مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية

نحن.. والسياسة
 


 
تحاول الدوريات الثقافية والعلمية أن تنأى عن السياسة، وإنّما  تفعل ذلك لكي تبتعد عن النتائج السلبية التي تتمخض عادة عن الخوض في مسائل السياسة.
و(رسالة التقريب) تسلك هذا المنهج لا استهانة بدور السياسة في التقريب أو التخريب..بل لأن السياسة أضحت في عالمنا الإسلامي ـ غالبا ـ تفرق ولا تجمع، وتفتق ولا ترتق وتباعد ولا تقرب.
وهذا من غرائب الأمور، فالسياسة في معناها اللغوي باللغة العربية وغير العربية تعني رعاية مصالح الناس، فلماذا أصبحت آلة تمزيق وتفريق ؟
نقف قليلاً لنتبين السبب وليتضح العلاج.
الإنسان يحب ذاته، وهذه الذات تنتمي أحياناً إلى العشيرة، فتصبح العشيرة
جزء من ذات هذا الإنسان يدافع عن كرامتها ومكانتها، ويرى رئيس هذه العشيرة نفسه مسؤولاً عن رعاية مصالح كلّ أبنائها لأنه شيخها أو بعبارة أخرى سائسها.
ولا يخفى ما لهذا الانتماء القبلي من خير يتمثل في تعاون أفراد القبيلة وتعاضدهم، وما فيه أيضاً من شرٍ يبرز في النزاعات القبلية واصطدام المصالح العشائرية.
وقد يتسع هذا الانتماء بفضل تكامل التجربة البشرية ليتحول إلى انتماء قومي، وفيه مثل ذاك خير وشر وتتصاعد شرور هذا الانتماء حين يمتزج بالتعالي على القوميات الأخرى.
ثم يزداد هذا الانتماء تكاملاً حين تنصهر القوميات في إطار حضاري واحد، ويكون الانتماء إلي "المبدأ" هو الذي يوحد المجموعة البشرية بأفكارها وعواطفها وتطلعاتها ومصالحها.
ومن المؤكد أن الجهاز السياسي المنبثق انبثاقاً حقيقاً عن هذه المجموعة البشرية سيتجه نحو رعاية مصلحة أبناء العقيدة الواحدة وكل من يعيش في كنفهم وعلى أرضهم.
وهنا نستطيع أن نصنف المواقف السياسية في عالمنا الإسلامي، هل هي عشائرية أم قومية أم مبدئية.
لا نريد أن نشخص المصاديق، فالقارئ الكريم يعرف أن هناك كثيراً من المواقف العشائرية وقليلاً من المواقف القومية وقليلاً جداً من المواقف المبدئية.
ولكن المؤلم والمؤلم جداً أن هناك الكثير والكثير من المواقف المتخلفة حتّى عن الحالة العشائرية.. أنها المواقف الذاتية... الذاتية الفردية.
وهذه الذاتية الفردية لم تتورط فيها أجهزة السياسة في العالم الإسلامي المعاصر غالبا عن اختيار، بل عن رغم وإجبار إنها نتيجة خطة واسعة استهدفت فصل الجهاز السياسي عن آمال الأمة وآلامها وعقائدها وعواطفها.
فحاكم العالم الإسلامي المعاصر إن أراد أن يلتحم بالأمة فكرياً وعاطفياً وعقائدياً يجلبون عليه بخيلهم ورجلهم، ويحركون عليه العسكر ويحاربونه
بمساعداتهم وبأعلامهم وبكل ما يملكونه من وسائل الضغط.
ويكون أمامه خياران إما الاستسلام أمام إرادة المستكبرين وما يسمونه الإرادة الدولية !! أو المقاومة مع المعاناة.
الدوائر السياسية في عالمنا الإسلامي سلكت بدرجة وأخرى أحد هذين الخيارين.
ولكن الواقع المؤسف يشهد أن الضغوط كانت أكبر من الإرادة والهزيمة أعظم من الصمود.
ولذلك لا نرى على الساحة السياسية موقفاً مبدئياً إلاّ القليل، بل القليل جداً.
ومن هنا اقترن اسم السياسة في ذهن الأمة بالدجل والخداع والتضليل والمتاجرة بالمقدرات، بينما هي في الواقع رعاية مصالح الناس. انطلاقا مما تقدم أن السياسة أضحت في عالمنا الإسلامي ـ غالباً ـ وسيلة تخريب لا تقريب.
ومن الإنصاف أن لا نهمل عامل التربية وأسلوب التفكير ومستوى المعنويات في الأجهزة السياسية الحاكمة، فلها دخل أيضاً في المواقف إضافة إلى الضغوط الخارجية.
نخلص من كلّ هذا أن أهداف التقريب تقع تحت رحمة الواقع السياسي القائم، تنتعش بفضله إن كان ثمة مواقف مبدئية في الساحة السياسية وتكتوي بناره إن استفحلت الذاتية في هذه الساحة.
ليس هذا شأن التقريب فحسب بل إنه شأن كلّ مسيرة العودة الإسلاميّة، وستبقى هذه الحالة حتّى يرتفع مستوى الإرادة ومستوى الوعي ومستوى الإيمان في الساحة السياسية إلى تفضيل المصلحة الإسلاميّة الكبرى فوق كلّ مصلحة.
ونسأل الله سبحانه أن يحقق لأمتنا ذلك عاجلاً وما ذلك عليه بعزيز.
 
 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية