مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

أهل البيت ـ عليهم السلام ـ المرجع العلمي والفقهي
بعد الرسول ـ صلى الله عليه وآله
الشيخ جعفر السبحاني
أستاذ الدراسات العليا في الفقه والأصول في الحوزة العلمية بقم



 

 كانت للنبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ رئاسة دينية تامة في إدارة دفة الحكم .

فهو من جانب كان يدير الجيوش ، ويسد الثغور ، ويقيم الحدود ، ويقسم الفيء بين المسلمين ، ويقضي بينهم إلى غير ذلك من الأمور التي لها صلة بالأمور الدنيوية.

ومن جانب آخر كان يقوم بأمور لها صلة بالأمور المعنوية:

أولاً : يبين الأحكام الشرعية كلية وجزئية ، ويجيب على الحوادث المستجدة التي لم يبين حكمها في الكتاب ولا في السنة الموجودة.

ثانياً : يفسر القرآن الكريم فيبين مجملاته ، ويقيد ملطقاته ، ويخصص عمومياته إلى غير ذلك مما يرجع إلى فع إبهامات الكتاب .

ثالثاً : يرد على الشبهات والتشكيكات التي يلقيها أعداء الإسلام من مشركي مكة المكرمة واليهود والنصارى بعد الهجرة .

رابعاً : يصون الدين من أي محاولة تحريفية . ومن أي دس في التعاليم المقدسة.

ولا ريب أن من كان يقوم بمثل هذه المسؤوليات ، يورث فقده وغيابه من الساحة فراغاً هائلاً في الحياة الاجتماعية ، وثغرة كبرى في القيادة لا يسدها إلاّ

(212)

إخلاف من يتحلى بنفس المؤهلات الفكرية والعلمية التي كان النبي الأعظم ـ صلى الله عليه وآله ـ يتحلى بها ماعدا خصيصة النبوة وتلقي الوحي.

ومن الخطأ أن نتهم النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ والعياذ بالله ـ بأنه قد ارتحل من دون أن يفكر في ملء تلك الثغرات المعنوية الحاصلة برحيله.

وهذا ما يسوقنا إلى الفحص في كلمات الرسول الأعظم حتّى نتعرف على من عينه الرسول لملء هذه الثغرات.

فإذا راجعنا إلى أحاديث النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ نقف بوضوح على انه ـ صلى الله عليه وآله ـ قد سدَّ هذه الثغور بإخلاف من جعلهم قرناء الكتاب وأعدا له ، وأناط هداية الأمة بالتمسك بهما.

وها نحن نذكر الشيء القليل الذي هو كنموذج من كلماته الكثيرة في ذلك المجال.

1 ـ روى ابن الأثير الجزري في جامع الأصول عن جابر بن عبدالله ، قال : رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في حجة الوداع يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب ، فسمعته يقول : «إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي».

2 ـ وأخرج مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم ، قال :

قام رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة ، وحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ، ثم قال :

أما بعد : ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما : كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه.

ثم قال : وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي (1).

(213)

3 ـ أخرج الترمذي في صحيحه عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، قال : رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في حجة يوم عرفة على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول : يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي (2).

4 ـ أخرج الامام أحمد عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود إلى السماء والأرض وعترتي أهل بيتي ، وانهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض (3).

وهذا الحديث المعروف بحديث الثقلين رواه عن النبي أكثر من ثلاثين صحابياً ، ودونه ما يربو على ثلاثمائة عالم في كتبهم في مختلف العلوم والفنون ، وفي جميع الأعصار والقرون ، فهو حديث صحيح متواتر بين المسلمين ، وقد عين النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ببركة هذا الحديث من يسد هذه الثغرات ويكون المرجع العلمي بعد رحيله وليس هو إلاّ أهل بيته .

 

من هم أهل البيت ؟

وأما من هم أهل بيته الذين هم أحد الثقلين ، وأشار إليهم سبحانه في قوله : «إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً»(4). فقد عرفهم النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ في مواطن متعددة بل كان له ـ صلى الله عليه وآله ـ عناية وافرة بتعريفهم لم يرمثلها إلاّ في موارد نادرة .

أولاً : صرح بأسماء من نزلت الآية في حقهم ، حتّى يتعين المنزول فيه بإسمه ورسمه.

ثانياً : قد أدخل جميع من نزلت الآية في حقهم تحت الكساء ومنع من دخول غيرهم.

ثالثاً : كلما خرج إلى الصلاة كان يمر ببيت فاطمة ـ عليها السلام ـ عدة شهوراً ، ويقول:

(214)

الصلاة أهل البيت «إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً» ولنذكر لكل موطن نموذجاً:

أما الأول : أخرج الطبري في تفسير الآية عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ نزلت الآية في خمسة : في وفي علي ـ عليه السلام ـ وحسن ـ عليه السلام ـ وحسين ـ عليه السلام ـ وفاطمة ـ عليها السلام ـ «إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً».

وقد رويت في هذا المجال روايات فمن أراد فليرجع إلى تفسير الطبري والدر المنثور للسيوطي.

وأما الثاني : فقد أخرج السيوطي عن ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم عن عائشة قالت : خرج رسول الله غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن والحسين ـ عليهم السلام ـ فأدخلهما معه ، ثم جاء علي فأدخله معه ، ثم قال : «إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً».

ولولم تذكر فاطمة ـ عليها السلام ـ في هذا الحديث فقد جاء في حديث آخر ، حيث روى السيوطي ، وقال : أخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه بن سعد ، قال : نزل على رسول الله الوحي فأدخل علياً وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ، قال : اللهم إن هؤلاء أهلي وأهل بيتي .

وفي حديث آخر جاء رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فأخذ فاطمة ومعه حسن وحسين ، وعلي حتّى دخل فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه وأجلس حسناً وحسيناً كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه وأنا مستدبرهم ، ثم تلا هذه الآية : «إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً»

وأما الثالث : فقد أخرج الطبري عن أنس أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ كان يمر ببيت فاطمة ـ عليها السلام ـ ستة أشهر كلما خرج إلى الصلاة ، فيقول الصلاة أهل البيت «إنّما

(215)

يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهير»(5).

 

اعتراف أئمة المذاهب بأفقهية أهل البيت ـ عليهم السلام ـ

إن كثيراً من علماء أهل السنة ـ قديماً وحديثاً ـ اعترفوا بأفقهية أئمة أهل البيت ـ عليه السلام ـ ، فها نحن نذكر هنا شيئاً قليلاً من كثير.

روى ابن عساكر في تاريخه في ترجمة السجاد (علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ ) عن أبي حازم أنّه قال : ما رأيت هاشمياً أفضل من علي بن الحسين وما رأيت أحداً كان أفقه منه (6).

وقال الشافعي : أن علي بن الحسين ، أفقه أهل البيت (7).

وقال عبدالله بن عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر ، لقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم كأنه صبي بين يدي معلمه (8).

وقال أبو حنيفة : ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد الصادق ـ عليه السلام ـ (9).

ونقل الإمام الشافعي في رحلته : أنّه سمع من مالك قوله للرجل الذي أجاب على مسائله:

قرأت ـ أو سمعت ـ الموطأ ؟ قال : لا.

قال : فنظرت في مسائل ابن جريح ؟ قال : لا.

قال : فلقيت جعفر بن محمد الصادق ؟ قال : لا .

قال : فهذا العلم من أين لك ؟ (10).

قد خرجنا بالنتيجة التالية :

أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قد ارتحل وقد خلف الثقلين لترجع إليهما الأمة في حل معضلاتها ومشكلاتها ، وأنه عين المقصود من أهل بيته وأشاد بهم في مواقف مختلفة وعرفهم للأمة بيد أن هناك سؤالاً يطرح نفسه ، وهو :

(216)

تراث أئمة أهل البيت

أن أهل بيت النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وعترته الطاهرة قد ارتحلوا فأين تراثهم وعلومهم حتّى ترجع إليها الأمة هب أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ تعبدنا بالرجوع إليهم والتمسك بأحاديثهم وكلماتهم فأين أحاديثهم وعلومهم حتّى ترجع إليهم ؟

والجواب عنه واضح ، وهوان تراث أئمة أهل البيت ـ عليه السلام ـ وأحاديثهم ومعارفهم تتمثل في الأمور التالية :

الأول : كتاب علي

فقد كان لعلي كتاب خاص باملاء رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وقد حفظته العترة الطاهرة ـ عليهم السلام ـ وصدرت عنه في مواضع كثيرة ونقلت نصوصه في موضوعات مختلفة ، وقد بث الحرّ العاملي في موسوعته الحديثية ، أحاديث ذلك الكتاب حسب الكتب الفقهية من الطهارة إلى الديات ومن أراد فليرجع إلى تلك الموسوعة.

وقال الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ عند ما سئل عن الجامعة فقال : فيها كل ما يحتاج الناس إليه وليس من قضية إلاّ فيها حتّى أرش الخدش.

وكان كتاب علي مصدراً لأحاديث العترة الطاهرة يرثونه واحداً بعد آخر وينقلون عنه ويستدلون به على السائلين.

وهذا هو أبو جعفر الباقر ـ عليه السلام ـ يقول لأحد أصحابه ـ أعني حمران بن أعين ـ وهو يشير إلى بيت كبير : يا حمران إن في هذا البيت صحيفة طولها سبعون ذراعاً بخط علي ـ عليه السلام ـ واملاء رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ لو ولينا الناس لحكمنا بما أنزل الله لم نعد ما في هذه الصحيفة.

وهذا هو الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ يعرف كتاب علي ـ عليه السلام ـ بقوله : فهو كتاب طوله سبعون ذراعاً إملاء رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وخط علي بن أبي طالب

(217)

بيده ، فيه والله جميع ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة حتّى أن فيه أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة.

ويقول سليمان بن خالد : سمعت أبا عبدالله ـ عليه السلام ـ يقول : أن عندنا لصحيفة طولها سبعون ذراعاً إملاء رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وخط علي ـ عليه السلام ـ بيده ، ما من حلال ولا حرام إلاّ وهو فيها حتّى أرش الخدش.

ويقول أبو جعفر الباقر ـ عليه السلام ـ لبعض أصحابه : يا جابر إنا لو كنا نحدثكم برأينا وهو أنا لكنا من الهالكين ، ولكنا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ (11).

وقد كان علي ـ عليه السلام ـ أعلم الناس بسنة الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ وكيف لا يكون ذلك ، وهو يقول : إني إذا كنت إذا سألت أنبأني وإذا سكت ابتداني.

وقد كان يصدر عن ذلك الكتاب امام بعد إمام ، وهذا هو ولده الإمام الحسن السبط ـ عليه السلام ـ ويصف كتاب علي ـ عليه السلام ـ .

أن العلم فينا ونحن أهله ، وهو عندنا مجموع كله بحذافيه ، ومنه لا يحدث شيء إلى يوم القيامة حتّى أرش الخدش إلاّ وهو عندنا مكتوب ، بإملاء رسول الله وخط علي بيده.

وقال الإمام زين العابدين ـ عليه السلام ـ لرجل شاجره في مسألة فقهية يا هذا لو صرت إلى منازلنا لأريناك آثار جبرئيل في رحالنا ، أيكون أحد أعلم بالسنة منا.

وقال الإمام أبو جعفر الباقر ـ عليه السلام ـ للحكم بن عتيبة:

اذهب أنت وسلمة وأبو المقدام : حيث شئتم ـ يميناً وشمالاً ـ فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرائيل.

وقال ـ عليه السلام ـ لسلمة بن كهيل والحكم : شرقا وغرباً ، لن تجدا علماً صحيحاً إلاّ شيئاً يخرج من عندنا أهل البيت .

(218)

إلى غير ذلك من كلمات أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ والتي تعرب عن علمهم بالسنة والكتاب ، وأنهم أعرف الناس بمواقع الكتاب والسنة.

 

الثاني : الصحيفة السجادية

هذه الصحيفة المعروفة بالصحيفة السجادية أو زبور آل محمد من مظاهر علوم أهل البيت ـ عليه السلام ـ وهي خالدة على جبين الدهر ، وأسانيدها إلى الإمام متسلسلة متضافرة بل متواترة وهناك وراء اتصال الأسانيد شيء آخر وهو أن فصاحة ألفاظها وبلاغة معانيها وعلومضامينها وما فيها من أنواع التذلل لله تعالى والثناء عليه ، والأساليب العجيبة في طلب عفوه وكرمه والتوسل إليه أقوى شاهد على صحة نسبتها إليه وان هذا الدر من ذلك البحر وهذا الجوهر من ذلك المعدن ، وهذا الثمر من ذلك الشجر ، مضافاً إلى اشتهارها شهرة لا تقبل الريب . وتعدد أسانيدها المتصلة إلى منشئها ، فقد رواها الثقات بأسانيدهم المتعددة المتصلة إلى زين العابدين ـ عليه السلام ـ .

 

الثالث : رسالة الحقوق

أن للإمام علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ رسالة معروفة باسم رسالة الحقوق ، أوردها الصدوق في خصاله بسند معتبر ، كما رواها الحسن بن شعبة في تحف العقول مرسلة ، وهي من جلائل الرسائل في أنواع الحقوق ، يذكر الإمام فيها حقوق الله سبحانه على الإنسان وحقوق نفسه عليه ، وحقوق أعضائه من اللسان والسمع والبصر والرجلين واليدين والبطن والفرج ، ثم يذكر حقوق الأفعال ، من الصلاة والصوم والحج والصدقة والهدي التي تبلغ خمسين حقا آخر حق الذمة .

(219)

الرابع : رسالة الإمام الرضا ـ عليه السلام ـ في الفرائض والسنن

روى المحدثون أن المأمون بعث الفضل بن سهل إلى الرضا ـ عليه السلام ـ فقال : أني أحب أن تجمع لي من الحلال والحرام ، والفرائض والسنن فانك حجة الله على خلقه ومعدن العلم ، فدعا الرضا ـ عليه السلام ـ بدواة وقرطاس وقال للفضل أكتب :

بسم الله الرحمن الرحيم

«حسبنا شهادة أن لا إله إلاّ الله أحداً ، صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولد» .. الخ

والرسالة مطبوعة في كتاب تحف العقول عن آل الرسول (12).

 

الخامس : رسالة الإمام الهادي ـ عليه السلام ـ

روى المحدثون عن الإمام الراشد الصابر أبي الحسن علي بن محمد ـ عليه السلام ـ رسالة في الرد على اصل الجبر والتفويض وإثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين ، وقد نقلها بنصها أبي شعبة الحراني في تحف العقول (13).

هذه الرسائل هي المدونة من قبل الأئمة ـ عليهم السلام ـ أنفسهم وهناك رسائل أخرى بأقلامهم لم نذكرها روماً للاختصار.

وأما ما روي عنهم ودونها أئمة أهل الحديث عبر القرون فحدث عنه ولاحرج ونشير إلى بعضها.

 

السادس : نهج البلاغة

أن كتاب نهج البلاغة من أعرف الكتب وأشهرها عند الفريقين، وهو يتضمن خطب الإمام علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ وكتبه وكلماته القصار قام بجمعها الشريف الرضي (المتوفى عام 406).

وقد حذف الأسانيد وجاء بالمتون لاشتهار صدورها عن علي ـ عليه السلام ـ ، وقد قام

(220)

غير واحد من الأصحاب بالاستدراك على ما نقله الشريف الرضي ، فذكروا خطباً ورسائل كثيرة كما استخرج بعضهم أسانيد نهج البلاغة ، من الكتب المؤلفة قبل الشريف الرضي ، وقد قيل في حقه : أنّه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق .

 

السابع : أربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف

أن أئمة أهل البيت ـ عليه السلام ـ قد ربوا جيلاً كبيراً من الفقهاء والمحدثين ، فدونوا ما وعوه عنهم في كتبهم المعروفة بأربعمائة مصنف ولم يزل بعضها موجودا إلى الآن بهيئتها ووضعها.

غير أن كثيراً منها قد انتقل موادها إلى الأصول المؤلفة على يد علماء الشيعة في الأعصار المتأخرة وهي بين جوامع أولية كالمحاسن لأحمد بن محمد بن أبي خالد البرقي (المتوفي 274) ونوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي (المتوفى 293) وكتاب الجامع لأحمد بن البزنطي (المتوفى 221 هـ) وكتاب الثلاثين للأخوين الحسن والحسين ابني سعيد بن حماد الأهوازي.

وبين جوامع ثانوية كـ«الكافي» للشيخ الكليني (المتوفى 329 هـ) ، و«من لا يحضره الفقيه» للمحدث الخبير أبي جعفر الصدوق (المتوفى 381 هـ) و«التهذيب» و«الاستبصار» للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (المتوفى 460 هـ).

وبين جوامع متأخرة كـ «الوافي» لمحمد بن محسن الفيض الكاشاني (المتوفى 1091 هـ) و«وسائل الشيعة» للحر العاملي (المتوفى 1104 هـ) و«بحار الأنوار» لمحي السنة الشيخ محمد باقر المجلسي (المتوفى عام 1111 هـ).

(221)

فهذه الجوامع وغيرها التي لم نشر إليها بغية الاختصار قد احتضنت علوم أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في مختلف المجالات ، ومن أراد أن يتمسك بالثقلين فهذا هو كتاب الله ، وهذه هي سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ التي نقلها أئمة أهل البيت ـ عليه السلام ـ عنهم .

وهناك نكتة جديرة بالإشارة وهي أنّه إذا كان أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ مطهرين من الرجس حسب تنصيص الكتاب ، والمرجع العلمي بعد رحيل الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ وقرناء القرآن واعداله بنفس رواية الثقلين ، إلى غير ذلك من سمات ومواصفات فلماذا غفل أخواننا أهل السنة عن الرجوع إليهم والاستضاءة بأنوارهم وركوب سفينتهم حتّى ينجوا من الغرق.

والعجب أنهم رجعوا إلى كل صحابي وتابعي وكل إنسان يتسم بالسلفية ومع ذلك لا نرى انهم يتمسكون بأحاديث أئمة أهل البيت ـ عليه السلام ـ إلاّ نزراً قليلاً لا يذكر .

فهم طرقوا كل باب حتّى باب مستسلمة أهل الكتاب كعب الأحبار ووهب بن منبه إلى غير ذلك ولم يطرقوا باب أئمة أهل البيت ـ عليه السلام ـ .

نسأله سبحانه أن يلم شعث المسلمين ويرزقهم توحيد الكلمة كما رزقهم كلمة التوحيد.

(222)

 



1 ـ صحيح مسلم : 2 ـ 325.

2 ـ سنن الترمذي : 199.

3 ـ مسند أحمد 3 ـ 14.

4 ـ سورة الأحزاب : الآية 33.

5 ـ وللوقوف على مصادر هذه الروايات لاحظ تفسير الطبري : 22 / 5 ـ 7 والدر المنثور: 5 / 198 ـ 199 ـ ، والروايات تربو على أربع وثلاثين رواية ، ورواها من عيون الصحابة : أبو سعيد الخدري ، أنس بن مالك ، ابن عباس ، أبو هريرة الدوسي ، سعد بن أبي وقاص ، واثلة بن الاسقع ، أبو الحمراء أعني هلال بن حارث ، ومن امهات المؤمنين عائشة وأم سلمة . ورواه من أصحاب الصحاح : مسلم في صحيحه : 7 / 122 ـ 123 والترمذي في سننه ، ولاحظ جامع الأصول لابن الأثير : 10 / 103.

6 ـ سير أعلام النبلاء 4 ـ 394.

7 ـ شرح نهج البلاغة لابن الحديد : 15 ـ 274.

8 ـ حلية الأولياء

9 ـ تهذيب الكلمات : 5 ـ 79.

10 ـ رحلة الإمام الشافعي : 25.

11 ـ قد جمع العلامة المجلسي ما ورد من الأثر حول كتاب علي في موسوعته بحار الأنوار : 26 / 18 ـ 66 تحت عنوان باب جهات علومهم وما عندهم من الكتب ، الحديث 12 ـ 1 ـ 10 ـ 20.

12 ـ تحف العقول : 306 ـ 311.
13 ـ تحف العقول : 338 ـ 352. 

 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية