مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

الاختراق الثقافي الغربي
قراءة في الصراع الفكري بين الاسلام والغرب
الدكتور مهدي الكبيسي


كان الغرب دائما يناصب العداء للاسلام والمسلمين، وقمع بشدّة كل تعاطف مع العالم الاسلامي في بلاده، ووراء هذا العداء غرور مفرط موروث عن الرومانيين واليونانيين. وفي أوربا جهل عن الاسلام ممزوج بخوف أساطيري، وكان ذلك وراء الحروب الصليبية القديمة والحديثة. ويأتي التبشير والاستشراق ليخوضا ميدان التربية والثقافة بين المسلمين فأوجدا داخل المجتمع الاسلامي صراعات حادّة أدت الى تبديد طاقاته ودفعه الى الضعف والتبعية. وتأتي عمليات التشويه لزلزلة إيمان الامة وللتشكيك بتراثها وهويتها، ضمن عملية غزو ثقافي مدروس يستهدف تحطيم قوة التماسك التي يمتلكها الاسلام. من هنا لابد من اتخاذ الاجراءات اللازمة لمواجهة هذه التحديات الشرسة، وعلى رأسها التوعية الثقافية والعمل التربوي.
---------------------
(1)1- باحث عراقي .
-----(46)-----
لاشك أنّ الحدث الأهمّ الذي وضع العرب خصوصاً والشرق عموماً في مجرى التاريخ هو ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية في بداية القرن السابع الميلادي. وما كاد عام 732م (113 هـ) ينصرم حتى كان المسلمون قد تدفقوا خارج حدود الجزيرة العربية حاملين رسالة الإسلام إلى العالم الوسيع، ومقيمين إمبراطورية عظيمة، وعلى حدّ تعبير المؤرخ فيليب حتّي: أعظم من روما في ذروة قوتها، إمبراطورية تمتدّ من خليج بسكاي الى جزر الهند الغربية وحدود الصين، ومن بحر العرب إلى مساقط المياه لأعالي النيل، فباسم الله ينادى خمس مرات في اليوم من آلاف المنائر المنتشرة في جنوب غربي أوربا وأفريقيا الشمالية وآسيا الغربية والوسطى(1).
حدث هذا في الوقت الذي كانت هناك قوتان عظيمتان تحكمان العالم: بيزنطه المسيحية وساسان الزرادشتية في فارس، حيث لم تستطع هاتان القوتان الأعظم - وقد أنهكتهما الحروب الاستنزافية المتبادلة على مدى ثلاثة قرون ـ أن تقاوما القوة الجديدة. فقد انهارت الإمبراطورية الفارسية، وطردت البيزنطية شمالاً إلى الأناضول في مدة لاتتجاوز الخمس والعشرين سنة.
وبهذا يكون الفتح الإسلامي قد غيّر وجه العالم، وكما يقول: ناتنغ: وليس هناك من امبراطورية بلغت هذه الأبعاد وتمّ كسبها بمثل هذا الوقت(2).
 إنّ هذه الفتوحات الإسلامية الواسعة جعلت المسلمين على تماس حادّ بثقافات مختلفة، مثل: الثقافة اليونانية والفارسية والهندية، ولم يقتصروا على استيعاب تراث هذه الثقافات فحسب، بل تفاعلوا معها وأضافوا إليها كذلك إضافات جوهرية واسعة بعدما ترجمت إنجازاتهم في كافة حقول العلم والمعرفة، وخاصة في الطب والبصريات والكيمياء والفلك والجغرافيا
1- نقلاً عن كتاب «صورة العرب في الصحافة البريطانية» د. حلمـــي خضر ســاري: 19ط. بيروت.
2- راجع المصدر السابق: 20.
-----(47)-----
والفلسفة إلى اللغة اللاتينية.
لكن إنجازات المسلمين الفكرية ومساهماتهم في المعرفة الإنسانية قد قُلِّلت أهميتها وشوّهت ولم يُعترف بها، بل إنّ الغرب ـ وهو العدو المقابل ـ قمع كل من حدّثته نفسه أن يبدي أيّ تعاطف يسير مع الإسلام أو المسلمين، كما حصل للعالم «وليم وستن» خليفة نيوتن، وفي جامعة كمبردج حينما أدّت حماسته للإسلام الى طرده من الجامعة عام 1709م(1).
 
الغزو الغربي
إنّ من أهم أسباب نشوء هذه النظرة غير المنصفة يعود الى ما يتّسم به الغرب من غرور مفرط، وهذه الحقيقة يؤكّدها الغربيون أنفسهم وعلى ألسنتهم. فقد كتبت الصحفية الاميركية المعروفة مرّة تقول: إنّ المسيحيين يبدون مغرورين الى درجة لاتصدق، وخصوصاً عندما يصل الأمر إلى الأديان الأخرى(2).
وعزا هذا الغرور محمد أسد (ليوبولد فايس سابقاً) إلى الإرث اليوناني والروماني، فكتب يقول: إنّ اليونانيين والرومانيين نظروا إلى أنفسهم على أنّهم هم وحدهم المتمدنون، أمّا كل من كان أجنبياً عنهم وعلى الأخصّ أولئك الذين كانوا يعيشون شرق البحر المتوسط، فقد كان اليونانيون والرومانيون يطلقون عليهم كلمة «البرابرة»، ومنذ ذلك الحين والاوروبيون يعتقدون أن تفوّقهم العنصري على سائر البشر أمر واقع، ثم إنّ احتقارهم الى حدّ بعيد أو قريب لكل ما ليس أوروبياً من أجناس البشر وشعوبهم قد أصبح إحدى الميزات البارزة في المدنية الغربية(3).
1- «الاستشراق: المعرفة، السلطة، الانشاء» د. ادواد سعيد: 103.
2- «نظرة عن قرب في المسيحية» تعريب مناف حسين الياسري: 85 ط. طهران.
3- «الإسلام على مفترق الطرق» تعريب د. عمر فروخ: 52 ط. بيروت.
-----(48)-----
كراهية متأصّلة
على أنّ هذا وحده لا يكفي لاظهار مايكنّه الاوروبيون نحو الإسلام خاصة، بل يعزى أيضاً الى الكُره العميق الجذور الذي يحمله الاوروبيون في قلوبهم تجاه المسلمين. وهذا الكره ليس عقلياً فحسب، وإنما يصطبغ بصبغة عاطفية قوية، إذ ما إن تتجه المسألة نحو الإسلام حتى يختل التوازن الغربي، ويأخذ الميل العاطفي بالتسرّب.
وهذا ما يتجلّى في كتابات المستشرقين الأوروبيين، حيث يظهر في أغلب كتبهم وبحوثهم على أنّ الإسلام متّهم يقف أمام قضاته، وهم يمثلون دور المدّعي العام الذي يحاول إثبات الجريمة.
وفي الجملة فانّ طريقة بحوثهم واستقراءاتهم حول الإسلام تذكرنا بوقائع محاكم التفتيش التي أنشأتها الكنيسة الكاثوليكية لخصومها في العصور الوسطى، ولذا تراهم «ينتشون سروراً خبيثاً حينما تعرض لهم فرصة ـ حقيقية أو خيالية ـ ينالون بها من الإسلام عن طريق النقد»(1).
فضلاً عن ذلك فإن الافتراضات والنظريات التي يطرحها المستشرقون والمؤرّخون الأوروبيون أمثال: برنارد لويس، جب، فون غرونبوم، بروكلمان قد أضافت إلى الواقع المشوّه تشويهاً جديداً، لأنّ هؤلاء قد كتبوا ما كتبوا متأثرين بتركة استشراق القرن التاسع عشر، وهي تركة على حدّ تعبير سي. آدمز: أرهبت عدداً من العلماء فتهيّبوا من محاولة إعادة فحص القضايا الجوهرية(2).
والحق الذي يمكن أن يقال: إنّ هؤلاء المستشرقين وأضرابهم إنّما يمثّلون طلائع مدنيّتهم وفكرهم التبشيري. فإننا من أجل ذلك ـ كما يقول محمد أسد ـ: يجب أن نصل ضرورة إلى أن نستنتج أنّ في العقل الاوربي على العموم ـ
1- المرجع السابق: 53 ـ 54.
2- نقلاً عن كتاب «صورة العرب في الصحافة البريطانية»: 22.
-----(49)-----
لسبب ما ـ ميلاً عن الإسلام بما هو دين وبما هو ثقافة، أنّ سبباً واحداً لذلك يمكن أن يعزى إلى الإرث الذي قسّم العالم يومذاك: أوربيّين وبرابرة، وأمّا السبب الآخر وهو أشدّ صلة مباشرة بالإسلام فيمكننا أن نتبعه إذا ولّينا أبصارنا شطر الماضي وخصوصاً إلى تاريخ العصور الوسطى(1)..
 
الجهل المسيحي بالإسلام
حينما سمعت أوربا الغربية المسيحية لأول مرّة بالإسلام، وواجهتها تحدّي قوته المتزايدة لم يكن لدى أوربا حينذاك أيّة معرفة حقيقية بمن ستقاتله، فنتج عن هذا الجهل الممزوج بالخوف جملة من الأساطير والخرافات الخرقاء تضاهي ما تراكم في عهد أوغسطين.
يقول «ريتشارد سويثرن» في تاريخه الموجز: إنّ الذي انصقل كثيراً وازداد تعقيداً هو الجهل الغربي، وليس المعرفة الصحيحة بالإسلام، أدّى هذا الجهل بالإسلام إلى التفكير بضرورة القيام بعمل ما بشأن الإسلام. والواقع أنّ عدم الإنصاف يتمثل في التصور المسيحي للمسلمين ككفّار ووثنيّين يعبدون ديناً زائفاً، ولمحمد(صلى الله عليه وآله) كساحر، بل نُظر إلى النبي(صلى الله عليه وآله) على أنّه كاردينال في كنيسة روما، فلمّا اُحبطت آماله في أن يصير بابا ثار وفرّ إلى الجزيرة العربية حيث أنشأ هناك كنيسة خاصة به(2).
ففي مثل هذا الجهل الفاضح الممزوج بالخوف والحذر «عشّشت وفقّست العديد من التصورات والمواقف والتأويلات الظالمة المشوّهة» على حدّ تعبير المستشرقة الالمانية د. آنا ماري شميل(3). وتستمر هذه الرؤية القاصرة لتطبع الذهنية الغربية المريضة تجاه الإسلام ورسوله الأعظم(صلى الله عليه وآله) وكتابه المجيد بمعونة جملة عوامل ومقومات أبرزها وجود الرموز التبشيرية والدوائر
1- «الإسلام على مفترق الطريق»: 54.
2- نقلاً عن كتاب «صورة العرب في الصحافة البريطانية»: 25 ـ 26.
3- نقلاً عن كتاب «الإسلام كبديل» لمراد هوفمان: 9.
-----(50)-----
الغربية التابعة لها التي ما انفكت من العمل الدائب على تكريس هذا الواقع من خلال نسج الأساطير والخرافات حول الرسالة المحمدية البيضاء وحتّى يومنا الحاضر.
ولئن تعامل الغرب ـ في البداية ـ مع الإسلام والمسلمين بشيء من الحذر، فانّه قد تجاوز هذه الحالة إلى ماهو أشد فيما بعد، فعندما وصل المسلمون إلى أبواب أوربا وانفتحوا عليها ديناً وحضارة، قابلهم الاوربيون بالخوف والرعب المشوبين بالحذر والرغبة في الصدّ والمقاومة، خاصّة بعدما أملت عليهم الكنيسة الرؤية الضبابية باعتبار هؤلاء ما هم الاّ محتلّون وتوسعيون ومتوحشون وأعداء للمسيح في الوقت الذي شرعت الكنيسة لنفسها سياسة وحيدة الجانب تقوم على مواجهة «الخطر» الإسلامي، والعمل على إعادة الأمور إلى نصابها التي كانت عليه قبل ظهور الإسلام.
كتب المستشرق الكبير «رودنسون» يقول: لقد كان المسلمون خطراً على الغرب قبل أن يصبحوا مشكلته، وفي الوقت نفسه عامل اهتزاز شديد في بنيان الوحدة الروحية للغرب، وأنموذجاً حضارياً بديلاً يمتاز بتنافسه وحركته الإبداعية المتسارعة وقدرته الهائلة على الانفتاح والاستيعاب. وفي مواجهة تقدّم هذا الانموذج على المستوى الجيوسياسي عبّر مثقفو الغرب عن شعور عام بالاندهاش أمام المسلمين، وبدا ذلك لهم وكأنه خطر على المسيحية(1).
ومن هنا كان لابد للكنيسة من اتباع برنامج دقيق يقوم على آلية عالية تعمل من أجل تكوين الصورة السلبية عن الشرق والإسلام لمواجهة هذا الخطر المحدق من جهتين:
الأولى: تشريع الكنيسة الغربية لوحدة إيديولوجية متكاملة في مواجهة فكر الإسلام وحضارته.

1- نقلاً عن مقال يحمل عنوان «الحركة الصليبية وأثرها على الاستشراق الغربي» د. علي الشامي منشور في مجلة الفكر العربي العدد (31): 137 لسنة 1983م.
-----(51)-----
الثانية: اعتماد مشروع يهدف إلى تثبيت الإيمان المسيحي عند المسيحيّين من خلال تشويه الصورة الحضارية للإسلام ومايصل منها إلى مسامع الغربيّين بغية «تغيير ماترسخ في الوعي الغربي من إيجابيات الشرق الإسلامي»(1).
 
الحروب الصليبية
اتخذت الكنيسة الأوربية قرار الخيار العسكري كوسيلة فعّالة لوقف «الزحف» الإسلامي وقطع دابره من خلال إعلان حالة الحرب على البلاد الإسلامية وتحطيم شوكة الإسلام ومنعه من الخروق باتجاه الديار الأوربية المسيحية، فحشدت لها الحشود، وعملت على تغطية ميزانيتها بأموال طائلة، ووجدوا الغطاء الذي يمكن أن يمرّروا عبره عملياتهم الوحشية، فأعلنوا أنّ هدف حملاتهم إنّما هو لـ«تحرير» القدس وإنقاذها من أيدي «البرابرة» المسلمين الذين غزوا بلادنا وهتكوا مقدساتنا المسيحية.
وهكذا اندلعت الشرارة الأولى للحملات الصليبية عام 1096م ولم تنطفئ إلاّ بعد عام 1291م، أي استمرّت زهاء قرنين تقريباً، بعدما استنزفت فيها أوربا المسيحية كل طاقاتها المادية والبشرية والحضارية، وباتت أشبه بمتسكع يذرع الطرقات بحثاً عن مأوى أو غذاء. ولم تثمر عن أيّ شيء يمكن أن يكون مدعاة للافتخار أو إنجازاً حيوياً في طريق الأهداف التي نشدتها الكنيسة من قبل.
وفي الحقيقة أنّ الغرب المسيحي الذي جاء إلى القدس للدفاع عن المدينة والمسيحيّين فيها لم يكن سوى باحث عن ذاته التي هدّدها الإسلام بزوالها. وهذا ما جعل «القدس» تبدو بالنسبة الى الغرب الصليبي ضرورة حيوية لدفع
1- المرجع السابق: 153.
-----(52)-----
الخطر الإسلامي عن أوربا كمقدمة لاستعادة المبادرة الروحية المسيحية والهيمنة على الشرق كلّه.
يقول «غاردنر» معترفاً بهذا الكلام: إنّ الحروب الصليبية لم تكن لإنقاذ هذه المدينة (القدس) بقدر ما كانت لتدمير الإسلام(1).
ولذا فإنّ الحملات الصليبية الطويلة الأمد إنما كانت لهدف آخر غير المعلن عنه، وهو تدمير الإسلام وعلى كافة الأصعدة من خلال ضرب العمق الاستراتيجي للدولة الإسلامية المتمثل في مدينة القدس المقدسة. ومنه يظهر أنّ هذه الحروب إنما تمثل مرحلة استراتيجية اتخذتها الكنيسة كوسيلة فاعلة مرحلية للوصول إلى الهدف المنشود، وآلية تكتيكية راهنة رأت الحاجة إلى استخدامها لتحطيم الوجود الحضاري للإسلام العزيز.
والآن، وبعد مرور أكثر من سبعة قرون على انتهائها يبرز تساؤل ملحّ اليوم: هل إنّ الحركة الصليبية كانت مرحلة قد انطوت صفحتها وانقطعت أم أنها حالة لاتزال تتحرك في الواقع بصورة أو أُخرى؟؟
 
شبح الحروب الصليبية
لايخفى على كل باحث أنّ الحروب ـ مهما قصرت ـ من شأنها أن تحدث أثراً في نفسية الشعوب التي اكتوت بنارها، وقد يمتد هذا الأثر لأجيال عديدة. وهكذا كان شأن الحروب الصليبية فانّها أحدثت أثراً من أعمق الآثار وأبقاها في نفسية الأوربي وذهنية الفرد الغربي البسيط، وذلك نظراً:
- لطول مدتها وشدة ضراوتها.
- للمؤثرات العنيفة التي استخدمها رجال الكنيسة لتهييج العوام وإبراز العاطفة تجاه المقدسات المسيحية المنتهكة في القدس وغيرها.

1- نقلاً عن المقال المنشور للدكتور علي الشامي: 153.
-----(53)-----
- للحمية الجاهلية العامة التي أثارتها الكنيسة لدعم الجبهات بمقاتلين جهلة متخمين بالكراهية والحقد ضد كل ما له صلة بالإسلام.
- للخسائر المادية والبشرية الهائلة التي أفرزتها الحروب الطويلة.
كتب محمد أسد يقول: إنّ الاصطدام العنيف الأول بين أوربا المتحدة من جانب وبين الإسلام من جانب آخر، أي الحروب الصليبية يتفق مع بزوغ فجر المدنية الاوربية. وفي ذلك الحين أخذت هذه المدنية ـ وكانت لاتزال على اتصال بالكنيسة ـ تشقّ سبيلها الخاص بعد تلك القرون المظلمة... لقد كانت ثمة حروب بين المسلمين والاوربيّين قبل عصر الحروب الصليبية: كانت فتوح العرب في صقلية والأندلس، وكان هجومهم على جنوب فرنسا، ولكن كانت هذه المعارك قبل أن تستيقظ أوربا ويظهر وعيها الثقافي الجديد، فاتّسمت من أجل ذلك ومن جهة النظر الاوربية على الأقل: بطابع ذي نتائج محلية، ولم تكن المعارك قد فهمت بعد على وجهها الحقيقي، إنّ الحروب الصليبية هي التي عيّنت في المقام الاول والأهم موقف أوربا من الإسلام لبضعة قرون قادمة(1).
فكم من حروب كثيرة قد نشبت بين الشعوب على مدى التاريخ الإنساني، وكم من عداوة تولدت بين الاطراف المتحاربة، ولكنها بمرور الأيام تنقرض مع ولادة أجيال جديدة وعقود جديدة، إلاّ الحروب الصليبية فانّها ظلت عالقة بالنفوس لم تندثر وتنقرض عن ذهنية الشعوب الأوربية تجاه المسلمين.
يقول محمد أسد أيضاً في ذلك: إنّ الشرّ الذي بعثه الصليبيون لم يقتصر على صليل السلاح، ولكنه قبل كل شيء وفي مقدمة كل شيء كان شراً ثقافياً. لقد نشأ تسميم العقل في الغرب... في ذلك الحين استقرّت تلك الفكرة المضحكة في عقول الأوربيين من أن الإسلام دين شهواني وعنف حيواني، وأنّه تمسك بفروض شكلية وليس تزكية للقلوب وتطهيراً لها. ثم بقيت هذه الفكرة حيث
1- الإسلام على مفترق الطرق: 55 ـ 56.
-----(54)-----
استقرت ثم أصبح احتقار الإسلام جزءاً أساسياً في التفكير الأوربي(1).
إذن هناك رؤية فكرية قد تهيأت في ذهنية الأوربي الغربي في القرن الثاني عشر، ثم توسّعت لتمتد حتّى القرن الثامن عشر وحتّى العصر الاستعماري، هذه الرؤية على حدّ تعبير هشام جعيّط: تنطلق من عداء واسع للنبي(صلى الله عليه وآله) الذي بنبوته «الكاذبة» قد أوقف تطور الإنسانية باتجاه المسيحية حسب المزاعم النصرانية(2).
لذا فإنّ شبح الحروب الصليبية ماتزال يتسكّع فوق ربوع أوربا التي ماتزال مدنيتها تقف من العالم الإسلامي موقفاً يحمل آثاراً واسعة لذلك الشبح البغيض. وبهذا الصدد يقول جعيّط مؤكداً هذه الحقيقة ومتسائلاً بسخرية: إنّ الأحكام القروسطية المسبقة قد اُدخلت في اللاوعي الجماعي للغرب على مستوى عميق يسمح لنا بالتساؤل بجزع: إذا كان بإمكانهم أن يخرجوا منه؟!(3).
والجواب عليه نتركه إلى شهادات غربية اخترنا اثنتين منها:
 
شهادتان
أولى هذه الشهادات تدلي بها الألمانية الدكتورة «آنا ماري شميل» عميدة الاستشراق الألماني للعلوم الإسلامية، حينما أدلت بها عام 1991م تقول: لكم يبدو لي أحياناً أنّ خوف الأوربيين من الزحف التركي (الإسلامي) مازال عالقاً بذاكرتهم التي لم تنس وقوف الترك مرتين أمام أبواب فيينا عامي 1529 و1683م كأنّ ذلك الخوف الدفين لم تخب ناره، فتراه يصبغ سلوك كثير من الناس إزاء دين الترك الذي هو دين العرب والفرس ومسلمي شبه القارة الهندية(4).
1- المرجع السابق: 60 ـ 61.
2- أوربا الإسلام: 20.
3- المرجع السابق: 23.
4- نقلاً عن كتاب «الإسلام كبديل» د. مراد هوفمان: 17. ويجدر هنا التذكير بأنّ فيينا قد احتفلت شهراً كاملاً في شهر مايس (مايو) 1983م بالذكرى الثلاثمائة لتراجع الترك (المسلمين) من أمام أبوابها.
-----(55)-----
وثانيها أدلى بها الدكتور مراد هوفمان الدبلوماسي الألماني وهو ينقل الانطباع السائد خلال حرب الخليج عام 1991م التي نبشت ذكريات قد كانت دفينة قائلاً: الحق أنّ العالمين كليهما: المشرق المسلم والمغرب المسيحي قد وقفا مراراً، ويقفان اليوم مرة أخرى أمام كومة من الحطام أثناء حرب الخليج، سرى الخوف إلى نفوس المسلمين الذين يعيشون في أوربا وأفريقيا، كما تسلّل الخوف أيضاً إلى نفوس المسيحيّين الأوربيين في المغرب العربي والشرق الأوسط. لقد بدأ الأمر كما لو أننا سنتورّط جميعاً في حرب صليبية من جديد! أو أننا سنعود إلى عهود الحروب الصليبية الغابرة(1).
 
استراتيجية جديدة
كانت الحملات الصليبية الطويلة مدعاة للغرب في أن يقف وقفة تأمل مع الذات بعدما أخفقت بكل مارصدت لها من ميزانية وإمكانيات هائلة من تحقيق أهدافها المنشودة.
فقد شعر الكثيرون من أصحاب القرارات السياسية والمفكّرين الاستراتيجيّين أن الحملات العسكرية لاتملك حظاً في النجاح، وأنّه لابدّ من التفكير بجدّية في ذلك، ووجوب إعادة النظر في الاستراتيجية السابقة وتجديدها نحو إستراتيجية جديدة تتّسم بفعالية أكثر ولاتشتمل على خسائر ولها أثر كبير في تغيير الواقع المتدهور، بينما ظلّ آخرون منهم يطالبون بالدعوة إلى استمرارها ودعمها مما كان قد تحقق. هذا في الوقت الذي كان كلا الطرفين يعرف أنّه «لم يعد ممكناً التصرّف بتهور أو اتباع الخاطرات كما حدث في الماضي القريب».
لقد أدرك الاوربيون وساد الاعتقاد بينهم أنّ الصراع العسكري مع الإسلام
1- الإسلام كبديل: 32.
-----(56)-----
لايجدي نفعاً، ولايكفي وحده لاسقاطه ودحره، وأنّه لابدّ من التفكير بعمق في تنظيم برنامج عمل كامل يقوم بدراسة وفهم مضامين الفكر الإسلامي ومعرفة مواضع القوة والضعف فيه كمرحلة أولى، ثم محاولة نقضه وإحداث الشرخ في جدرانه لغرض اختراقه وتحطيمه من الداخل، وبالتالي ضرب إرادة المقاومة عند هذا الخصم العنيد ثم استئصاله بالمرّة.
ذلك لأنّ قوة المسلمين إنما هي بالإسلام، ففي حالة حدوث الانفصال بينهما، و«الطلاق» بين الاثنين عندئذ يمكن كسر قوة المسلمين ودحر جحافلهم المنتشرة حول أوربا.
ومن هنا دخلت المواجهة بين الإسلام والغرب المسيحي مرحلة جديدة مبتنية على استراتيجية جديدة تعتمد الأسلوب الثقافي الفكري سلاحاً لها لضرب الإسلام وإيجاد الخطر الدائم على وجوده.
إذ إنّ مع حلول النصف الثاني من القرن الثالث عشر كان الموقف بين أوربا والإسلام قد بلغ درجة عالية من التعقيد وتباين وجهات النظر بين أصحاب القرار السياسي من الغربيّين واللاهوتيّين، وظهور أسباب جديدة للقلق كتزايد غير المسيحيّين في أوربا عدداً وعدّة، ودخول المغول على مسرح التاريخ بما يحملونه من نزعة تخريبية مما دفع بعض اللاهوتيين إلى البحث في إمكان استخدام هؤلاء كأداة لضرب الإسلام عن طريق اتباع سياسية ذكية في التعامل معهم وفهم أهدافهم الحيوية.
كل ذلك كانت عوامل مساعدة على حسم الجدل القائم بين الغربيّين لصالح الفريق الثاني الداعي إلى التصدي الفكري، واستخدام أسلوب الاختراق الثقافي كوسيلة للوصول الى العمق الحضاري للمسلمين كبديل للحملات العسكرية غير المجدية.
-----(57)-----
ولهذا استعيدت مكانة رائد هذا الاتجاه الأب «بطرس المبجّل» (1096 ـ 1156م) بعد أن ضاعت صيحاته وسط قعقعة السلاح وصليل السيوف، ولم تجد لأفكاره آذاناً صاغية عند الغربيين، خاصّة وقد كان الكثير من زملائه ممن يدعون لحلّ عسكري لقضية الإسلام، على اعتبار أنّ الإسلام كان بالنسبة لهم خطراً عسكرياً حاضراً، والإجابة عنه يجب أن يتخذ طابعاً عسكرياً.
غير أنّ الذي حصل أنّ قائد الحملة الصليبية السابعة وهي الأخيرة «لويس التاسع» إثر عودته إلى فرنسا بعد وقوعه أسيراً في مدينة «المنصورة» بمصر أقنع المعنيّين في أوربا بعدم جدوى القتال مع المسلمين لأنهم يملكون عقيدة راسخة تدفعهم إلى الجهاد وتحضّهم على التضحية بالنفس والمال والولد.
وهذا التصريح كان له الأثر الكبير في تغيير عقيدة ذلك الاتجاه الذي كان يرى أنّ الحلّ المناسب يجب أن يتخذ الطابع العسكري عند المواجهة مع الإسلام وأنصاره.
 
الخطوة الأُولى
فكانت الخطوة الاولى التي قام بها الأب «بطرس المبجّل» أن رعى أول ترجمة للقرآن الكريم الى اللاتينية فأنجزت عام 1143معلناً هدفه من عمله هذا قائلاً: «إنّ نقطة البداية في حرب الإسلام هي القرآن»(1). وقد شكّلت هذه الترجمة الأساس في مجال الدراسات الإسلامية بأوربا الغربية.
كتب المستشرق الفرنسي «أ. م. هذي» يقول: إنّ هذه الترجمة وكل الترجمات التي تلتها لم يكن لها أيّ هدف آخر سوى أن تكون الأساس لتوجيه المزيد من الادانات ضد القرآن، تلك الأدانات التي امتدّت سلسلتها على مدى قرون تتناثر
1- نقلاً عن «الإسلام والاستشراق» د. صالح زهر الدين: 21 ط. بيروت.
-----(58)-----
عليها بعض أشهر الأسماء(1).
لقد توقّع «بطرس» هذا أن لا يلقى عمله في ترجمة القرآن ترحيباً من جانب زملائه اللاهوتيّين لأنّهم لم يكونوا يرون في الإسلام موضوعاً حقيقاً بالدراسة والتمحيص، بل يرونه مجرد «ظاهرة» اكتسبت طابعاً حربياً مؤقتاً لا تلبث أن تزول، شأنه شأن الحملات البربرية التي كانت تحدث بين الحين والآخر وفي كافة بقاع أوربا.
بيد أنّه في عمله هذا قد أرسى رؤية بعيدة المدى لصالح المسيحية. فقد كان يعتقد أن التحدي الإسلامي لم يجد إجابة مسيحية مناسبة حتّى أيامه، ولذا رأى أنّه من الضروري مواجهة هذه «الهرطقة» التي تشكل باعتقاده الأصل والأساس لكل الهرطقات التي كانت تغزو المسيحية الأوربية آنذاك بحزم وذكاء.
لقد خطا «بطرس» الخطوة الأُولى في هذا الاتجاه مالم يستطع غيره أن يقوم به، وبذلك يكون قد دشّن عهداً جديداً في العلاقة مابين الغرب المسيحي والإسلام، لكنّها هذه المرة قائمة على مرتكز خطر، ذلك هو اختراق المشرق الإسلامي بسلاح آخر غير السلاح التقليدي، ولايحتاج إلى القوة في المبارزة، بل كل حاجته إلى الكلمات الرشيقة والمعلومات المفيدة.
وهذا ما كان يؤكّده «بطرس» دائماً، ففي آخر كلماته الموجّهة إلى المسلمين مخاطباً إيّاهم قائلاً:
انّني لا أهاجمكم كما يفعل كثيرون بيننا بالسلاح، إنّني أوجّه إليكم كلمات فقط بغير عنف وبتعقّل وهدوء من غير كراهية وبحبّ كبير، إنّني أحبّكم ولذلك أكتب اليكم!!(2).
1- الفاتيكان اثنين: 209، نقلاً عن كتاب «محاصرة وإبادة: موقف الغرب من الإسلام» د. زينب عبد العزيز: 140 ط. بيروت 1993م.
2- نقلاً عن مقال «الحركة الصليبية وأثرها على الاستشراق الغربي» د. علي الشامي المنشور في مجلة الفكر العربي العدد (31): 26 لسنة 1983م.
-----(59)-----
التبشير مشروع جديد
غير أن آمال «بطرس» المتعلّقة بـ«هداية المسلمين» إلى الكاثوليكية قد خابت أيضاً، إذ بقيت نداءاته إلى كافة المسلمين حبيسة اللغة اللاتينية التي لايفهموها. أضف إلى ذلك مابرزت من أوضاع جديدة في خريطة المسيحية الكاثوليكية الغربية الأمر الذي دفع «بطرس» إلى الغاء الطابع الذي أراد أن يضع النقاش فيه مع الإسلام، وتخصيص هذه المسألة في المرتبة الثانية من سلّم الأولويات الخطرة التي تواجهها المسيحية يومذاك.
وهذا مادفع راهب انجليزي يدعى «روجر باكون» (1214 ـ 1292م) إلى طرح مشروعه التبشيري المفصل على البابا بطريقة مباشرة ومن غير تردّد عام 1266م الذي تضمن عرضاً لحالة المسيحية، وجملة اقتراحات «خطرة» لإصلاح الحال، وسلسلة من النصائح للمستقبل.
لقد استطاع «باكون» هذا وللمرة الأولى أن يضع المسيحية في موقعها الحقيقي جغرافياً وبشرياً فيقول: هناك مسيحيون قليلون في العالم اليوم، أمّا سائر الأرض المعمورة فيغصّ بالكفّار الذين لا يجدون أحداً أن يهديهم إلى طريق الحقّ!(1).
وأمّا عن علّة ذلك فيقول: لأنّ المسيحية عجزت عن القيام بتبشير حقيقي، لأنّ الأهداف الموضوعة كانت خطأ في الأصل من جهة، ولأنّ البيّنة اللاهوتية للمسيحية من ناحية ثانية كانت قاصرة. أمّا خطأ الأهداف فناجم عن شهوة السكان لدى ذوي الأمر من المسيحيّين الأوربيّين، تلك الشهوة التي حالت دون وصول محاولات الهداية إلى أغراضها، إضافة إلى كون الحروب «المقدسة» عديمة الجدوى وعديمة النجاح، لكنّها حتّى لو حقّقت انتصارات عسكرية على الأرض لظلّت عديمة الجدوى، فلم يكن ممكناً ولا في الوسع احتلال الأرض
1- المرجع السابق: 23.
-----(60)-----
كلّها،ولو كان ذلك لأُثيرت حفيظة المستعمرين على المحتلّين بحيث تتعذر الحياة معهم، وتعذر ـ طبعاً ـ هدايتهم الى طريق الحقّ(1).
ويدّعي «باكون» أنّ وضع العلاقات مع المسلمين في أيامه أكبر برهان على مايقول، ثم يضيف قائلاً: إنّ المسيحية لن تنتشر وتنتصر بغير التبشير السلمي والموعظة الحسنة، غير أنّ المسحيية الآن عاجزة عن القيام بمهام الدعوة والموعظة لأسباب ثلاثة:
الأول: لا أحد يعرف لغات الشعوب التي يراد التبشير بينها.
الثاني: لا أحد يعرف ماهية عقائد «الكفار» الذين يراد تبشيرهم.
الثالث: لا أحد يملك الحجج المؤسسة على المعرفة لدعوة «الكفار» الى المسيحية الكاثوليكية.
فأما تعلّم اللغات غير اللاتينية فعن طريق إنشاء مدارس متخصّصة يديرها ممّن يعرفون اللغات من الكاثوليك، وتهيئة كوادر مسلّطة يعتمد عليها في العمل التبشيري. وأما بالنسبة إلى ضرورة التعرّف على عقائد الآخرين وأصولها فقد دعا إلى إنشاء علم جديد مختصّ بذلك. وأمّا حول النقطة الثالثة فقد دعا «باكون» الى ضرورة برمجة العمل المنظم والذكي لمواجهة خصوم المسيحية، ومؤكداً على ضرورة «تفهّم» الآخرين واستمداد الفلسفة منهم لمعرفة مواقع قوتها وضعفها، «فعندما تتلقى المسيحية الفلسفة فسيكون بإمكانها صياغتها في ضوء الوحي، وبالتالي تستطيع أن تتحدّى الآخرين بالمنظومة الجديدة»(2).
ومن هنا يمكن القول بأنّ أطروحة «باكون» كانت إيذاناً بتدشين مرحلة جديدة من اكتشاف برنامج عمل جديد وخطير لمواجهة العالم الإسلامي وحضارته.

1- المرجع السابق نفسه: 24.
2- المرجع نفسه: 35.
-----(61)-----
راهب آخر
ثمة راهب آخر معاصر لباكون يدعى «توماس الاكويني»(1225 ـ 1274م) قد ترك ـ هو الآخر ـ بصماته الواضحة على المرحلة التالية. ولم تتضح بعد المعالم على وجود علاقة بين الرجلين، غير أنّه مما لاشك فيه أنّ تلاقي الراهبين في عديد من النقاط المشتركة ووقوفهما على مساحة متساوية في العديد من القضايا الحيوية الملحّة وقتذاك فانّه يمكن القول: إنّه توجد علاقة مابين الاثنين.
لقد كان هناك أكثر من مؤشّر على أنّ كلا الرجلين قد نال حظاً وافراً من الاطلاع على الفلسفة الإسلامية، فـ«توماس» كان مطّلعاً بشكل خاص على فلسفة ابن رشد، بينما «باكون» كان متأثراً الى حدّ بعيد بفلسفة ابن سينا حتّى عُدّ عميد الفلسفة بعد أرسطو(1).
وكان كلاهما قد تعرّض إلى الرهبان، وكلاهما واجه السجن بسبب آرائه الفلسفية حتّى عدّت بعض القضايا التي طرحاها خروجاً عن الدين. فانّ الكنيسة قد عدّت (219) قضية من قضايا «توماس الاكويني» الفلسفية خروجاً على الدين عام 1277م أي بعد وفاته بثلاث سنين، إلاّ إنّها عاودت فأعلنت قداسته عام 1323م فأضحى بعدها من أكبر فلاسفتها، ومازالت فلسفته أساس الدراسات اللاهوتية الكاثوليكية حتّى اليوم.
وأمّا «باكون» فقد اتّهم بأنّه أحدث في التفسير اللاهوتي بدعاً وخروجاً عن المذهب الكاثوليكي فسجن على أثرها عام1277م لكنّه عدّ فيما بعد من كبار الفلاسفة اللاهوتيّين(2).
 
بداية الاختراق
عند ذاك بدأ النشاط التبشيري يأخذ صفة الجدّية، فكانت أُولى الرحلات قام
1- راجع كتاب «المستشرقون» لنجيب العقيقي1: 117 ومابعده ط. مصر.
2- المرجع السابق: 118 ـ 120.
-----(62)-----
بها بعض الرهبان الغربيّين فقصدوا الأندلس إبّان مجدها وانضمّوا إلى مدارسها وتثقفوا في جامعاتها وتعلّموا على يد علماء الإسلام في مختلف العلوم والمعارف. وكان من بين هؤلاء الراهب الشهير «جيرار دي كريمون» المتوفى عام 1187م(1).
ثم بدأ التحرك الاستشراقي ينشط أكثر فأكثر في هذا الصعيد، خاصة بعدما أرسل «فرانسوا الاسيزي» ستة من الرهبان إلى بلاد المغرب فسلكوا الطريق عبر إسبانيا وهم متنكرون بثياب التجار. وتوالت الرحلات تلو الرحلات بعدها. وفي عام 1311م حثّ «ريموندليل» المجلس العالي في فيينا على تأسيس مدارس للعربية ولغات شرقية أخرى لغرض العمل التبشيري بين المسلمين وهدايتهم الى طريق «الحقّ» والذي باشره بنفسه بإخلاص كبير(2).
وتجدر الإشارة هنا أنّ سرّ اتجاههم نحو الدراسات العربية فالشرقية الإسلامية، يعود الى أنّ الأُولى كانت ضرورية لفهم الثانية، والإسلام بمجموعه يعتبر الدين المنافس الوحيد للمسيحية. وبمرور الزمن اتسع نطاق الدراسات الشرقية لتشمل أدياناً ولغات أخرى غير إسلامية.
وعلى صعيد العمل التبشيري الانجليزي فقد كان أمثال: «يوم بدويل» و«جون غريفز» و«آموند كاستيل» و«ادوارد بوكوك» وغيرهم منهمكين في تأسيس دراسات عربية في جامعتي أكسفورد وكمبردج(3).
وأمّا على الصعيد الهولندي فقد اعتبر الراهب «ادريان ريلانت» من الاوائل الذين أخذوا يتشدقون باستخدام الاساليب «العلمية» و«الموضوعية» في العمل التبشيري، فقد كتب مرّة يقول: لكي نأخذ الحيطة نحن المسيحيّون، وأن نتناول خلافاتنا معهم بطريقة عقلائية بحذر ولباقة، وأن نحاربهم من الآن فصاعداً بمزيد من الوضوح والعمق، وليس بعدد الاتهامات والإنكار غير المجديين(4).
1- «الاستشراق والمستشرقون: ما لهم وما عليهم» د مصطفى السباعي: 13 ط3. بيروت.
2- «الفرنسيسكان واللغات اليونانية والشرقية في القرن الثالث عشر» د. مارتينيا نورونكاليا، ترجمة د. أسعد ذبيان: 18 ط. بيروت.
3- «صورة العرب في الصحافة البريطانية» د. حلمي خضر ساري: 30 ط. بيروت.
4- دين محمد2: 139، نقلاً عن كتاب «محاصرة وابادة: موقف الغرب من الاسلام» د. زينب عبد العزيز: 35 ط. بيروت.
-----(63)-----
وها هو الأب «ماراتشي» يخطب في جمع من الرهبان والقساوسة قائلاً: من الضروري اذن ألاّ نحارب الإسلام دون أن نعرفه تماماً، وفرصة هذا الصراع الحكيم تتزايد يوماً بعد يوم بسبب العلاقات المتزايدة بين الأوربيين ومسلمي تركيا وأفريقيا وفارس والهند الهولندية، حيث نرى للأسف الكثير من المسيحيّين يلطّخون المسيحية بالعار. ولاشك أنّ فرصة انضواء المسلمين إلى الإيمان «الحقيقي» هي أن نظهر لهم العطف والتفاهم في المناقشات الدينية معهم بدلاً من أن نسبّهم ونكيل الفريات بكل سذاجة(1).
وبذلك استطاع الغرب المسيحي أن يتبنّى خيارات أوسع من المواقف المتاحة لديه فيسمح بتيارات مختلفة بما فيها التيار الحضاري والتبشيري في مواقفه الموجّهة ضد الإسلام وأهله. وهذا ما حاول الاستفادة منه الاسقف المعروف «فيانتيوس وبادو» الذي أقام مدة طويلة في الشرق، وانتخب أسقفاً للفرانسيسكان الموجودين في فلسطين وسوريا وغيرهما(2).
فانطلاقاً من عدّة دلائل كإقامته بين ظهراني الجيش الاسلامي، ومكوثه الطويل في هذه البلاد الاسلامية يؤكدان أنّه كان مضطلعاً بمهام ذات طابع حسّاس.
في هذا الصدد كتب الدكتور الدويهي يقول: في الفترة الممتدة من 1665 ـ 1745م طبع في فرنسا وحدها مايزيد عن مائة وخمسين رحلة، منها على الأقل مائة رحلة جديدة، قسم منها كبير إلى الشرق... ومّما يساعد في زيادة الاهتمام بالشرق تشجيع الوزير الأول الفرنسي «كولبير» للمسافرين عبر مدّهم بالمال واحتياجات الرحلة، وخلق أكاديمية النقوش والآداب، وإنشاء مدرسة شبّان اللغات الذين كانوا يُرسلون على حساب الملك إلى الشرق لدراسة وتعلّم اللغات الشرقية هناك(3).
1- نقلاً عن كتاب «محاصرة وإبادة»: 36 ـ 37.
2- راجع«الفرانسيسكان واللغات اليونانية...»: 161.
3- من مقال مطبوع له بعنوان «الرحلة وكتب الرحلات الأوربية إلى المشرق حتّى نهاية القرن الثامن عشر» والمنشور في مجلة الفكر العربي العدد (32): 58.
-----(64)-----
وعلى هذا الترتيب انطلق المخطط الجديد، وبدأ التنفيذ حينما شرع هؤلاء بالتقاطر على شكل دفعات متوالية على المنطقة الاسلامية وتحت واجهات عديدة وبأسماء إسلامية من باب توزيع الأدوار بدقة عالية.
 
رسائل وتقارير
بدأ «المرسلون» بارسال تقاريرهم ودراساتهم حول الشرق والإسلام ورموزه وعلمائه ومواقع رجاله وتواجدهم...، وبعد خمس سنوات من رحيل «روجر باكون» عن المسرح اللاهوتي وصل الغرب أول التقارير المشجعة على إمكانية لعب دور مهم في الشرق، والتقرير يحمل توقيع الراهب الدومينيكي «وليم الطرابلسي» الذي نزل «عكّا» فجاء فيه: رغم أنّ تصوّراتهم العقيدية مملوءة بالخيالات والاكاذيب والوساوس عليّ أن أقول: إنّ عقيدتهم بشكل عام قريبة من العقيدة المسيحية، ويبدون غير بعيدين عن طريق الحقّ والنجاة(1).
بالاضافة إلى ذلك كان يتحدث التقرير عن رأي شائع ـ بزعمه ـ بين المسلمين مفاده: أنّ الإسلام واليهودية مقبلان على نهاية حتمية، ولن يبقى في العالم غير دين المسيح حتّى يرث الله الأرض ومن عليها!! وإنّ الإسلام لايملك بنية لاهوتية منظمة، وبالتالي فانّ الساحة مهيّأة للمسيحية في الشرق للعب دور مستقبلي(2).
وفي الوقت الذي كان الطرابلسي ينتظر غروب شمس الإسلام كان هناك رحّالة ألماني يدعى «بوركاردوس دي فونت» يبعث برسائله واصفاً المسيحيّين المشرقيّين بتفاؤل مبالغ فيه، ومنتظراً قيام وحدة مع الكاثوليكية الغربية بحماسة قلّ نظيرها.
و«بوركاردوس» هذا كان قد تجوّل بين المستعمرات اللاتينية التي كانت
1- «محاصرة وابادة: موقف الغرب من الاسلام» د. زينب عبد العزيز: 278.
2- المصدر السابق: 280.
-----(65)-----
ماتزال قائمة على ساحل البحر المتوسط بالمشرق، كما قد تسلّل الى الداخل وشرع بمراقبة الفلاحين المسيحيّين الذين كانوا يعيشون وسط المسلمين، وكان يكتب كل ماكان يراه أو يسمعه فيبعثه بدقة(1).
وقد تسنّى لأحد المؤرّخين الغربيّين ويدعى «ريتشارد سودرن» الاطلاع على مشاهدات وانطباعات «بوركادوس» وغيره فكتب يقول بتفاؤل كبير: أنّنا هنا صورة زاهية وغنية لآسيا، فالمسيحيون كثيرون، وهم أناس طيّبون مسالمون، يكادون يكونون كاثوليكا، والإسلام ضعيف وغير منتشر، وهو يزول شيئاً فشيئاً، ويقف في مواجهة غروب كامل، وأمّا المغول فقد ظلّوا طوال نصف القرن الأخير يثيرون في الغرب مشاعر متناقضة تتراوح بين الأمل والخوف، أمّا الآن فانّ موقفهم يبدو واضحاً، إنّهم الآن الأداة الالهية الحامية للمسيحية في الشرق والملاحقة للإسلام وأنصاره.
ويضيف في آخر كلامه قائلاً بزهو: يا لهذه الأعوام الرائعة، فالإمبراطورية المغولية المتحدة حتّى الصين تتحول قريباً إلى المسيحية، ولم يبق للإسلام الاّ أن ينسحق أو يهتدي أتباعه للمسيحية «الحقّة» عن طريق الفلسفة التي ملكتها المسيحية عن الاغريق من خلال المفكرين المسلمين، كان هذا كلّه حلماً عظيماً ورائعاً، ولو تحول في جزء منه فقط إلى حقيقة لتغير مجرى التاريخ(2).
 
شواهد اُخر
وهذه المرة هو الانجليزي «موري لاست» الذي حطّ في نيجيريا وعلى نفقة حكومته في منتصف الستينات من القرن التاسع عشر لغرض التحضير لكتابة رسالته لأجل نيل درجة الدكتوراه! وكان قد أزمع أن يدور محور رسالته حول منهجية ثورة غرب أفريقيا الاسلامي التي قادها الشيخ عثمان بن فودي (1804
1- المصدر السابق نفسه: 281.
2- نقلاً عن كتاب «الإسلام والغرب: إشكالية التعايش والصراع» د. سمير سليمان المنشور ضمن سلسلة كتاب التوحيد رقم (2): 209 ط. قم.
-----(66)-----
ـ 1906م) ونتائجها والعوامل التي ساعدت على تكوّنها ومن ثم انفجارها في هذا الجزء من القارة الافريقية. فما إن حطّ به الرحال حتّى انطلق يتعلّم أوليات اللغة العربية في إحدى مدارس مدينة «سوكوتو» ولمدة سنة كاملة لأجل أن يتمكّن من قراءة وفهم تاريخ «سوكوتو» الذي كُتب أصلاً باللغة العربية. ثم جاب أنحاء نيجيريا قرية قرية، ومدينة مدينة لمقابلة العلماء وزعماء القبائل المنتشرة في ربوع نيجيريا المسلمة، بل ذهب الى أبعد من ذلك، فقد سكن بين الفلاحين وعمل معهم بالزراعة بجبل قرب «غساو» تسكنه مجموعة من قبائل «الهوسا» لا لشيء الاّ للحصول على المعلومات الكافية وتنفيذ مهمّته على أحسن وجه. وكان لا يبخل بما يقدّمه من مساعدات سخيّة لهم وجميع أمور معاشهم.
كتب الطيب عبد الرحيم الفلاتي يقول: وممّن رأيتهم «موري لاست» الانجليزي الذي حضر إلى نيجيريا لإعداد رسالة الدكتوراه، وقد سألته عن سبب عمله مع المزارعين وهو الطالب الذي لا هدف له الاّ تحصيل درجة دكتوراه، وأن نفقاته قد قامت حكومته على تسديدها إذن فلاحاجة إلى العمل والكسب، فقال: لأنّي توصّلت خلال بحثي واطلاعي على منهج الشيخ عثمان بن فودي بأنّ معنى «العالم» هو الذي اكتشف جهل نفسه وذاب في خدمة الآخرين، فقد اكتشفت جهل نفسي فأريد أن أتعلّم لأخدم بني البشر!! فكتب رسالته التي سمّاها «رسالة سوكوتو» بعد أن اطلع على ألف مرجع، بما في ذلك نيجيريا والكاميرون وجمهورية النيجر وداهومي وتوقو وتشاد، واطلع على كتب من خمسين مكتبة داخل نيجيريا وخارجها فصار خبيراً بالخلافة وأسرارها الظاهرة وبنفسيات المسلمين في أفريقيا عامة ونيجيريا خاصة(1).
وهذا الانجليزي الآخر «ليثم وتملنسون» الذي أرسلته الحكومة البريطانية
1- من مقال بعنوان «الاختراق الثقافي في التربية الاسلامية» منشور في مجلة التوحيد العدد (96) لسنة 1998م: 101ط. قم
-----(67)-----
إلى نيجيريا أيضاً وليس لإعداد رسالة الدكتوراه، وإنّما لإعداد دراسة شاملة حول الدعوة الإسلامية في نيجيريا وسبل منعها. وفور وصوله انطلق في تحصيل بحثه الشامل، وحاول أن يغطي الفترة مابين 1889 ـ 1925م من تاريخ هذا البلد المسلم، وعنونه بتاريخ الدعوة الإسلامية السياسية في نيجيريا بعدما أثبت فيه أماكن وجود أنصار المهدي في السودان ووسط وغرب أفريقيا ومراكزهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ثم عقّبه بجملة اقتراحات عملية في كيفية تمكين الجيش البريطاني من محو آثار المهدية ومؤيّديها من السودان ومناطق وسط وغرب أفريقيا.
وكان قد توجّه في سبيل ذلك إلى أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي، فقد توجّه صوب تشاد والسودان وأرتيريا والمملكة العربية السعودية، ورحل باتجاه مصر وليبيا وجمهورية النيجر حتّى أتمّ بحثه الشامل، وضمّنه بأهم مراكز تواجد المهدية وأنصارهم وأسماء أقطابهم البارزين ثم ذيّله بجملة اقتراحات خطيرة قد ترجم منها الطيب الفلاتي، لا بأس بإيرادها هنا بهدف الاطلاع على مدى خطورتها:
1 ـ السيد عبد الرحمن المهدي والذين يؤيّدونه، فباختلاف الاتجاهات الإسلامية في كل أنحاء العالم فانّه من الممكن إقناع الأنصار في السودان بالعدول عن منهج المهدي الثوري القتالي الدموي إلى منهج سلمي سياسي... فإذا تمّ ذلك نكون قد نجحنا في تحويل الحركة من حركة فعّالة إلى حركة سلبية، مثلها كمثل غيرها من الحركات الإسلامية السلبية.
2 ـ ضرورة نقل المهدية ككيان يشعر كل فرد بمسؤولية مباشرة في قيادته، إلى أسرة واحدة وهي أسرة السيد عبد الرحمن وإخوته لكي يسهل حصارها اقتصادياً وعقائدياً وسياسياً، فإذا ضعفت ضعف الكيان وانتهى.
-----(68)-----
3 ـ ضرورة فرض حصار محكم على القيادات الأنصارية لتحول دونها وتربية أبنائها تربية إسلامية يمكن أن تبعث روح المهدية مرة أخرى، وذلك بإرسالهم إلى بريطانيا بدلاً من مناطق ذات نفوذ إسلامي لإعدادهم إعداداً مضطرباً ومنقاداً لبريطانيا لا ضدّها.
4 ـ ضرورة السخاء المادي مع هذه الأسر لكي تعيش حياة منعمة مترفة فاسدة بعيدة عن واقع المؤيّدين والأتباع، لكي يحبّوا الحياة ويكرهوا الموت الذي يطلقون عليه «الاستشهاد في سبيل الله»(1).
ثم هذا الأميركي «استيورت» الذي كان يعدّ أحد المتخصّصين في التاريخ والطرق الصوفية في البلاد الواقعة شرق موريتانيا قد بذل كل ما في وسعه لدراسة منهج الفرق الإسلامية القابعة في تلك المناطق والبحث بلا كلل عن أصولها وزعمائها وأقطابها الروحانيّين والسياسيين وتدوينها بكل دقّة وإمعان، حتّى أنّه قيل: قد قطع مسافات شاسعة وبذل الأموال الطائلة وتحمّل الصعاب بحثاً عن مخطوطة واحدة فقط مكوّنة من خمس صفحات لاغير!! فيها توضيح وإجابة لتساؤلاته التي ثبتها في غضون بحثه:
- كيف استطاع محمد پيلو (1818 ـ 1838م) إقناع معارضيه المسلمين في كل أنحاء الخلافة المترامية الأطراف لوضع أسلحتهم والجنوح للسلام؟!.
- كيف استطاع پيلو كتابة أكثر من مائة كتاب في الوقت الذي كان قائداً لأكثر من (206) معارك كبيرة وصغيرة؟!.
وهكذا تستمر القائمة بسرد أسماء أمثال: «وليام بدويل» و«آدموند كاستيل» و«جون غريفز» و«ادوارد بوكوك» وغيرهم الذين قضوا مديد أعمارهم وهم منهمكون مع آخرين تابعين لهم في تأسيس أو تحضير دراسات عربية وإسلامية في جامعتي اكسفورد وكمبردج أو غيرهما من الجامعات الشهيرة
1- راجع المصدر السابق: 102 ـ 103.
-----(69)-----
في العالم.
وهذا الأخير قد ساهم مساهمة فعّالة في تنفيذ الأدوار الخطيرة التي أُنيطت به من قبل حكومته البريطانية، وقد نفّذها على أحسن وجه! فقد أُرسل إلى حلب عام (1630م) بعد عام من تنصيبه قسيساً وتخرّجه من جامعة أكسفورد، فأقام فيها خمس سنوات أتقن بها العربية على يد أحد علماء المسلمين آنذاك وهو الشيخ فتح الله(1)، وشرع فيها بكتابة دراساته وبحوثه المتعلّقة بهذه المنطقة الواقعة على حوض البحر المتوسط الاستراتيجية آنذاك، وإبداء اقتراحاته الموجّهة في هذا الصعيد.
ولعلّ أهم نشاط قام به هو جمعه في أثناء السنوات الخمس التي عاشها في حلب مجموعة نفيسة ونادرة من المخطوطات العربية والإسلامية، ونقلها إلى استاذه «بدويل» ليضمّها هذا إلى مكتبته الخاصّة والتي أصبحت فيما بعد من أثمن محتويات المكتبة البودلية ـ نسبة إليه ـ والذي أهداها بعد وفاته إلى جامعة أكسفورد لتزيد من قيمتها ومكانتها من بين المكتبات العالمية الأخرى. وقد قيل: إنّ هذه المخطوطات النادرة كانت تزيد على الألف مخطوط! وبرواية أنّها قاربت الألفين، كان قد ابتدعها عن طريق الحيلة والمكر بأثمان زهيدة(2).
وما ينطبق على «بوكوك» ينطبق أيضاً على «وليم جونز» المتعدّد المواهب والثقافات فبالإضافة إلى كونه قانونياً متمرساً كان عالماً متقناً للغات ثلاثة: العربية والفارسية والعبرية، وكان أيضاً شاعراً كلاسيكياً وباحثاً أديباً. ولذلك سرعان ما اُسند إليه منصب المشرف العام في جزيرة الهند الشرقية، وفور وصوله شرع في إعداد دراساته وبحوثه العلمية: «قوانين الهندوسيّين والمحمديّين» و«السياسة والجغرافيا الحديثين للهند» و«أفضل السبل لحكم البنغال» و«التجارة في الهند».... وما الى ذلك(3).
1- عن فترة تلمذة «بوكوك» على استاذه الشيخ في حلب يراجع مقال «الشيخ فتح الله والمستشرق بوكوك» لسامي الكيالي المنشور في مجلة العربي الكويتية العدد(52) آذار/مارس لسنة 1963م: 60 ومابعده.
2- المرجع السابق: 63.
3- «الاستشراق: المعرفة، السلطة، الانشاء» ادوارد سعيد، ترجمة كمال أبو ديب: 105 ط. بيروت.
-----(70)-----
إنّ صفة «جونز» كأول رئيس لجمعية البنغال الآسيوية، وصفته قاضياً وأديباً كما قيل: إنّه ترجم المعلّقات السبع الى الانجليزية، إضافة الى كفاءته كقانوني مقتدر، كل ذلك أكسبته المعرفة الكاملة بالشرق والشرقيّين، والتي كان لها الدور الكبير فيما بعد أن تجعل منه «المؤسّس غير المنازع للاستشراق الانجليزي» على حدّ تعبير آي.جي.آربري(1).
 
الهدف الأخطر
ومن هنا فانّ «الوفود» التبشيرية و«الرسل» اللاهوتية لم تكن مجرد موضوع ثقافي يتمّ فيه انعكاس صور الثقافة والمدنية لدى الشعوب الشرقية ونقلها إلى الغرب، أو ميدان سياسي يصوّر الأوضاع المختلفة لمراكز قوى الآخرين من غير الغربيّين، كما أنّها لم تكن مجموعة رحّالة تبغي نقل النصوص المختلفة حول الشرق وأديانه وأحواله فحسب، بل هي مجموعة أعمال أشبه ماتكون بموسوعة ضخمة تضمّ بين دفتيها مجموعة هائلة من البحوث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتاريخية والفقهية واللغوية، ومطالب واسعة تتعلّق بالشؤون الجغرافية والسياسية والسياحية تلبّي حاجات كل الدوائر الغربية والمؤسسّات ذات العلاقة لتنفيذ ما يناسب حماية المصالح الحيوية للغرب المسيحي.
ولكن الأخطر على هذا الصعيد هو ميادين التربية والثقافة، لأنّ محاولة احتوائهما يعني احتواء مستقبل الأمة، وإلغاء كل نسق فكري إسلامي أصيل من ضمير الأجيال القادمة.
في هذا الصدد يقول الدكتور الدسوقي: لقد نشب الصراع الفكري بين طائفة من المسلمين وبعض المستشرقين، وقد ظهرت كتابات منذ نحو قرن تحذّر مما
1- المرجع السابق.
-----(71)-----
يخطّطه الاحتلال بواسطة التبشير وإن جاءت في صورة ردود على هؤلاء المستشرقين الذين حاولوا النيل من الإسلام وثقافته وصلاحيته الدائمة للتطبيق، ولكن هذا الصراع وإن نبّه إلى الخطر لم يحل دون بلوغ الغاية التي في ميادين التربية والثقافة، فقد تخرّجت أجيال في ظلّ نظام تربوي له فلسفته المادّية لا تلتقي مع فلسفة التربية الإسلامية، ونجم عن هذا ظهور ما يسمّى بالثنائية الفكرية وما تمخّض عنها من تمزّق ثقافي أتاح الفرصة لكل الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الوافدة والداخلية أن تجد لها أنصاراً يؤمنون بها ويدافعون عنها ممّا ضاعف من حدّة الصراع بين التيارات المتناقضة في المجتمع الإسلامي وتبديد طاقاته فيما لايعود عليه إلاّ بمزيد من الضعف والتبعية(1).
وهذا ما يلاحظه المتتبّع لأدنى قراءة في مسار الصراع بين الطرفين.
 
حملات تشويه
لما كان الإسلام بمجموعه يشكّل تحدياً دينياً وفكرياً وسياسياً وثقافياً بارزاً للمسيحية واليهودية معاً، ويحتل موقعاً واسعاً ومتحركاً على كل المستويات، ولو قدّرت له السلطة على العالم الرحب لتوقفت المسيحية عن مسرح الحياة كقوة سياسية منظمة في العالم، وأُلغيت اليهودية عن الوجود كقوة إقتصادية هائلة في هذا العالم. وهذا ما دفع الدوائر الغربية والمراكز الصهيونية العالمية إلى استخدام كافة الطرق والإمكانات ليس لصدّه والحدّ من انتشاره عقائدياً فحسب، وإنما لطمس معالمه وآثاره والعمل على محوها أو تشويهها في شتى المجالات.
وقد سجّل «هاكليوت» رحلات التجّار الغربيّين إلى الشرق في كتابه المعنون
1- «الفكر الاستشراقي: تاريخه وتقديمه» د. محمد الدسوقي: 173 ومابعده، ضمن سلسلة كتاب التوحيد العدد (5) ط. قم.
-----(72)-----
بـ«الملاحة الأساسية» عام 1946م، ونقل وصفهم للمسلمين العرب في رسائلهم وتصوّراتهم عنهم على أنّهم شعب خطر، فظّ، عدائي، لايظهر المودّة للمسافرين، فضلاً عن تسجيله لحكايات غريبة وعجيبة عن العرب من نسج خيال هؤلاء الرحّالة(1).
فحملات التشويه الهائلة التي يمارسها الغرب في هذا الصعيد وإن أصبحت لغة الاختراقيّين الجدد تقودها الاستراتيجية التبشيرية الحديثة، فانّ هذه الحملات قد قادها التعصّب الأعمى من قبل اشتعال فتيل الحروب الصليبية.
إذ لا يمكن لأحد أن ينسى أو ينكر كيف تعرّض الاسلام لهجوم منظّم منذ بداية انتشاره باقلام المؤرّخين البيزنطيين وعلماء اللاهوت من النصارى من أمثال: يوحنا الدمشقي، تيودور أبي قرّة، إيليا عبد المسيح الكندي،... وغيرهم من الرهبان الغربيّين ابتداءً من القرن الثاني عشر وحتّى يومنا هذا(2).
ولم تنس الدوائر الغربية المسؤولة على هذه الحملات بدفقها بجملة تبريرات بين الآونة والأخرى وبأقلام متنوعة لغرض تأمين الأرضية الكاملة لمسير الحملات بالصورة الصحيحة.
فها هو الأب «آرنست رينان» يكتب مبرراً تلك الحملات فيقول: إنّ هذا العلم العربي وهذه الفلسفة لم تكن إلاّ ترجمات ركيكة للعلم والفلسفة اليونانية، فما إن استيقظت اليونانية الأصيلة حتّى أصبحت هذه الترجمات الهزيلة بغير ذات موضوع، لذلك قام فلاسفة عصر النهضة بشنّ هجوم عليها في شكل حرب صليبية حقيقية!(3).
وهكذا يدّعي م. روى: بأنّ استعمار الجزائر إنّما هو بسط القانون ومنافع المدنية على السكّان الهمجيّين، وأقرب اسلوب عقلي لهذا هو أن يتمّ عن طريق الاستعمار المسيحي والمدنية الدينية(4).
1- نقلاً عن كتاب «صورة العرب في الصحافة البريطانية» د. حلمي خضر ساري: 28.
2- راجع كتاب «محاصرة وإبادة» د. زينب عبد العزيز: 33 ومابعده.
3- نقلاً عن كتاب «محاصرة وإبادة»: 33.
4- صور من تاريخ الجزائر: 237، نقلاً عن كتاب «نقد البعثة الفرنسية إلى الجزائر» د. مروان بحيري: 85.
-----(73)-----
وعلى هذا المنوال استمرّت الجهود المضنية لاختراق الإسلام وتدميره، وبهذا يكون المشروع الصليبي قد أصبح جاهزاً يقوده فكر واحد وأهداف واحدة، ويرعاه منهج واحد، وتدفعه شعارات مختلفة لقضية واحدة هي القضاء على الإسلام وأهله في النهاية باسم الله والنورانية المسيحية.
وغير خاف أنّ كثيراً من الدواعي الدينية والنفسية والسياسية تكمن وراء هذا الموقف، ولكنّها جميعاً «تنبثق من الشعور بأنّ الإسلام لايمثل منافساً رهيباً فحسب بالنسبة إلى الغرب، بل إنّه يمثل كذلك تحدّياً متأخّراً للمسيحية» على حدّ قول ادوارد سعيد(1).
 
الحرب الثقافية
لقد وجد الاوربيون أنّ خير طريق لغزو العالم الإسلامي وإخضاعه هو سلوك الغزو الثقافي، فوضعوا المخطّطات والبرامج الدقيقة في هذا الصعيد، وحاكوا المؤامرات للغارة على الافكار والمفاهيم الإسلامية وعلى كل ما له صلة بالإسلام حضارةً وفكراً، وأضحت قاعدتهم التي ارتكزوا عليها هي «إذا أرهبك عدوّك فأفسد فكره ينتحر به ومن ثم تستعبده» فانتقلت المعركة من ساحة الحرب إلى ميدان الفكر والثقافة(2).
كتب المؤرّخ البريطاني المعروف أ.ج. تايلور يقول: إنّ أوربا استنفدت الكثير من الوقت قبل أن تبدأ مسيرتها الصحيحة، إنّ استباقها على الحضارات غير الأوربية لم يبدأ الاّ في القرن السادس عشر حين خسر المسلمون الأندلس، أمّا انتصارها النهائي فتحقّق في القرن العشرين فقط(3).
وما بين تلك البدايات وهذه النهايات المفجعة دار الزمن دورته الكاملة، وتغير وجه التاريخ بعدما شهدت الديار الإسلامية جملة من التداعيات المؤلمة
1- تغطية الإسلام: 36 تعريب سميرة نعيم خوري. ط. بيروت.
2- «في الغزو الفكري» د. أحمد السايح: 51 ضمن سلسلة منشورات كتاب الأمة العدد(38) ط. قطر
3- نقلاً عن «مابعد الدولة القومية المسلمة» لكليم صدّيقي: 3 مطبوع في كراس لسنة 1980م ط. لندن.
-----(74)-----
على أكثر من صعيد دفعتها نحو هاوية السقوط، في الوقت الذي كان فيه العديد من «المغامرين» و«الرحّالة» يتسلّلون في عقر هذه الديار، وينفذون أهدافهم التي أُرسلوا من أجلها، ويحقّقون بالتالي انتصارهم «النهائي» ـ على حدّ تعبير تايلور ـ ويعزّزون منطقهم الذي يقول بضرورة هيمنة «الرجل الابيض» على التاريخ وتحكّمه في مساراته.
وإزاء هذه التحولات وجدت «البابوية» مصلحتها في تجنيد الآباء اليسوعيّين للقيام بالحملات التبشيرية بصفتهم خير مدافعين عن الكاثوليكية والموافقة مع استراتيجية السياسة التوسعية الغربية.
يقول الاسقف «دي ميستيل» وكيل إدارة البعثات التبشيرية في الشرق بروما بصراحة:
إنّ الهدف الذي يتعيّن على المبشّر تحقيقه هو تحطيم قوة التمسك الجبارة التي يتمتع بها الإسلام، أو على الأقل إضعاف هذه القوة. وإنّ على المبشّر أن يدرس ويتفهّم قرآن محمد ليعرف كيف يذكّر الناس في الشرق بأنّه كانت هناك مدنيّة سابقة على الهجرة، وأنّها كانت مدنيّة مسيحية(1).
وفي ظلّ هذا الوضع الجديد عمل كل من «السيد» المسيحي الجنتلمان والمبشّر المسيحي «السفير» على التأثير بطريق مباشر أو غير مباشر في مجرى التعليم في البلدان الإسلامية بالتعاون مع «الكوادر» المنافقة من المسلمين في تخريج عدد لابأس به من المتخصّصين في العربية والفارسية والتركية الذين اتخذوا مواقع مهمة في البلدان الإسلامية، سواء على الصعيد السياسي أو الاكاديمي(2).
يقول مالك بن نبي: إنّه لمن الواضح أنّ المستشرقين القدماء أثّروا وربما لايزالون يؤثرون على مجرى الأفكار في العالم الغربي دون أيّما تأثير
1- نقلاً عن كتاب «روائع إسلامية» لإبراهيم نعمة: 69.
2- انظر «حوار الحضارات» لروجيه غارودي الذي نشره قبل إعتناقه الإسلام بسنوات، تعريب د. عادل العوّا: 89 ومابعده ط. بيروت.
-----(75)-----
على أفكارنا نحن المسلمون، إنّ ماكتبوا كان قطعاً المحور الذي تحرّكت حوله الأفكار التي نشأت عنها حركة النهضة في أوربا، بينما لانرى لهم أيّ تأثير فيما نسمّيه النهضة الإسلامية اليوم(1).
قد يفهم من كلامه أنّه يحسن الظنّ بالاختراقيّين، لكنّه يؤكّد فيما بعد أنّ الانتاج الاختراقي الغربي بما فيه المادح لحضارتنا الإسلامية كان شرّاً على المجتمع الإسلامي، ومايزال يواصل دوره التخريبي التدميري بشكل مباشر أو غير مباشر. وهنا يؤاخذ دور «المشارقة» كما يحبّ أن يسمّيهم المتتلمذين للمستشرقين لأنهّم يخفون عملهم التخريبي ضد الإسلام ومصالحه الحيوية بإيعاز واضح من أوساط استعمارية وتحت رداء تقدّمي أجوف، تحاول سلب كل قيمة حضارية، بل تنسب له حالة التخلّف الراهنة في العالم الإسلامي(2).
 
الإجراءات اللازمة لمواجهة الهجمة الثقافية
لايخفى على كل باحث أنّ الإسلام يملك من العوامل المقاومة الذاتية التاريخية الشيء الكثير بسبب تملكه من الأساليب العقائدية والفطرية التي جعلته يكتسب نوعاً من «المناعة» الذاتية ما يمكنه لمقاومة موجات التخريب التي يتعرّض لها باستمرار من قبل الغربيّين وعملائهم التابعين لهم.
ففي كل مرة تتحرّر بعض تلك القدرات الكامنة في بعض بقاع الأرض الإسلامية لتفاجىء الغرب وكل تقنياته المتطورة بعوامل جديدة من الثورة والانتفاضة والتصدي، كالذي حدث في ايران وفلسطين والعراق ولبنان والبوسنة والهرسك والشيشان.
وهذه بلاشك إحدى الألطاف السماوية التي أفاضها سبحانه وتعالى على هذه الأُمة المرحومة بفضل دعوات نبيّه الكريم(صلى الله عليه وآله) لها.

1- القضايا الكبرى: 167.
2- المصدر السابق: 180 ومابعده.
-----(76)-----
ولكن هذا لا يعني القعود وترك القدر يأخذ مجراه من دون أن نحرّك ساكناً، لأنّ الله سبحانه يقول في محكم كتابه الكريم: (إنّ الله لا يُغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم)(1). لذا فلابد من اتخاذ الإجراءات المناسبة لمواجهة هذه الموجات الشرسة ومحاولة احتوائها بما أمكن من الوسائل الحاضرة:
ولعلّ من أبرز هذه الإجراءات اللازمة:
1 ـ توعية الناس ثقافياً من خلال العمل على رفع المستوى الفكري لأبناء الأُمة المسلمة، وإشاعة القيم الفكرية الحقيقية التي يتبناها الإسلام، وإثارة الوعي العام حول القضايا الراهنة، على أن تكون التوعية بدرجة تمكّن الفرد المسلم من التمييز بين الثقافة الإسلامية الأصيلة والدخيلة، وبين ما هو حقيقة دينية سامية وخرافة مبتدعة. إذ بدون هذه الدرجة من الوعي ستنطلي مؤامرات التزوير التي حاكتها وتحوكها الدوائر المعادية عليهم.
وليس أدلّ على ذلك مما تمارسه الجماعة التي تطلق على نفسها «حركة الطالبان» من عمليات تزوير واسعة لحقائق ووقائع الإسلام الحنيف، وهو ما لايخفى على كل متتبّع بسيط.
فالوعي الحيّ يمدّ الأُمة بعوامل نجاح المشروع الإسلامي الذي يتبنّى مقاومة الهجمات الثقافية الشرسة التي تشنّها المراكز الاستعمارية البغيضة على حضارتنا الإسلامية.
أضف إلى ذلك أنّ بثّ التوعية يعتبر من أبرز مهام المثقف الرسالي الذي ينهض بدوره هذا انطلاقاً من المسؤولية التي عهدها الله سبحانه له.
2 ـ مدّ الأُمة بالغذاء الروحي والمادي على نطاق واسع لتشمل جميع الأفراد في المجتمع الإسلامي، وخاصة الطبقات الفقيرة الذين تعتبرهم الدوائر الاستعمارية المعادية «المساحة التي يمكن أن تجري فيها عمليات البحث عن
1- الرعد: 11.
-----(77)-----
الانصار والمحبّين»، ومنحها الأولوية في الدعم والمعونة المناسبة والعمل على سدّ احتياجاتها اللازمة.
وذلك لأنّ تلك الدوائر لايمكنها أن تصطاد في المياه العكرة، لكنّها تستطيع ذلك بسهولة فيما لو قامت بالاصطياد في المياه السلسة. ومن هنا كان الواجب على مثقفي هذه الأُمة وعلمائها الروحانيّين توجيه اهتماماتهم باتجاه هذه الطبقات المحرومة وكسب محبّتهم لكي يوجدوا فيهم بعض المناعة اللازمة لمقاومة عمليات «الاصطياد» المشبوهة.
3 ـ الالتزام بالخطّ التربوي الإسلامي الأصيل في كلّ برنامج تعليمي يوضع لتنشئة الجيل الجديد الذي يمثل مستقبل الأُمة وأملها المشرق.
فالخطوة الأُولى تبدأ بتأسيس منهج تربوي إسلامي يستوعب هموم ومشاكل الجيل المعاصر الحديث، والخطوة الأخيرة تعتمد إجراء الاحصاءات الميدانية اللازمة التي تستكشف من خلالها مديات التفاعل بين الوسط الشبابي اليافع ومفردات المنهج التربوي المدوّن بلغة العصر الحديث، وما بينهما من خطوات ينبغي أن تخصّص في ممارسة النقد الإيجابي لغرض تقويمه وتطهيره من كل «العوالق» الدخيلة به.

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية