مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

الأحداث الارهابية.. تداعياتها
والموقف الانساني المطلوب
الشيخ محمد علي التسخيري
الأمين العام للمجع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية


حول تعريف الارهاب من وجهة نظر اسلامية وانسانية
ظهرت بحوث كثيرة في السنوات العشرين عن الارهاب حتى وصل بها البعض الى 600 بحث، وصدرت مجلات متخصصة، بل وانشئت معاهد علمية، واقترحت استراتيجيات حول محاربة الارهاب، وصرفت اموال هائلة، ودربت جيوش على كيفية مكافحة الارهاب ربما فاق عددها عدد الارهابيين بل وربما ارتكبت الارهاب باسم مكافحته، وعقدت الكثير من المؤتمرات لمعالجة هذا السرطان(1)، والغريب مع هذا كله هو بقاء مفهوم الارهاب غامضاً، وبقيت التساؤلات حوله بلا جواب، وكأنه أمر مقصود يبرر لمدّعي مكافحة الارهاب ممارسة أشد انواع ارهابهم وغطرستهم وابادتهم للأمم والشعوب وسلب حقوقها ومصائرها ومصادرها وكرامتها.
وقد سجل الباحث (شميد) 109 تعريفات له ثم عرفه هو بما يلي:
(الارهاب هو اسلوب من اساليب الصراع الذي تقع فيه الضحايا الجزافية او الرمزية كهدف عنف فعال، وتشترك هذه الضحايا الفعالة في خصائصها مع جماعة او طبقة في خصائصها، مما يشكل اساساً لانتقائها من أجل التضحية بها. ومن خلال الاستخدام السابق للعنف او التهديد الجدي بالعنف فإن أعضاء تلك الجماعة او الطبقة الآخرين يوضعون في حالة من الخوف المزمن (الرهبة). هذه الجماعة او الطبقة التي تم تقويض احساس اعضائها بالأمن عن قصد هي هدف الرهبة. وتعتبر التضحية بمن اتخذ هدفاً للعنف عملاً غير سوي من قبل معظم المراقبين من جمهور المشاهدين على اساس من قسوة، او زمن (وقت السلم، مثلاً) او مكان (في غير ميادين القتال) عملية التضحية او عدم التقيد بقواعد القتال المقبولة في الحرب التقليدية. وانتهاك حرمة هذا يخلق جمهوراً يقظاً خارج نطاق هدف الرهبة ...).(2)
وهكذا يمضي في تعريفه الطويل بما لا محصل له.
في حين يعرفه جنكينز بانه (ما يفعله الاشخاص السيئون)!!
وهو تعريف غريب، فمن ذا الذي يحدد السيئ والصالح والخيّر والشرير؟! أليسوا هم الاقوياء المستكبرون المتحكمون في مصائر البشرية وعلى رأسهم اليوم أميركا؟
ويعرفه شريف بسيوني بأنه (استراتيجية عنف محرم دولياً تحفزها بواعث عقائدية، وتتوخى أحداث عنف مرعب داخل شريحة خاصة من مجتمع معين لتحقيق الوصول الى السلطة او للقيام بدعاية لمطلب او لمظلمة بغض النظر عما إذا كان مقترفو العنف يعملون من أجل أنفسهم ونيابة عنها أم نيابة عن دولة من الدول). (3)
ورغم كون بسيوني متخصصاً قانونياً، ورغم القبول بهذا التعريف في اجتماعات الخبراء الاقليميين في فيينا عام 1988، فإن تعريفه فيه ثغرات اهمها تركيزه على الارهاب الفردي، وكون تعريفه غير جامع.
وقد تابع شكري تطبيقات هذا المصطلح في القوانين الوطنية كالقانون الفرنسي والسوري وكذلك على مستوى القانون الدولي فوجده تعريفاً غير مكتمل. (4)
لقد أيد القرار رقم 20/5 ـ س (ق أ ) لمؤتمر القمة الاسلامي الخامس فكرة عقد مؤتمر دولي بإشراف الأمم المتحدة لمناقشة موضوع الارهاب الدولي والتمييز بينه وبين نضال الشعوب من اجل قضاياها الوطنية الثابتة وتحرير أراضيها. وتم عقد الاجتماع في جنيف، وقد وفقنا الله تعالى لحضوره، وكان علينا في هذا الاجتماع ان نأخذ الاعتبارات التالية:
أولاً: الرجوع قبل كل شيء الى المصادر الاسلامية لاستحضار الاهداف التغييرية الكبرى، ومعرفة المبادئ التي يراها مقومة لانسانية الأهداف والأعمال، وجعلها بالتالي الأساس الذي نحكم به على القضايا.
ثانياً: العمل على استقراء الفطرة الانسانية الاصيلة غير المشوبة بمقتضيات المصالح الضيقة، وذلك لتشخيص اصول انسانية يمكن طرحها على الصعيد الدولي، كمعيار انساني عام، ولتكون نتائج دراساتنا شاملة لشتى مجالات الصعيد الدولي وصالحة لتشكيل اطار عملي عام.
ثالثاً: أن نستخلص من تلك المبادئ الاسلامية والانسانية تعريفاً عاماً جامعاً مانعاً، أي جامعاً لكل المفردات الحقيقية للارهاب ومانعاً من دخول المصاديق المدعاة للارهاب، والتي لا تسمح المبادئ السامية باعطائها هذه الصفة.
رابعاً: وبعد ذلك كان علينا ان نعمد الى استعراض كل المصاديق المطروحة على الساحة الوطنية والعالمية على أساس انها نماذج ارهابية نعمد اليها فنفحصها على ضوء النتائج ثم نعطيها حكمها المناسب بشكل دقيق لكي لا يقع التباس او غموض، وينال كل عمل صفته الحقيقية.
* * *وعلى ضوء هذه المقدمة نلخص حديثنا في نقاط:
النقطة الأولى:
من نافلة القول أن نذكر أن كل معسكر دولي، او كل دولة، او حتى كل مجموعة، لها اعداء ومعارضون، يسعى كل منهما للقضاء على الآخر، وعندما يلتحم الصراع فإن كل طرف يحاول تحطيم سمعة الطرف الآخر، باطلاقه عليها صفات منفرة بطبعها من قبيل (الفوضوية)، و(الاجرام)، (والخروج عن القانون)، (اللاانسانية)، (الارهاب) وأمثال ذلك.
بل قد نجد أن أحد الطرفين يطلق مثل هذه الادعاءات لكي ينفذ خطة تتضمن سلب حقوق اطراف اخرى بحجة التضامن مع العدو والتآمر ضد المصالح الوطنية.
ولكي تتم عملية التمرير هذه فإن كل طرف يستفيد من نفوذه الدولي لادخال قوى أخرى الى جانبه إما بشكل عملي وإما بشكل تأييد على صعيد المحافل الدولية، وحينئذ تتخذ القضية صفة عامة تكون الغلبة فيها غالباً لمدى الضغط والنفوذ والقدرة على التأثير بدلاً من تحكيم المنطق السليم.
ومن هنا يتم التأثير على العواطف، وتستغل الأحاسيس لتنفيذ هذه الخطط المصلحية تحت شعار: (رفض الارهاب) مثلاً. ذلك إن الإرهاب أمر مدان انسانياً (إذا غضضنا النظر عن دوافعه وأهدافه)، ولا يمكن ان يرضى إنسان سليم النفس بتهديد ما يرتبط بالانسان من كرامة وحرية ومال وعرض وأمان وعمل وغير ذلك، وهذا الشعور فطري أصيل لا غبار عليه.النقطة الثانية:
إننا إذا تتبعنا المدلول اللفظي لكلمة (الارهاب) من جهة واستعرضنا المساقط المطروحة لها على الحياة الانسانية، لاحظنا أن الإرهاب يمكن ان يتم على أصعدة مختلفة. فهناك الارهاب المهدد للأمن والعرض والمال وأمثالها، وهناك الارهاب الثقافي الممزق للشخصية الانسانية، والسائق نحو هاوية الضياع واللاهدفية، وهناك الارهاب الاعلامي الذي يفقد الانسان حريته في التنفس الحر في فضاء غير ملوث. وهكذا يمكننا ان نسمي الكثير من انواع الارهاب كالارهاب الاقتصادي، والارهاب العلمي، والارهاب الدبلوماسي والارهاب العسكري وغير ذلك.
إلا أن هناك تقسيماً فعلياً على أساس القائمين به، وهو تقسيم يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، ونعني به تقسيمه الى الارهاب الرسمي والارهاب غير الرسمي. ويشمل الارهاب الرسمي ـ وهو اخطر القسمين ـ كل عمل مؤيد من قبل جهة او دولة معترف بها دولياً سواء كان القائم بهذا العمل هو جيش هذه الدولة، او عناصر فردية، وربما كانت عملية مسخرة لصالح الجهة المذكورة. ويقف في قباله الارهاب غير الرسمي.النقطة الثالثة:
يمكننا ان نركز في أي عمل او سلوك على عنصرين مؤثرين:
الأول: دوافع العامل.
الثاني: تقبل الانسانية للعمل نفسه، وهما أمران غير متلازمين، فقد تكون الدوافع الشخصية للعامل انسانية في نظره، إلا أنها لا تعتبر كذلك على الصعيد العام. وقد يكون العكس، فلا يستهدف العامل غرضاً انسانياً، او ربما استهدف غرضاً لا انسانياً في تصوره، إلا أنه يعتبر من وجهة النظر العامة عملاً انسانياً.
ومن هنا تختلف زوايا النظر الى العمل لكي يتم الحكم عليه بالقبح او بالحسن (وللعلماء الاصوليين المسلمين بحوث قيمة في مسائل التقبيح والتحسين العقلية لا مجال للتعرض اليها هنا) وما يجب ذكره هنا هو أنه لا يكفي أي من العنصرين لوحده في منح العمل صفة القبول او الرفض او الحكم عليه ايجاباً او سلباً، وانما يجب ضمان الايجابية في العنصرين ليتم المطلوب.
وعليه، فنحن في حاجة إذن لضمان الموضوعية في بحثنا هذا الى ان نتعرف على المعيار الذي يشخص تقبّل العمل وانسانيته، وذلك من وجهتي النظر: الاسلامية والبشرية العامة.
أما من وجهة النظر الاسلامية، فعلينا ان نرجع لكل الأسس والمفاهيم والاحكام التي ترتبط بأي نوع من الارتباط بقضايا الارهاب ـ حسب معناه اللغوي ـ وذلك بهدف اعطاء تعريف عام للارهاب المدان، أي الارهاب المرفوض اسلامياً باعتباره مخالفاً لمسيرة الكمال الانساني التي رسمها الله ـ تعالى ـ للبشرية من خلال نظرية الفطرة، وخطط لها عبر الوحي.
وعند الرجوع الى التعاليم الاسلامية نجد الاسلام غنياً جداً في هذا المجال، ونلاحظ أن الفقهاء الاسلاميين تعرضوا لمختلف الحالات التي ترتبط بالموضوع.
( فهناك أحكام البغي، أي خروج الفئة المسلحة على الحكومة الشرعية العادلة، وعملها على إرعاب المجتمع، وتحقيق اهداف سياسية تمزيقية لوحدة الامة.
( وهناك احكام الحرب واخلاقها.(5)
( وهناك احكام الحرابة التي عرفت بأنها (تجريد السلاح براً او بحراً، ليلاً او نهاراً، لإخافة الناس في مصر او غيره من ذكر او أنثى، قوي او ضعيف) وهي مستقاة من قوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً ان يقتلوا او يصلبوا او تُقطع ايديهم وأرجلهم من خلاف او يُنفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم}.(6)
والآية ـ كما يلاحظ ـ ذكرت الموضوع والهدف، وهو حرب المجتمع والإفساد في الأرض، كما ذكرت العقاب الأليم الذي يجازون به، مما يدل على اهتمام الإسلام بالموضوع.
( وهناك ايضاً أحكام السرقة. والقتل.
( كما إننا نواجه في النصوص الاسلامية مصطلحات تتصل بهذا اللفظ من قبيل (الفتك) و(الغيلة) و(الإئتمار).
( كما إن هناك نصوصاً لاحترام العهد والميثاق الى أقصى حد الاحترام فتجب رعايتها مادام الآخر ملتزماً ببنودها.
( هذا، بالإضافة الى مقتضيات النظام الاخلاقي الاسلامي وهي أمور لا يفهم القانون الوضعي لها معنى، إلا أنها ذات أصالة في هذا النظام، فإن الكذب يقبح فيصل الى مستوى الكبائر، وكذلك النميمة، وهكذا نجد الاسلام يعمل بجد على حماية كل انماط الحرية الانسانية الصحيحة، والدفاع عن كرامة الفرد والمجتمع، وتماسكه، ووحداته العائلية ويعتبر أي اعتداء على ذلك جريمة كبرى يعاقب عليها بأشد العقوبات، التي تصل الى حد الاعدام والصلب وأمثال ذلك.
( ويطرح الاسلام مبدأ (المسؤولية الشخصية) ويعتبر أي اعتداء على الأبرياء جريمة كبرى، ويركز على حماية الضعفاء والمساكين والمستضعفين، وربما أوجب الجهاد لحمايتهم {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء ...}"(7).
ويطلب الى المسلم ان يكون الى جانب المظلوم دائماً حتى ينتصف له.
فهذا الامام علي (عليه السلام) يوصي ولديه قائلاً: (كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً) وهو القائل: (الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه).
ولعل ذكر القرآن الكريم لنعمة الأمن {وآمنهم من خوف} خير دليل على الأهمية التي يوليها له. ولا يسع المجال للتعرض لكل هذه الأمور وإنما نريد أن نقرر هنا إن المعيار الأول في تشخيص توفر الانسانية في نية العامل والقبول العامل لها هو (الدين) بمجموع مفاهيمه وأحكامه وروحه العامة.
وعندما نحاول الالتفات الى الاطار الثاني وهو الاطار البشري العام، فإننا نستطيع أن نقبل الأصول التي اجمعت على اعتبارها البشرية، ممثلة بأجهزتها الرسمية، ومنظماتها الشعبية، وحسها، ووجدانها العام، لنجعلها مقاييس أخرى لتشخيص موضوع توفر الصفة الانسانية او ضدها في نية العامل والقبول العام الآنف ذكره (وإن كنا نعتقد أن المعيارين يلتقيان في الغالب).
وكمثال نضربه لما سبق: لنلاحظ اجماع البشرية اليوم على منح الصفة اللاإنسانية للأمور التالية:
ـ الفحشاء وتمزيق العلائق العائلية.
ـ المخدرات وتمزيق الشخصية العقلانية.
ـ الاستعمار وتمزيق كرامة الشعوب ونهب خيراتها.
ـ العنصرية وتمزيق الاخوة الانسانية.
ـ الاعتداء على كل الحقوق المعترف بها ونقض المواثيق.
ـ قصف المناطق الآهلة بالسكان، واستعمال الأسلحة الكيمياوية والنووية والبيولوجية، والاعتداء على الطيران المدني، وعلى السكك الحديدية الاهلية، وعلى السفن التجارية والسياحية، وأمثال ذلك من الأساليب المدانة بشرياً في الحروب.
( إن هذه النماذج أمور لا يختلف اثنان في عدائها للانسانية، ولذا فهي وأمثالها تشكل معايير مقبولة في مجال تعريفنا هذا، كما أن أي عمل على محوها ومقاومتها يعد عملاً إنسانياً ينبغي ان يدعم، إن لم يصاحبه خرق لقيم إنسانية اخرى.النقطة الرابعة
التعريف المختار للإرهاب
( بعد كل ما تقدم نستطيع أن نصل الى تعريف جامع للأعمال الارهابية المدانة، ونتفق عليه، ونصوغ مواقفنا على أساسه.
وقبل ان نعرض ما نقترحه من تعريف، نذكّر بأن علينا ان نلاحظ فيه العناصر التالية:
1ـ الترهيب وخرق الأمن بشتى انواعه.
2ـ النية والدافع الفعلي اللاإنسانيين.
3ـ عدم قبول البشرية لهدف العمل ونوعه.
4ـ انسجام الوسيلة والهدف.
ولهذا فيمكن ان يكون تعريفنا على النحو التالي:
الإرهاب
هو كل عمل يتنافى من حيث الوسيلة والهدف مع القيم الدينية والانسانية، ويتضمن تهديداً للأمن بأي نوع من أنواعه.
وللتوضيح نذكر النقاط التالية:
1ـ اننا نستعمل المصطلح البشري بدلاً من الدولي لكي نحقق الاجماع الرسمي وغيره للتأكد من الحكم الانساني العام.
2ـ لاحظنا عنصري الوسيلة والهدف.
3ـ أشرنا الى أنواع الارهاب بعبارة: (للأمن بأي نوع من أنواعه).
4ـ ذكرنا المعيارين الديني والبشري معاً لكي ننسجم مع إيماننا أولاً، ونعمم المقياس ثانياً.
5ـ وكما يلاحظ، فإن كون العملية عنيفة لايعد شرطاً في صدق صفة الارهاب.
وعلى ضوء هذا التعريف يمكننا ان نتحقق من الصفات الارهابية التي تطلق على هذا العمل او ذاك، ونتأكد من أن هذه الصفة لا تنطبق على:
أ ـ أعمال المقاومة الوطنية التي تمارس ضد المحتلين والمستعمرين والغاصبين لا غير.
ب ـ مقاومة الشعوب للفئات المفروضة عليها بقوة الحديد والنار.
 ج ـ رفض الدكتاتوريات وأنماط الاستبداد وضرب مؤسساتها.
د ـ مقاومة التمييز العنصري وضرب معاقله.
هـ ـ الردّ بالمثل على أي اعتداء إذا لم يكن هناك مناص من ذلك.
وكذلك لا تـنطبق على كل تحرك ديمقراطي لا يصاحبه ارهاب حتى ولو لم يكن يحمل هدفاً انسانياً.
كما أنه لا ينطبق على الأعمال المخربة الفردية التي لاتمتلك تأثيراً اجتماعياً:
وهذه الأعمال ـ وأمثالها وإن كانت مدانة من جهة أخرى إلا أنها بالتأكيد ليست أعمالاً ارهابية.
هذا في حين ينطبق التعريف على:
أ ـ أعمال القرصنة الجوية والبحرية والبرية.
ب ـ كل العمليات الاستعمارية بما فيها الحروب والحملات العسكرية.
ج ـ كل الاعمال الدكتاتورية ضد الشعوب، وكل انماط الحماية للدكتاتوريات فضلاً عن فرضها على الأمم.
د ـ كل الأساليب العسكرية المخالفة للأعراف الانسانية: كاستعمال الاسلحة الكيمياوية والنووية والبيولوجية، وضرب المناطق الآهلة، ونسف البيوت، وترحيل المدنيين، وأمثال ذلك.
هـ ـ كل تلويث للبيئة الجغرافية، والثقافية والاعلامية، وربما كان الارهاب الفكري من اخطر أنواع الارهاب.
و ـ كل تحرك يؤدي الى ضعضعة الاقتصاد الدولي او الوطني، والاضرار بحال الفقراء والمحرومين، وتعميق الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وتكبيل الشعوب باغلال الديون الباهضة.
ز ـ كل تحرك تآمري يعمل على سحق ارادة الشعوب في التحرر والاستقلال، وفرض الأحلاف الشائنة عليها.
وهكذا يمكننا ان نتابع ضرب الأمثلة على مصاديق التعريف المذكور.النقطة الخامسة
بالرغم من أن الكثير من الاجتماعات والمحاولات قد عقدت لمكافحة الارهاب إلا أنها اخفقت في الغالب لأمور:
منها:
ـ أنها لم تقم على اساس انساني، دولي، بل استهدفت تحقيق المصالح الضيقة قبل كل شيء.
ومنها:
ـ أنها لم تعالج الظروف التي تخلق الارهاب، ولم تبحث عن علله الحقيقية. ومن الطريف ان الولايات المتحدة الاميركية وهي أم الأرهاب الدولي والتي اوجدت كل ظروف قهر الشعوب واحتلالها وتقوية الأنظمة الدكتاتورية واحتلال الاراضي والاعتداء على المناطق الآهلة وما الى ذلك ـ هذه الدولة تعمل على عقد ندوات لمكافحة الارهاب وتقصد به كل عمل يخالف مصالحها الاستكبارية.قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن مسألة فيها نظروالبحث في هذه المقالة محاولة للخروج بتعريف محدد للارهاب ومفهومه؛ لأن الذي نراه حالياً هو أن الدول الكبرى تحاول بالقوة والإكراه او بالدعاية والإعلام فرض تعريفها وفهمها للارهاب على الدول والشعوب الأخرى، وهو تعريف وفهم مفصّل على مقاس الدول الكبرى ومصالحها الخاصة، ثم تعطي لنفسها الحق في تطبيق فهمها عملياً في كل بقعة من بقاع العالم، وكأن الأرض ملك لها، وكل بلدان العالم تشكّل عمقاً أمنياً لها، ولا ندري من الذي أعطاها هذين الحقين: فرض تعريفها على الآخرين، وتطبيق فهمها على الجميع. بل إنها راحت تلعب دور المدعي والقاضي والمنفذ متجاهلة حتى الأمم المتحدة والمحاكم الدولية!!
وللأسف فإن هذه الحالة يعيشها نظام الولايات المتحدة الاميركية بكل تفاصيلها، فأي عمل لا يلتقي مع تحقيق مصالحها الخاصة، سواء كان سياسياً ام عسكرياً ام اقتصادياً ام ثقافياً، فإنها تعتبره عملاً ارهابياً، بل أنها تعتبر كل من لا يؤمن بهذه المقولة فهو ارهابي، ولا أدري أية معادلة هذه وعلى أية قاعدة دينية او انسانية أو قانونية تستند؟!، حتى قال حكّامها بأن الذي لا يكون معنا فهو مع الارهاب والارهابيين!! وهذا دليل صارخ على طبيعة رؤية أميركا لنفسها وللآخر، فهي تنظر للآخر من خلالها. وعلى هذا الأساس نحن نرفض هذه التعريفات الخاصة والفهم الذاتي وندعو لفهم انساني موضوعي للارهاب وتعريف حقيقي لظاهرته.احداث 11 سبتمبر والهجمة ضد الأمة الاسلامية
لا يتردد عاقل او متدين في أن احداث 11 سبتمبر هي عمل ارهابي مدان وانه عاد على البشرية بالفساد الكبير، وأنه دفع بقوة عظمى نحو خطة جهنمية تسلطية تستهين بكل القيم وتتجاوز كل الأعراف الانسانية والمعاهدات الدولية لتفرض هيمنتها على الشعوب بل وتفلسف هذا الاعتداء وتعتبره اخلاقياً(8).
وهكذا شهدنا الاستراتيجية الاميركية، التي تم وضعها في التسعينات، بعد تعاظم امر الاسلام الشمولي من جهة وانهيار الاتحاد السوفيتي من جهة أخرى، والتي وضعت مسألة محاربة ما اسمته بـ (الاسلام المسلح)، او (الاسلام السياسي)، احد اهدافها الكبرى، بالاضافة لهدف التفرد في قيادة النظام العالمي الجديد؛ نعم شهدنا التأكيد على هذه الاستراتيجية والاسراع في وتيرتها وخصوصاً ضد الأمة الاسلامية وكان التأكيد على خطة واسعة الابعاد نشير فيما يلي الى بعض جوانبها:
أولاً: التشكيك في قيم الحضارة الاسلامية ومفاهيمها وهناك الكثير من الأمثلة التي طالعنا الغرب بها، كتفضيل الحضارة الغربية على الحضارة الاسلامية من قبل مسؤول ايطالي، وتفضيل العقيدة المسيحية في الصفات الالهية على العقيدة الاسلامية. والحملة ضد مفاهيم الجهاد وتصورات الاسلام لحقوق المرأة وغيرها.
ثانياً: تعميق الحقد الغربي والعداء للاسلام وكل ما هو اسلامي ومهاجمة المساجد والمراكز الاسلامية والتضييق ضد الاقليات المسلمة وتوجيه اصابع الاتهام حتى للدول التي كانت تعتبرها صديقة لها، وبالتالي العمل على منع الهجرة حتى القانونية رغم حاجة اوروبا للهجرة.
ثالثاً: مهاجمة بعض الشعوب الاسلامية بشراسة بتهمة ايوائها للارهابيين وهذا ما حدث لافغانستان الجريحة ومازالت بعض الشعوب الاسلامية مهددة.
رابعاً: الحكم على بعض الدول الاسلامية بانها محور الشر وما زال الخطر يتهددها كل آن، كما ان بعض الجهات شبه الرسمية هددت باستخدام القنابل الذرية ضد بعض الدول.
خامساً: تم التخطيط لحملة اعلامية وبوليسية ضخمة لضرب المؤسسات المالية الاسلامية والمؤسسات الخيرية الدعوية وتم الضغط على الدول لتغلق هذه المؤسسات.
سادساً: كما تم التخطيط لضرب المؤسسات التعليمية الاسلامية وافقادها استقلالها كما تدخل الغرب بوقاحة لدى الدول الاسلامية لتقوم بتغيير مناهجها التعليمية وفق ما يرتئيه الغرب من تصور.
سابعاً: وهناك خطوات نلحظها لتهميش دور المؤسسات الاسلامية الدولية.
ثامناً: تصعيد الحملة التي بدأها الغرب بنفسه او من خلال عملائه قبل الأحداث في مجال نشر المفاسد الاخلاقية والخلاعة والتحلل والاستهانة بالمقدسات واضعاف اللغة العربية وترويج العامية ومحاربة الحرف العربي (كما في اسيا الوسطى) واشاعة العلمانية وتعميق الخلافات بين الدول الاسلامية وتداخلها ومحاربة عنصر (الاجتهاد) والتشكيك في صلاحية الاسلام لهذا العصر وضرورة الاتجاه نحو تطبيق قيم الحضارة الغربية وغير ذلك كثير.
تاسعاً: وأهم الجوانب محاولة اغلاق الملفات المزعجة وفي طليعتها قضية فلسطين فقد اعطت اميركا الضوء الاخضر لشارون ليقوم بتصفيتها واستفاد هذا من ظروف الرعب وجعل عمليته ضد الفلسطينيين جزءاً من المرحلة الثانية للحرب ضد الارهاب وقام بما يندى له جبين الانسانية وساعدته اميركا بكل وقاحة وصراحة ونسى الغرب كل تاريخه في تمجيد المقاومة وكل شعاراته في الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والشرعية الدولية وحتى جنايات العدو الصهيوني في مخيم جنين لم تستطع الامم المتحدة رغم صدور قرار بذلك ان تحقق فيها وهي في الاصل واضحة للعيان وموثقة ومشهود لها من قبل شخصيات دولية.
الموقف الصحيح على المستوى الدولي
وكخطوة استراتيجية من اجل ردع الارهاب بكل اشكاله ومضامينه ومصادره، نرى ضرورة قيام منظمة الامم المتحدة بالتصدي لهذا المشروع وتبنيه، شريطة إحداث آليات جديدة تحول دون قيام الدول الكبرى بحرف المشروع باتجاه مصالحها الخاصة، وممارسة الضغوطات على المنظمة لتسير طوع أهدافها الاستكبارية. ومن هنا يمكن لمنظمة الأمم المتحدة أن تكون مرجعاً عالمياً للحملة الشاملة ضد الارهاب وفرض السلام العادل في الأرض. ونرى ان مقدمات هذه الحملة تتمثل في:
1ـ المساواة في الحقوق والواجبات بين الدول العضوة في منظمة الأمم المتحدة، ومنع هيمنة دولة أو اكثر على قراراتها، ولا سيما ما يرتبط بالآلية غير العادلة التي يضع مجلس الأمن الدولي قراراته من خلالها. فهذه الآلية تسببت مثلاً في استمرار الارهاب في أكثر من بقعة من بقاع العالم، ولا سيما في فلسطين، إذ استخدمت الولايات المتحدة الاميركية حق الفيتو عشرات المرات لمنع اصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يكبح جماح الارهاب الصهيوني.
2ـ رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني والشعوب المجاورة لفلسطين، والتي تتعرض للانتهاكات والارهاب من قبل الكيان الصهيوني.
3ـ إحداث آلية دولية تمنع استمرار دعم الدول الكبرى للأنظمة والكيانات الدكتاتورية والعنصرية، وكذلك المنظمات والجماعات الارهابية.
4ـ محاربة الفقر والجهل والتعصب الأعمى والمرض وكل مظاهر التخلف وكذلك أمراض المدنية الحديثة، ووسائل الاعلام والفن التي تشجع على العنف، والعنصرية وتضعف المعنويات والقيم الأخلاقية على مستوى العالم أجمع؛ لأنها تمثل الأرضية الطبيعية التي تترعرع فيها النزعات الارهابية.
ويتم العمل بدلاً من ذلك على:
أ ـ تعميم منطق الحوار بين الحضارات والأديان.
ب ـ تشجيع الديمقراطية المنسجمة مع القيم.
ج ـ المساعدة على تنفيذ برامج التنمية في العالم.
د ـ تقوية المنظمات الدولية وحذف عناصر الهيمنة فيها.
 هـ ـ الارتفاع بالمستوى المعنوي والقيم الأخلاقية وتعميق دور الدين في ذلك واحترام الادوار العائلية في عملية البناء الاجتماعي.
و ـ توجيه الحالة المعلوماتية لخدمة البشرية.
ز ـ انسنة الفن واستخدامه لصالح الأهداف العليا وغير ذلك.
5ـ الحيلولة ـ بكل الوسائل ـ دون استغلال الدول الغربية الكبرى للأحداث وتحويلها الى صراع حضارات وحرب بين الأديان وتصفية حسابات مع بعض الأنظمة، على حساب الشعوب.
6ـ تخفيف معاناة شعب افغانستان، ودعمه بالغذاء والكساء والملجأ والدواء وغيرها من وسائل العيش الابتدائية والعمل على تحقيق الانسحاب التام للقوات الاميركية وغيرها.
7ـ استمرار الحوار بين عقلاء البشرية من أتباع الأديان والحضارات والمذاهب، وتكثيفه وتعميقه، بهدف خلق رأي عام عالمي يمارس دوره في نشر العدالة والسلام والمحبة بين جميع شعوب العالم.
ولا شك ان السلام الذي ننشده وتنشده البشرية هو السلام العادل الذي تتكافأ فيه الفرص، ويعطى كل ذي حق حقه، وينصف فيه المظلوم، ويعاقب المعتدي، إذ أن السلام العادل هو الكفيل فقط باقتلاع جذور العنف والارهاب، أما السلام المفروض وغير العادل فهو تسطيح للمشكلة والإبقاء عليها ناراً تحت الرماد؛ لأن المجرم يتساوى فيه مع الضحية، وتضيع جراءه الحقوق، وتكون سياسة الأمر الواقع هي الحكم. وبالتالي ستعود أعمال العنف كما كانت وربما بكثافة أكبر. وهذا ما يجعل السلام غير العادل سبباً في استمرار المشاكل وبؤر التوتر، وهو ما نشهده في أكثر من بقعة من بقاع العالم.الحل على مستوى الأمة
إن الحل على مستوى الامة يكاد يكون من الواضحات ويتركز على ما يلي:
أولاً: رفع مستوى الوعي لدى جماهير امتنا في مختلف المجالات (فهم الاسلام واهدافه، فهم الواقع القائم، فهم الموقف).
ثانياً: العمل على تعميم تطبيق الشريعة الاسلامية في كل الشؤون الحياتية.
ثالثاً: تطبيق عملية تربية شاملة لمختلف قطاعات الأمة وفق تعاليم الاسلام.
رابعاً: العمل بكل ما من شأنه توحيد موقف الأمة عملياً ولا نريد لهذا العمل ان يكون خيالياً، كما لا نريده ان يكون استسلامياً بل يجب ان يتبع المنهج الوسطي الواقعي على ضوء الأهداف المرسومة.
خامساً: العمل على تقوية المؤسسات الشمولية الاسلامية وايجاد ما يلزم ايجاده، ومنحها حرية أكبر في التحرك عبر آليات جديدة وفاعلة وواعدة.
سادساً: وضع خطة شاملة للاستفادة الأفضل من الامكانات السياسية والاقتصادية والاعلامية والجغرافية والمادية والطاقات الجماهيرية والعلمية والثقافية وتعبئتها في عملية المواجهة.
سابعاً: العمل على حل او التغافل او تأجيل بعض النزاعات الجانبية او الثانوية خدمة للهدف الأهم واستجابة لقضية التزاحم في الأولويات.
ثامناً: الشد من ازر الأقليات المسلمة ـ وتبلغ حوالي ثلث مجموع المسلمين في العالم ـ بالتأكيد على وجودها اولاً ووحدتها ثانياً وهويتها ثالثاً، وتقوية مجالات التلاحم بينها وبين الأمة الأم.
تاسعاً: التركيز على دعم مؤسساتنا الخيرية ومؤسسات الاغاثة والدعوة، وعدم تركها في مهب الريح وعدم انزلاقها في مداخل الخلافات الجانبية والمذهبية والسياسية.
عاشراً: الاحتفاظ بأصالة التعليم واستقلالية المؤسسات التعليمية وعدم الخضوع للضغوط الخارجية لتؤدي دورها المطلوب على وجه أتم.
حادي عشر: الاستفادة الأفضل من المؤسسات والمنظمات الدولية الأخرى غير الحكومية لصالح قضايانا العادلة.
ثاني عشر: الوقوف بحزم وتخطيط في قضايانا المصيرية واهمها قضية فلسطين.
وفي هذا المجال نقترح:
1ـ تضافر كل الجهود الاسلامية لافشال خطط شارون لتركيع الشعب الفلسطيني وانهاء الانتفاضة الباسلة بدعم صموده وانتفاضته الباسلة ومقاومته الشجاعة.
2ـ القيام بحملة لدعم المنكوبين وترميم الخراب وتكليف كل دولة غنية بسد جانب منه.
3ـ ضرورة التأكيد على كون القضية الفلسطينية اسلامية وتعبئة كل الطاقات الاسلامية لذلك.
4ـ ضرورة اتخاذ كل الخطوات والاستفادة من كل الامكانات القانونية والمحافل الدولية لفضح جرائم الصهيونية.
5ـ عدم السماح لأميركا للاستفراد بالقضية وأمثالها، وعدم الاعتماد على الحلول الاميركية.
6ـ لزوم التفكير الجدي للعودة لنظام المقاطعة الشاملة للكيان الصهيوني الغاصب ومن يدعمه بل وتنفيذ المقاطعة الشعبية فوراً.
7ـ لزوم تفعيل الدور السياسي لمنظمة المؤتمر الاسلامي في هذا المجال خصوصاً في مجال المطالبة بتنفيذ القرارات الدولية.
8ـ لزوم العمل دولياً على وضع تعريف شامل للارهاب والتفريق بينه وبين المقاومة المشروعة.
9ـ ضرورة اعطاء الغطاء الشرعي للمقاومة الفلسطينية عموماً وللعمليات الاستشهادية خصوصاً.
10ـ لزوم الاستفادة الفعالة من امكانات المنظمات غير الحكومية على غرار ما جرى في مؤتمر (دوربان) في جنوب افريقيا.-------------------------
(1) الارهاب الدولي، د. محمد عزيز شكري، ص 11.
(2) الارهاب السياسي، ص 1ـ2.
(3) حول الارهاب الدولي ص 16.
(4) الارهاب الدولي، الباب الأول.
(5) راجع مقالنا حول الموضوع تحت عنوان (أحكام الحرب والاسرى .. بين الرحمة والمصلحة) في الدورة السابعة من دورات مجمع الفقه الإسلامي.
(6) المائدة / 33.
(7) النساء / 75.
(8) راجع نص الوثيقة التي اصدرها 60 من المنظرين الاميركيين وقد قام بعض المفكرين الاسلاميين من شتى الدول بالرد عليها.


مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية