مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية

نحن.. ومؤامرات الإثارة الطائفية


لا نود أن ندخل في طوارئ ساحة عالمنا الإسلامي لأنها تعبر غالبا عن الواقع المر الذي يعيشه المسلمون بكل ما فيه من ذل وهوان وتمزق وضعف وضياع، وهدفنا التطلع إلى المستقبل لا تكريس الواقع القائم. لكن الذي حدث قبل أشهر في مرقد الإمام الرضا ـ عليه السلام ـ  من انفجار مروع ذهب ضحيته عشرات الأبرياء يوم العاشر من محرم يستحق أن نقف عنده، رغم تقادم العهد عليه، لأنه يحمل أكثر من دلالة على وجود مؤامرة طائفية تستهدف إثارة نزاع بين أهل السنة والشيعة في المنطقة.
لقد سبق الحادث حملة إعلامية عما سمي مسألة أهل السنة في إيران، ثم جاء الحادث ليكمل خطة تلك الحملة وليلقي في الأذهان أن حادث الانفجار جاء ضمن عمليات تصفية طائفية داخل البلاد.
ولحسن الحظ كان وعي الأمة في إيران أكبر من المؤامرة فقد خرجت
الجماهير وخاصة من أهل السنة الإيرانيين في مظاهرات غاضبة أدانت الحادث بشدة، وبذلك توفرت ولله الحمد فرصة جديدة لتجاوز الحساسيات الطائفية الموروثة.
غير أن الخطة لابد أن تتواصل. واتجهت أنظار المراقبة إلى مساجد أهل السنة لأنه من المحتمل أن تقضي الخطة بتنفيذ عملية تخريبية فيها من أجل الإيحاء باستمرار التصفيات الطائفية وبأن العملية رد فعل شيعي لذاك الانفجار.
وصدق الاحتمال.. فقد القي القبض على من يضع قنبلة موقوتة في أحد مساجد أهل السنة.. وحين جرى معه التحقيق تبين أنّه  على ارتباط تنظيمي بالذي فجر القنبلة في مرقد الإمام الرضا، وأن الخطة واحدة بشقيها: إثارة أهل الشيعة تارة وإثارة أهل السنة تارة أخرى.
هذا الحادث العجيب يدفعنا إلى أن نعيد النظر فيما سجلته لنا ذاكرة التاريخ من نزاعات طائفية بين أهل السنة والشيعة.. ألم يكن لليهود يد فيها ؟! ألم يكن للصليبية ضلع فيها ؟! أما كان وراءها مصالح الحكم والسيطرة؟!
لا يمكن أن نتوقع من التاريخ تقديم وثائق واضحة تكشف الأيدي الخفية وراء النزاعات الطائفية، لأن كتاب التاريخ كانوا ينقلون الحجم الظاهر من الأحداث، بل جزء من هذا الحجم الظاهر فما بالك بالقسم الغاطس منها ! غير أنا نلمس بوضوح دور الحكام في إثارة فتن عقائدية كقضية القول بخلق القرآن والجبر والتفويض، والإرجاء، وقضية التجسيم والحلول ونظيرها كثير.. ولو تركنا التاريخ القديم ففي تاريخنا الحديث ما يشهد على تدخل مصالح الحكم في إثارة النعرات الطائفية كالذي حدث في زمن الصراع المصلحي بين الحكم الصفوي والعثماني.
وفي تاريخنا المعاصر أيضاً جم غفير من الوثائق على هذا الأمر.. ولعل أوضحها وأشهرها هذه الحملة الإعلامية الطائفية الضخمة التي شنت على الشيعة والتشيع بعد انتصار الإسلام في إيران وبعد إقامة حكم فيها قائم على أساس القرآن والسنة ومهتد بهدى رسول الله في نفي سبيل سيطرة الكفر العالمي على مقدرات
المسلمين..وتحقيق العزة المطلوبة لأبناء القرآن الكريم.
المصالح التي تقتضي توسيع الشقاق بين المسلمين لا تزال قائمة.. وتنامي الصحوة الإسلاميّة  يقوي هذا المقتضي.. ويجعل الطامعين في استمرار السيطرة على مقدرات المسلمين يخططون ليل نهار من أجل استثارة الفريقين، لتعميق الحساسيات وإشعال نار النزاعات..ومن المؤكد أنهم سيسلكون لذلك كلّ سبيل.
سنستفز بإثارة قضايا تاريخية..
وبتزييف المعتقدات والأفكار..
وبتهويل الخلافات الفقهية الفرعية..
بل وسنستفز بأعمال تخريبية وعمليات إرهابية..
وسيجند لذلك من باع ضميره وذمته للشيطان..
فما هو واجب الأمة المسلمة تجاه هذه المؤامرات ؟
الجواب واضح.. انه الحذر من الاستفزاز.
لا يجوز أن نقطع الطريق أمام البحوث والدراسات التاريخية والفقهية والعقائدية المذهبية المقارنة، فمثل هذه الدراسات تستطيع أن تكون وسيلة تفاهم وتقريب.. ولكن لا يجوز أن نندفع في تصعيد همومنا المذهبية لتنسينا همومنا الرسالية الكبيرة.. فذلك ما يجر إلى نوع من إثارة الحساسيات وبالتالي إلى الاستفزاز.
لابد من التفريق بين الدراسات العلمية الموثقة وبين هذا الكم الهائل الموجود من كتب السب والشتم والطعن.. فهذه الأخيرة وليدة ظروف سياسية خاصة، ودونت بيد رموز معروفين بارتباطاتهم المشبوهة..وهي لا تخدم التفاهم ولا تسلط الضوء بشكل مستدل مدروس على قضايا الخلاف.. بل تستهدف الاستفزاز لا غير.. ولابد أن نعي على أهداف كتابها وناشريها.
أضحى من الواضح لكل العالم ولطرفي الحرب العراقية الإيرانية المؤلمة المؤسفة أن أحد أهداف هذه الحرب التي أزهقت أرواح الآلاف وأهدرت ما لا حد له من الأموال والطاقات كان إثارة الحساسيات الطائفية بين أهل السنة والشيعة.. حاول الأعلام الاستكباري كثيراً أن يصورها بأنها استمرار للنزاع
الطائفي التاريخي بين البلدين !! مزيفا كلّ حقائق التاريخ.
وإذا كانت مؤامرة الإثارة الطائفية في هذه الحرب قد فشلت بسبب انكشاف كلّ الأوراق بفضل الله ومنه. فان التآمر سيستمر حتّى ولو كلف المزيد من سفك الدماء وتدمير الطاقات..
لقد اشتهر عن غربي في الحرب العالمية الثانية قوله: سنحارب حتّى آخر هندي !! وطواغيت الأرض سيحاربوننا حتّى آخر مسلم.. سيستخدمون المسلمين لضرب المسلمين.. باسم الطائفية كي يصوروا لا بناء الأمة أن الدين هو المسؤول عن كلّ هذه النزاعات.. وبذلك يركزون جذور العلمانية الرافضة للدين في العالم الإسلامي.
ومواجهة هذا التآمر الدموي يتطلب أول ما يتطلب تحرر الإرادة السياسية في العالم الإسلامي يتطلب تعاونا وثيقا في كلّ المجالات بين بلدان المسلمين بحيث تكون العلاقة بين أجزاء الكتلة الإسلاميّة  أقوى من أية علاقة أخرى بالكتل الأخرى.
كما يتطلب على صعيد كلّ بلد تعاوناً وتفاهماً بين العلماء والكتاب والمثقفين والإعلاميين لتفويت الفرصة على المتآمرين أمام حوادث الاستفزاز، كما حدث خلال عملية الانفجار في مرقد الإمام الرضا بخرا سان.
وقبل كلّ هذا وذاك نعوذ بالله سبحانه من كيد الكائدين، ونسأله أن يمن على أمتنا بالتقوى في هذه المواقف وبالصبر والتأني في النظر إلى هذه الأمور (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً( صدق الله العلي العظيم.
 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية