع عدوه إبليس، بدأت مرحلة تكون المجتمع البشري، وذلك بوجود جميع العناصر الأساسية التي تكون المجتمع (الإنسان، الإنسان والطبيعة) العلاقة بين الإنسان والطبيعة من خلال نزوله إلى الأرض، ولكن ما هو النظام الاجتماعي الذي كان يحكم هذه العلاقة ويصوغ معالمها وحدودها.
ـ(38)
ويبدو من القرآن الكريم أن محور هذا النظام كان هو وحدة المجتمع الإنساني.
قال تعالى : ﴿كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم﴾ (34).
وهنا سؤالان:
الأول : ما هي حقيقة هذه الوحدة التي كانت أساس النظام الاجتماعي ؟
والثاني : ما هو النظام العام الذي كان يحكم المجتمع آنذاك ويوحد علاقات الإنسان ؟
الصور المطروحة لتفسير مرحلة الوحدة
أما بالنسبة إلى التساؤل الأول ، وهو : ما هي حقيقة هذه الوحدة ، فهناك عدة صور ونظريات مطروحة للإجابة عليه ، وهي:
النظرية الأولى للشيخ محمد عبده
فقد ذهب الشيخ محمد عبده في تصوره للوحدة إلى أن الناس كانوا ولا يزالون أمة واحدة لا بمعنى وحدة المجتمع الإنساني لهؤلاء الناس، بل بمعنى أن الناس ـ جميعاً ـ يشتركون بحسب طبعهم وخلقتهم في أمر واحد يجمعهم ويوحد اتجاههم وفهمهم للأشياء ويجعلهم أمة واحدة ، وهذا الشيء هو الاتجاه الفطري الموجود في الإنسان بما هو إنسان نحو الاجتماع والترابط والإحساس بحاجة بعضهم إلى بعض ، والى التعاون بينهم والمشاركة في
ـ(39)
مختلف الأعمال والنشاطات ، فالإنسان بحسب طبعه يكون مدنياً اجتماعياً ، وهذه الوحدة هي تعبير عن هذا الاتجاه المدني.
وفسر الفعل «كان» في الآية المباركة ﴿كان الناس أمة واحدة...﴾(35) ، بأنه فعل تام وليس ناقصاً يدل على الزمان الماضي، فـ«كان» هنا بمعنى الثبوت والتحقق لهذا الأمر، أي أن الله سبحانه وتعالى خلق الناس وفطرهم على أمر واحد وهو أنهم وبحسب طبعهم يكونون مدنيين واجتماعيين بنجذب بعضهم إلى بعض ويحتاج بعضهم إلى بعض ، وفعل «كان» هنا من قبيل قولـه تعالى: ﴿.. وكان الله عليما حكيم﴾(36) ، إذ يراد من الآية تحقق هذا الأمر لله تبارك وتعالى لا نسبته لـه في الزمان الماضي (37).
وقد ناقش العلامة الطباطبائي قدس سره (38) ، هذا التصور بعدة ملاحظات لعل أفضلها وأهمها هو : أن هذا التفسير على خلاف ظاهر الآية الكريمة لقرينتين، هما :
الأولى : إن «كان» ظاهرة في الفعل الماضي ، وإذا أردنا حملها على غير ذلك لابد من قرينة لهذا الحمل كما في قولـه تعالى : ﴿.. وكان الله عليما حكيم﴾ ، إذ أن حمل «كان» على التحقق والثبوت في هذه الآية باعتبار خصوصية الذات الإلهية المقدسة التي لا يحدها زمان ومكان ، وإن صفاته كذاته قديمة وأزلية ، وأن ثبوت العلم والحكمة لها دائماً وأبداً ، وفي الآية التي نحن بصدد بحثها لا توجد هذه القرينة التي تصرف الكلام عن ظهوره.
الثانية : أن الآية الكريمة كالصريحة في أن الوحدة كانت موجودة في زمان ثم طرأ عليها الاختلاف، وذلك لوجود قرينة الآية الكريمة نفسها وهي قولـه تعالى : ﴿... ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه...﴾ (39)، حيث دلت على حدوث الاختلاف بعد الوحدة بقرينة «الفاء» التي تدل على الترتب الزمني ، فبعثة الأنبياء لحل الاختلاف تكون ـ حينئذ ـ بعد الوحدة وحين تحقق الاختلاف .  
ـ(40)
فالوحدة كانت ثم حدث الاختلاف ، وهذا لا يناسب أن يكون المراد هو قضية الموهبة والطبع المدني الثابت والدائم في الإنسان ، لأن الطبع المدني لا يزال ثابتاً وباقياً في هذا الإنسان ، والمناسب هنا أن تكون الوحدة والاختلاف هما الوحدة والاختلاف الاجتماعيين.
النظرية الثانية للعلامة الطباطبائي قدس سره
وفي هذه النظرية ذهب العلامة إلى أن الله سبحانه وتعالى فطر الإنسان على مجموعة من الأمور ، منها التجاء الإنسان إلى استخدام الإنسان الآخر ، ذلك أن الإنسان في هذه الحياة الدنيا يتحرك نحو الكمال والتصرف في المادة ، ووجد أن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تسخيره للإنسان الآخر ، باعتباره طاقة قادرة على معاونته على التصرف في المادة وهذا الكون ، فهو يسخره لتحقيق أغراضه في التكامل .
ثم يرى ، أن هذا الاتجاه الفطري جعل الإنسان يتحرك من أجل الهيمنة على الآخرين واستخدامهم للوصول إلى أغراضه ، الأمر الذي أدى إلى أن يصطدم بالآخر الذي يحمل نفس هذا الاتجاه الفطري والتفكير والسعي للأهداف نفسها ، فاصطدمت الإرادتان الإنسانيتان والاتجاهان الفطريان .
ثم يرى قدس سره حصول المصالحة بين الإرادتين والإنسانين الاجتماعيين في بداية الحركة الاجتماعية ، حيث اتفق الناس فيما بينهم على أن يستفيد بعضهم من بعض ويستخدم بعضهم بعضاً ، لأن الهمم والحاجات محدودة ومصلحة الجميع اقتضت هذا التصالح ، وبذلك وجد «النظام الواحد» الذي يحكم المجتمع من خلال تقسيم المصالح والمنافع المشتركة ، فهو نظام يحكم بالعدل ، ولكن العدالة الاجتماعية هنا فيه هي «عدالة تصالحية» ، كما يعبر عنها العلامة قدس سره وليست «عدالة فطرية» ، أي إن هذه العدالة لا تعني أن الإنسان مفطور على العدل  
ـ(41)
والأنصاف بل هي عدالة انتهى إليها الإنسان بسبب فطرته على الاستخدام لتحقيق أغراضه وتحقيق الأغراض المحدودة كان من خلال المصالح المشتركة المتساوية.
ثم يرى قدس سره أن هذا إنّما تحقق في مرحلة بدائية من مراحل حركة المجتمع البشري ، ولكن في مرحلة متقدمة نسبياً ، وبسبب أن الناس غير متساوين في قدراتهم وإمكاناتهم المادية والعقلية والذهنية ، لأن بعضهم يولد قوياً وبعض آخر يولد ضعيفا ، كما أن بعضهم يكون أقوى عقلاً وقدرة على التصور والإبداع ، ومن ثم تحرك من أجل تحقيق تصوراته ، وبعض آخر يتسم بالخمول والتخلف الذهني ، وهكذا نجد بعض الناس يتصف بالشجاعة والإقدام والمغامرة ، وبعضهم بالجبن والتردد والاحتياط.
هذا الاختلاف بين الناس في هذه الأبعاد إذا ضممنا إليه فطرة الاستخدام الموجودة في الإنسان والرغبات الجامحة التي قد يختلف فيها بعض الناس عن بعض فيها ، ولاسيما في بعض الميول والرغبات ، وأوجب ذلك اختلال موازنة العدالة والتقسيم التصالحي ، حيث يأخذ بعض الناس في الحركة بصورة اسرع من الآخرين ويقوم بأعمال من أجل السيطرة والهيمنة عليهم ، فيكون على الطرف الآخر ابتداء إما الاستسلام لشعوره بالعجز أو المقاومة ، حتى يتبين لـه العجز وعدم القدرة على المقاومة أو الاستمرار فيها ، وعلى جميع هذه الفروض ينشأ الاختلاف والتفاوت في تقسيم الأشياء وتحدث الفرقة في المجتمع الذي كان مجتمعاً واحداً فيما سبق .
والخلاصة ، أو الوحدة والاختلاف فطريان ، إذ أن الصيغة التي كانت تنظم علاقات المجتمع الواحد في بداية تكون المجتمع كانت صيغة تصالحية قائمة على «فطرة» الاستخدام التي كانت ترى أن أفضل طريقة لـه هو تقسيم المصالح بصورة متساوية بحيث تحقق العدالة ، فالوحدة هنا «فطرية» ، ولكن باستمرار  
ـ(42)
فاعلية هذه «الفطرة» عند الإنسان بسبب اختلاف الناس في مستوياتهم ومواهبهم المادية والعقلية والروحية ، حدث الاختلاف في المجتمع ، فالاختلاف فطري أيضاً لأنه كان بسبب الفطرة نفسها لا غير .
ثم يتحدث قدس سره بعد ذلك عن دور الدين في رفع هذا الاختلاف الذي أصاب المجتمع من خلال قولـه تعالى : ﴿فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه...﴾ (40) ، وأنه بدون الدين لا يمكن أن نجد الحل للاختلاف ، وبذلك يصبح وجود الدين ضرورياً في حياة الإنسان (41).
وتوجد هناك عدة ملاحظات على الصورة التي قدمها العلامة قدس سره أهمها هو ما يتعلق بفترة مجيء الدين ، حيث افترض قدس سره أن الدين جاء بعد حصول الاختلاف بين الناس وليس في مرحلة الوحدة ، كما أنه أرخ لـه بمجيء نوح ـ عليه السلام ـ واستفاد ذلك من مثل قولـه تعالى : ﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوح..﴾ (42). مع أننا نلاحظ :
أولاً : وجود آيات متعددة تشير إلى أن الدين كان موجوداً منذ بداية حياة الإنسان على الأرض ، كما ذكرنا ذلك في تفسيرنا لآيات خلافة الإنسان ، وأن الخطاب الإلهي لـه بالدين تحقق بعد هبوط الإنسان من الجنة إلى الأرض كقوله تعالى:﴿قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي...﴾ (43).
مما يدل على أن الدين والهدى الإلهي كان أمراً قد طرح أمام الإنسان منذ بداية حركته الاجتماعية على الأرض لا في مرحلة الاختلاف.
وثانياً : وجود قرائن متعددة في القرآن الكريم على أن الدين كان قد شرع قبل نوح ـ عليه السلام ـ ، وسيجيء مزيد من التوضيح لهذا الأشكال بعد التعرض للصورة الثالثة التي قدمها السيد الشهيد قدس سره لمرحلة الوحدة .  
يتبع  
 
ـ(43)
الهوامش :
 1 ـ القمر : 45. 2 ـ آل عمران : 155.
3 ـ إبراهيم : 4. 4 ـ الأعراف : 128.
5 ـ الحج : 42 ـ 43. 6 ـ يونس :6 .
7 ـ يونس : 6 . 8 ـ النمل : 52.
9 ـ العنكبوت : 34 ـ 35. 10 ـ الجاثية : 14.
11 ـ الدخان : 28.
12 ـ محمد : 38.
13 ـ الحجرات : 13.
14 ـ الأعراف : 160.
15 ـ النحل : 92.
16 ـ القصص : 23.
17 ـ الأنبياء : 92.
18 ـ البقرة : 141.
19 ـ البقرة : 136.
20 ـ البقرة : 143.
21 ـ البقرة : 135.
22 ـ الحج : 78.
23 ـ آل عمران : 104.
24 ـ الأعراف : 34. 
ـ(44)
25 ـ الرعد : 11 .
26 ـ الروم : 41.
27 ـ الرعد : 30.
28 ـ البقرة : 30.
29 ـ البقرة : 38.
30 ـ البقرة : 257.
31 ـ النساء : 76.
32 ـ الجاثية : 23.
33 ـ البقرة : 38 ـ 39.
34 ـ البقرة : 213.
35 ـ البقرة : 213.
36 ـ الفتح : 4.
37 ـ يراجع المنار 2 : 279 و 282.
38 ـ الميزان 2 : 126 ـ 128.
39 ـ البقرة : 213.
40 ـ البقرة : 213.
41 ـ يشرح العلامة الطباطبائي ضرورة الدين ، وسوف نتناول هذا الموضوع في محله عندما نصل إلى هذه النقطة ، إن شاء الله .
42 ـ الشورى : 13.
43 ـ البقرة : 38.

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية