مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية

الأجماع: حقيقته وحجيته
عند المذاهب الإسلاميّة
 محمّد الغراوي


المتتبع لتعريف الإجماع عند الأصوليين من الإمامية يجده يلتقي عند مدلول واحد، وهو: الكشف عن رأي المعصوم عليه السلام. أما عند غير الإمامية: فقد حصر الإمام مالك الإجماع بإجماع أهل المدينة فقط، بينما حصره آخرون بإجماع الشيخين، أو إجماع الخلفاء الأربعة، أو أهل مكة، أو إجماع أهل الكوفة، أو إجماع الأئمة، أو إجماع مجتهدي الأمة، أو إجماع الأمة على الإطلاق على حكم شرعي. هذه حدود القائلين بحجيته، وهناك من اعتبروا وجوده محض خرافة(1).
وقد أوضح لنا الشويهي: أنّ الخلاف المذكور في تعريف الإجماع إنما هو بين الجمهور والمتأخرين من الشيعة، وأما قدماء الشيعة المعاصرين للأئمة ـ عليهم السلام ـ فإنهم لا يعرفون لهذه الكلمة اصطلاحاً فيما بينهم، وإن استعملوه ففي معناه اللغوي كما جاء في الروايات "خذ بالمجمع عليه بين أصحابك"(2). وأما من تأخر عن
تلك الأعصار كالشيخ المفيد، والشيخ الطوسي، والسيد المرتضى فإنهم لما بعد عليهم المدى واشتدت عليهم المحنة وخفيت عليهم قرائن الأحوال وحقائق الشرع واللغة كما في صيغتي الأمر والنهي احتاجوا إلى مراعاة ما استغنى عنه قدماؤهم بمعاصرة أرباب الشريعة من مسائل الأصول، كما احتاج إليها أهل السنة قبل ذلك بالبعد عن الصحابة، وكان هناك اصطلاحات لا يدور عليها شيء فأقروها كما وضعت له، ثم راعوا الأدلة فأهملوا ما قامت الحجة على بطلانه، وأثبتوا ما نطق الدليل بحجيته، وكان من ذلك: الإجماع فأثبتوه في الأدلة لقيام الحجة وإن كان بطريقٍ آخر(3).
المبحث الأول
إمكان الإجماع، وهل يمكن العلم به والاطلاع عليه
لقد نسب إلى النظام القول باستحالة تحقق الإجماع (4). ووجوه الاستحالة ترجع إلى أمور:
الأول: أنّ الاتفاق: إما عن دليل قاطع فيجب نقله عادة، وإذا لم ينقل فنعلم أنّه لم يوجد كيف ولو نقل لا غنى عن الإجماع. وإما عن دليل ظني وهو باطل؛ لأنه يمتنع الاتفاق عليه عادة؛ لاختلاف القرائح وتباين الأنظار، وذلك كاتفاقهم على أكل طعام واحد في إناء واحد، وهذا معلوم الاتفاق بالضرورة، وما ذلك إلاّ لاختلاف الدواعي.
الثاني: وإما لا عن دليل أصلاً، وهو محال، إذ من المعلوم أنّ اجتماع الجم الغفير والخلق الكثير على حكم واحد بلا مرشد ظني أو قطعي ممتنع عادة بالأولوية(5).
وقد أجاب الشويهي عن ذلك بـ:
أوّلاً: بأن القاطع لا يجب نقله عادة، إذ قد يستغنى عنه نقله بحصول الإجماع الذي هو أقوى منه، وارتفاع الخلاف المحوج إلى المشهور. وأما إغناء الدليل عن الإجماع فلو سلم فغير دال على امتناع تحقق الإجماع، بل عدم فائدته في الاستدلال.
ثانياً: أنّ قيام الحجة على الشيء لا يمنع من قيام أخرى، ولا زال العلماء يستدلون على المطلب الواحد بأدلة متعددة فضلاً عن دليلين.
ثالثاً: أنّ الإجماع القاطع أقوى من الإجماع وحده، والدليل الظني قد يكون جلياً، واختلاف القرائح والأنظار إنما يمنع الاتفاق فيما يدق ويخفى مسلكه.
والحاصل: أنا نمنع كونه مثل: الإطعام الواحد في وقت واحد، فإن المجتهدين أتباع للرجحان، وهو قد يحصل لجميعهم بواسطة دليل جلي ظاهر الدلالة وإن لم يكن قطعياً، بخلاف المأكل والملبس فانهما تابعان لميل النفوس، وذلك يختلف بالنظر إلى الأشخاص لاختلافهم في الشهوة والمزاج والطمع، فلذلك يمتنع اجتماعهم عليه (6).
والحق: أنّ الإجماع ممكن في حد ذاته عقلاً، إذ لا مانع ـ بحسب العقل أو العادة ـ من جواز اطلاع كلّ مجتهد على دليل حكم يعتقده، وتتفق جميع الآراء على ذلك، ولا تحقق للإجماع سوى هذا.
ونحن نعلم: أنّ الإجماع قسمان: محصل، ومنقول.
فالمحصل: هو الذي يحصله الشخص بنفسه، وذلك بأن يطلع على آراء المجتهدين فرداً فرداً، ويجد فتواهم متطابقة، ولا شك في حجية هذا النوع من الإجماع(7).
وقد نوقش هذا الإجماع: بأن ما ليس بضروي ولا وجداني فطريق معرفته
الحس، أو الخبر، أو النظر العقلي، ولا مجال للثالث في العلم بحصول الإجماع، ولا يمكن الإحساس بكلام الغير والإخبار عنه إلاّ بعد معرفته؛ لأن ذلك متعذر لكثرة المسلمين وانتشار العلماء شرقاً وغرباً، ومن أنصف علم: أنّ الشرق لا يعلمون علماء الغرب فكيف تفاصيل مذاهبهم ؟! وبعد العلم بهم كيف يعلم عقائدهم ؟ وبعد العلم بعقائدهم كيف يعلم اجتماعهم في وقت واحد؟ فلعل المثبت أثبت زمان نفي الثاني، فلما اثبت الثاني نفى المثبت.
ولو فرضنا: أنّ إنساناً طاف على العلماء في الدنيا مستكشفاً عن مذاهبهم لما حصل له العلم بإجماعهم لجواز رجوع أحدهم عن فتواه قبل فتوى الآخر.
وقد انتهى السيد محمّد تقي الحكيم إلى: أنّ تحصيل الإجماع بمفهومه الواسع أمر متعذر فيما عدا الضروريات الدينية أو العقلية(8).
ويتضح موقف الأصوليين من الإمامية على وفق مبناهم في الإجماع، وقد حدد هذا الموقف صاحب "المعالم" حيث قال: (والحق عندي: أنّه لا يمكن الاطلاع على الإجماع عادة في عصرنا وما ضاهاه. وأما بالنظر إلى عصر الصحابة وما يقرب منه فإن ذلك ممكن الاطلاع عليه، بل يمكن ذلك بالنظر إلى باقي الأعصار إلى الغيبة الكبرى، بل إلى ما بعدها إلى زمن السيد والشيخين) (9). وهذا ما ذهب إليه الأصفهاني والبيضاوي في منهاجه، والإمام الرازي(10).
وقد قربوا ذلك: بأن الوقوف عليه لا يتعذر في أيام الصحابة؛ لأنهم كانوا قليلين محصورين ومجتمعين في الجوار من الحرم، ومن خرج منهم بعد فتح البلاد كان معروفاً في موضعه، وبهذا الكلام رد الإمام الرازي والبيضاوي في المنهاج على أحمد بن حنبل، حيث قال: (من أدعى الإجماع فهو كاذب) (11).
وأما الإجماع المنقول: فهو ما وصل إلى الشخص عن طريق النقل، فإن كان النقل متواتراً فهو كالمحصل من حيث الحجية. وأما المنقول بطريق الآحاد فالأكثرون على عدم حجيته(12).
ووجهة نظر المنكرين لحجيته وأنه لا يجب العمل به تتلخص: بأن الناقل للإجماع: إنّ كان علمه بقول الإمام عن حس بأن سمع قول الإمام في جملة جماعة لا يعرف أعيانهم ـ كما عليه طريقة القدماء في الإجماع ـ فهو مفقود في حق هؤلاء الناقلين؛ لأن نقلة الإجماع ـ كالسيد المرتضى والشيخ الطوسي ـ لم يكونوا في عصر ظهور الأئمة.
وإن كان الناقل مستنداً علمه بقول الإمام هو قاعدة اللطف ـ كما عن الشيخ الطوسي ـ فهي غير ناهضة في الكشف عن قول الإمام ـ عليه السلام ـ .
وإن كان مستند علم الناقل للإجماع بقول الإمام هو الحدس ـ كما عليه المتأخرون ـ فإن الحدس ليس من المبادئ التي توجب العلم بقول الإمام، وإنما هي موجبة للحدس بوجود دليل معتبر عند المنقول عنه الإجماع، ولا يلزم من اعتباره عنده اعتباره عند المنقول إليه (13).
> المبحث الثاني
> أدلة المثبتين والنافين لحجية الإجماع
أوّلاً: أدلة المثبتين:
استدل القائلون: بأن الإجماع حجة مطلقاً لا فرق بين عصر وعصر، وهو ما ذهب إليه جمهور العلماء، ومنهم: الأئمة الأربعة وإن قال ابن قدامة المقدسي: (إنّ أحمد قد أومأ إلى نحو قول الظاهرية، والقول الآخر لأحمد وهو أصح القولين عند أصحابه مع الجمهور) (14)، وكان استدلالهم بالكتاب والسنة والعقل:
أ ـ أدلتهم من الكتاب:
فقد استدلوا بآيات دلت بظاهرها على حجية الإجماع، وهي ليست نصاً في الدلالة حتّى تفيد القطع واليقين.
قال الآمدي: (إنّ التمسك بها وإن كانت مفيدة للظن فغير مفيدة في القطع (15)، وقد حصر الآمدي الآيات بخمس، وهي:
الأولى: قوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً((16).
وتقريب الاستدلال: قال عنها الآمدي: (إنها أقوى ما استدلوا به، وبها تمسك الشافعي)(17).
وقد قرب صاحب المعتمد دلالتها بقوله: (إنّ الله جمع بين مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد، فلو كان اتباع غير سبيل المؤمنين مباحاً لما جمع بينه وبين المحظور في الوعيد. ألا ترى إنه لا يجوز أنّ يقول الحكيم لعبده: (إنّ زنيت أو شربت الماء عاقبتك)، وإذا قبح اتباع غير سبيلهم وجب تجنبهم، ولم يكن تجنبه إلاّ باتباع سبيلهم؛ لأنه لا وسط بين اتباع سبيلهم واتباع غير سبيلهم) (18).
الثانية: قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس((19).
وتقريب الاستدلال: فقد قرب الآمدي الاستدلال بهذه الآية الكريمة بوصف الأمة بكونهم وسطاً، والوسط هو: العدل، ويدل عليه النص واللغة.
أما النص: فقوله تعالى:( قال أوسطهم ألم أقل لكم( 2 أي: أعدلهم.
وأما اللغة: فقول الشاعر:
(هم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم) أي: عدول، الوجه في ذلك: أنّ الله عدلهم وجعلهم حجة على الناس في قبول أقوالهم، كما جعل الرسول حجة علينا في قبول قوله، ولا معنى لكون الإجماع حجة سوى كون أقوالهم حجة على غيرهم(21).
الثالثة: قوله تعالى:(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر((22).
وتقريب الاستدلال: قرب البصري ـ محمّد بن علي الطيب ـ الاستدلال بهذه الآية الكريمة: بأن ما ورد في الآية الكريمة يدل على أنهم ينهون عن كلّ منكر؛ لأن الألف واللام إذا دخلت على اسم الجنس عمت، فلو أجمعوا على مذهب منكر لما نهوا عنه، بل كانوا أمروا به (23).
وهناك آيات أخرى استدلوا بها، ولكنها لم تسلم من مناقشات طويلة في دلالتها، فلم تصلح وحدها للدلالة على حجية الإجماع، لذا اقتصرت على ذكر أهمها.
مناقشة الآيات:
لقد أورد الشيخ الطوسي على الآية الأولى: بأن الألف واللام لا يقتضيان الاستغراق والشمول، بل هما مشتركان لهما ولغيرهما، فإذا كان كذلك كانت الآية كالجملة تحتاج إلى بيان. ويحتمل أنّ يكون أريد بها: جميع المؤمنين، ويحتمل أنّ يكون
أراد بعضهم، ولا يمكن حملها على الجميع لفقد دلالة الخصوص؛ لأن لقائل أنّ يقول: أحملها على الأقل لفقد الدليل على أنّ المراد بها الكل(24).
وقال الغزالي: والذي نراه: أنّ الآية ليست نصاً في الغرض، بل الظاهر أنّ المراد بها: أنّ من يقاتل الرسول ويشاقه ويتابع غير سبيل المؤمنين في نصرته ودفع الأعداء نوله ما تولى، ولو فسر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ به لقبل ولم يجعل رفعاً للنبي(25). وبهذا أخرج دلالة الآية على الإجماع.
أما الآية الثانية: فالذي يرد عليها: أنّ المراد من الأمة: إما أنّ يكون جميع الأمة المصدقة بالرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ، أو بعضها، وقد علمنا: أنّه لا يجوز أنّ يريد بها جميعاً؛ لأن كثيراً منها ليس بخيار، ولا يجوز من الحكيم تعالى أنّ يصف جماعة بأنهم خيار عدول وفيهم من ليس بعدل ولا خير، فإذن لا دلالة فيها على العموم (26).
كما أنّ الآية مجملة، وموضع الإجمال فيها: أنّ قوله تعالى: (جعلناكم أمة وسطا( إذا سلمنا أنّ المراد بها: جعلناكم عدولاً خيارا فهل جعلهم عدولاً في كلّ أقوالهم وأفعالهم أو في بعضها ؟ فالقول مجمل. ويمكن أنّ يكون تعالى أراد منهم: أنهم عدول فيما يشهدون به في الآخرة (27).
وإذا تجاوزنا عن جميع ما ذكر فأنى لنا استعلام أنّ الخطأ الذي يكون كبيراً أو يؤثر في العدالة مأمون منهم وغير واقع من جهتهم، وبهذا يتضح: أنّه لا مجال للاستدلال على حجية الإجماع بهذه الآية. وما تقدم من إيراد على الآية الثانية أورد على الآية الثالثة، وذلك في خصوص المراد من لفظ "الأمة"، إذ يمكن أنّ يقال في هذه الآية: إنّ المراد بها: قوم معنيون لما تضمنته من حرف الإشارة في المخاطبين، وليس
فيها ما يقتضي لفظ العموم، فإذا قيل: لو كان المراد بها ما دون الاستغراق لبين.
وعلى فرض التسليم بعموم هذه الآية فإن غاية ما تثبته هو: عدالتهم والعدول يجوز عليهم الخطأ، فلا يكون رأيهم كاشفاً عن الحكم الشرعي إلاّ كشفاً ضنياً (28).
ب ـ أدلتهم من السنة:
لقد استدلوا بما تواتر عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ تواتراً معنوياً حول عصمة هذه الأمة بألفاظ مختلفة على لسان الثقاة من الصحابة(29):
منها: قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ: "لا تجتمع أمتي على ضلالة"، وفي رواية على الخطأ.
ومنها: قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ: "سألت الله أنّ لا تجتمع أمتي على الضلالة فأعطانيه".
ومنها: حديث: "يد الله مع الجماعة، فمن شذ شذ في النار"(30).
ومنها: حديث معاذ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ: "ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله تعالى، ومنا صحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين"(31).
وقد أشار الغزالي إلى التواتر المعنوي في هذه الأخبار بقوله: "إنّ الأقوى في الاستدلال على حجيّة الإجماع أنّ نقول: تظاهرت الرواية عن الرسول بألفاظ مختلفة مع اتفاق في عصمة هذه الأمة من الخطأ"(32).
مناقشة الأحاديث:
لقد نوقشت هذه الأخبار بأن بعضها بعيد عن مصطلح الإجماع فرضاً عن جعل الحجية له، فإن أخباراً مثل: (يد الله مع الجماعة) أو (أنّ الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد) إنما تدعو إلى التقارب وتحث عليه وتنهى عن التباعد.
أما حديث معاذ: فإنه تضمن الحث على طاعة الأمراء وعدم الخروج عليهم، كما تضمن الحث على صلاة الجمعة.
وفي حديث: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" قال الغزالي: "ولكن هذا الحديث يحتمل حمله أيضاً على البدعة والضلالة في الدين والاعتقاد، وعلى الإخلال بأصل الدين، فضعف التمسك به من هذا الوجه" (33).
بينما ذهب المحقق الكاظمي إلى أنّ هذا الحديث أو ما في معناه من الأحاديث التي يعتمد عليها، وقد ادعى تواتره معنى، وأن العلامة الحلي ممن اعتمد عليه (34).
ج ـ الاستدلال بالعقل: وقد صور بصورتين:
الصورة الأولى: وقد صورها لنا الغزالي في المنخول فقال : (فإن قيل: فما المختار عندكم في إثبات حجية الإجماع ؟ قلنا: لا مطمع في مسلك عقلي إذ ليس فيه ما يدل عليه، ولم يشهد له من جهة السمع خبر متواتر ولا نص كتاب، وإثبات الإجماع بالإجماع تهافت، والقياس المظنون لا مجال له في القطعيات، وهذه مدارك الإحكام، ولم يبق وراءه إلاّ مسالك العرف، فلعلنا نتلقاه منه ثم عرضه بالصورة التالية، وهي: أنّ تجتمع الأمة على القطع في مسألة مظنونة، فإذا قطعوا قولهم وقد كثر عددهم بحيث لا يتصور منهم في طرد العادة التواطؤ على الكذب فهذا يورث العلم إذ يستحيل في العادة ذهولهم وهم الجمع الكثير عن مسلك الحق مع كثرة بحثهم
وإغراقهم في الفحص عن مأخذ الأحكام) (35).
وقد أورد الآمدي عليه: بأن العادة لا تحيل الخطأ على الخلق الكثير، ولهذا فإن اليهود والنصارى مع كثرتهم كثرة تخرج عن حد التواتر قد أجمعوا على تكذيب محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ وإنكار رسالته، وليس ذلك إلاّ لخطئهم، فإما أنّ يقال باستحالة الخطأ عليهم فيما ذهبوا إليه، أو لا يقال باستحالته: فإن كان الأول لزم أنّ لا يكون محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ نبياً حقاً؛ لإجماعهم على تكذيبه، وإن كان الثاني فهو المطلوب (36).
الصورة الثانية: وهي التي تسمى بـ"قاعدة اللطف" والمنسوبة إلى الشيخ الطوسي، وتقريبها: أنّه (متى فرضنا أنّ يكون الحق في واحد من الأقوال ولم يكن هناك ما يميز ذلك القول من غيره فلا يجوز للإمام المعصوم ـ حينئذ ـ الاستتار، ووجب عليه أن يظهر ويبين الحق في تلك المسألة، أو يعلم بغض ثقاته ـ الّذين يسكن إليهم ـ الحق من تلك الأفعال حتّى يؤدي ذلك إلى الأمة) (37).
وقد نوقشت قاعدة اللطف تلك بمناقشات عديدة منها: أنّ اللطف إنّما يقتضي نصب النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أو الإمام وأداء هم الرسالة على الوجه المتعارف، وهم أدوا ذلك على النحو المطلوب منهم، ولا يقتضي اللطف أزيد من ذلك بحيث يكون على النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أو الإمام إرشاد كلّ جاهل وردع كلّ مشتبه ولو بطريق السر، وإلا لما وقع الاختلاف بين الفقهاء، فلو كان الواجب عليه هو الردع والإقناع ولو بالطرق الخارقة للعادة لما أفتى مجتهد بخلاف الواقع (38).
ثانياً: أدلة النافين:
استدل النافون للإجماع بعدة صور من الاستدلال، وسأقتصر على ذكر بعضها:
الصورة الأولى: باعتبار تحققه.
فإن الاتفاق يقتضي نقل الحكم إليهم، ونقله إلى جميع المجتهدين يستحيل عادة؛ لتباين أماكنهم وانتشارهم في أنحاء العالم، فإذا امتنع نقل الحكم إليهم يمتنع بالتالي اتفاقهم عليه.
كما أنّ الإجماع لابد له من سند، فإن كان قطعياً ـ فهو لا يخفى على المجتهدين لتوفر الدواعي على نقله ـ فيكون معلوماً لهم، وهو الذي يستندون إليه فلا حاجة إلى الإجماع معه. وإن كان ظنياً فتختلف الأفهام فيه، ولا يمكن الاتفاق على فهم معنى واحد منه، كما لا يمكن اتفاق كلّ الناس على اشتهاء طعام واحد في وقت واحد(39).
وقد نوقش هذا الاستدلال: بأن عدد المجتهدين لم يكن بالكثرة التي يتعذر معها معرفة آرائهم عن واحد منهم أنّه أفتى بغير ما يعتقده، بل كانوا يعلنون بصراحة عن آرائهم حتّى في مواجهة الخليفة نفسه، ومن رجع عن فتواه أعلن رجوعه مبيناً السبب في ذلك،ولذلك اشتهرت المسائل التي اتفقوا عليها، كما اشتهرت المسائل الخلافة (40).
ثم إنّ مرادهم بالقطعي: إنّ كان قطعي الثبوت والدلالة فليس مما نحن فيه؛ لأنه ليس محلاً للاجتهاد. وان أرادوا به قطعي الثبوت ظني الدلالة فإنهم إنّ عرفوه كلهم فمجرد معرفته لا تكفي، بل لابد من البحث عن مراد الشارع منه، وليس هناك مانع يمنع اتفاقهم على فهم حكم واحد منه متى دلت القرائن عليه وظهرت للجميع.
أما قياسهم الاتفاق على الحكم على الاتفاق بالنسبة إلى اشتهاء الطعام الواحد فإنه قياس مع الفارق؛ لأن الأكل يتبع المزاج والطبع، والناس مختلفون في أمزجتهم وطبائعهم، ولا كذلك الحكم الشرعي؛ لأنه تابع للدليل، فمتى توفرت ملكة الاجتهاد عند الجميع وبحثوا في الدليل الشرعي فلا استبعاد لأن يتفقوا على الحكم المأخوذ منه (41).
الصورة الثانية: وهي: استحالة العلم به على فرض تحققه:
وقد قرب الشويهي ـ محمّد بن يونس ـ هذه الصورة التي ذكرناها في المبحث الثالث عند الحديث عن إمكان الإجماع، وهل يمكن العلم به والاطلاع عليه ؟
ويتلخص الاستدلال: بأن ما ليس بضروري ولا وجداني فطريق معرفته الحس أو الخبر أو النظر العقلي، والوقوف على الثلاثة متعذر (42).
وقد أورد على هذا الاستدلال بإجماع الصحابة على بيعة أبي بكر بالخلافة، وكذلك اتفاقهم على جمع المصحف في عهده أيضاً، ونقل ذلك بالتواتر إلى اليوم، وأنه يكفي في نقض الدعوى أنّ أثبت بعض جزئياتها في عصر الصحابة (43). إلاّ أنّه يمكن القول: بأن الإشكال باق إذا أريد من الإجماع اتفاق أمة محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ على مختلف مذاهبها وآرائها(44).
المبحث الثالث
هل الإجماع اصل أو دليل مستقل ؟
لقد اختلف في الإجماع: هل أنّه دليل مستقل مقابل الكتاب والسنة في حكايته عن الحكم الواقعي، أو أنّه كاشف عن أحدهما ؟
حاولت في هذا المبحث التعرف على رأي كلّ من الأخباريين والأصوليين.
أ ـ رأي الأخباريين:
لقد رفض المحدث الأسترآبادي كون الإجماع بالمفهوم الأصولي دليلاً شرعياً، حيث قال: (إنّ إجماع الأمة غير مسلمٍ به، بل معلوم البطلان) (45). وأورد منع الأئمة له في أكثر من موضع (46).
كما أوضح المراد من مصطلح "المجمع عليه" الوارد في كتب الحديث بقوله: (ومرادهم من المجمع عليه: الذي أجمعت على اختياره قدماؤنا الأخباريون، حتّى ذكره عمدة علمائنا الأخباريين: الشيخ أحمد بن محمّد البرقي في أول "المحاسن" بمعنى بيان الحق والاتفاق) (47).
أما الإجماع المعتبر عن المحدث الأسترآبادي فهو ـ ما أطلقه قدماء الأخباريين ـ على نوعين:
الأول: اتفاق قدماء الأخباريين على الإفتاء برواية.
الثاني: إفتاء جمع من الأخباريين: كالصدوق والكليني لدلالة قطعية معتبرة (48).
فهو في هذا المعنى يُقر العمل به.
أما العاملي ـ حسين بن شهاب الدين ـ فقال: (واعلم: أنّ إجماع الإمامية إنّ تحقق فهو حجة للقطع بدخول قول المعصوم في جملة أقوالهم، لكن قل أنّ يتحقق في غير ضروريات المذهب) (49).
وفي موضع آخر قال: (يمكن أنّ يحصل لنا ما هو في حكم الإجماع، وذلك في ثلاث صور:
أحدها: أنّ يرد حديث في الكتب المشهورة الآن ولا معارض له، فيجب العمل به؛ لأنه مجمع على قوله.
ثانيها: أنّ يرد حديثان ونرى القدماء كلهم أو أكثرهم عملوا بأحدهما دون الآخر، فيجب العمل به؛ لأن عملهم كاشف عن كونه ورد من باب بيان ما هو الحق في الواقع، والآخر ورد للتقية، وهذا مصرح به في رواية عمر بن حنظلة.
ثالثها: أنّ نرى فتوى الصدوقين، والمفيد، والمرتضى، والشيخ الطوسي في حكم، فهو أيضاً حجة وإن لمن نجد به نصاً... فاتفاقهم لا يكون إلاّ عن نص قاطع) (50).
وقد صرح المحدث السيد نعمة الله الجزائري: (بأن عمدة دلائل الفقه بل هي كلها " الكتاب والسنة والإجماع"، والأخير يرجع إلى السنة؛ لأنه كاشف عن قول المعصوم) (51).
وإذا انتقلنا إلى الشيخ حسين بن محمّد بن جعفر العصفوري فإننا نجده يؤكد على أنّه لا اعتماد على ما يسمى "إجماعاً" عند الأصوليين، حيث إنهم اعتمدوا عليه في الحجية فربعوا به الأدلة، وأن كلماتهم الدائرة على رؤوس أقلامهم كاشفه على أنّ
الحجة في الإجماع إنّما كان بدخول المعصوم فيه، وموافقة قوله لأقوال المجمعين، فيحصل لنا بذلك: أنّ أكثر الإجماعات المنقولة في كتب الاستدلال لا تعويل عليها في حال، ولا يصح الاستناد عليها في الاستدلال وحالة المباحثة والجدال(52).
فالإجماع مع ظهور الإمام أو معرفة نسبه لا معنى له ولا فائدة فيه، كما اعترف به غير واحد من الأصوليين، ومع غيبته وعدم معرفته: فان أمكن العلم بقوله بوجه من الوجوه فلا حاجة لضم غيره، وإن لم يعلم قوله وإنما علم باتفاق الشيعة في عصر ـ مثلاً ـ فمع تسليم حصر هذا العلم لا يستلزم دخوله في جملتهم وإن كان هو رئيسهم وسيدهم؛ لتوقف ذلك على رؤيته متصدراً للفتوى، ومعرفة كونه من علماء الشيعة،... وهو في زمن الغيبة ممنوع (53).
لهذا عقب على ذلك قائلا : (ولماذا تربيع القسمة في الأدلة؟ وأين من عد الإجماع في ذلك؟ وأي فائدة من تلك التسمية؟ ما هذا إلاّ اصطلاح خاص غير نافع في البين، وصلح بين الفريقين بغير رضا الخصمين ‍!) (54).
وقد سار الميرزا محمّد الأخباري على الطريقة نفسها في نفي كون الإجماع دليلاً مستقلاً عندما تساءل قائلاً: (فإن قلتم: ليس الإجماع عندنا حجةً برأسه بل كاشف عن الحجة وهو قول المعصوم ـ عليه السلام ـ ولذلك صار حجة قلنا: ليس إذاً الإجماع حجة برأسه عندكم، فلم جعلتموه حجة برأسه وأفردتموه عن الكتاب والسنة وزدتموه عليها ؟ وإذا كان الإجماع ليس بحجة في نفسه فما بالكم تعدونه دليلاً من الأدلة الأربعة في الأحكام الدينية وتعتبرونه كالكتاب والسنة؟!)(55).
أما المحدث البحراني: فإن الإجماع المعتبر عنده يتحدد في موردين لا يختلفان عما حدده المحدث الأسترآبادي والمحقق العاملي(56).
والذي يتضح من هذا: أنّ عمدة الأدلة عند الأخباريين هي: الكتاب والسنة. أما الإجماع فهو ليس بدليل مستقل على حد الكتاب والسنة، وإنما ترجع إليه وتجعله دليلاً من حيث كشفه عن رأى المعصوم إذا اتفقوا على حكم مع ثقتنا بعلمهم ودينهم نستكشف من هذا الاتفاق وجود دليل اطلعوا عليه وخفي علينا، فيكون الدليل هو: قول المعصوم، لا الإجماع، ويكون المتحصل أنّ السنة كما تثبت بخبر الثقة تثبت كذلك: بالإجماع.
ومن الأدلة التي اعتمدها الأخباريون في إسقاط الإجماع من الأدلة "رسالة الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ إلى الشيعة" والتي جاء فيها: ".. وقد عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ قبل موته، فقالوا: نحن بعد ما قبض الله ـ عزّ وجلّ ـ رسوله يسعنا أنّ نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس بعد قبض الله تعالى رسوله، وبعد عهده الذي عهد إلينا... والله إنّ لله تعالى على خلقه أنّ يطيعوه ويتبعوا أمره في حياة محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ وبعد موته" (57).
فقد أوضح المحدث البحراني: أنّ المستفاد من هذا الخبر هو: أنّ الرجوع إلى القرآن وأخذ الأحكام منه يتوقف على تفسيرهم ـ عليه السلام ـ وبيان معانيه عنهم، ومنه يعلم: أنّ الأخبار كالأصل لمعرفة الكتاب، وحل مشكلاته، وبيان معضلاته وتفسير مجملاته، وتعيين المراد من أحكامه، وبيان إبهامه، وأن الاعتماد ليس إلاّ على القرآن والأخبار، وأن ما عداهما فهو ساقط عن درجة النظر إليه والاعتبار(58).
وبهذا علل إعطاء الإمامية للإجماع معنى خاصاً بهم، وهو: كشفه عن دخول
قول المعصوم فيه، وأن الحجة في ذلك إنما في قوله ـ عليه السلام ـ ، وإذا كان حال الإجماع ما ذكر فلرب سائلٍ يتساءل: إنّ فقهاء الإمامية كثيراً ما يستندون إليه في جملة المسائل؟
فقد أجاب المحدث البحراني عن ذلك قائلاً: (إنهم كثيراً ما يستسلقونه مجازفةً في مواضع، وربما قيدوه بقولهم: (إنّ تم) أو (إنّ ثبت)، وأما في مقام التحقيق فإنهم يمزقونه تمزيقاً ويجعلونه حريقاً) (59).
ولذلك فإن من القدماء من يدعي الإجماع أحياناً مع وجود المخالفين في المسألة، بل أنّ الشخص نفسه قد يتفق على دعوى الحكم ثم يدعي خلافه في موضعٍ آخر.
قال الشيخ البحراني مورداً على حجية الإجماع: (إنّ أساطين الإجماع ـ كالشيخ الطوسي، والمرتضى وابن إدريس ـ قد كفونا مؤنة القدح فيه، وإبطاله بمناقضاتهم بعضهم بعضاً في دعواه، بل مناقضة الواحد نفسه في ذلك...، ولقد كان عندي رسالة، الظاهر أنها لشيخنا الشهيد الثاني كتبها في الإجماعات التي ناقض الشيخ فيها نفسه) (60).
لذا يمكن تفسير هذا التهالك على الإجماع من فقهاء المسلمين بعبارة واحدة هي: أنّه كان يشكل رافداً عظيماً ساعد على مد التشريع الإسلامي بكثير من الفتاوى(61).
ب ـ رأي الأصوليين:
إنّ بعض الأصوليين من المذاهب الإسلاميّة يرى: (أنّ الإجماع لا ينعقد إلاّ
عن مستند) (62). في حين يراه غيرهم من الأصوليين دليلاً مستقلا، ومصدراً تشريعياً إلى جنب الكتاب والسنة(63).
أما الأصوليون من الإمامية فقد أوضح لنا السيد المرتضى قيمة الإجماع الذي يحتج ويستدل به الإمامية بقوله (ومما يجب علمه: أنّ حجة الإمامية في صواب جميع ما انفردت به أو شاركت فيه غيرها من الفقهاء هي: إجماعها عليه؛ لأن إجماعها حجة قاطعة، ودلالة موجبة للعلم، فإن انضاف إلى ذلك ظاهر كتاب الله تعالى أو طريقة أخرى توجب العلم وتثمر اليقين فيهي فضيلة ودلالة تنضاف إلى أخرى، و إلاّ ففي إجماعهم كفاية) (64).
وقد أجاب السيد المرتضى عن سبب إيثار الإمامية للإجماع كدليل على ما سواه من الأدلة وتخصيصه بالذكر من بينها بقوله: (وإنّما قلنا: إنّ إجماعهم حجة؛ لأن في إجماع الإمامية قول الإمام الذي دلت العقول على أنّ كلّ زمانٍ لا يخلو منه، وأنه معصوم لا يجوز عليه الخطأ في قول ولا فعل، فمن هذا الوجه كان إجماعهم حجة ودليلا) (65).
ومن هذا يتضح لنا إصرار السيد المرتضى على الإجماع، واعتماده دليلاً أكثر من غيره من الأدلة التي قد يتمسك بها تأييداً وإسناداً للإجماع، حتّى لا تكاد مسألة من مسائل "الانتصار" إلاّ ويكون الإجماع مدركها الأول ودليلها المعول.
وقد تابع السيد المرتضى في اعتبار الإجماع الدخولي غير واحد من الأعلام: كالسيد ابن زهرة، والمحقق الحلي، والعلامة الحلي، والشهيدين (66). ولعل السيد المرتضى
تأثر برأي اُستاذه الشيخ المفيد (67).
والذي يتضح مما تقدم: أنّ من يرى استقلالية الإجماع فإن الإجماع يكون معصوماً عن الخطأ، والذي يتهم المجمعين بذلك فإنه يتهم الله ورسوله؛ لأن الإجماع يكون موجباً للحكم قطعاً: كالكتاب والسنة.
أما الإجماع عند الأصوليين من الإمامية: فإن ليس بدليل، وإنّما هو راو، والراوي لا يجوز الأخذ بقوله إلاّ بعد الوثوق بصدقة والأمن من خطئه، كما أنهم لا يعتبرون الإجماع شيئاً إلاّ مع القطع واليقين بأنه يكشف عن الدليل السليم، حيث إنّ مجرد الاحتمال بخطأ الإجماع يسقطه عن الاعتبار.
تعقيب:
قد يتفق الفقهاء على هجر حديث صحيح السند، فإن حصل الفقيه اتفاقهم بنفسه أو نقله بعض الثقاة من الفقهاء سقط ذلك الحديث من الاعتبار؛ لكشف اتفاقهم عن وجود خلل في الحديث مانع عن العمل به؛ لأنه بمرأى منهم ومسمع وهو صحيح السند، فلا يكون لهم عذر في هجره إلاّ ذلك الخلل المسقط له عن الاعتبار. وهذا المعنى ذكر وجهاً لوهن الحديث باشتهار إعراض الفقهاء عنه. فعلى فرض عدم قبوله بالنسبة للشهرة فهو مقبول في الإجماع(68).
وقد التبس هذا الوجه على بعض الأخباريين، ومنهم: الميرزا محمّد الأخباري، فأورد: بأن الإجماع لما لم يكن حجة في نفسه كيف يترك الخبر الصحيح لأجله إذا انعقد على خلافه: كالأخبار الواردة في غسل الجمعة ؟ (69). ولم يلتفت إلى أنّ حجية الإجماع
في نفسه بملاكٍ وسقوط الحديث المعارض له عن الاعتبار بملاك.
> المبحث الرابع
مستند حجية الإجماع لدى الإمامية:
لقد مر علينا في المبحث السابق أنّ الإجماع عند الإمامية ليس بحجة ودليل مستقل، وإنّما هو مجرد أداة تكشف عن وجود دليل متين: كآية من كتاب الله، أو رواية من سنة نبيه تنطق بالحكم المجمع عليه، وهي معلومة عند المجمعين ومجهولة عندنا، وأن الإجماع حاك وراو لحكم، فهو كاشف عن الدليل السليم. ومن أجل ذلك استغنى الإمامية عن إقامة الدليل عليه ما دامت العبرة بالمنكشف لا الكاشف، وعلى هذا فإن الدليلية والحجية إنّما هي للسنة، لا للإجماع (70).
وقد ذكر الأصوليون طرقاً عديدة لإحراز رأي المعصوم ضمن آراء المجمعين، سأقتصر على الطرق المعروفة وهي:
أوّلاً الطريقة التضمنية:
وذلك بأن يستكشف عقلاً أو عادة أو ملفقاً منهما قول الإمام ـ عليه السلام ـ من وجود مجهول النسب في المجمعين، بحيث يعلم: أنّ من عداه غيره فيحكم بأنه هو، وأن قولهم قوله، وإذا ثبت ذلك يكون حجة قطعاً، وقد اشتهر هذا بين الأصوليين، لذا تراهم في كثير من المسائل الخلافة يتمسكون بالإجماع، ويردون قول المخالف بمعلومية نسبة، وهم بهذا يقصدون هذا الوجه.
وهكذا، فإن بمنى الاستدلال المذكور مبني على العلم بقوله في جملة أقوال غير
المعروفين منهم، والطريق إلى معرفة أقوالهم هو: إما الحدس المقتضي للعلم الإجمالي باتفاق الجميع من جهة الأدلة ونحوها، أو قياس الغائب على الشاهد والمجهول على المعلوم، أو عدم نقل الخلاف الدال على اتفاق الكل أو المتحصل من جملة ذلك (71).
والى هذا أشار الشيخ الطوسي في العدة، حيث قال: (فإذا لم يتعين لنا قول الإمام ولا ينقل عنه نقلاً يوجب العلم ويكون قوله في جملة أقوال الأمة غير متميز منها فإنه يحتاج أنّ ينظر في أحوال المختلفين، فكل من خالف ممن يعرف نسبه ويعلم منشؤه وعرف أنّه ليس بالإمام الذي دل الدليل على عصمته وكونه حجة وجب إطراح قوله، وأن لا يعتد به، ويعتبر أقوال الّذين لا يعرف نسبهم؛ لجواز أنّ يكون كلّ واحد منهم الإمام الذي هو الحجة) (72).
وذكر أيضاً: انه إذا اختلفت الإمامية في مسالة ليس فيها ما يوجب العلم بصحة أحد أقوالهم وكان المعروف منهم بعينه ونسبة قائلاً بقول والباقون قائلين بالقول الآخر لم يعتبر قول من عرفناه؛ لأنا نعلم: أنّه ليس فيهم الإمام، فغن كان في الفريقين أقوام لا نعرف أعيانهم ولا أنسابهم وهم مع أخذ ذلك مختلفون كانت المسألة من باب ما نكون فيها مخيرين، بأي القولين شئنا أخذنا(73).
وقال ابن إدريس في بيان محرمات النكاح: (وليس دليل الإجماع في قول رجلين ولا ثلاثة ولا من عرف اسمه ونسبه؛ لأن وجه كون الإجماع حجة عندنا دخول قول المعصوم عن الخطأ في الحكم بين القائلين بذلك، فإذا علمنا في جماعة قائلين بقول: إنّ المعصوم ليس هو في جملتهم لا نقطع على صحة قولهم إلاّ بدليل غير قولهم، وإذا تعين المخالف من أصحابنا باسمه ونسبه لم يؤثر خلافه في دلالة الإجماع؛ لأنه إنما يكون حجة لدخول قول المعصوم فيه، لا لأجل الإجماع) (74).
أما المحقق الحلي فقد فرض صوراً ثالثها: (أنّ يفترقوا فريقين، ويعلم: أنّ الإمام ليس في أحدهما ويجعل الأخرى، فيتعين الحق مع المجهولية، ثم قال: وهذه الفروض تعقل لكن قل أنّ تتفق) (75).
وتحدث كذلك الشهيد الأول ـ محمّد بن مكي العاملي ـ عن الطريق إلى معرفة دخوله ـ عليه السلام ـ وذلك: أنّ يعلم إطباق الإمامية على مسألة معينةٍ، أو قول جماعةٍ فيهم من لا يعلم نسبه، بخلاف قول من نعلم نسبه، فلو انتفى العلم بالنسب في الشطرين فالأولى التخيير(76).
وصرح الشيخ حسن بن زين الدين العاملي، فقال: (يتصور وجود فائدة الإجماع حيث لا يعلم الإمام بعينه، ولكن يعلم كونه من المجمعين ـ إلى أنّ قال ـ: ولا بد في ذلك من وجود من لا يعلم أصله ونسبه في جملتهم، إذ مع علم اصل الكل ونسبهم يقطع بخروجه عنهم. ومن هنا يتجه أنّ يقال: إنّ المدار في الحجية على العلم بدخول المعصوم في جملة القائلين، من غير حاجة إلى اشتراط اتفاق جميع المجتهدين أو أكثرهم، لاسيما معروفي الأصل والنسب) (77).
وقد أجيب عن هذه الطريقة:
أ ـ لا يستلزم عقلا ولا نقلا أنّ يكون مجهول النسب هو الإمام، وإذا كان العلماء المتفقون الّذين استنبط من اتفاقهم قول المعصوم وسمي إجماعاً معلومي الأعيان والأقوال والتصانيف فأين الإمام المجهول النسب؟
كما أنّ المخالف للإجماع له أنّ يدعي: أنّه لا يضر خروجكم عن قوله واتفاقكم على خلافه، وأن الإمام المجهول داخل فيما قال به هو وأصحابه(78).
ب ـ إنّ المجهول ليس حجة في قوله أصلا وإن كان حجة الله في نفسه؛ لأن حجية الكلام المنقول فرع المتكلم، وأنه معصوم(79).
ج ـ كما أجاب المحدث البحراني عن هذه الطريقة مستشهداً بما ذكره المحقق الحلي في "المعتبر"، حيث قال: (فلو خلا المائة من فقهائنا من قوله لما كان حجة، ولو حصل في اثنين لكان قولهما حجة لا باعتبار اتفاقهم، بل باعتبار قوله ـ عليه السلام ـ ، فلا تغتر إذا بمن يتحكم فيدعي الإجماع باتفاق الخمسة والعشرة من الأصحاب مع جهالة قول الباقين، إلاّ مع العلم القطعي بدخول الإمام ـ عليه السلام ـ في الجملة) (80).
وقد عقب المحدث البحراني على ذلك بقوله: (ومن أين يحصل العلم القطعي بموافقة قوله ـ عليه السلام ـ لأقوال الأصحاب مع هذا الانقطاع المحض، والمفارقة الكلية، والجهل بما يقوله على الإطلاق) (81).
ثانيا: طريقة قاعدة اللطف:
وهي الطريقة التي اختارها الشيخ الطوسي في العدة، وقد تقدم تقريبها في المبحث الرابع عند حديثنا عن استدلال المثبتين لحجية الإجماع، كما ذكرنا أهم ما أثير حولها من مناقشات.
وبهذا الصدد أود أنّ أذكر ما قاله المحدث البحراني عند مناقشته لقاعدة اللطف، إذ قال: (إنّ هذا مما لا ينبغي أنّ يصغى إليه، ولا يعرج في مقام التحقيق عليه، وعلى هذا فليس عد الإجماع في الأدلة إلاّ تكثير العدد وإطالة الطريق؛ لأنه إنّ علم دخوله ـ عليه السلام ـ فلا بحث، ولا مشاحة في إطلاق اسم الإجماع لهي، وإسناد
الحجة إليه ولو تجوزا...، و إلاّ فليس نقل الإجماع بمجرده موجباً لظن دخول المعصوم ـ عليه السلام ـ ، ولا كاشفاً عنه كما ذكروه) (82).
ثالثاً: طريقة الحدس:
وهي الطريقة التي ذهب إليها أكثر المتأخرين (83). وقد قربها المحقق الكاظمي (بأن يستكشف عادة رأي؛ لكونه المتبوع المطاع من اتفاق الأصحاب والأتباع، فقد كان المجمعون مع قرب عهدهم وتمكنهم أحيانا من أخذ الأحكام شفاهاً عن أئمتهم قد ظهر من سيرتهم وأحوالهم التثبت البليغ في أصول المسائل وفروعها، ومراجعة أقوال الأئمة وأخبارهم المعلومة في جلائل الأمور ودقائقها، وعدم التسارع إلى الحكم والعمل إلاّ بثبت مركون إليه، ودليل واضح يصح التعويل عليه، فاتفاقهم يكشف عن أنّه لم يتحقق إلاّ عن حجة مأخوذة من الحجج على وجه يورث العلم والقطع) (84).
وقد أجاب العلامة المجلسي ـ محمّد باقر ـ عن هذه الطريقة: (بان الإفتاء لم يكن شائعاً في تلك الأزمنة السالفة، أي: من زمن الكليني وما قبله، بل كان مدارهم على نقل الأخبار، وكانت تصانيفهم مقصورة على جمع الأخبار وروايتها وتدوينها، ـ وقال أيضاً ـ: إنّ الاطلاع على الخبر المجمع عليه عن طريق الإفتاء متعسر، بل معتذر..، كما ذكر: أنّ معرفة المشهور على هذا الوجه متعسر أيضاً) (85).
رابعا ً: طريقة التقرير:
وهي عين طريقة قاعدة اللطف، إلاّ أنّ استكشاف رأي الإمام ليس من جهة
قاعدة اللطف، بل من جهة دلالة التقرير الناشئ من الإمساك عن النكير على إصابة المجمعين فيما اتفقوا عليه؛ وذلك لأن تقرير المعصوم حجة: كقوله وفعله، فإذا كانت الشيعة بمرأى الإمام الغائب ـ عليه السلام ـ ومسمعه يراهم ويلقاهم ويلقونه، وإن كانوا لا يعرفونه وكان راعياً لهم معروضاً عليه أعمالهم، منكشفاً لديه أحوالهم متمكناً من إنكار باطلهم على عالمهم وجاهلهم فحينئذٍ يكون عدم رده عليهم ما اتفقوا عليه، وتركه للنكير تقريراً لهم عليه (86).
وقد أجاب المرحوم المظفر عن هذه الطريقة بقوله: (إنّ المهم أنّ يثبت لنا أنّ الإجماع في عصر الغيبة هل يتحقق فيه إمكان الردع من الإمام ولو بإلقاء الخلاف؟ وهل يجب على الإمام بيان الحكم الواقعي والحال هذه؟) (87).
والذي يتضح من هذا العرض لطرق ومباني استكشاف رأي المعصوم عليه السلام: أنّ منهج الأصوليين في الإجماع حدسي، ولا شيء أدل على ذلك من الطرق التي سلكوها في التعرف على رأي المعصوم وإحرازه ضمن آراء المجمعين كما مر علينا، فهي تصورات وخطرات تبتعد عن الحس والواقع.
________________________
1 ـ الترعيفات للجرجاني علي بن محمّد: 5.
2 ـ وسائل الشيعة: باب 9 من أبواب صفات القاضي ح 1 ج 18 ص 75.
3 ـ مخاصر المجتهدين للشويهي 2: 327.
4 ـ إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني: 72.
5 ـ أصول الفقه لمحمد الخضري: 284.
6 ـ مخاصمات المجتهديت للشويهي 2: 326.
7 ـ الإجماع في التشريع الإسلامي، محمّد صادق الصدر: 97.
8 ـ دائرة المعارف الإسلاميّة لحسن الأمين، والإجماع بقلم محمّد تقي الحكيم 3: 42.
9 ـ معالم الدين للشيخ حسن بن زيد الدين (الشهيد الثاني): 167.
10 ـ أصول الفقه لمحمد الخضري: 285.
11 ـ مخاصمات المجتهدين: 329.
12 ـ الإجماع لمحمد صادق الصدر: 97.
13 ـ اللمعة الساطعة في تحقيق صلاة الجمعة الجامعة للسيد طيب الجزائري: 30.
14 ـ روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة المقدسي: 74.
15 ـ الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 1: 162.
16 ـ النساء: 115.
17 ـ أحكام القرآن لمحمد بن إدريس بن العباس الشافعي 1: 39.
18 ـ المعتمد في أصول الفقه 2: 462 لمحمد بن علي بن الطيب البصري (ت 436 هـ )، والمنخول من تعليقات الأصول لمحمد بن محمّد الغزالي: 305.
19 ـ البقرة: 143.
20 ـ القلم: 28.
21 ـ الإحكام للآمدي 1: 157.
22 ـ آل عمران: 110.
23 ـ المعتمد للبصري 2: 461.
24 ـ عدة الأصول للطواسي 2: 65.
25 ـ أصول الفقه للخضري: 286.
26 ـ عدة الأصول للطوسي 2: 70.
27 ـ عدة الأصول للطوسي 2: 70.
28 ـ أصول الفقه لأحمد البهادلي: 93، السنة الثالثة.
29 ـ أمثال: عمر وابن مسعود وأبي هريرة وغيرهم.
30 ـ المعتمد للبصري 2: 475.
31 ـ الرسالة للشافعي: 419.
32 ـ المستصفى للغزالي: 1: 175.
33 ـ المنخول للغزالي 2: 306.
34 ـ كشف القناع عن وجوه حجية الإجماع للمحقق الكاظمي: 6.
35 ـ المنخول للغزالي 2: 306.
36 ـ الإحكام للآمدي 2: 76.
37 ـ عدة الأصول للطوسي 2: 76.
38 ـ راجع اللمعة الساطعة للسيد طيب الجزائري: 28 ـ 29، وعلم أصول الفقه في ثوبه الجديد، محمّد جواد مغنية: 230.
39 ـ مخاصمات المجتهدين للشويهي 2: 329.
40 ـ أصول الفقه الإسلامي لمحمد مصطفى شلبي: 171.
41 ـ المصدر السابق: 171.
42 ـ مخاصمات المجتهدين للشويهي 2: 329.
43 ـ أصول الفقه الإسلامي لمحمد مصطفى شلبي: 170
44 ـ الأصول العامة للفقه المقارن لمحمد تقي الحكيم: 273.
45 ـ الفوائد المدنية للأسترآبادي: 17، 46، 112، 122.
46 ـ المصدر السابق: 9، 132، 134.
47 ـ المصدر السابق: 135، 237.
48 ـ المصدر السابق: 134.
49 ـ هداية الأبرار للعاملي: 259.
50 ـ المصدر السابق: 260.
51 ـ منبع الحياة لنعمة الله الجزائري: 19. راجع ترجمة الجزائري في لؤلؤة البحرين: 111.
52 ـ العصفوري، حسين بن محمّد: شرح مفاتيح الغيب للفيض الكاشاني، مخطوطة في مكتبة الشيخ عبد السحن الغراوي بتسلسل 13/ 1016/ 25.
53 ـ شرح مفاتيح الغيب للعصفوري 1: 26.
54 ـ شرح مفاتيح الغيب للعصفوري 1: 26.
55 ـ كشف القناع عن حجية الإجماع لمحمّد بن عبد النبي الأخباري: 31.
56 ـ الحدائق الناضرة للبحراني 1: 36.
57 ـ الكافي للكليني 8: 3 ـ 5.
58 ـ الحدائق الناضرة للبحراني 9: 367.
59 ـ المصدر السابق 9: 273.
60 ـ المصدر السابق 1: 37.
61 ـ أصول الفقه للخضري: 273 ـ 276.
62 ـ أصول الفقه للخضري: 282.
63 ـ إرشاد الفحول للشوكاني: 79.
64 ـ الانتصار لعلي بن الحسين المرتضى: 6.
65 ـ المصدر السابق: 6 (وهو ما يصطلح عليه بالإجماع الدخولي نسبة إلى دخول قول الإمام في أقوال المجمعين).
66 ـ الشهيدان هما: الشهيد الأول، محمّد بن مكي العاملي، راجع ترجمته في لؤلؤة البحرين للبحراني 143 أما الشهيد الثاني فهو زين الدين بن علي بن أحمد، راجع ترجمته في المصدر السابق 28.
67 ـ أوائل المقالات للشيخ المفيد: 99.
68 ـ كفاية الأصول للشيخ محمّد كاظم الخراساني 2: 218.
69 ـ كشف القناع عن حجية الإجماع للأخباري: 30.
70 ـ راجع الرسائل للشيخ الأنصاري: 40، وفوائد الأصول لمحمد علي الكاظمي 3: 53، وأصول الاستنباط لعلي نقي الحيدري 2: 145، وعلم أصول الفقه في ثوبه الجديد لمحمد جواد مغنية: 226، وكشف القناع لمحمد عبد النبي الأخباري: 31، والحدائق الناضرة للبحراني 9: 370.
71 ـ الغنية: الحمزة بن علي ابن زهرة 2.
72 ـ عدة الأصول للطوسي 2: 75.
73 ـ المصدر السابق 2: 76، وراجع كذلك الغنية للطوسي: 18.
74 ـ السرائر لمحمد بن إدريس الحلي: 277.
75 ـ المعتبر للمحقق جعفر الحلي: 6.
76 ـ الذكرى لمحمد بن مكي الشهيد الأول: 4.
77 ـ معالم الأصول للشيخ حسن بن زين الدين: 65.
78 ـ كشف القناع لمحمد بن عبد النبي الأخباري: 34.
79 ـ المصدر السابق: 35.
80 ـ المعتبر: المحقق الحلي: 6.
81 ـ الحدائق الناضرة للبحراني 9: 369.
82 ـ المصدر السابق 1: 35، وراجع كذلك كشف القناع للأخباري: 40 وما بعدها، فقد ناقشي قاعدة اللطف تحت عنوان: "إنّ قلت: قلت".
83 ـ الرسائل للأنصاري: 43، وأصول الفقه للمظفر 3: 109.
84 ـ كشف القناع عن وجوه حجية الإجماع، أسد الله المحقق الكاظمي: 28.
85 ـ العلامة المجلسي.
86 ـ كشف القناع للكاظمي: 164.
87 ـ أصول الفقه للمظفر 3: 109.
 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية