المدخل:
التحكيم بالجملة يشكّل ظاهرة إنسانية عامة وعريقة. عرفته البشرية
منذ فجر التاريخ، منذ كانت الأمم وكانت الحروب والمنازعات ، فلا
تختصّ بها أُمّة دون أُمّة ولاجماعة دون أُخرى، وضع أساساً كطريقة
سلمية من أجل تسوية النزاعات والحروب بين الأطراف المتخاصمة.
وهو إحدى عادات العرب القديمة، فكانت تعمل بها كثيراً؛ نظرا لطبيعة
حياتها في الجزيرة التي تتخلّلها الحروب والاقتتال على مدار السنة
إلاّ أشهر الحرم المقرّرة.
والمنافرة إحدى صنوف التحكيم التي كانت تلجأ إليها العرب في
منازعاتها في مضمار الحسب والشرف.
قال أبو عبيد: المنافرة: أن يفتخر الرجلان كلّ واحد منهما على
صاحبه، ثم يحكّمان بينهما رجلاً كفعل عَلقَمة بن عُلاثة مع عامر بن
طُفَيل حين تنافرا إلى هَرَم بن قُطْبة الغزاري، وفيها يقول الأعشى
الشاعر يمدح عامر بن الطفيل ويحمل على علقمة:
قد قلتُ شعري فمضى فيكم واعتــرفَ المنفـــورُ للنـــافــــرِ(1)
وبعد قيام الدولة الإسلامية استمرت عادة التحكيم بين المسلمين
وظلّت جارية بينهم، فعند وقوع تنازع بين اثنين منهم في أمرٍ ما
تراهما يحكّمان ثالثاً ليحلّ الخصومة بطريق سلمي يرضاه الطرفان وإن
كان أحد المتخاصمين خليفةً للمسلمين.
فقد أخرج البيهقي بإسناده عن عامر قال: كان بين عمر وأُبيّ خصومة
في حائط، فقال عمر: بيني وبينك زيد بن ثابت، فانطلقا فطرق عمر
الباب، فعرف زيد صوته ففتح الباب فقال: يا أمير المؤمنين ألا بعثت
إليَّ حتى آتيك، فقال: في بيت يوتي الحكم(2).
وكذا ماوقع بين عثمان بن عفّان وطلحة بن عبيد اللّه كما سيأتي.
وهكذا جرت سيرة الناس وحتّى يومنا الحاضر في التحكيم عند المنازعة
والمخاصمة مع بعضهم البعض كسبيل عقلائي من أجل حلّها بالطرق
السلمية الصحيحة.التحكيم لغةً:
التحكم في اللغة يعني تفويض الحكم إلى الغير ليحكم فيه. قال
الخليل: وحكّمنا فلاناً أمرنا، أي : يحكم بينن(3).
وقال الجوهري: حكّمت الرجل تحكيماً إذا منعته ممّا أراد، ويقال
أيضاً: حكّمته في مالي إذا جعلت إليه الحكم فيه(4).
حكّمّوه بينهم: أمروه أن يحكم، ويقال: حكّمنا فلانا فيما بيننا،
أي: أجرينا حكمه علين(5).
وجاء في المصباح : وحكّمت الرجل: فوّضت الحكم إليه(6).التحكيم
اصطلاحاً:
فالتحكيم - كما مرَّ - في اللغة هو تفويض الأمر وجعله إلى الغير،
وهو بعينه معناه اصطلاحاً على ماذكره الفقهاء .
قال الشيخ الطوسي: إذا تراضى نفسان برجل من الرعية يحكم بينهما،
وسألاه الحكم بينهم(7).
وقال الشهيد الثاني في الروضة: قاضي التحكيم وهو الذي تراضى به
الخصمان للحكم بينهما مع وجود قاضٍ منصوب(8).
وفي المسالك قال: التحكيم هو أن يحكّم الخصمان واحدا من الناس(9).
وقال القرافي: وأكثر الأصحاب يقولون: إذا حكّم الرجلان رجلاً ورضوا
به...، ولفظ القاضي عبد الوهاب: إذا حكَّم الرجلان رجلاً من أهل
الاجتهاد(10).
وفي المغني: إذا تحاكم رجلان إلى رجل حكّماه بينهما ورضياه وكان
ممّن للقضاء(11).
فالتحكيم في اصطلاح الفقهاء هو التراضي الحاصل بين الخصمين بواحدٍ
من الناس والترافع إليه ليحكم بينهما. ومنه يتّضح أنّه لا فرق يذكر
بين المعنى اللغوي والاصطلاحي.الفرق بين التحكيم والقضاء:
أمّا التحكيم فقد اتضّح معناه ممّا تقدّم، فلابد الآن من بيان معنى
القضاء لكي يظهر الفرق بينهما. والقضاء في اللغة: الحُكم. قال
الخليل: قضى يقضي قضاءً وقضيةً أي: حَكمَ(12).
وقال ابن زكريا في المقاييس: القضاء: الحُكم، قال سبحانه في ذكر من
قال: (فاقض ما أنت قاض) أي: اصنع واحكمْ، ولذلك سمِّي القاضي
قاضياً لأنّه يحكم الأحكام وينفذّه(13).
وفي اللسان: القضاء: الحُكم، قال أبو بكر : قال أهل الحجاز: القاضي
معناه في اللغة: القاطع للأمور المحكم لها، واستقضي فلان أي: جُعل
قاضيا يحكم بين الناس... وفي صلح الحديبيّة: "هذا ما قاضى عليه
محمد"هو فاعل من القضاء والفصل والحكم، لأنّه كان بينه وبين أهل
مكة، وقد تكرّر في الحديث ذكر القضاء، وأصله: القطع والفصل، يقال:
قضى يقضي قضاءً فهو قاضٍ : إذا حَكمَ وفَصَل (14).
وأمّا في اصطلاح الفقهاء فهو إمّا الحُكم وفصل الخصومة بين
المتنازعين ، قاله الشهيد الثاني(15). وصاحب الجواهر(16). وإمّا هو
ولاية شرعية على الحكم في المصالح العامة كما عن الشهيد الأول(17)
والفاضل الهندي(18) والتحقيق يُطلب في مظانّه.
فالقضاء من المناصب، ويحتاج القاضي إلى نصب الإمام، بخلاف قاضي
التحكيم فإنّه يصير حَكَماً بمجرّد تراضي الخصمين وترافعهما إليه،
من دون الحاجة إلى نصبٍ من الإمام. وأمّا الفروقات الاخرى من جهة
الشرائط من اجتهاد وذكورة وغيرهما فسيأتي بيانه إن شاء
الله.مشروعية التحكيم:
اختلف الفقهاء في مشروعية التحكيم وعدمه إلى قولين اثنين :
الأول: ذهب المشهور إلى جوازه، بل دعوى الشيخ الطوسي صريحة بالجواز
في كتاب الخلاف ، حيث قال: إذا تراضى نفسان برجل من الرعية يحكم
بينهما وسألاه الحكم بينهما كان جائزاً بلا خلاف(19).
وتبعه الشهيد الثاني في المسالك، حيث قال: وأمّا التحكيم وهو أن
يحكّم الخصمان واحداً من الناس جامعاً لشرائط الحكم سواء نصّ من له
التولية أم لا، فالمشهور بين الأصحاب جوازه، بل لم يذكروا فيه
خلاف(20).
بل ظاهر الكشف: الإجماع عليه ، حيث قال: لو تراضى الخصمان بحكم بعض
الرعية يحكم بينهما جاز عندن(21).
وقال ابن قدامة الحنبلي : إذا تحاكم رجلان إلى رجل حكّمّاه بينهما
ورضياه، وكان ممّن يصلح للقضاء فحكّم بينهما جاز ذلك ونفذ حكمه
عليهم(22).
وفي الإنصاف : بل جزم به في الوجيز وغيره، وقدّمه في الخلاصة
والرعايتين الكبرى والصغرى والحاوي الصغير والفروع(23). وبه قال
أبو حنيفة(24) والشافعي(25) وأحمد(26).
وقد استدلّوا على جواز التحكيم بوجوه كثيرة ، نذكر منها:
1- مارواه الصدوق في الفقيه بإسناده عن أبي خديجة سالم بن مكرم
الجمّال قال: قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام :
إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجلٍ
منكم يعلم شيئاً من قضائنا فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضياً
فتحاكموا إليه(27) . ورواه الكليني(28) والشيخ(29) باسنادهما عنه
مثله.
2- مارواه ثقة الاسلام الكليني بسنده عن عمر بن حنظلة قال: سألت
أبا عبد الله(ع) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو
ميراث ، فتحاكما إلى السلطان والى القضاة أيحلّ ذلك؟ قال : من
تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت، ومايحكم له
فإنّما يأخذ سحتاً وإن كان حقّاً ثابتاً له، لأنّه أخذه بحكم
الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى: ( يريدون أن
يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به) قلت: كيف يصنعان؟
قال: ينظران من كان ممّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا
وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حكما، فإذا
حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم الله.. إلى أن قال:
قلت : فإن كان كل واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا
الناظرين في حقّهما، واختلفا في حكم، وكلاهما اختلفا في حديثكم؟
فقال: الحكم ماحكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث
وأورعهما ، ولا يلتفت إلى مايحكم به الآخر.. الحديث(30). ورواه
الشيخ الطوسي بسنده عنه مثله(31).
3- مارواه الكشّي في رجاله عن العياشي باسناده عن أحمد بن الفضل
الكناسي قال: قال لي أبو عبد الله(ع): أيّ شيء بلغني عنكم؟ قلت:
ماهو؟ قال: بلغني أنّكم أقعدتم قاضياً بالكناسة، قال: قلت: نعم
جعلت فداك، رجل يقال له: عروة القتّات، وهو رجل له حظّ من العقل
نجتمع عنده فنتكلّم ونتساءل ثم يردّ ذلك إليكم، قال: لا بأس.
4- ماروي عن النبي(ص) أنّه قال: من حكم بين اثنين تراضيا به فلم
يعدل بينهما فعليه لعنة الله(32)، فلولا أنّ حكمه جائز بينهما لما
توعّده باللعن.
4- مارواه النسائي بسنده عن شريح بن هاني عن أبيه أنّه لمّا وفد
إلى رسول الله(ص) سمعه وهم يكنـّون هانئاً أبا الحكم، فدعاه رسول
الله(ص) فقال له: إنّ الله هو الحكم وإليه الحكم، فَلِمَ تكنّى أبا
الحكم؟ فقال: إنّ قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم، فرضى
كِلا الفريقين، قال: ما أحسن من هذا! فمالك من الولد؟ قال: لي شريح
وعبد الله ومسلم، قال: فمن أكبرهم؟ قال: شريح، قال : أبو شريح،
فدعا له ولولده(33).
5- ماوقع من تحاكم الصحابة، حيث قال في المسالك: وقد وقع في زمن
الصحابة ولم ينكر أحد منهم ذلك(34). ويؤيّده ما أخرجه البيهقي في
سننه بالاسناد عن ابن أبي مليكة قال: إنّ عثمان ابتاع من طلحة بن
عبيد الله أرضا بالمدينة ناقله بأرض له بالكوفة ، فلمّا تباينا ندم
عثمان ثم قال: بايعتك مالم أره، فقال طلحة: إنّما النظر لي، إنـّما
ابتعت مغيبا، وأمّا أنت فقد رأيت ما ابتعت ، فجعلا بينهما، فحكّما
جبير بن مطعم، فقضى على عثمان أنّ البيع جائز، وأنّ النظر لطلحة
انّه ابتاع مغيب(35).
وما قد تقدّم عن البيهقي أيضا في مسألة تحاكم عمر وأُبيّ على حائط
، فحكّما زيد بن ثابت في ذلك(36).
وما جاء في المغني: وحاكم عمر أعرابيا إلى شريح قبل أن يولّيه(37).
6- عمومات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد استدلّ الفاضل
الهندي في الكشف(38) على مشروعيّته بما دلّ على الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر.
7- الآيات الواردة في النهي عن الحكم بغير ما أنزل الله، والأمر
بالحكم بالعدل والحقّ، كقوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله
فاولئك هم الكافرون) (39) و (ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم
الظالمون) (40) و(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
الفاسقون)(41) وقوله: (واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)
(42).
فإنّ المستفاد من إطلاقات هذه الآيات صحّة الحكم بالعدل والحقّ من
كلّ مؤمن ولو لم يكن قاضيا، وإنّما الذمّ يشمل الحكم بغير ما أنزله
الله تعالى وما أمر به ونهى عنه. وبه استدلّ الفاضل في الكشف(43).
8- سيرة العقلاء الجارية منذ فجر الإنسان وبعد قيام الدولة
الاسلامية وحتّى الآن باتّخاذ التحكيم وسيلة سلمية لحلّ المنازعات
الحاصلة بين الناس بعدما يتمّ التراضي بحَكَم، ولم يرد ردع عن ذلك
وهو دليل الإمضاء.
9- الإجماع المحكي عن المولى الكني في كتابه قال: في المفتاح حكاية
الإجماع عليه من الخلاف والمجمع مع أنّ الأخير لم يّدعه صريحا، وفي
المسالك والكفاية: انّهم لم يذكروا فيه خلافا، وفي الرياض: لم
ينقلوا فيه خلافاً أصلاً... الخ(44).
الثاني: عدم الجواز ، وعدم نفوذ حكم الحَـكَـم.
قال العلاّمة في التحرير: ولو تراضى خصمان بواحدٍ من الرعية،
وترافعا إليه فحكم، لم يلزمهما الحكم(45). ولكنّه رحمه الله قال
بلزومه في القواعد(46) والإرشاد(47).
وحكى صاحب الجواهر عن الروضة قال: هل يجوز أن يحكّم الخصمان رجلاً
غير القاضي؟ وهل لحكمه بينهما اعتبار؟ قولان، أظهرهما عند الجمهور:
نعم ، وخالفهم الإمام والغزالي فرجّحا المنع(48).
وفي المسالك : ومنع منه جماعة من العامة(49).
وقد استدلّوا على المنع بوجوه.
اولها: أنّه لو جاز التحكيم يلزم منه تفويت الولاية على القاضي
المنصوب، وتفويت رأيه ونظره(50). وفيه: أنّه لا ملازمة بين جواز
التحكيم وتفويت الولاية، إذ القاضي منصوب على القضاوة والحكومة،
وله ولاية على الحكم - كما تقدّم - وإن لم يراجعه أحد. وأمّا تفويت
الرأي فهو كذلك لايلزم لأنّ التفويت إنّما يحصل في حكم يحكمه ولم
يعمل به أحد، وأمّا فيما لم يحكم ولم ينظر فليس بتفويت، وإلاّ
فانّه يلزم من نصب قاضٍ تفويت رأي ونظر القاضي المنصوب قبله، وفيه
مافيه.
ثانيهما: أنّ جواز التحكيم على خلاف الأصل(51) ، إذ الأصل لا حكم
لأحدٍ على أحد ولا نفوذ له إلا ماخرج بالدليل. ويردّه : إنّما
الدليل قام على جوازه، وبذلك فقد خرج عن الأصل بالدليل.
ثالثها: مارواه ثقة الإسلام الكليني بسنده عن سليمان بن خالد عن
أبي عبد الله(ع) قال: "اتّقوا الحكومة، فإنّ الحكومة انّما هي
للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين لنبيّ أو وصيّ
نبيّ"(52)، ويلاحظ عليه أنّه ليس فيه مايدل على ذلك وإن كان سنده
سالماً عن الخدشة، خصوصاً وأنّ سليمان هذا قد وثقّه النجاشي
والكشيّ - إذ أنّه يحصر الحكم بالنبي ووصيّه، وهذا يعني أنّ الحاكم
ينبغي أن يكون نبياً أو وصياً أو ماكان منصوباً من قِبلَ أحدهما،
وهذا لا يناسب قولهم بوجوب حصول تراضي المتخاصمين حتّى لحظة نطقه
الحكم لإمضائه، إذ لو كان الحاكم نبيا أو وصياً أو منصوباً من
قِبلهما لما لزم رضى المتخاصمين لإمضاء حكمه.شرائط قاضي التحكيم:
ذكروا أنّ لقاضي التحكيم عدّة شروط، منها:
1- العلم: وذلك باشتراط العلم بالحكم الأعمّ من الواقعي والظاهري
ولو بالتقليد. وتدلّ عليه الروايات المتظافرة الناهية عن القول
بغير العلم، كرواية هشام بن سالم التي رواها ثقة الاسلام الكليني
بسنده عنه قال: قلت لأبي عبد الله(ع): ماحقّ الله على خلقه؟ قال:
أن يقولوا ما يعلمون، ويكفّوا عمّا لا يعلمون، فإذا فعلوا ذلك فقد
أدّوا إلى الله حقّه(53).
والناهية عن القضاء بغير علم، كرواية الكليني أيضا بإسناده عن أبي
عبد الله (ع) قال: القضاة أربعة: ثلاثة في النار وواحد في الجنّة:
رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم
فهو في النار، ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى
بالحقّ وهو يعلم فهو في الجنّة(54).
ورواه الصدوق(55) والشيخ (56) بمثله.
والناهية عن الإفتاء بغير العلم، كرواية أپي عبيدة التي رواها
الكليني أيضا بسنده عنه قال: قال أبو جعفر (ع) : من أفتى الناس
بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب،
ولحقه وزر من عمل بفتياه(57)
ورواه البرقي في المحاسن أيض(58).
2- البلوغ: وقد يتمسّك لإثبات ذلك مضافا إلى الإجماع المنقول كما
سيأتي - بما مضى من رواية أبي خديجة سالم الجمّال المتقدمة، حيث
قال (ع): "انظروا إلى رجلٍ منكم" وكذا يدلّ عليه بما دلّ على كون
غير البالغ محجورا في التصرّفات ولو في الجملة، فمن يكون محجورا عن
التصرّف في ماله كيف لا يكون محجوراً عن القضاء؟(59)
قال الشهيد الثاني: واعلم أنّ الاتّفاق واقع على أنّ قاضي التحكيم
يشترط فيه ما يشترط في القاضي المنصوب من الشرائط(60).
وقال في الروضة: فإنّ استجماعه لشرائط الفتوى شرط أجماع، وكذا
بلوغه وعقله وطهارة مولده وغلبة حفظه وعدالته(61).
وقال الشهيد الأول في الدروس: ويشترط استجماع الشرائط(62).
لكنّه قال في اللمعة: ولابدّ من الكمال والعدالة وأهلية الإفتاء
والذكورة والكتابة والبصر إلا في قاضي التحكيم(63).
وفي الجواهر: نعم يتجّه اعتبار ماكان دليله عاماً لمثله من الشرائط
كالبلوغ والإسلام ونحوهم(64).
وعليه جمهور الفقهاء إلاّ أبا الفرج الشيرازي فلم يذكره في كتبه،
وظاهره عدم اشتراطه(65).
3- العقل والرشد: وقد ظهر ممّا تقدم أنّ اشتراط العقل إجماعي كما
في المسالك والروضة، والدليل على ذلك انصراف أدلّة جواز التحكيم عن
المجنون والسفيه.
4- الذكورة: ويدلّ عليها - إضافة إلى الإجماع المنقول - اختصاص
الأدلّة بها، فقوله(ع) في رواية أبي خديجة: "ولكن انظروا إلى رجلٍ
منكم"، وفي رواية ابن حنظلة: "كلّ واحد اختار رجلا من أصحابنا"فلا
إطلاق فيهما لكي يشمل الانثى (المرأة) فمقتضى الأصل عدم نفوذ حكم
المرأة بما دلّ على عدم صلاحيتهما لإمامة الجماعة مطلقا أو للرجال،
ومادلّ على عدم كون قيمة شهادتها كشهادة الرجل.
وقد يستدلّ أيضا بالآيات الدالّة على نقصان مستوى المرأة: كآيات
ذمّ من افترض أنّ الله تعالى اصطفى لنفسه البنات دون البنين(66)،
وبالأخصّ قوله تعالى: (أومن يُنشّؤا في الحلية وهو في الخصام غير
مبين) (67) ، (68).
قال الشهيد الثاني: وأمّا الذكورية فلم ينقل أحد فيها خلافا، ويبعد
اختصاص قاضي التحكيم بعدم اشتراطها وإن كان محتمل(69).
نعم أجاز أبو حنيفة وأصحابه أن تكون المرأة قاضياً في الأموال، وبه
قال عبد الوهاب، بل وذهب الطبري إلى ابعد من ذلك فقال: يجوز أن
تكون المرأة حاكماً على الإطلاق في كلّ شيء(70).
5- طهارة المولد: فقد ادّعي الإجماع على اعتبارها كما تقدّم في
المسالك والروضة. واستدلّ على ذلك بأنّ قوله (ع) في رواية الحلبي
المتقدّمة: "فيتراضيان برجلٍ منا" ينصرف إلى غير ولد الزنا، وليس
هناك مايدلّ على نفوذ حكمه(71).
6- العدالة: ويدل على ذلك من وجوه:
الأول: التمسّك بقوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم
النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) (72) والفاسق
ظالم، والاحتكام إليه ركون إلى الظالم، وهو منهيّ عنه.
الثاني: ماتقدّم من رواية أپي خديجة في قوله(ع): "إيّاكم إذا وقعت
بينكم خصومة أو تداري في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد
من هؤلاء الفسّاق"، فقد ذكر الوصف الذي يشعر بالعلّية من منع
التحاكم صريحاً كما هو واضح.
الثالث: مامضى من قوله(ع) في رواية ابن حنظلة: "الحكم ماحكم به
أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما"حيث ذكر الترجيح
بالأعدلية صريحاً.
الرابع: التعدّي من دليل اشتراط العدالة في الشاهد إلى القاضي، إذ
أنّ الشاهد الذي دوره أقلّ من دور القاضي بالنسبة إلى فصل الخصومة
وإيصال الحقّ إلى أهله يشترط فيه العدالة، فالقاضي بطريق أولى.
ومن الروايات الواردة في اشتراط العدالة في الشاهد:
مارواه الصدوق في الفقيه بسنده عن محمد بن قيس عن أبي جعفر(ع) قال:
كان أمير المؤمنين (ع) يقول - من كلام له - : ولا أقبل شهادة
الفاسق إلاّ على نفسه(73).
ومارواه ثقة الاسلام الكليني بسنده عن عبد الله بن سنان قال: قلت
لأبي عبد الله(ع): ما يردّ من الشهود؟ فقال: الظنين والمتّهم، قال:
قلت: الفاسق والخائن؟! قال: ذلك يدخل في الظنين(74). ورواه الشيخ
في التهذيب أيضاً (75).
وما رواه الكليني أيضا بسنده إلى عبد الرحمن الحجّاج عن أبي عبد
الله (ع) قال: قال أمير المؤمنين(ع): لا بأس بشهادة المملوك إذا
كان عدل(76).
ورواه الشيخ في كتابيه(77) أيضاً.
وغيرها من الروايات في ذلك(78). إضافة إلى ادّعاء الإجماع عليه كما
في المسالك والروضة. نعم، قال الأصمّ: يجوز أن يكون القاضي فاسقاً،
وكذلك الأمير(79).
7- الاجتهاد: المشهور هو اشتراط الاجتهاد في قاضي التحكيم عند
أصحابنا الإمامية، وبه قال الشافعي وعبد الوهاب والحنابلة(80).
ويدلّ عليه قوله (ع) في رواية عمر بن حنظلة: "روى حديثنا، ونظر في
حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا"ولاشكّ يعني الاجتهاد والفقاهة، وهذا
مافهمه السائل أيضا من كلام الإمام(ع) بقرينة ماجاء في ذيل الحديث
من قوله: "أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه"
وقد قيل بعدم اعتبار الاجتهاد فيه، ذهب إليه الشيخ الجواهري(81)
والسيد الخوئي في التكملة(82) ولعلّه هو الأقوى.
واستدلّوا بعدم اعتباره بقوله تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن
تحكموا بالعدل)(83) فإنّ المستفاد منه صحّة الحكم بالعدل من كل
مؤمن ولو لم يكن مجتهداً.
واستدلّوا أيضاً بقوله(ع) في رواية أپي خديجة: "إيّاكم أن يحاكم
بعضكم بعضا إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من
قضايانا فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه"حيث
دلّ على عدم اشتراط الاجتهاد وكفاية العلم ببعض القضايا ولو عن
طريق التقليد.
ولعلّ أقوى هذه النصوص دلالة على المطلوب هو قوله(ع) في رواية
القضاة أربعة التي تقدّمت آنفا، فقد جاء في ذيلها: "ورجل قضى بالحق
وهو يعلم فهو في الجنَّة"فهي تدلّ بإطلاقها على أنّه في الجنّة،
سواء كان علمه عن طريق الاجتهاد أو التقليد(84).شرائط التحكيم:
هل يشترط في جواز التحكيم عدم وجود الإمام أو القاضي المنصوب من
قبل الإمام في البلد أم لا يشترط ذلك؟ قولان، المشهور العدم، بل لم
أجد فيه خلافا إلا ماحكى صاحب الجواهر عن بعضهم(85).
قال العلاّمة في القواعد : والتحكيم سائغ وإن كان في البلد
قاضٍ(86).
وقال الشهيد الأول في الدروس: قضاء التحكيم وهو سائغ وإن كان في
البلد قاض(87).
وقال الشهيد الثاني في الروضة: قاضي التحكيم وهو الذي تراضى به
الخصمان للحكم بينهما مع وجود قاضٍ منصوب من قبل الإمام(88).
وفي كشف اللثام: لو تراضى الخصمان بحكم بعض الرعية فحكم بينهما جاز
عندنا وإن كان الإمام حاضرا أو هناك قاضٍ منصوب منه(89).
وفي بداية المجتهد والشافعي يجيز أن يكون في المصر قاضيان
اثنان(90).
ومايدلّ على عدم الاشتراط : إطلاق الأدلّة الدالّة على جواز
التحكيم، اللّهم إلاّ أن يقال: إنّ الروايات صدرت في زمنٍ لا يوجد
فيه قاضٍ منصوب من قبل الإمام، وعدم بسط يده، فلا إطلاق في البين،
فالقدر المتيقّن من جواز التحكيم هو عدم وجود قاضٍ منصوب، وفيه
تأمّل .
وأمّا في نفوذ حكمه فهل يشترط في لزومه تراضي الخصمين بعد الحكم أم
لا؟ فيه قولان: الأول: عدم الاشتراط، وقد قال به الإمامية، بل لم
أجد خلافاً فيه عندهم.
قال الشيخ الطوسي: فإذا حكم بينهما لزم الحكم، وليس لهما الخيار
بعد ذلك(91).
وقال المحقّق الحلّي: لو تراضى خصمان بواحد من الرعية وترافعا إليه
فحكم بينهما لزمهما الحكم، ولا يشترط رضاهما بعد الحكم(92).
وقال الشهيد الأول: وهل يشترط رضاهما بعد الحكم؟ الأقرب : ل(93).
وقال الشهيد الثاني: ومحلّ اعتبار رضا الخصمين بحكمه قبل تمام
الحكم، فمتى رجع قبله ردّ، حتّى لو أقام المدّعي شاهدين فقال
المدّعى عليه: عزلتك، لم يكن له أن يحكم، ولو تمَّ الحكم قبل
الرجوع لزمهما حكمه(94).
ونحوه في الروضة(95).
وفي قواعد العلاّمة : ولا يجوز نقض ماحكم به فيما لا ينقض فيه
الأحكام وإن لم يرضيا بعده اذا كان بشرائط القاضي المنصوب عن
الإمام. نعم لو رجع أحدهما عن تحكيمه قبل حكمه لم ينفذ حكمه(96).
وبه قال أحمد وبعض الحنابلة، قال ابن قدامة: إنّ لكلّ واحد من
الخصمين الرجوع عن تحكيمه قبل شروعه في الحكم، لأنّه لا يثبت إلا
برضاه، فأشبه ما لو رجع عن التوكيل قبل التصرف، وإن رجع بعد شروعه
ففيه وجهان(97).
وقال المرداوي السعدي في الإنصاف : لو رجع أحد الخصمين قبل شروعه
في الحكم فله ذلك وإن رجع بعد شروعه وقبل تمامه ففيه وجهان،
وأطلقهما في المغني والكافي والشرح الكبير والرعاية الكبرى،
أحدهما: له ذلك، والثاني: ليس له ذلك، قلت: وهو الصواب، وصحّحه في
النظم، واختار في الرعاية الكبرى: إن اشهد عليهما بالرضا بحكمه قبل
الدخول في الحكم فليس لأحدهما الرجوع(98).
وإليه ذهب ابن مفلح المقدسي في شرحه(99)، وبه جزم البهوتي في شرح
المنتهى(100)، وبه قال أبو حنيفة(101)، وهو أحد قولي الشافعي(102).
قال شمس الدين السرخسي: ومايحكم به بمنزلة اصطلاح الخصمين عليه،
لأنّه بتراضيهما صار حكما حتّى أنّ لكلّ واحد منهما أن يرجع فيها
مالم يمض فيه الحكم والحكومة، فإذا أمضاها فليس لواحد منهما أن
يرجع فيه(103).
وفي الذخيرة: قال ابن يونس: قال ابن القاسم: إذا حكّماه وأقاما
البيّنه عنده ليس لأحدهما رجوع إذا أبلى ذلك صاحبه، لأنّه حقّ له
وجب براحته من نظر القضاة، قاله أپو حنيفة. وعن سحنون: لكلّ واحد
منهما الرجوع مالم يمض الحكم كالوكالة، وإليه ذهب عبد الملك(104).
الثاني: اشتراط تراضيهما بعد الحكم أيضاً. وبه قال الشافعي في قوله
الآخر(105)، واختاره المزني(106) وحكي عن ابن أپي شيبة وابن حنبل
قالا: لايلزمهما الحكم إلاّ برضاهما لئلاّ يكون ذلك عزلا للقضاة
وافتياتا عليهم، لأنّ رضاهما معتبر ابتداءً، فاعتبر في اللزوم،
قياساً لأحدهما على الآخر(107).
أدلّة القول الأول:
1- ماروي عن النبي(ص) أنّه قال: "من حكم بين اثنين تراضيا به فلم
يعدل بينهما فعليه لعنة الله"(108). وتقريب الدلالة فيه: أنّه لولا
أنّ حكمه بينهما جائز لازم لما تواعده باللعن(109).
وفيه: أنّه لا دلالة فيه على لزوم الحكم بغير رضا الخصمين ، إذ
يمكن أن يكون اللعن الوارد في الرواية إنّما لأجل الحكم بغير العدل
وإن لم يكن حكمه نافذاً بدون رضاهما، فالموجب - كما هو الظاهر -
للّعن هو الحكم بغير العدل سواء كان لازماً أم لا.
2- ماذكره الشيخ في الخلاف(110): أنّه لو كان الحكم لا يلزم بنفس
الالتزام والانقياد لما كان للترافع إليه معنى، فإن اعتبرُ التراضي
كان ذلك موجوداً قبل الترافع إليه.
وفي المغني نحوه، قال: لأنّه يؤدّي إلى أنّ كلّ واحد منهما إذا رأى
من الحكم ما لا يوافقه رجع، فيبطل المقصود منه(111).
وفيه: أنّه يمكن أن يقال : إنّ تقييد لزوم الحكم برضا الخصمين به
لا يوجب اللغوية والعبث، إذ يكفي فيه لزومه بعد رضاهما به.
3- مانقله الشيخ الطوسي(112) من إجماع الفرقة على أخبار رووها: إذا
كان بين أحدكم وبين غيره خصومة فلينظر إلى من روى حديثنا وعلم
أحكامنا فليتحاكما إليه، وإذا مادعا الواحد منّا غيره إلى ذلك
فامتنع منه كان مأثوماً.
منها: ما أخرجه ثقة الاسلام الكليني بإسناده إلى أبي خديجة قال:
قال لي أبو عبد الله(ع): "إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل
الجور، ولكن انظروا إلى رجلٍ منكم يعلم شيئاً من قضائنا فاجعلوه
بينكم، فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه"(113). فقوله (ع): "قد
جعلته قاضياً"متفرّع على قوله السابق: "فاجعلوه بينكم"أي: اجعلوه
قاضياً بينكم بأمري، ومنه يظهر أنّ حكم القاضي لازم ونافذ فلا
يشترط فيه رضا الحكمين.
ومنها: ما أخرجه أيضاً بإسناده إلى عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد
الله(ع) عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما في دين أو ميراث فتحاكما
إلى السلطان أو إلى القضاة، أيحلّ ذلك؟ فقال: من تحاكم إلى الطاغوت
فحكم له فإنّما يأخذ سحتاً وإن كان حقّه ثابتاً، لأنّه أخذ بحكم
الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر به، قلت: كيف يصنعان؟ قال: انظروا
إلى من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف
أحكامنا فارضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم
بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما بحكم الله قد استخفّ وعلينا ردّ،
والرادّ علينا رادّ على اللّه، وهو على حدّ الشرك بالله(114).
فقوله(ع): "فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم
الله"ظاهر في لزوم الحكم من دون شرط رضا الخصمين المتنازعين ، بل
ولا يجوز ردّه فإنّه استخفاف بحكم الله تعالى.أدلّة القول الثاني:
1- لايلزم الخصمين حكم قاضي التحكيم إلاّ بتراضيهما، لأنّ حكمه
إنّما يلزم بالرضا به، ولا يكون الرضا إلاّ بعد المعرفة
بالحكم(115). وفيه: أنّه مصادرة، لأنّ قوله: "لأنّ حكمه إنّما يلزم
بالرضا به"هو عين المدّعى في أول الكلام، وبذلك فالدليل هو عين
المدّعى ولا يثبت به المطلوب.
2- ماحكاه القرافي عن ابن أپي شيبة وابن حنبل قالا: لأنّ رضاهما
معتبر ابتداءً، فاعتبر في اللزوم، قياساً لأحدهما على الآخر(116).
وفيه مافيه.
وأمّا رجوع الخصمين عن التحكيم قبل الحكم فلم أجد خلافاً بين فقهاء
المسلمين في جواز رجوع كلّ واحد من الخصمين عن تحكيمه قبل شروع
الحاكم في حكمه. لكنّ الذي يقوى في النفس وإن لم نجده موافقاً هو
أنّه لايجوز الرجوع عن التحكيم حتّى قبل شروع الحكم، بدليلين:
الأول: لقوله (ع) في رواية أبي خديجة المتقدّمة: "فاجعلوه بينكم
فإنّي قد جعلته قاضياً" فمجرّد طلب التحكيم صار المحكَّم قاضياً،
وعزله بالرجوع عن تحكيمه يحتاج إلى دليل، وهو مفقود.
نعم، لهما أن ينصرفا عن التنازع والتداعي ، وأمّا عزل الحَـكـَم
فلا.
لايقال: إنّ فيه تفويت لمصلحة الخصمين.
فإنّه يقال: ليس فيه تفويت مصلحة أيّ واحدٍ منهما، لأنّ الرضا بأصل
التحكيم موجود، وقد استمرّ رضاهما حتّى قبل لحظة من شروعه الحكم،
وعليه فعزل المُحكـَّم تفويت للقضاء الذي أمر به الشارع المقدّس
مالم يدلّ عليه دليل. ثم إنّ الكلام يجري في القاضي المنصوب من قبل
الإمام لو صحّ المدّعى.
الثاني: لكونه يلزم الاستخفاف بحكم الله فيما لو تصوّر أنّ كلّ
اثنين متنازعين يحكّمان حكماً وحتّى قبل لحظة من نطقه الحكم بدا
لهما فألغياه ورجعا عن تحكيمه. نعم لو حصل سبب عقلائي كحضور من هو
أفقه منه - مثلاً - فيجوز الرجوع حينئذٍ.مايجري فيه التحكيم:
اختلف الفقهاء فيما يجري فيه التحكيم على أربعة أقوال:
1- جواز التحكيم في كلّ الأحكام مطلقاً. قال به الشيخ الطوسي(117)
والمحقّق الحلّي(118) والعلاّمة (119) والشهيد الأول(120) والفاضل
الهندي في الكشف(121) وهو المحكي عن ظاهر كلام أحمد(122) وأليه ذهب
الشيخ تقي الدين الحنبلي(123)، وبه قال أبو يوسف واختاره
المزني(124)، وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي(125) إذ عليه نصّ في
الأم(126) وفي الرسالة(127) واختاره صاحب الجواهر(128).
2- جواز التحكيم في جميع مايقع فيه التداعي وعدم جوازه في حقوق
الله سبحانه المحضة التي ليس لها خصم معين ولا يقع التداعي فيها.
وهو اختيار الشهيد الثاني قال: يختصّ بحقّ الآدمي من حيث إنّه
متوقّف على نصب المتخاصمين، فلا يحكم في حقوق الله تعالى، إذ ليس
لها خصم معيّن(129).
3- جواز التحكيم في جميع الأحكام إلاّ أربعة أشياء: النكاح واللعان
والقذف والقصاص. وهو المحكي عن القاضي(130) وأحد الوجهين لأصحاب
الشافعي(131) وبه قال سحنون، حكاه عنه ابن يونس(132).
4- جواز التحكيم في الأموال فقط. قاله القاضي وقدّمه في النظم،
وقاله في المحرّر والفروع(133). وحكاه القفّال الشافعي عن بعض
أصحابه(134).
والذي يقوى في النفس القول الثاني، إذ قوله(ع) في رواية أبي خديجة:
"فتحاكموا إليه" مطلق يشمل جميع مايقع فيه التحاكم والتداعي، وأمّا
مالا تداعي فيه ولا تحاكم كحقوق الله تعالى فلا دليل على نفوذ حكمه
فيه، لأنّها ليس لها خصم معيّن . وقوله(ع): "فاجعلوه بينكم"يستفاد
منه كون التحاكم بين متخاصمين اثنين من الناس أو اكثر.
لايقال: إنّه يستدلّ عليه بأنّه داخل في عموم الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، فلا موجب لهذا التخصيص.
فإنّه يقال: إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يغاير الحكم
والقضاء. ولو سلـّم فلا دليل على جواز التحكيم فيما ليس له خصم
معيّن من قبل المحكّمين حتّى يقال: بجواز الحكم بلا تخصيص من باب
النهي عن المنكر.
وأمّا ما استدلّ على القول الثالث بأنّ لهذه الأحكام الأربعة
(النكاح واللعان والقذف والقصاص) مزيّة على غيرها فاختصّ الإمام
بالنظر فيها أو نائبه الذي يقوم مقامه(135)، فمردود من جهتين:
الأُولى: لو قلنا جدلاً باشتراط جواز التحكيم في هذه الأحكام
الأربعة بوجود الإمام أو القاضي المنصوب من قبله للنظر فيها فإنّه
يلزم أن تعطّل هذه الأحكام في حال غيابهما.
الثانية: ورود الدليل على جواز التحكيم يكشف عن الإذن العام في
النظر في جميع الأحكام التي يقع فيها التداعي والتحاكم ومنها هذه
الأحكام الأربعة لقاضي التحكيم.
وأمّا ما استدّل بعضهم(136) بأنّ الاستثناء وقع لهذه الأحكام
الأربعة لأنّها حقوق بُنيت على الاحتياط فلم يجز فيها التحكيم،
فمردود أيضاً بأنّ في بعض الأحكام غير هذه الأربعة مزيّة عليها،
وقد بنيت أيضا على الاحتياط، وقد جاز فيها التحكيم، كالطلاق
والإيلاء والسرقة وغيرها. ولذا فنحن ننكر وجود مزيّة في هذه
الأربعة على غيرها.
وأمّا القول الرابع فهو قول بلا دليل ، ويردّه عمومات الأدلّة.رجوع
الحاكم عن حكمه:
إذا حكم المحكّم بعد تحكيمه لايجوز له الرجوع عن حكمه الذي حكم
بالحقّ والعدل، لأنّه بعد تحكيمه صار يطلق عليه القاضي، وحكم
القاضي لايجوز نقضه وردّه. ويدلّ عليه قوله(ع) في رواية عمر بن
حنظلة: "فإنّما استخفّ بحكم الله" فالتعليل يجري أيضا في رجوعه عن
حكمه. نعم، لو علم ببطلان حكمه، وأنّه حكم بغير الحقّ والعدل فيجب
عليه حينئذٍ الرجوع عن حكمه، ونقضه، لما ورد الأمر بالحكم بالحقّ
والنهي عن الحكم بغير الحقّ.
قال سبحانه وتعالى: (يا داود انّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين
الناس بالحقّ) (137) .
وقال تعالى: (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) (138).
وقال: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فاؤلئك هم الكافرون) (139) و(...
هم الظالمون)(140) و(...هم الفاسقون) (141).
وماروي عن النبي(ص) قوله: "من حكم بين اثنين تراضيا به فلم يعدل
بينهما فهو ملعون"(142).
وكذا لو رجع وحكم للآخر صار ممّن حكم بغير ما أنزل الله. وأمّا إذا
تبيّن أنّ حكمه الأول حكم بغير الحقّ فيجب عليه الرجوع والحكم
للآخر بالحقّ والعدل وإلاّ فهو ممّن لم يحكم بما أنزل الله.تنفيذ
الحكم:
إنّ المستفاد من أدلّة جواز التحكيم أنّ قاضي التحكيم يجوز له
تنفيذ الحكم وإجراؤه بالمباشرة، ولا ينتظر تنفيذ القاضي المنصوب،
وهو ظاهر فقهاء المسلمين وصريح بعضهم لكونه حاكم نافذ
الأحَكام(143). لرواية حفص بن غياث التي أخرجها الصدوق باسناده عنه
قال: سألت أبا عبد الله (ع): من يقم الحدود، السلطان أو القاضي؟
فقال: إقامة الحدود إلى من إليه الحكم(144).
ورواه الشيخ الطوسي بإسناده إلى سليمان بن داود بمثله(145).
نعم، للقاضي المنصوب تنفيذه وإجراؤه لولم يكن لقاضي التحكيم سلطة
عليه، لأنّه حكم صدر من أهله بالحقّ والعدل، فلا يجوز تعطيله ولا
تأخيره إذ يلزم الاستخفاف بحكم الله تعالى.
واستشكل العلاّمة ثبوته فقال في القواعد: "وهل له الحبس واستيفاء
العقوبة؟ إشكال"(146) ووجّهه صاحب المسالك بقوله: من حيث انّه
ولاية شرعية وأمر خطير فلا يصلح أن يكون لغير الحاكم الشرعي(147).
وزاد في الكشف على ماحكاه صاحب الجواهر: من الاحتياط في الدماء
وعصمتها واشتراك الحدود بين حقّ الله وحقّ الناس، والتحكيم انّما
هو في حقّ الناس(148).
والظاهر أنّ التنفيذ من قبل المحكـَّم إذا كان يعني تدخلاً في شأن
حكومي يلزم حينذٍ اتّصال القضاء به.في التحاكم إلى اثنين:
وهل يجوز التحكيم إلى اثنين بدل الواحد؟ لم أجد فيما توفّرت من
مصادر من تعرّض لهذه المسألة من الفقهاء، إلاّ أنّ مقتضى رواية عمر
بن حنظلة - المتقدّمة - جوازه.
فقد سأله قائلاً: فإن كان كلّ واحدٍ اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا
أن يكونا الناظرين في حقّهما، واختلفا فيما حكما، وكلاهما اختلفا
في حديثكم؟ فأجابه(ع): الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما
في الحديث وأورعهما، ولا يلتفت إلى مايحكم به الآخر، قال: فقلت:
فإنّهما عدلان مرضيان عند أصحابنا ، لا يفضل واحد منهما على صاحبه،
قال: فقال: ينظر إلى ماكان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به،
المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذّ الذي ليس
بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه... الخ(149).
ورواية داود بن الحصين التي أخرجها الصدوق والشيخ الطوسي بالإسناد
عنه عن أبي عبد الله(ع) في رجلين اتّفقا على عدلين جعلاهما بينهما
في حكم وقع بينهما فيه خلاف، فرضيا بالعدلين، فاختلف العدلان
بينهما، عن قول أيّهما يمضي الحكم؟ قال: ينظر إلى أفقههما وأعلمهما
بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه، ولا يلتفت إلى الآخر(150).
ورواية موسى بن أكيل التي أخرجها الشيخ الطوسي بالاسناد عنه عن أبي
عبد اللّه(ع) قال: سئل عن رجل يكون بينه وبين أخ له منازعة في حقّ
فيتّفقان على رجلين يكونان بينهما، فحكما فاختلفا فيما حكما، قال:
وكيف يختلفان؟ قال: حكم لكلّ واحد منهما للذي اختاره الخصمان،
فقال: ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين الله فيمضي حكمه(151).
وعلى هذا فإنّه يمكن أن يجتمعا وينظرا في القضية، فإذا اتّفقا حكما
معاً، وحكمهما لازم ونافذ على المتخاصمين، وإذا لم يتّفقا واختلفا
فيمضي حكم أعدلهما وأفقههما وأصدقهما وأورعهما ويطرح الآخر فلا
يمضي.
ثم إنّ التحاكم إلى اثنين يتصوّر تارة بأن يختار الخصمان معاً كلا
المحكَّمين، وأُخرى أن يختار كلّ واحدٍ من الخصمين المتنازعين
رجلاً ليكونا ناظرين في حقَّهما. وماورد في رواية عمر بن حنظلة هو
الثاني، وفي رواية داود بن الحصين هو الأول كما هو الظاهر.احتكام
أهل الملل الأُخرى إلى المحاكم الإسلامية:
تعرّض الفقهاء في مباحثهم ومصنفاتهم الشريفة إلى مسألة تحاكم غير
المسلم إلى محاكم إسلامية، فهل يجب على الحاكم المسلم الحكم بينهما
أم لا؟ أم هو بالتخيير بين أن يجيب لهم أم لا؟
والمسألة هنا تتصوّر على عدّة صور: تارة: إذا تحاكم ذمّيان، وأُخرى
: ذمّي ومستأمن حربي، وثالثة: مستأمنان حربيان من غير أهل الذمة،
ورابعة: مسلم مع ذمّي أو مستأمن حربي.
ثم إنّ الأُولى على شكلين: تارة من أهل ملّة واحدة، وأُخرى: من أهل
ملّتين مختلفتين. والشكل الأول منهما: تارة من دون أن يتحاكما إلى
حكّام أهل ملّتهما، وأُخرى: بعد أن تحاكما إلى حكّامهما فقضوا
عليهما بالجور أو بالعدل في مذهبهم.
وبالجملة فهنا ستّ صور:
الأُولى : لو تحاكم ذمّيان من أهل ملّة واحدة - كأهل التوراة مثلاً
- إلى محاكم إسلامية من دون التحاكم إلى حكّام أهل ملّتهما، فلا
خلاف عند الإمامية كما في الجواهر(152)، بل عليه الإجماع كما في
السرائر(153) بأنّ الحاكم المسلم بالخيار في ذلك : إن شاء حكم وإن
شاء ترك. وحكاه البيضاوي(154) عن الشافعي في أحد قوليه، وبه قال
ابن قدامة الحنبلي(155).
وحكي عن الشافعي(156) في قوله الآخر والمزني(157) وأبي حنيفة(158)
وجوب الحكم على الحاكم المسلم وبه قال البيضاوي الشافعي(159).
واستدلّ على القول الأول:
1- قوله تعالى: (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم
فلن يضرّوك شيئاً وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إنّ الله يحبّ
المقسطين) (160) وهي صريحة في الخيار.
وقد أورد البيضاوي عليه بأنّ الآية ليست في أهل الذمَّة(161).
وهذا ليس بشيء، لأنّه وإن لم تكن الآية في أهل الذمّة فهي ليست
مختصّة بغيرهم، بل هي مطلقة تشمل أهل التوراة، سواء كانوا ذمّيين
أم لا. والدليل على ذلك قوله تعالى في الآية بعدها: (وكيف يحكّموك
وعندهم التوراة) (162) ، هذا أولاً.
وثانياً: لو سلّمنا لقوله لأمكن أن يقال أيضا: إنّ الآية مختصّة
كما هو الظاهر بالنبي(ص) وحده، وسريان حكمها إلى سائر الحكّام
يحتاج إلى دليل. وهذا الكلام فيه مافيه.
وحكي عن الحسن أنّه قال : هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: (وان احكم
بينهم بما أنزل الله)(163) فنسخ التخيير وأوجب الحكم بينهم(164).
ويرد عليه: أنّ النسخ يحتاج إلى دليل وهو هنا مفقود. والجمع بين
الآيتين ممكن، بأنّ الأُولى وردت في مورد أصل الحكم بينهم،
والثانية وردت في مورد آخر لا في مورد أصل الحكم، وهو أنّه إذا
أردت أن تحكم واخترت هذا الطريق فاحكم بينهم بما أنزل الله تعالى
عليك.
2- مارواه الشيخ الطوسي بإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر(ع) قال:
إنّ الحاكم إذا أتاه أهل التوراة وأهل الإنجيل يتحاكمون إليه كان
ذلك إليه: إن شاء حكم بينهم وإن شاء تركهم(165). فقوله (ع): "كان
ذلك إليه ...الخ"يدلّ على التخيير، وهو المطلوب.
فإن قيل: إنّ مقتضى الأصل عدم وجوب الحكم على الحاكم، فإذن يتخيّر
بين الحكم والترك. اللّهم إلا إذا تصوّرنا التزام أهل الذمّة بشروط
الدولة الإسلامية التي يعيشون في كنفها وتحت ظلّها، فإنّه يمكننا
القول بالوجوب فيه.
واستدلّ على القول الثاني بدليلَيْن:
أولّهما: ماقاله البيضاوي : والأصحّ وجوبه إذا كان المترافعان أو
أحدهما ذمّيا، لأنّا التزمنا الذبّ عنهم ودفع الظلم منهم(166).
وثانيهما: ماحكي عن الشافعي أنّه يجب على حاكم المسلمين أن يحكم
بين أهل الذمّة إذا تحاكموا إليه، لأنّ في إمضاء حكم الإسلام عليهم
صغارا لهم(167).
ويردّه أولا: إنّما يتمّ كلامه فيما لو توقّف الحكم بمقتضى الشريعة
الإسلامية ، وسيأتي فيه الكلام.
وثالثا: إنّما يتمّ كلامه فيما لو توقّف الحكم بمقتضى الشريعة
الإسلامية، وسيأتي فيه الكلام.
ورابعا: أنّه لو سلّم أنّ إمضاء الحكم بمقتضى الشريعة الإسلامية
صغاراً، لكنّه على المحكوم عليه، وأمّا بالنسبة للمحكوم له ليس
كذلك، بل عزَّة ورفعة له.
وخامساً: لو كان إمضاء هذا الحكم صغارا لهم فَلِمَ كان رسول
الله(ص) مخيَّراً في الحكم بينهم بمقتضى الآية الكريمة: (فإن جاءوك
فاحكم بينهم أو اعرض عنهم).
ثم إنّه إذا حكم الحاكم بينهم إمّا تخييراً أو وجوباً، فبمقتضى
أيَّة شريعة يحكم بينهم؟
الظاهر أنّه لاخلاف في أنّه لايجوز له أن يحكم إلاّ بمقتضى شريعة
الإسلام وعدله، وأن لا يحكم إلا بالحقّ.
قال العلاّمة الحلّي: ولو ترافعوا إلينا في خصوماتهم تخيّر الحاكم
بين الحكم بشرع الإسلام وردّهم إلى أهل نحلتهم ليحكموا بمقتضى
شرعهم(168).
وقال صاحب الجواهر: لو تحاكم إلينا ذمّيان - مثلاً - كان الحاكم
مخيّراً بين الحكم عليهما بحكم الإسلام.. وبين الإعراض عنهم، بلا
خلاف أجده فيه بينن(169).
وحكي ذلك عن أبي حنيفة(170)، وبه قال الماوردي الشافعي(171) وأبو
يعلى(172) وابن قدامة الحنبلي(173).
الثانية: لو تحاكم ذمّيان من أهل ملّة واحدة إلى محاكم إسلامية بعد
أن تحاكما إلى حكّام أهل ملّتهما فقضوا عليهما بالجور أو بالعدل في
مذهبهم.
قال محمد بن إدريس الحلّي: إن كان قد قضى عليه بما هو صحيح من
مذهبهم فقد أُمرنا أن نقرّهم على أحكامهم ، فلا يجوز لنا أن نفسخ
حكمهم عليهم ولا نردّه عليهم، ولا نجيبه إلى دفعه عن نفسه، وإن كان
قد قضى عليه بجور على مذهبهم فنردّه ؛ لأنّا أُمرنا أن نقرّهم على
أحكامهم ومايجوز عندهم دون مالا يجوز(174).
وقال المحقّق الثاني: لو تحاكموا إلى حكّامهم فقضوا عليهم بالجور
فترافعوا إلينا وجب الحكم بشرع الإسلام(175).
وفي الجواهر: الظاهر أنّه يجوز له أيضاً نقض حكمهم الباطل إذا
استعداه أحد الخصمين(176).
ويستدلّ على ذلك:
مارواه الشيخ الطوسي بإسناده إلى هارون بن حمزة عن أبي عبد الله(ع)
قال: قلت: رجلان من أهل الكتاب نصرانيان أو يهوديان كان بينهما
خصومة، فقضى بينهما حاكم من حكّامهما بجور، فأبى الذي قضى عليه أن
يقبل، وسأل أن يردّ إلى حكم المسلمين، قال: يردّ إلى حكم
المسلمين(177) فقوله(ع): "يردّ إلى حكم المسلمين"يدلّ على جواز نقض
حكم حاكمهم إذا حكم بالجور لو ترافعوا إلى حكّام المسلمين
ومحاكمهم.
ويستدلّ عليه أيضا بعمومات جواز نقض الحكم على ما أورده صاحب
الجواهر(178). بتقريب: أنّه لما كان هذا الحكم الذي حكم به حكّامهم
حكم جورٍ وليس بعدلٍ، فيجوز نقضه وطرحه عرض الحائط لأنّه باطل من
أصله، فإذا سأل أحد المتخاصمين المتضرّر أن يردّ إلى حكم المسلمين،
فكأنّه تحاكم ابتدائي، فيشمله مادلّ على جواز الحكم بينهم كما مرَّ
في الصورة الاولى.
الثالثة: لو تحاكم ذمّيان من أهل ملّتين مختلفتين كيهودي وآخر
نصراني، قال المحقّق الثاني: لو كان المتحاكمان من أهل ملّتين ولم
يتراضيا بحاكم من إحدى الملّتين وجب الحكم حذراً من وقوع الفتنة،
فإنّ الدفاع عنهم واجب علين(179).
الرابعة: لو تحاكم ذمّي ومستأمن حربي إلى محاكم إسلامية، قال
البيضاوي الشافعي: الأصحّ وجوب الحكم إذا كان المترافعان أو أحدهما
ذمّيا، لأنّا التزمنا الذبّ عنهم ودفع الظلم منهم(180).
الخامسة: لو تحاكم مستأمنان حربيان من غير أهل الذمّة، سواء كانا
من أهل الكتاب أم لا، إلى محاكم إسلامية، قال العلاّمة على ماحكي
عنه: لا يجب على الحاكم الحكم بينهما أجماعاً لانّه لايجب على
الإمام دفع بعضهم عن بعض، بخلاف أهل الذمَّة، ولأنّ أهل الذمَّة
آكد حرمة فإنَّهم يسكنون دار الإسلام على التأبيد(181).
السادسة: لو تحاكم مسلم مع ذمّي أو مستأمن حربي إلى محاكم إسلامية،
قال صاحب الجوهر: وجب على الحاكم أن يحكم بينهم بما أنزل الله
تعالى(182).
وقال المحقّق الثاني: الأول من مواضع وجوب الحكم: إذا كان أحد
الخصمين مسلماً، فإنّه لايجوز إجراء حكم الكافر على المسلم(183) .
ويستدلّ على ذلك: قوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على
المؤمنين سبيلا) (184) وغير ذلك من أدلّة حرمة التحاكم إلى الكفّار
إذا كان المتحاكم مسلما، فيتعيّن التحاكم إلى محاكم إسلامية، ويجب
على الحاكم الحكم بينهما بحكم شريعة الإسلام العزيز.احتكام
المسلمين إلى محاكم غير إسلاميّة:
أمّا هل يجوز للمسلم أن يتحاكم إلى محاكم غير إسلامية أم لا؟
الظاهر من الأدلّة عدم الجواز، بل يعدّ من الضروريات، وتدلّ عليه
الآيات الكريمة والروايات الشريفة.
منها: قوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار)
(185) وتقريب الدلالة: أنّ الاحتكام ركون، والكافر ظالم، فالاحتكام
هنا إلى الظالم ركون، وهو منهي عنه بمقتضى هذه الآية.
ومنها: قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل
إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا
أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً) (186) قال
الراغب: والطاغوت عبارة عن كلّ متعّد وكلّ معبود من دون الله
(يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) فعبارة عن كلّ متعدّ(187).
فالاحتكام إلى الكافر تحاكم إلى الطاغوت وقد أُمرنا أن نكفر به،
وعليه فلا يجوز الاحتكام إلى محاكم غير إسلاميّة.
ومنها: قوله تعالى: (لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً)
(188) وتقريب الدلالة: أنّ الاحتكام إلى الكافر وبالتالي حكمه على
المسلم سبيل للكافر على المسلم، وبمقتضى الآية الكريمة لم يجعل
الله للكافر على المؤمن سبيلا، فالاحتكام إليه حرام.
ومنها: مارواه الصدوق عن النبي(ص) قال: "الإسلام يعلو ولا يُعلى
عليه"(189) وتقريب الدلالة فيه: أنّ الاحتكام إلى الكافر يوجب علوّ
الكفر على الإسلام، وقد قال(ص): "لا يُعلى عليه" فيلزم النهي عن
الاحتكام لكي لا يعلو الكفر على الإسلام ، وهو المطلوب.
ومنه يظهر حرمة الاحتكام إلى المحاكم والمحكّمين غير المسلمين
لأنّه ركون إلى الطاغوت وسبيل للكافر على المؤمن وقد حرّمهما
الشارع المقدّ س ونهى عنهما نهيا صريحا.
هذا كلّه لولم يلزم حرجاً أو ضرراً، فإذا لزم فحينئذٍ يجوز
الاحتكام إلى محاكم غير إسلامية رفعا للحرج ودفعا للضرر، لقوله
عزّوجلّ: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (190) حيث يدلّ على أنّ
كلّ حكم يلزم منه الحرج فليس بمجعول، وهنا إطلاق عدم جواز الاحتكام
إلى محاكم غير إسلامية ومحكَّمين غير مسلمين بالنسبة إلى حالة
الحرج ، فهذا الإطلاق يتقيّد بهذه الآية الكريمة، بل الآية حاكمة
على أدلّة عدم الجواز فتضيق دائرتها.
ولقاعدة "لا ضرر ولا ضرار"المرويّ عنه(ص) بطرق مختلفة وألفاظ
متفاوتة بتفصيل موكول في مظانّه، فتكون هذه القاعدة حاكمة على
أحكام الإسلام ، إذ كلّما لزم من حكمٍ ضرر فهو مرتفع طبقاً
للقاعدة. وعليه فإذا لزم من عدم الاحتكام إلى المحكمين الكفّار
وإلى المحاكم غير الإسلامية ضرر نفسي أو مالي أو نحوهما فبمقتضى
هذه القاعدة يجوز الاحتكام إليهم ولا محذور منه.
ولما رواه الصدوق بإسناده إلى حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله(ع)
قال: قال رسول الله(ص): رُفع عن أُمّتي تسعة: الخطأ والنسيان وما
أكرهوا عليه ومالا يعلمون ومالا يطيقون وما اضطرّوا إليه والحسد
والطيرة والتفكّر في الخلق مالم ينطق بشفة(191).
وبمثله رواه الشيخ المفيد في الاختصاص عن الصادق(ع) (192).
وعلى هذه فإنّه يجوز الاحتكام في حال الاضطرار والضرورة، لأنّ -
بمقتضاها - كلّ حكم من الوجوب والحرمة مرفوع عند الاضطرار.احتكام
المسلمين إلى المحكمة الدولية:
سؤال يبرز هنا بإلحاح وهو: هل يجوز احتكام المسلمين فيما بينهم
وغيرهم إلى المحكمة الدولية التي تسمّى بمحكمة لاهاي أم لا؟
وقبل الإجابة عليه نرى لزاما الإشارة المجملة إلى تعريف هذه
المحكمة وإنشائها، فنقول: أُنشئت المحكمة الدولية لأجل تسوية
النزاعات الدولية وحلّها بالطرق السلمية وعبر القنوات الدبلوماسية
الممكنة إثر اتفاقات مؤتمري لاهاي الدوليّين عام 1899م وعام 1907م
فتمَّ الإقرار على إنشاء محكمة التحكيم الدائمة ومحكمة العدل
الدولية بعدها، حيث نظّمت مجدّداً بموجب ميثاق الامم المتحدة عبر
ميثاق خاصّ بها تمّت المصادقة عليه في مؤتمر الأُمم المتحدة بسان
فرانسيسكو في الولايات المتحدة بتاريخ 26 حزيران من عام 1945م عقب
انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وهذه المحكمة تشكّل بمجموعها الهيئة القضائية الرئيسية لمنظمة
الأُمم المتحدة، وتتألّف من خمسة عشر قاضياً تنتخبهم الجمعية
العمومية ومجلس الأمن من لائحة مرشحين لمدّة تسعة أعوام، على أن
يتغيّر ثلثهم كلّ ثلاث سنوات، وقد أعلنت مدينة "لاهاي" الهولندية
مركزا دائماً للمحكمة.
وللمحكمة حقّ الاختصاص بإعطاء الفتاوى الاستشارية حسب شروط نظامها
المتّبع، والاختصاص للحكم في بعض القضايا المحالة إليها بصورة
قضائية، لكن اختصاصها القضائي اختياري غير إلزامي؛ نزولاً عند طلب
الدول الكبرى التي رفضت الاختصاص الالزامي محافظة على حرّيتها في
العمل(193).
والآن لنعد إلى السؤال: فهل يجوز احتكام المسلمين إلى هذه المحكمة
في حلّ نزاعاتهم فيما بينهم وغيرهم ، أم لايجوز باعتبار أنّ
القائمين بأعمالها هم من الكفّار، وقد نهى الشارع المقدّس الركون
إليهم؟
ظهر ممّا تقدّم في المسألة السابقة بأنّ احتكام المسلمين إلى
المحاكم غير الإسلامية لايجوز، سواء كان التخاصم بين المسلمين أو
بينهم وبين غيرهم، والكلام يجري أيضاً في هذه المسألة لوحدة
الملاك. والأدلّة على حرمة الاحتكام في المسألة السابقة تجري هنا
كذلك، من حرمة الركون إلى الظالم، وما يوجب السبيل للكافر على
المؤمن، وإعلاء الكفر على الإسلام.. وغير ذلك ممّا قرِّر في محلّه.
نعم، كما يجوز للمسلم أن يحتكم إلى محاكم غير إسلامية في بلاد
كافرة عند الحرج أو الضرر أو الاضطرار، فكذلك يجوز للمسلمين أن
يحتكموا إلى المحكمة الدولية عند الحرج أو الضرر أو الاضطرار لأجل
التوصّل إلى الحقّ حيث لايمكن غير ذلك، فلا محذور حينئذٍ منه.
----------------------
1 - راجع لسان العرب 5: 226 مادة "نفر"، وتفصيل قصة هذه المنافرة
وسببها وخبر الاعشى وغيره معهما تجده في الأغاني لأبي فرج
الاصفهاني 15: 50 ومابعده، وبلوغ الارب للآلوسي 1: 287 ومابعده.
2 - السنن الكبرى 10: 145.
3 - كتاب العين 3: 67 مادة "حكم".
4 - الصحاح 5: 1902 مادة "حكم".
5 - لسان العرب 2: 271 مادة "حكم".
6 - المصباح المنير: 22 مادة "حكم".
7 - الخلاف 241:6 كتاب آداب القضاء مسألة (40).
8 - الخلاف 6: 241 كتاب آداب القضاء مسألة (40).
9 - مسالك الافهام 2: 351.
10 - الذخيرة 10: 35 و 36.
11 - المغني لابن قدامة 11: 483.
12 - كتاب العين 5: 185 مادة "قضي".
13 - مقاييس اللغة 5: 99 مادة "قضي".
14 - لسان العرب 15: 186 مادة "قضي".
15 - في الروضة البهية 1: 276.
16 - جواهر الكلام 40: 9 .
17 - في الدروس الشرعية 2: 65.
18 - في كشف اللثام 2: 140 ، ط حجر.
19 - كتاب الخلاف: 241 مسألة رقم (40).
20 - مسالك الافهام 13: 332.
21 - كشف اللثام 2: 140 ط . حجر.
22 - المغني 11: 483.
23 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي الحنبلي 11: 187.
24 - انظر المغني لابن قدامة 11: 483.
25 - راجع كتاب الاُم 6: 213، وبداية المجتهد 450:2 والمغنى لابن
قدامه 484:11 والشرح الكبير 392:11 والحاوي الكبير 16: 326.
26 - راجع الذخيرة للقرافي 10: 36.
27 - من لا يحضره الفقيه 3: 2 ح 1.
28 - الكافي 7: 412ح 4.
29 - تهذيب الأحكام 6: 219 ح 516.
30 - الكافي 1: 54 ح 10 و7: 412 ح 5.
31 - اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشّي: 371 ح 692.
32 - رواه الشيخ في الخلاف 6: 242، وابن حجر في التلخيص 4: 185 ذ ح
2084 ، والماوردي في الحاوي الكبير 16: 326، وابن قدامة في المغني
11: 483 وفيه: "فهو معلون".
33 - سنن النسائي 8: 226، ورواه البيهقي أيضا في السنن الكبرى 10:
145.
34 - مسالك الافهام 13: 332.
35 - السنن الكبرى 5: 268.
36 - المصدر السابق 10: 145، وقد تقدم في ص 2 فراجع.
37 - المغني لابن قدامة 11: 484.
38 - كشف اللثام 2: 140 ط حجر.
39 - المائدة: 44.
40 - المائدة : 45.
41 - المائدة : 47.
42 - النساء : 58.
43 - كشف اللثام 2: 140 ط . حجر.
44 - كتاب القضاء: 24.
45 - تحرير الأحكام 2: 180 ط حجر.
46 - قواعد الأحكام ضمن سلسلة الينابيع 11: 393.
47 - الارشاد 2: 138.
48 - جواهر الكلام 40: 24، وراجع روضة الطالبين 8: 105.
49 - مسالك الافهام 13: 332.
50 - انظر مسالك الافهام 13: 332.
51 - انظر الوجيز 2: 238، وروضة الطالبين 8: 105، وبداية المجتهد
2: 464.
52 - الكافي 7: 406 ح 1، ورواه الصدوق في الفقيه 3: 4 ح 7.
53 - الكافي 1: 40 ح 12.
54 - المصدر السابق 7: 407 ح 1.
55 - من لا يحضره الفقيه 3: 3 ح 6.
56 - تهذيب الأحكام 6: 218 ح 513.
57 - الكافي 7: 409 ح 2.
58 - المحاسن: 205 ح 60.
59 - راجع كتاب القضاء في الفقه الاسلامي للسيد كاظم الحائري : 67
- 68.
60 - مسالك الافهام : 13.
61 - الروضة البهيّة 1: 279.
62 - الدروس الشرعية 2: 68.
63 - اللمعة الدمشقية: 89 .
64 - جواهر الكلام 40: 28.
65 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 11: 168.
66 - كما في سورة النحل: 57، والصافات: 149، والزخرف: 16، والطور:
39.
67 - الزخرف: 18.
68 - انظر كتاب القضاء في الفقه الاسلامي للحائري: 68 - 69 .
69 - الروضة البهية 1: 279.
70 - انظر بداية المجتهد 2: 455، وحلية العلماء 8: 115.
71 - انظر تكملة المنهاج للسيد الخوئي 1: 11.
72 - هود : 113.
73 - من لا يحضره الفقيه 3: 30 ح 26.
74 - الكافي 7: 395 ح 1.
75 - تهذيب الاحكام 6: 242 ح 601
76 - الكافي 7: 389 ح 1.
77 - تهذيب الأحكام 6: 248 ح 634، الاستبصار 3: 15 ح 42.
78 - كرواية ابن ابي يعفور عن الصادق(ع) التي رواها الصدوق في
الفقيه 3: 24 ح 65، والشيخ في التهذيب 6: 241 ح 596 بمثله مع
اختلاف يسير، راجعه بطوله.
79 - انظر حلية العلماء للقفّال 8 : 113.
80 - انظر بداية المجتهد 2: 454، والإنصاف في معرفة الراجح من
الخلاف 11: 169.
81 - جواهر الكلام 40: 15 ومابعده.
82 - تكملة المنهاج 1 : 9 .
83 - النساء : 58 .
84 - انظر جواهر الكلام 40: 16.
85 - المصدر السابق: 24.
86 - قواعد الاحكام ضمن سلسلة الينابيع الفقهية 11: 393.
87 - الدروس الشرعية 67:2 .
88 - الروضة البهيّة 1: 278 - 279.
89 - كشف اللثام للفاضل الهندي 2: 140 ط حجر.
90 - بداية المجتهد لابن رشد القرطبي 2: 455.
91 - كتاب الخلاف 6: 241 مسألة رقم (40).
92 - شرائع الاسلام 4: 60.
93 - الدروس الشرعية 2: 68.
94 - مسالك الافهام 13: 333.
95 - الروضة البهيّة 1: 279.
96 - قواعد الأحكام ضمن سلسلة الينابيع الفقهية 11: 393.
97 - المغني 11: 484.
98 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 11: 188.
99 - المبدع في شرح المقنع 8: 159.
100 - شرح المنتهى 3: 467.
101 - انظر: المبسوط للسرخسي 16: 111، وبداية المجتهد 2: 455،
والذخيرة للقرافي 10: 37.
102 - انظر: كتاب الأم 6: 213، وبداية المجتهد 2: 455، والمغني 11:
484، والشرح الكبير 11: 392، والحاوي الكبير 16: 326، والخلاف
للشيخ الطوسي 6: 241.
103 - انظر: كتاب الأم 6: 213، وبداية المجتهد 2: 455، والمغني 11:
484، والشرح الكبير 11: 293، والحاوي الكبير 16: 326، والخلاف
للشيخ الطوسي 6: 241.
104 - المبسوط 111:16ذذذذذذ.
105 - أنظر: الأم 6: 213، وبداية المجتهد 2: 455، والشرح الكبير
11: 392، وحلية العلماء 8: 118.
106 - حكاه عنه القفّال في الحلية 8: 117.
107 - راجع الذخيرة 10: 37 .
108 - أخرجه ابن حجر العسقلاني في تلخيص الحبير 4: 185 ذ ح 2084.
109 - انظر الخلاف للشيخ الطوسي 6: 242.
110 - المصدر السابق.
111 - المغني لابن قدامة 11: 484.
112 - كتاب الخلاف 6: 242.
113 - الكافي 7: 412 ح 4.
114 - الكافي 7: 412 ح 5.
115 - انظر المغني لابن قدامة 11: 484.
116 - الذخيرة 10: 37.
117 - الخلاف 6: 242 مسألة رقم (41).
118 - شرائع الاسلام 4: 60 .
119 - قواعد الاحكام ضمن سلسلة الينابيع الفقهية 11: 393.
120 - الدروس الشرعية 2: 68.
121 - كشف اللثام 2: 140 ط . حجر.
122 - حكاه أبو الخطّاب. راجع المغني لابن قدامة 11: 484.
123 - انظر الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي السعدي 11:
187.
124 - مختصر المزني : 302.
125 - حكاه عنهم ابن قدامة في المغني 11: 484 ، وانظر الوجيز 2:
238.
126 - الأم 6: 216، وراجع حلية العلماء 8: 142، والشرح الكبير 11:
425، وعمدة القارئ 24: 235.
127 - حكاه عنه المزني في مختصره : 302.
128 - جواهر الكلام 40: 24.
129 - مسالك الافهام 13: 333.
130 - حكاه عنه المرداوي في الإنصاف 11: 187.
131 - راجع حلية العلماء للقفّال الشافعي 8: 118، والمغني لابن
قدامة 11: 484.
132 - راجع الذخيرة للقرافي 10: 37 .
133 - راجع الإنصاف 11: 187، والمبدع لابن مفلح 8: 160.
134 - حلية العلماء 8: 118.
135 - ذكره ابن قدامة في المغني 11: 484.
136 - وهو الدكتور ياسين أحمد ابراهيم درادكه، محقّق كتاب حلية
العلماء للقفّال. راجع حاشية الكتاب 8: 118.
137 - ص : 26.
138 - المائدة: 42.
139 - المائدة : 44.
140 - المائدة 45.
141 - المائدة 47.
142 - أخرجه الرافعي في التلخيص 4: 185، وابن قدامة في المغني 11:
484.
143 - راجع المغني لابن قدامة 11: 484، ومسالك الافهام للشهيد
الثاني 13: 332.
144 - من لا يحضره الفقيه 4: 51 ح 179 .
145 - تهذيب الأحكام 10: 155 ح 621.
146 - قواعد الاحكام ضمن سلسلة الينابيع الفقهية 11: 394.
147 - مسالك الافهام 13: 333.
148 - جواهر الكلام 40: 27.
149 - تقدم تخريجه، فراجع.
150 - من لا يحضره الفقيه 3: 5 ح 17، تهذيب الأحكام 301:6 ح 843.
151 - تهذيب الأحكام 6: 301 ح 844.
152 - جواهر الكلام 40: 24.
153 - السرائر 2: 197.
154 - تفسير البيضاوي 1: 267.
155 - المغني 9: 289.
156 - حكاه عنه الفخر الرازي في التفسير الكبير 11: 242، وصاحب
الجواهر 21: 319.
157 -حكاه عنه صاحب الجواهر 21: 319.
158 - حكاه عنه البيضاوي في تفسيره 1: 267.
159 - تفسير البيضاوي 1: 267.
160 -المائدة : 42.
161 - تفسير البيضاوي 1: 267.
162 - المائدة: 43.
163 - المائدة: 49 .
164 -حكاه عنه القطب الراوندي في فقه القرآن ضمن سلسلة الينابيع
الفقهية 11: 125.
165 - تهذيب الأحكام 6: 300 ح 839.
166 - تفسير البيضاوي 1: 267.
167 - حكاه عنه الفخر الرازي في التفسير الكبير 11: 242.
168 - قواعد الأحكام ضمن سلسلة الينابيع الفقهية 9: 262.
169 - جواهر الكلام 21: 318.
170 - حكاه عنه الزمخشري في الكشاف 1: 614.
171 - الأحكام السلطانية : 145 - 146.
172 - المصدر السابق.
173 - المغني 9: 289.
174 - السرائر 2: 198.
175 - جامع المقاصد 3: 46.
176 -جواهر الكلام 21: 319.
177 - تهذيب الأحكام 6: 301 ح 842 .
178 - جواهر الكلام 21: 318.
179 -جامع المقاصد 3: 460.
180 - تفسير البيضاوي 1: 267.
181 -حكاه عنه صاحب الجواهر 21: 318.
182 - المصدر السابق.
183 - جامع المقاصد 3: 459.
184 - النساء: 141.
185 - هود: 113.
186 - النساء: 60 .
187 - المفردات: 305.
188 - النساء: 141.
189 - من لا يحضره الفقيه 4: 243 ح 778.
190 - الحج: 78.
191 - الخصال : 417 باب التسعة ح 9.
192 - الاختصاص: 31.
193 - إن شئت التفصيل فراجع كتاب "القانون والعلاقات الدولية في
الاسلام" للدكتور محمد صافي: 160 ومابعده.