ومدى كريم العيش ما نتوقَّع
فإذا نهضت به فإنَّك أروع
بك رائداً يبني وفكراً يبدع
اللَّحن المحبَّب والنَّشيد الأروع
غمر العروق قرابة لا تقطع
فيجفُ في يده الأغضُّ الأينع
لترفَّ مجدبة ويورق بلقع
يَبس فدنيانا الربيع الممرع
مما نسجناه العقود اللُّمَّع
قبس لنا يجلو الظَّلام مشعشع
أسمى ولا خُلُق أعفّ وأورع
فكر ولا دين ولا من يتبع
كرماً فأوليناه ما لا يطمع
للأمس أمرى الضرع أو أسترضع
المشرِّف والأصيل المفجع
يدعى لها وبأي أمر يصدع
أوصاله بيد الهباة، ويقطع
تعطيه مزرعة لمن لا يزرع
ويلمَّ ما قد مزَّقوه ووزَّعوا
* * *
أنَّ الهوى مما تعتق يكرع
يلهو بها الآسي ويسخر مبضع
إنَّ التَّغنِّي بالجراح تنطّع
صوت المساوم بالكرامة يرفع
صرعى إلى زعقاتنا تتسمَّع
وتراه من خدع السَّحاب فتهطع
مهوى يد مغلولة إذ تصفع
دون السروج لفارس يتطلع
صرنا ننام على الزَّعيق ونهجع
ثوري فمن مثل الجراح يلعلع
فالخطب ليس بمثل ذلك يُدفع
آذانه والرزءُ باقٍ مزمع
تحيا وان خفت الممات ستخضع
شرب الصَّدى وعلى يديه المنبع
* * *
وسبيل مرتزق به يتذرَّع
للنفس يلبس ما تريد ويخلع
وإذا شجاها الحزن فهو الأدمع
فَنَنٍ وملتاعاً يئنُّ فيوجع
يبني ويهدم أو يضرُّ وينفع
وعرفت رزءَ الفكر في من لم يعوا
يلوي أنوف الظالمين ويجدع
يزهو به عنق أرق وأنصع
خضلاً بأنفاس الشذى يتضوَّع
واحات نور تستشف وتلمع
يعنو لها من كلِّ أفق مطلع
نُوبٌ يُخلِّي ما عناه ويقبع
ليضاء ليل المترفين فيسطع
تاج من المدح الكذوب مرصَّع
مجد وسيف في الكفاح وأدرع
* * *
بالعطر تعبق والسَّنا تتلفع
سَمَراً على شطآن دجلة يمتع
وصلٌ كما شاء الهوى وتمنُّع
* * *
صورٌ على طرفي نقيض تُجمع
يطغى الشِّقا فمرَّفهٌ ومضيَّع
والكوخ دمعٌ في المحاجر يلذع
وبجنب زق أبي نؤاسٍ صرَّع
ويد تقبَّل وهي مما يُقطع
ودناءة بيد المبرِّر نصنع
ويضام ذاك لأنّه لا يركع
باسم العروبة والعروبة أرفع
من مثلها فوراء ذلك إصبع
شمل يلمُّ وأسرة تتجمَّع
فالرَّكب أتفه ما به من يظلع
وستلمحين لأنَّ دربك أسفع
وبعهدتي أنَّ الكواكب تطلع
* * *
وهج يفحُّ من السموم ويفزع
وبثوب إنسانية يتبرقع
برَك الدِّما وغليله لا ينقع
ومشى على القيم الكريمة يقذع
ترف وما رسمت وما تستتبع
وسواهما أكذوبة وتصنّع
يبكي إذا أوحى له ويرجِّع
فِطَر سليمات ولوِّث منزع
حتى تعملق في ذراه الضفدع
وكبا به بغي وأوشك يصرع
لكنّها تنمى اليه وترجع
فالفكر ليس بغير فكر يقرع
فكر يسدِّد من طعام أجوع
عذب وسائغ ورده لا يُمنعُ
أبعاده وجلاه فهو المِهيع
ألقاً يمتّ إلى السُّموِّ وينزع
يبني الكريم الرَّغد لا ما شرَّعوا
* * *
من كأس غيرك عافها المترفع
تملي ولاءاً بالرِّياء يقنَّع
وأعيذ قومي من لظاه مروِّع
في غفلة فأنا وأنت المصرع
صلاّ على طول المدى لا يلسع
كانت لغيرك قبل ذلك تَقرع
علقـاًوهل تنسى ضناها المرضع
ضرى فيمنحها الوسام المدفع
فرقاً يصنِّفها الهوى وينوِّع
منَّا فما ميزت هنالك أضلع
نوء زحمنا منكبيه زعزع
والبعض حصَّته السفينة أجمع
متسنِّن هذا وذا متشيّع
لمُّوا الشّباك فطيرنا لا يُخدع
فامتدّ واشتبكتْ عليهِ الأذرع
|
|
لغدٍ سخيِّ الفتح ما نتجمَّع مهرجان الشِّعر عبئُك مجهد
إنَّا نريدك والأماني جُسِّدت
أَنا إن شدى بك مزهري فلأنَّك
ولأنَّ أهدافاً توحَّد أو دماً
بالأمس والحقد اللَّئيم يسومنا
فابعث بروح منك في تلعاتنا
لسنا بمعهود على أبعادنا
أي الكرائم ليس في أعناقها
أم أي وضَّاء وليس بجذره
سدنا فما ساد الشّعوب حضارة
قدنا الفتوح فما تشكَّي وطْأنا
حتَّى الرّقيق تواضعت أحسابنا
عفواً إذا جمح الخيال فلم أجئ
لكنَّها صور جلوت ليُرسم الفجرُ
وليستبين الشِّعر أي رسالة
يدعى إلى وطن يشظّي خصمه
والمبتلى ببنيه في نزواتها
يدعى ليهدم ما بنوه حواجزاً
* * *
يا مهرجان الشِّعر حسب جراحنا
ولقد نغص لما نقول بأنَّها
غنَّى بها نفر فألم حزننا
ولشدَّ ما يؤذي الكرامة أن نرى
هذي رحاب القدس منذ ترنحت
تصحو على نوءٍ فتتلع جيدها
عشرون كفّاً حرة ما أوقفت
الشَّوط تغرقه السّروج وإنَّه
كنا نهبُّ على الزعيق ومذ طغى
فأثر منوَّمة الجراح وقل لها
لا تشتمنَّ الخطب أو تبكي له
فلقد شتمنا الرُّزء حتى اتخمت
لكن تصدَّ له فإن أخضعته
فالمجد يحتقر الجبان لأنَّه
* * *
قالوا بأنَّ الشِّعر لهو مرفه
وإذا تسامينا به فهو الصَّدى
إن تطرب الأرواح فهو غناؤها
فذروه حيث يعيش غرِّيداً على
لا تطلبوا منه فما هو بالَّذي
أكبرت دور الشِّعر عما صوَّروا
فالشِّعر أجَّج ألف نار وانبرى
لو شاء صاغ النَّجم عقداً ناصعاً
أو شاءَ رد الرَّمل من نفحاته
أو شاء رد اللَّيل في أسماره
أو شاء قاد من الشعوب كتائباً
أنا لا أريد الشِّعر إن جدَّت بنا
أو أن يوشِّي الكأس في سمر الهوى
أو أن يُباع فيشتري إكليله
لكن أريد الشعر وهو بدربنا
* * *
بغداد يا زهو الرَّبيع على الرُّبى
يا ألف ليلة ماتزال طيوفها
يا لحن (معبد) والقيان عيونها
* * *
بغداد يومك لا يزال كأمسه
يطغى النَّعيم بجانب وبجانبٍ
في القصر أغنية على شفةِ الهوى
ومن الطّوى جنب البيادر صرَّع
ويد تُكبَّل وهي مما يُفتدى
وبراءة بيد الطّغاة مهانة
ويصان ذاك لأنَّه من معشرٍ
كبرت مفارقة يمثَّل دورها
فتبيَّني هذي المهازل واحذري
واستلهمي روح الوفود فإنَّها
وترسّمي الرَّكب المغذ ولاتني
وإذا لمحت على طريقك عتمة
شدِّي وهزِّي اللَّيل في جبروته
* * *
يا مهرجان الشِّعر مرَّ بافقنا
بالحقد تسقى ما علمت جذوره
يمشي إلى الهدف الخدوع ولو على
أغرى الخطايا بالنعوت رفيعة
فالله وهمٌ والفضيلة كلها
ما الفرد إلا معدة وغريزة
ومشى بمعصوب العيون يقوده
سوَّاه من دنسٍ فماتت عنده
وأسفَّ فاحتضن المسوخ يربُّها
حتى إذا الطغيان طاح بأهله
ألقى لنا صوراً تعدَّد نعتها
فانهد له بالفكر يخضد جذره
وأغث جياع عقيدةٍ فَهُمُ إلى
قدهم إلى نبع السماء نطافه
واسلك بهم درباً اضاء محمد
وأنا الضَّمين بأنَّه سيعيدهم
وسيعرفون بأنّ ما شرع السّما
* * *
يا مهرجان الشِّعر إنَّ ثمالة
ما آمنت بك غير أنَّ ظروفها
ولجت حماك وفي الرؤوس مخطَّط
وهي التي ان اوترت أقواسها
فتوقَّ أرقمها فلست بواجدٍ
لا تطربنَّ لطبلها فطبولها
مازلت أعرف في يديها من دمي
أيّام نقتسم اللَّظى وصدورنا
ودماؤنا امتزجت سواه فلم تكن
وتعانقت فوق الحراب أضالع
حتى إذا أرسى السَّفين وعافه
عدنا وبعض للسفين حباله
ومشت تصنِّفنا يد مسمومة
يا قاصدي قتل الأخوة غيلة
غرسَ الإخاءَ كتابُنا ونبيُّنا
|