موقف الشهيد الصدر من الثورة الاسلامية يمثّل قمّة من قمم
الشموخ الرسالي لهذا الرجل. فقد وقف الى جانب الثورة يسددها بفكره
ويدعمها بنداءاته ورسائله، بل ويضحي من أجلها بدمه. والمقال يتضمن
عرضا لهذه المواقف الرسالية.
(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الارض
كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننَّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم
وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لايشركون بي شيئا ومن كفر
بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون)
(1)1- باحث وكاتب صحفي من الاردن، توفي رضوان اللّه عليه في طهران
خلال أيام حضوره مؤتمر الشهيد الصدر، ونقل جثمانه الى الاردن في
طائرة خاصة، وشيّع تشييعا يليق بمكانته العلمية والصحفية
والرسالية، وأقيمت له مجالس تأبين ضخمة في الاردن وايران.
(2)2- النور / 55.
-----(175)-----
المقدمة
في الوقت الذي قرر فيه القرآن الكريم أن النصر الالهي محتوم للذين
يلتزمون أمر الله التزام فكر يعي الحياة بأبعادها المختلفة والتزام
سلوك يتقيد بتكاليف الرسالة فان واقع الحال لهذه الامة في هذه
المرحلة الزمنية يؤكد نقض ذلك رغم كثرة الحركات وتعدد الاسماء،
الامر الذي يثير الشبهات بسبب ما تعاني منه الامة الاسلامية من
إحباط وفشل يشهد عليه واقع الحال باستثناءات محدودة، وتأتي قدرة
القلة من حملة الدعوة الاسلامية على التصدي للبغي وفضح النقائض
لتكون دليلاً وشاهداً على قدرة هذا الدين على عدم التسليم للواقع
الذي يعاني من الظلم والفقر والتفكك مما أوصل المسلمين الى هذا
الحال من الوهن الذي يترجم حالهم ترجمة صريحة واضحة.
فالمسلمون اليوم أشلاء ممزقة وأرض الاسلام بما فيها من خيرات
مستباحة لاعدائها ومحرمة على أهلها، وقد جاء ذلك جزاءً وفاقاً لهذا
التردي الذي وصلت اليه أحوال المسلمين من اختلاف التصور والمناجزة
التي أفقدتهم القدرة على التحرك القادر على لم الشمل وحشد القوة
وتوجيهها الوجهة التي يريدها لهم القرآن الكريم.
وإن كان الزمن على امتداده وكثرة تناقضاته لم يخل من شاهد على
الواقع لتتأكد حقيقة هذا الدين الذي هو دين البشرية كلها و وسيلة
الهداية الوحيدة للمسلمين وللناس كافة (ولقد كتبنا في الزبور من
بعد الذكر أن الارض يرثها عبادي الصالحون. إن في هذا لبلاغاً لقوم
عابدين. وما أرسلناك الا رحمة للعالمين. قل إنما يوحى الي أنما
الهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون)سورة الانبياء، الآيات 104 ـ 108.
فقد أثبتت الاحداث على امتداد التاريخ بروز شخصيات قادرة على وعي
-----(176)-----
حقائق الاسلام والالتزام بها ودفع تكاليفها وإن كان المقام هنا
لايساعدنا على استعراض الشخصيات التي وعت حقائق الاسلام والتزمت
بقيمه ودفعت ثمن ذلك دماً طهوراً شكّل إضاءة مستمرة لهذه الحقيقة
وقد كان الشهيد الصدر من أبرز الفرسان الذين خاضوا معركة الاسلام
فكراً وسلوكاً وقدّم فداء ذلك استعلاء على الدنيا بكل ما فيها من
بهارج وآثر ببساطة متواضعة لله.
لقد بدأ معركته من الداخل فكشف العيوب والعثرات التي علقت بالكيان
الاسلامي ممثلة بوعاظ السلاطين الذين آثروا إرضاء الحكام على مصلحة
الدعوة وقد تمدد هذا الفساد حتى شمل المؤسسة الدينية الرسمية
بأشكالها المختلفة.
لذلك بدأ الشهيد معركته مع الفساد الداخلي حيث كشف العيوب التي
رانت على الكثير من العلماء فأعاد للقيم الاسلامية منهجها الصحيح
من حيث الالتزام بأهداف الرسالة والوقوف الى جانب النصوص كما فهمها
الرسول(صلى الله عليه وآله)وعاشتها نخبة الصحابة. فأول ما أكد عليه
الشهيد المرتكزات الاساسية في المنهج الاسلامي وقد برزت هذه
الحقيقة في شخصية الامام الصدر التي اجتمعت فيها أبعاد الدعوة
الحركية والقيادية والفكرية فكانت حياته نموذجا متميز الخصائص
والسمات فلم يكتف بأسلوب الدفاع لحفظ الاسلام فتجاوز السيد الصدر
أسلوب الدفاع الى المواجهة محدثا بذلك نقلة نوعية أخرجت النشاط
الاسلامي من خندق الدفاع الى ساحة المواجهة فأعطى للاسلام صورة
التحدي وخط الانطلاق نحو الاتجاهات المضادة بحيث اصبح واضحا انعكاس
الاسلوب على يدي الشهيد الصدر، فالاسلام أصبح هو الذي يتحدى،
وخصومه هم الذين يبحثون عن خنادق الدفاع والاحتماء من صولاته
الفكرية المكتسحة، فعادت الثقة بالنفس الى أبناء الاسلام، وطرح
الفكر الاسلامي بصورته
-----(177)-----
المتحدية والمؤثرة في الاوساط الثقافية والاجتماعية كما يقول حسين
بركة الشامي في كتاب «محمدباقر الصدر دراسات في حياته وفكره».
صحيح أن الرجل تعرض الى مواجع، كثيرة كان استشهاده على الصورة
المعروفة قمة هذه المواجع، ولكن الصحيح كذلك أنه هز واقع العمل
الاسلامي هزة عنيفة أخرجته من أطر الدفاع الى دوائر التحدي حتى
أصبح الاسلام اليوم أمل المستضعفين والمقهورين والمظلومين، كل ذلك
بفضل الدماء الطاهرة والجهود العظيمة التي قام بها رواد العمل
الاسلامي في العصر الحديث: الامام الخميني وحسن البنا ومحمدباقر
الصدر وسيد قطب وقافلة الشهداء الطويلة الطويلة التي ما تزال تسقي
هذا الدين بدمها الطهور.
تضرب وجوه الظلمة بكلماتها ويضربها الطغاة بسيوفهم حتى يلتقي
الطرفان بين يدي الله (ولا تحسبنّ الله غافلاً عما يعمل الظالمون
إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لايرتدّ
إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء).
الشهيد والثورة
يمكن القول إن موقف السيد الشهيد محمدباقر الصدر رضوان الله عليه
الداعم للثورة الاسلامية في إيران قبل وبعد انتصارها، والداعم
للامام الراحل السيد روح الله الخميني رضوان الله عليه سواء إبان
وجوده في النجف الاشرف في العراق أو بعد مغادرته النجف وحتى انتصار
الثورة الاسلامية... إن هذا الموقف الذي وقفه الشهيد الصدر هو أحد
أكبر الاسباب التي أدت الى استشهاده في ظروف غاية في الخطورة كان
الامام الصدر يقدّرها ويعرف مؤديات تفاصيلها تماماً، غير أن توطين
نفسه للشهادة باخلاص كبير وتسليم الى الله
-----(178)-----
تعالى وانقياد كلي الى أوامره جل وعلا، وما وعد الشهداء من كرامة
في الدنيا وفي الاخرة، هيأ عنده استعداداً منقطع النظير لتحدي
السلطة بكل قوتها وعنفها ولمقاومة ترهيبها وترغيبها متخطياً الصعاب
التي لايتخطاها عادة الا من ذاب في الله ونذر نفسه في سبيله وعاش
لاجل الاسلام ومبادئه وإقامة حكمه على الارض.
وهو ما كان الشهيد الصدر يمثّله بحق، فنال الشهادة وأصبح دمه منذ
استشهاده إدانة يومية للطغاة ومشعلاً يضيء درب الجهاد في سبيل الله
لاعلاء كلمة لا اله الا الله في الارض.
وقد تمثل موقف الشهيد الصدر الداعم للثورة الاسلامية في عدة
اتجاهات تصب كلها في مجرى واحد هو العمل على إقامة الحكم الاسلامي
حتى لو كان في إيران وليس في العراق، فلقد كانت أمنية الصدر أن
تقوم دولة إسلامية عادلة بقيادة مرجعية صالحة رشيدة موضوعية، وهو
ما حدث في إيران فكان الشهيد الصدر أبرز من وقف موقف الذائب في
الثورة الاسلامية في إيران والذائب في مرجعية الامام الخميني
الراحل كما سيتبين أثناء البحث.
ويبرز موقف الشهيد الصدر من الثورة الاسلامية في إيران في اتجاهات
ثلاثة:
الاول: دعمه لمرجعية الامام الخميني
الثاني: دعمه لكفاح الشعب الايراني المسلم
الثالث: دور فكره في الثورة الاسلامية في إيران
وسنعرض لكل واحد من هذه الاتجاهات مع التفاصيل الضرورية المتعلقة
بكل منها.
-----(179)-----
اولا: دعم الشهيد الصدر لمرجعية الامام الخميني
كانت تربط الامام الخميني والشهيد الصدر رضوان الله عليهما علاقة
قوية هي علاقة العالم بالعالم والثوري بالثوري والمجاهد بالمجاهد،
فلم يكن خافيا موقف الامام الخميني من الشاه ودوره الكبير في
الجهاد ضد نظامه الفاسد، كما لم تكن مرجعيته الكبيرة بين المرجعيات
الاخرى غائبة أو تستظل بظلالها، كذلك لم يكن الشهيد الصدر بعيداً
عن نظر الامام الخميني وإعجابه به بوصفه مفكرا إسلاميا لامعا
وعبقريا من عباقرة العصر في كل ما كتب وأنتج من العلوم والمعارف،
بل إن بينه وبين الشهيد مرتضى المطهري شبهاً كبيراً، وكان المطهري
وهو أحد تلاميذ الامام الخميني، وكان كابنه عبقرياً آخر من عباقرة
هذا العصر علما ومعرفة وثورية وانقيادا مطلقا الى الله تعالى حتى
نال درجة الشهادة بعد انتصار الثورة بشهرين تقريبا، فكما كان
الامام الخميني يحب تلميذه البار المطهري كان يحب الشهيد الصدر
ويقدّره لما عرف فيه من نبوغ وتعال عن الذاتية ودعم كبير للتوجهات
الثورية لاقامة حكم الاسلام، وهو ما كان الامام الخميني يسير في
الاتجاه نفسه بغية تحقيقه.
ولقد كان للشهيد الصدر مواقف مشرّفة في دعم مرجعية الامام الخميني
قبل انتصار الثورة الاسلامية وبعده الى حين استشهاده رضوان الله
عليه، وهو مصر على دعمه للامام ولثورته الاسلامية ولدولته
الاسلامية المباركة التي كان يعدها الشهيد الصدر هدفا وغاية، وبعد
أن تحققت فلم يعد يهمه شيء ووطّن نفسه على الشهادة وهو مطمئن الى
أن الاسلام عاد الى الحياة السياسية قويا، وليس مهمّا أين يكون في
إيران أو في العراق أو في أي مكان إسلامي، وفي ذلك ما فيه من
انتصار على الذاتية وذوبان في الهدف الكبير الذي طالما عبّر عنه
السيد الشهيد في بياناته وخطاباته وتصريحاته أنه مستعد لان يكون
جندياً
-----(180)-----
ينفّذ أوامر الامام الخميني، وهو خلق العلماء الذي يندر أن يبرز
على هذا المستوى الانساني الكبير.
ولعل في ما يرويه سماحة السيد كاظم الحائري وهو من تلاميذ الشهيد
المقربين في القصة التالية خير دليل على دعم السيد الشهيد لمرجعية
الامام الخميني في وقت مبكر جداً.
فلقد أراد السيد الشهيد أن يضع خطة للفداء والتضحية والاستشهاد
يقوم بها هو على رأس طلابه آملا بان تحدث هذه الواقعة هزة في
المجتمع بعد ان تتناثر دماؤهم في الصحن الحيدري في النجف. يقول
السيد الشهيد لتلميذه السيد كاظم الحائري:
«والخطة التي أرى ضرورة تطبيقها اليوم هي أن أجمع ثلة من طلابي ومن
صفوة أصحابي الذين يؤمنون بما أقول ويستعدون للفداء ونذهب جميعاً
الى الصحن الشريف متحالفين فيما بيننا على أن لانخرج من الصحن
أحياء، وأنا أقوم خطيبا بينهم ضد الحكم القائم وتدعمني الثلة
الطيبة الملتفة من حولي ونثور بوجه الظلم والطغيان، فسيجابهنا جمع
من الزمرة الطاغية ونحن نعارضهم، ولعله قال ونحمل السلاح الى أن
يضطروا الى قتلنا جميعاً في الصحن الشريف، وسأستثني ثلة من أصحابي
عن الاشتراك في هذه المعركة كي يبقوا أحياء من بعدي ويستثمروا الجو
الذي سيحصل نتيجة لهذه التضحية والفداء.
قال(رحمه الله): إن هذا العمل مشروط في رأيي بشرطين:
الشرط الاول: أن يوجد في الحوزة العلمية مستوى من التقبل لعمل من
هذا القبيل أما لو أطبقت الحوزة العلمية على بطلان هذا العمل وكونه
عملاً جنونياً أو مخالفاً لتقية واجبة فسوف يفقد هذا العمل أثره في
نفوس الامة ولا يوفي ثماره
-----(181)-----
المطلوبة.
الشرط الثاني: أن يوافق أحد المراجع الكبار مسبقا على هذا العمل كي
يكتسب العمل في ذهن الامة الشرعية الكاملة.
ويروي السيد الحائري أن الشرط الاول لم يتهيأ حسب ما رواه
الشيخ محمد مهدي الآصفي للسيد الشهيد وكان الآصفي مرسلا من قبله
الى الحوزة.
يقول الحائرى: «وأما الشرط الثاني فرأى أستاذنا الشهيد رحمه الله
أن المرجع الوحيد الذي يترقب بشأنه أن يوافق على فكرة من هذا
القبيل هو الامام الخميني الذي كان يعيش وقتئذ في النجف الاشرف،
فلا يصح أن يكون هذا العمل من دون استشارته فذهب هو رضوان الله
عليه الى بيت السيد الامام الخميني فبدا على وجه الامام الخميني
التألم وأجاب عن السؤال بكلمة لا أدري وكانت هذه الكلمة تعني أن
السيد الامام الخميني. كان يحتمل أن تكون الخسارة التي ستوجه الى
الأمة من جراء فقد هذا الوجود العظيم أكبر مما قد يترتب على هذا
العمل من الفائدة.
وبهذا وذاك تبين أن الشرطين مفقودان فعدل أستاذنا الشهيد رحمه الله
عن فكرته وكان تاريخ هذه القصة بحدود عام 1390 هـ أو 1391 هـ ولعل
التاريخ الصحيح هو سنة 1394 هـ(1).
إن توجه السيد الشهيد الى بيت الامام الخميني للحصول على موافقة
على فكرة الفداء لم يكن فقط من باب الخط الثوري للامام الخميني
وإنما كان أيضاً لما يرى فيه من مرجعية لو حصل ووافق على الفكرة
لكان لها رد فعل كبير الاثر في الناس، ومن هنا ندرك مدى ما للامام
الخميني من مكانة عند السيد الشهيد وهي مكانة خارج إطار الامور
الشخصية والعواطف والمجاملات بل متأتية من مسيرة الرجل ودوره
المرجعي والثوري سواء داخل ايران أو خارجها، ورجل
1- الشيخ محمدرضا النعماني «الشهيد الصدر سنوات المحنة وأيام
الحصار» الطبعة الثانية 1997ـ1417 ص134 وما بعدها نقلا عن السيد
كاظم الحائري «مباحث الاصول ج1 ص49».
-----(182)-----
مثل السيد الشهيد لم يكن ليقصد الامام الخميني للحصول على موافقته
على الفكرة لولا أن الامام الخميني أهل لذلك الموقف من جوانب كثيرة
وأسباب موضوعية.
ولقد كان الشهيد في خطه الجهادي مستعداً للتنازل عن وجوده
الاعتباري وللذوبان في أية مرجعية صالحة تخدم الاسلام، وكان في كل
مرة يشير الى الامام الخميني كمثال بارز للمرجعية التي ينبغي
الذوبان فيها فلقد خاطب مرة خاصة طلابه في اجتماع خاص بهم قائلا:
«يجب عليكم أن لاتتعاملوا مع هذه المرجعية وقصد مرجعيته بروح
عاطفية وشخصية وأن لاتجعلوا ارتباطكم بي حاجزا عن الموضوعية بل يجب
أن يكون المقياس هو مصلحة الاسلام فأي مرجعية أخرى استطاعت أن تخدم
الاسلام وتحقق له أهدافه يجب أن تقفوا معها وتدافعوا عنها وتذوبوا
فيها فلو ان مرجعية السيد الخميني مثلا حققت ذلك فلا يجوز أن يحول
ارتباطكم بي عن الذوبان في مرجعيته»(1).
وحسب الشيخ محمدرضا النعماني فان كلام السيد الشهيد أعلاه كان قبل
انتصار الثورة الاسلامية في إيران بعشر سنوات تقريبا(2).
إن تأكيد السيد الشهيد على مرجعية الامام الخميني وضرورة الذوبان
فيها في وقت مبكر ليعبر عن أهمية هذه المرجعية في خدمة الاسلام
ويعبر عن صواب نظر السيد الشهيد وتقديره لهذه المرجعية الكبيرة.
ويذكر الشيخ النعماني من صور الدعم التي قدمها السيد الشهيد للامام
الخميني أن السيد الشهيد ذهب الى بيت الامام لزيارته وتوديعه بعد
أن علم أن الامام الخميني قرر مغادرة العراق ورغم أن هذا التوديع
لم يتم حيث كان الامام قد غادر النجف في ساعة مبكرة من صباح ذلك
اليوم فان السيد الشهيد
1- المرجع نفسه ص163.
2- المرجع نفسه ص163.
-----(183)-----
رحمه الله قد دخل المنزل وجلس مع بعض من كان فيه من المرتبطين
بالسيد الامام رحمه الله مظهرا لهم التأييد والمساندة رغم تطويق
قوات الامن للمنزل ومراقبة من يتردد عليه.
وهذا الموقف اعتبرته السلطة من المواقف التي أدانت بها السيد
الشهيد رضوان الله عليه في الاعتقال الذي تعرض له في انتفاضة رجب
وكان قد عطل أبحاثه في ذلك اليوم وقال:
«إن رحيل السيد الخميني من النجف خسارة كبيرة»
إن من قدر له أن يعيش تلك الفترة في العراق أو يتابع الامور حتى لو
كان خارج العراق يدرك مدى الشجاعة التي يمتلكها السيد الشهيد وهو
يزور مرجعا مثل الامام الخميني كان يمثل للسلطة في العراق كم يمثل
للسلطة في إيران خطراً لا ينبغي التهاون معه، ولذلك فان السيد
الشهيد قد واجه عنتا كبيرا من رجال الامن في العراق بسبب زيارته
لمنزل الامام الخميني التي تعني بوضوح تأييداً له ودعم له وتحدي
للسلطة وخروج على المألوف، ولقد ظلت هذه الزيارة بالاضافة الى
مواقف دعم السيد الشهيد للامام الخميني بصورة عامة سيفا يشهره رجال
الامن والسلطة في العراق بوجه السيد الشهيد حتى استشهاده.
ويورد الشيخ النعماني ما كتبه السيد الشهيد بخطه الشريف في الرسالة
التي وجهها الى طلابه في إيران في أوائل انتصار الثورة الاسلامية
وفيها عبر كبيرة وتجارب عظيمة لكل من أراد التصدي للعمل الحركي بل
ولكل مسلم مهما كان موقعه ومكانته.
وهنا مقاطع من تلك الرسائل البليغة التي يعجز القلم عن التعليق
عليها وهي بذاتها قطع استوفت شروط الوصول الى متلقيها على اختلاف
أشخاصهم:
«إن الواجب على كل أحد منكم وعلى كل فرد قدر له حظه السعيد أن يعيش
(1)1- المرجع نفسه ص163 ـ 250.
-----(184)-----
في كنف هذه التجربة الاسلامية الرائدة أن يبذل كل طاقاته وكل ما
لديه من إمكانات وخدمات ويضع ذلك كله في خدمة التجربة فلا توقف في
البذل، والبناء يشاد لاجل الاسلام ولا حد للبذل والقضية ترتفع
رايتها بقوة الاسلام».
ويجب أن يكون واضحا أن مرجعية السيد الخميني التي جسّدت آمال
الاسلام في إيران اليوم لابد من الالتفاف حولها والاخلاص لها
وحماية مصالحها والذوبان في وجودها العظيم بقدر ذوبانها في هدفها
العظيم».
ويقول رضوان الله عليه:
«لو أن السيد الخميني أمرني أن أسكن في قرية من قرى إيران أخدم
فيها الاسلام لما ترددت في ذلك، إن السيد الخميني حقق ما كنت اسعى
الى تحقيقه...»
لقد كان لهذا الدعم المطلق للامام الخميني من قبل الشهيد الصدر دور
كبير في دفع الوعي الثوري لدى الملايين من المتطلعين الى الثورة
الاسلامية سواء داخل العراق أو خارجه وفي إيران تحديدا نظرا لقوة
حضور السيد الشهيد بوصفه مرجعا كبيرا ومفكرا عملاقا وثوريا يتحدى
الارهاب السلطوي، الى أن دفع ثمن موقفه العظيم هذا باستشهاده رضوان
الله عليه وهو مقبل على الشهادة غير مدبر، خاصة بعد انتصار الثورة
الاسلامية بقيادة الامام الخميني وهو ما كان الشهيد الصدر يتطلع
اليه...
ثانيا: دعم الشهيد الصدر لكفاح الشعب الايراني المسلم
أبرزنا بعضا من الصور الرائعة التي تتجلى فيها مواقف السيد الشهيد
الداعمة لمرجعية الامام الخميني في معظم أطوار مسيرته الجهادية،
وننتقل هنا الى مواقف السيد الشهيد الداعمة لكفاح الشعب الايراني
المسلم سواء كان ذلك
(1)1- المرجع نفسه ص163 ـ 164.
-----(185)-----
الدعم قبل انتصار الثورة الاسلامية أو بعده، ويمكن القول إن السيد
الشهيد هو المرجع الوحيد الذي وقف مؤيدا وداعما لتلك الثورة بشكل
واضح ومباشر متحديا السلطة في العراق، على خطورة ذلك التحدي وهو ما
أدى فعلا الى استشهاده رضوان الله عليه.
إن جهود السيد الشهيد في مجملها كانت ترمي الى أن ينتصر الاسلام
ويقيم حكومته فالاسلام «دين الاستقلال والحرية، والصراع ضد الظلم
والاستكبار، والسعي نحو العدل والجهاد والامر بالمعروف والنهي عن
المنكر، ولا ريب في أن تنفيذ هذه البرامج يحتاج الى حكومة إسلامية
قوية...»(1).
ومن الطبيعي أن بوادر الثورة الاسلامية في إيران كانت تلوح
وكانت الظروف كلها تشير الى قرب انطلاقها، والسيد الشهيد الذي كان
بؤرة العمل الجهادي التغييري في العراق لم تكن تختلف عنده المسألة
في أي من بلاد الاسلام تقوم الثورة، وكان يتوقع قيامها في العراق
أو في إيران، وكان موقفه معلنا صريحا في حال قيامها في كلا البلدين
أو في واحد منهما، وحين قامت الثورة الاسلامية في إيران وأعلن
صراحة دعمه لها بكل وسيلة قيل له بأن لايندفع وأن يتريث خوفا على
حياته وعلى مرجعيته ولكنه كان يقول:
«إن هؤلاء الذين يطلبون مني أن أتريث وأن أتخذ موقفا من الثورة
الاسلامية لايثير السلطة الحاكمة في العراق حفاظا على حياتي
ومرجعيتي لايعرفون من الامور الا ظواهرها. إن الواجب على هذه
المرجعية وعلى النجف كلها أن تتخذ الموقف المناسب والمطلوب تجاه
الثورة الاسلامية في إيران. ما هو هدف المرجعيات على طول التاريخ؟
أليس هو إقامة حكم الله عزوجل على الارض؟ وها هي مرجعية الامام
الخميني قد حققت ذلك فهل من المنطقي أن أقف موقف المتفرج ولا أتخذ
الموقف الصحيح والمناسب حتى لو كلفني ذلك حياتي وكل ما
1- حجة الاسلام والمسلمين ابراهيم أميني «الدين والسياسة» مجلة
التوحيد الاسلامية الفكرية العدد الرابع السنة الاولى رمضان شوال
1403 ص124.
-----(186)-----
أملك؟»(1).
هكذا كان تصميم السيد الشهيد على دعم ثورة الشعب الايراني المسلم
ودعم قيادته ومرجعيته الرشيدة الموضوعية، فلقد كان رضوان الله عليه
مؤمنا بأن النصر لابد وأن يكون حليف المجاهدين المتفانين في الذود
عن وجودهم وكرامتهم وإنسانيتهم المضحين من أجل إعلاء كلمة الاسلام.
ويتحدث الشهيد الصدر عن الشعب الايراني في الرسالة التي بعث بها
الى الامام الخميني وهو في باريس قبل انتصار الثورة الاسلامية
بالقول:
«فاننا في النجف الاشرف إذ نعيش مع الشعب الايراني بكل قلوبنا
ونشاركه آلامه وآماله نؤمن أن تاريخ هذا الشعب العظيم أثبت أنه كان
ولا يزال شعبا أبيا شجاعا وقادرا على التضحية والصمود من أجل
القضية التي يؤمن بها ويجد فيها هدفه وكرامته...
ولم يعبر شعب عن حريته النضالية تعبيرا أوضح وأجلى مما عبر به
الشعب الايراني المسلم عن هويته الاسلامية في كل ما خاضه من معارك
شريفة كانت التعبئة لكل واحد منا تتسم باسم الاسلام، ولئن كان
الشعب الايراني قد عبر عن هويته النضالية الاصيلة باستمرار فان
نهضته النضالية المعاصرة لهي التعبير الاروع عن تلك الهوية
النضالية المؤمنة التي عبر بها الشعب الايراني عن نفسه ولايزال،
وهي من أعظم ذخائر الاسلام وطاقاته التي يملكها في التاريخ
الاسلامي الحديث...»(2).
ويذكر الشيخ النعماني بعضا من مواقف السيد الشهيد بعد انتصار
الثورة الاسلامية ومنها:
1 ـ قام رضوان الله عليه بعد أن بلغه نبأ انتصارها باعلان التعطيل
لدروسه ابتهاجا وفرحا بذلك الحدث التاريخي العظيم وتحدث في البحث
الذي أعلن فيه
1- سنوات المحنة وأيام الحصار مرجع سابق ص248.
2- نفسه ص251 وما بعدها.
-----(187)-----
التعطيل عن ضرورة دعمها وإسنادها ووجوب الوقوف معها في السراء
والضراء.
2 ـ وأراد رضوان الله عليه أن يحرك الساحة باتجاه إيجاد تأييد شعبي
عام وشامل، فدعا بعض أنصاره الى تنظيم تظاهرة شعبية لتأييد الثورة
الاسلامية في إيران، واظهار الابتهاج بانتصارها، فهرع الشباب
المؤمن فخرجوا بتظاهرة من جامع الخضراء بعد صلاتي المغرب والعشاء،
رفع المتظاهرون فيها صور الشهيد والسيد الامام رضي الله عنهما وهي
المرة الاولى التي يحدث فيها مثل ذلك في العراق.
3 ـ وكتب رضوان الله عليه رسالة الى طلابه الذين هاجروا الى
الجمهورية الاسلامية في إيران دعاهم فيها الى بذل كل الطاقات
والامكانات لخدمة الثورة وأكد لهم فيها ضرورة الالتفاف حول مرجعية
السيد الخميني(رحمه الله) والعمل على إسنادها ودعمها» «نص الرسالة
ص258» وقد أوردنا مقاطع منها.
4 ـ وفي الفترة التي عمل فيها أعداء الثورة الاسلامية في إيران على
إثارة القلاقل والفتن وتحريض عرب إيران على التمرد والعصيان وجه
رضوان الله عليه رسالة اليهم دعاهم فيها الى نبذ الفكر الجاهلي
والقومي وطلب منهم الالتفاف حول قيادة الامام الخميني. «نص الرسالة
ص258»
5 ـ ومن أهم صور الدعم والاسناد للثورة الاسلامية في إيران كتابة
حلقات «الاسلام يقود الحياة» وكان سبب تأليفه أنه رحمه الله رأى أن
بعض القوى التي برزت على الساحة الاسلامية في إيران بعد انتصار
الثورة كانت تشكل خطرا كبيرا على الثورة وقال في تلك الفترة «لاجل
تجاوز هذا الخطر يجب أن تطرح رسالة الامام «توضيح المسائل» كشعار
يرفعه كل إيراني ويطالب بتطبيقها»(1).
1- نفسه ص256 وما بعدها وفي كتاب الشيخ النعماني صور رائعة لدعم
السيد الشهيد للثورة الاسلامية ولقائدها ينبغي الرجوع اليها على
إيجازها.
-----(188)-----
ثالثا: دور فكر الشهيد الصدر في الثورة الاسلامية في ايران
لاتسع هذه الوجيزة استعراض جميع صور دعم السيد الشهيد للثورة
الاسلامية في إيران ولكن لايمكن إغفال دور وفكر «مؤلفات السيد
الشهيد في الثورة الاسلامية فرغم «الدور البارز للشهيد الصدر» على
المستويين المباشر والعملي في الثورة الاسلامية الايرانية والتنظير
لها بحيث لقبوه بـ«رفيق الامام الخميني» و«عراب الثورة الاسلامية
في إيران» و«خميني العراق» و...، والثورة الاسلامية في إيران مدينة
للتعاون والانسجام الفكري بين هذين القائدين لكن هذه الامور لم تكن
فقط نتيجة لعمل الشهيد الصدر وأتباعه تجاه الثورة الاسلامية في
إيران بل هي نتيجة لمؤلفاته وأفكاره وبياناته»(1).
ويستعرض محمدحسين جمشيدي بايجاز بعضا من مؤلفات الشهيد الصدر
وأثرها في تنمية الوعي الثوري والفكري بين أبناء الشعب الايراني
المسلم ولا سيما في صفوف طلبة العلم والجامعيين، وينقل جمشيدي عن
شائول نجاش قوله: «من جملة الكتب التي كان لها نفوذها الخاص كتاب
«اقتصادنا» تأليف السيد محمدباقر الصدر... وكان تأثير الصدر في
إيران كبيرا جدا وكان كتابه مرجعا للعلماء الايرانيين الذين كانوا
يبحثون عن مسوغ لتقييد الملكية الخاصة وتدخل الدولة في
الاقتصاد»(2) هذا بالنسبة لكتاب «اقتصادنا».
وعن «الاسلام يقود الحياة» وغيره يقول جمشيدي:
فكتاب «الاسلام يقود الحياة» وكذلك «التفسير الموضوعي» والرسائل
والبرقيات ما هي الامساع لوضع أساس فلسفي فقهي للثورة الاسلامية في
إيران ويشتمل كتاب الاسلام يقود الحياة على ستة أجزاء:
أ ـ «لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الاسلامية في
إيران» وهذا الكتاب في حقيقته مسودة لدستور الجمهورية الاسلامية في
إيران كتبه لكي تستفيد منه القيادة في وضعها للدستور الاسلامي، وقد
أرسله الى
1- محمدحسين جمشيدي «دور فكر الشهيد الصدر في الثورة الاسلامية في
إيران» مجلة قضايا اسلامية العدد الثالث 1417هـ 1996م ص270 ترجمة
علاء الرضائي وضم هذا العدد من المجلة ملفا خاصا بفكر السيد الشهيد
الصدر يجدر العودة اليه.
2- نفسه ص271 ـ 272 مع تفصيلات أخرى مهمة.
-----(189)-----
الامام الخميني بواسطة تلميذه البارز السيد محمود الهاشمي، وبعد
ذلك كتب بحثا مشابها كان جواب سؤال طرحه عليه جماعة من علماء لبنان
حول الحركة الاسلامية...
ب ـ «صورة عن اقتصاد المجتمع الاسلامي» ويتضمن الخطوط العامة
للاقتصاد الاسلامي وفيما يتعلق بالشعب الايراني والثورة الاسلامية
يقول فيه: «وبعد فاني أشعر باعتزاز كبير يغمر نفسي وأنا أتحدث الى
هذا الشعب العظيم الى هذا الشعب الايراني المسلم الذي كتب بجهاده
ودمه وبطولته الفريدة تاريخ الاسلام من جديد وقدم الى العالم
تجسيدا حيا ناطقا لايام الاسلام الاولى بكل ما زخرت به من ملاحم
الشجاعة والايمان».
ج ـ خطوط تفصيلية عن اقتصاد المجتمع الاسلامي
د ـ خلافة الانسان وشهادة الانبياء
هـ ـ منابع القدرة في الدولة الاسلامية
و ـ الاسس العامة للبنك في المجتمع الاسلامي(1).
الصدر والمطهري والثورة الاسلامية
ولاشك في أن المفكر الاسلامي الكبير السيد الشهيد الصدر يلتقي في
مجمل طروحاته الفكرية التغييرية مع مفكر إسلامي كبير أيضا هو
الشهيد مرتضى المطهري، الذي كان له هو الآخر وبدرجة كبيرة ومباشرة
دور عظيم فكريا وجهاديا في إنجاح الثورة الاسلامية في إيران نظرا
لما قدمه من فكر رسالي تغييري أحدث هزات هائلة في عملية الوعي
الثوري للشعب الايراني المسلم.
وقد يكون من الظلم للشهيدين السعيدين هنا أن نجري بينهما مقارنة في
المجال الضيق من هذا البحث، الا أننا نلتمس سبيلا الى شيء من تلك
المقارنة موجها في مدى تأثير فكر كل من الشهيدين في الثورة
الاسلامية من خلال
1- نفسه ص271ـ272 مع تفصيلات اخرى مهمة.
-----(190)-----
استلهام الشعب الايراني الواعي لفكري الشهيدين لاسيما وأنهما عاصرا
معا كل في موقعه الجغرافي والعلمي أحداث ما قبل انتصار الثورة
الاسلامية وقليلا من أحداث ما بعد الانتصار.
ولعل من الضروري الاشارة أولا الى أن السيد الشهيد الصدر كان هو
الوحيد في النجف الذي تحدى السلطة وأقام مجلس فاتحة على روح الشهيد
المطهري وحينها جاءته مجموعة من قبل النظام العراقي وقالوا له إن
المطهري رجل إيراني ونحن عرب فأجابهم الصدر: «لا اهتم بما تؤمنون
به ولا أقبل القومية والحدود بين الشعوب هذا موقفي ولن أتنازل
عنه»(1).
لقد وقف كلا المفكرين موقفا مشرفا في دعم الثورة الاسلامية ودعم
قائدها الامام الخميني، فالشهيد الصدر «تحرك بارادة كبيرة ومثابرة
عجيبة لتدوين مجموعة من الدراسات العميقة التي جاءت دواء للمعضلات
المغلقة ولكي يوفر للمجتمع الاسلامي الرؤية التي يقوم على
أساسها...
والشهيد المطهري «حمل هو الاخر ما يملكه واضعا اياه على كفيه وقد
قدّمه الى الشعب الايراني.
لقد كان يؤمن أن الجمهورية الاسلامية هي الاطروحة التي تحقق له
أهدافه لذلك بذل جهودا كبيرة في طريق صوغ المباني الاسلامية لهذه
الحركة العظيمة وعرضها، لقد وظف رصيده العلمي العظيم في سبيل بيان
أهداف الثورة الاسلامية وبرامجها، وقد واجه من خلال هذا الموقف
المحسوب الافكار المنحرفة والباطلة واستبسل في تثبيت حاكمية القيم
الاسلامية الاصيلة.
لقد كان هذان العظيمان يعتقدان أن الحركة الفكرية ستبقى عقيمة من
دون سند يمثله لها الجهاد الاكبر والحركة المعنوية العميقة والتحول
الروحي العظيم»(2).
ومن سعادة المفكرين المجاهدين أنهما نالا الشهادة خاتمة لنهجهما
1- نفسه ص273، نقلا عن مقال «اية الله الشهيد الصدر انطلاقة نداء
في الامة الاسلامية في العراق» صحيفة كيهان 8/نيسان/1982 العدد
11547 ص10.
2- خالد توفيق «اسئلة الذكرى والواقع الفكري الراهن» قضايا اسلامية
مرجع سابق ص407.
-----(191)-----
الرسالي المخلص وثمنا لمواقفهما العظيمة في الثورة الاسلامية في
إيران. الشهيد الصدر دفع الثمن بسبب موقف السلطة في العراق منه ومن
الثورة الاسلامية معا، والشهيد المطهري دفع الثمن بسبب كشفه
الانحرافات والاباطيل وتأكيده على الروح الاسلامية الاصيلة وثمنا
لمسيرته الجهادية والفكرية التي ما توقف عطاؤها حتى انتصار الثورة،
ولذلك لم يمهله الظالمون الجناة فأردوه قتيلا مضمخا بعطر الشهادة
بعد شهرين من انتصار الثورة.
الامام الخميني يصدر بيانا عن استشهاد الصدر
وكما أصدر الامام الخميني رضوان الله عليه بيانا في اليوم التالي
لشهادة المفكر العظيم مرتضى المطهري واصفا إياه من جملة ما وصفه
قائلا «وإني وإن خسرت ابنا عزيزا كان كبضعة مني ولكني أفتخر، بأن
كان في الاسلام وسيكون مثل هذا الابن المجاهد»(1) فانه رضوان الله
عليه أصدر بيانه التاريخي باستشهاد الامام الصدر وأخته العلوية
بنت الهدى ومما جاء في البيان:
«تبين ـ ببالغ الاسف ـ «...» أن المرحوم آية الله الشهيد السيد
محمدباقر الصدر وشقيقته المكرمة المظلومة والتي كانت من أساتذة
العلم والاخلاق ومفاخر العلم والادب قد نالا درجة الشهادة الرفيعة
على أيدي النظام العراقي«...» وذلك بصورة مفجعة فلا عجب لشهادة
هؤلاء العظام الذين أمضوا عمرا من الجهاد في سبيل الاهداف
الاسلامية على أيدي أشخاص جناة قضوا حياتهم بامتصاص الدماء والظلم
وإنما العجب هو أن يموت مجاهدو طريق الحق في الفراش دون أن يلطخ
الجناة أيديهم الخبيثة بدمائهم»(2).
وهكذا يقدم الامام الخميني وفاء بوفاء ويضرب المثل الاعلى للمرجعية
الصالحة التي لاتتنكر لمواقف المجاهدين الداعمين لتلك المرجعية
وللثورة الاسلامية العظيمة خاصة وللاسلام عامة.
1- من بيان الامام الخميني عن استشهاد الشيخ مرتضى المطهري.
2- من بيان الامام الخميني عن استشهاد الامام السيد محمدباقر الصدر
وأخته العلوية بنت الهدى.