مركز الصدرين للدراسات السياسية || المقالات السياسية

ستبقى الثورة الاسلامية رمزاً لكل شعوب الأرض


في خضم الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالته الاسلامية الخالدة، على يد القوى الغربية الحاقدة المدعومة من الولايات المتحدة ووليدها الكيان الصهيوني، والتي تستهدف تشويه صورة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالته السماوية بما يلصقون به من افتراءات واتهامات من شأنها تأجيج المشاعر والحساسيات وإيقاظ الفتن والحروب الدينية، وتأجيج أوارها بين أصحاب الرسالات السماوية السمحاء، وتسعير الحروب الصليبية الاستعمارية المسماة بصراع الحضارات، من خلال تحريض وإثارة الشعوب الأوروبية ضد الاسلام والمسلمين.‏
في هذا الخضم المتلاطم من الحقد والضغوطات التي لا حدود لها على العالم الاسلامي وحركات مقاومته الاسلامية في لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها… من البلدان الاسلامية الأخرى.‏
في هذا الوقت بالذات تعنف وتتصاعد ضغوطات القوى الاستعمارية شرقيها وغربيها ضد الدولة الاسلامية في ايران لمنعها من امتلاك التقنيات النووية السلمية مستخدمة كافة الوسائل من التهديدات العسكرية والوكالة الدولية للطاقة النووية، ومن استخدام مجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة اللذين أصبحا ألعوبة بيد هذه القوى المجرمة، لكن الجمهورية الاسلامية في إيران التي تحتفل في هذه الأيام بذكرى انتصار ثورتها السابعة والعشرين بقيادة الامام الخميني(قدس سره) لا تزال تملك القدرة والارادة والصلابة ذاتها لانتزاع حقوقها وتحقيق تطلعات شعبها العظيم في بناء دولته الحديثة القادرة على حماية منجزاته وتجسيد طموحاته وأمانيه في الرفاهية والتقدم والازدهار ومواكبة الأمم والشعوب المتقدمة تكنولوجياً وصناعياً، والمساهمة في بناء حضارة انسانية انطلاقاً من مبادئ وتعاليم الرسالة الاسلامية الخالدة التي تبنتها منطلقاً وأساساً لثورتها ودولتها، ومصدراً لقوانينها وتشريعاتها، وقاعدة ومنطلقاً لإقامة دولة العدل الإلهي المرتكزة على القرآن والسنة النبوية الشريفة، لتحقيق حلم البشرية في العدل والمساواة، والتي تكون فيها الحاكمية لله(لأحكام الله) وحده لا للشرائع الوضعية.‏
إنَّ الثورة الاسلامية التي قادها الامام الخميني(قدس سره) ومن بعده ولي أمر المسلمين الإمام السيد علي خامنئي(حفظه الله) امتازت عن بقية الثورات التي نشأت في التاريخ حيث تمتعت بخصائص فريدة لم تتوافر في غيرها لانسجامها بحركة الاسلام في صدر الدعوة، وبخط الائمة المعصومين سلام الله عليهم وثوراتهم الاصلاحية ضد الفساد والطغيان، وأولى هذه الخصائص اسقاط قدرة الطغاة والمجرمين، وتحكيم دين الله، وتأسيس وبناء المجتمع الانساني على القيم والمبادئ الاسلامية.‏
ثانياً: اعتمادها واستمدادها لقدراتها وقواها من الجماهير الشعبية المؤمنة التي تمتلك الوعي وروح البذل والتضحية في سبيل الله ونصرته.‏
ثالثاً: نصاعة النهج والأهداف أمام القوى الاجتماعية والقوى التي أعدها الإمام الخميني(قدس سره) لتكون أداة الثورة وجندها، ونعني بها الشريعة الاسلامية وما تتضمنه من عدل اجتماعي وأخلاقي وسياسي واقتصادي يتكامل بالعلم والمعرفة والإرادة المصممة على الانتقال بالمجتمع من الجاهلية الى حياة قويمة تنبض بالحيوية والإبداع في ظل حكومة اسلامية تحكمها قيم الرسالة الخالدة لا القيم الوضعية من شرقية وغربية.‏
رابعاً: إنَّ الامام الخميني(قدس سره) بما كان يمتلكه من صفات القيادة, وقدرات ومؤهلات قيادية لم تتوافر في قائد آخر لا قبله ولا بعده من مصداقية ووعي وإدراك وإرادة وحزم، وبما كان يتمتع به من شخصية جذابة تشع بإشراقها وأبعادها المتكاملة ومصداقيتها التي عزّ نظيرها، ما جعله ملهماً لجماهير شعبه ومثالاً لأبناء دينه الذين رأوا فيه المخلص لهم مما عانوا ويعانون على أيدي طغاتهم ومجرميهم من أزلام القمع والإرهاب عملاء الأجنبي وأدواته.‏
فهو واحد في القول والفعل والممارسة كما كان أجداده عليهم السلام الذين استمد نهجه منهم وسار على خطاهم من محمد وعلي الى الائمة المعصومين عليهم السلام حملة راية الاسلام وصانعي مجده وعزه.‏
خامساً: إنَّ وضوح رؤية القائد حفظه الله وعمق وعيه وصدقه ودرايته وغنى تجربته أسقطت كل مساومة وانحراف عن الهدف، وقوّمت كل اعوجاج، مصوبة الاتجاه نحو الأهداف المنشودة للثورة، مفوتة على الأعداء انتهاز الفرص التي تستهدف القضاء على الثورة.‏
سادساً: هذه المصداقية في العمل الدؤوب وفي الجهاد والمستمر بناءً وإعداداً وتضحية وبذلاً استطاعت القيادة الرشيدة بصدق ممارستها وعملها أن تتمتع بالتأييد الإلهي ومدده الذي أدى بها أخيراً للانتصار وتحقيق الهدف المنشود في إسقاط الحكومة الطاغوتية الفاسدة والعميلة، والإطاحة بالشاه وجبروته، وتحرير إيران منه ومن القوى الاستكبارية التي كانت تدعمه في نهب ثروات البلاد وقمع تطلعاتها وتطلعات أبنائها نحو مستقبل زاهر وحياة فضلى.‏
وهكذا، بفضل الثورة الخمينية، قام الحكم الاسلامي الذي هو حصيلة الجهاد العظيم للإمام الخميني(قدس سره) وللشعب الايراني البطل وهو يقف بكل صلابته وعناده وعنفوانه في وجه طواغيت العالم، يقوده الى مراقي العزة والمنعة، محطماً عنفوان المستكبرين وأعوانهم من اللصوص والقتلة والناهبين لخيراته وثرواته، جاذباً اليه أنظار الشعوب والمستضعفين والمحرومين الذين يتوقون للتحرر من السلب والاستغلال والنهب والتحكم الأجنبي الذي يكبل حريتهم وإرادتهم.‏
وهذا يقود كله الى الشجرة الاسلامية المباركة التي تفتح وعيها على الهدف الكبير الذي يتحرك فيه خط الثورة الاسلامية، والذي لم تفلح مؤامرات العدو وأحقاده تثبيط عزيمتها التي انتصبت أمام العالم بوجهها المشرق، واستطاعت بثباتها وصلابتها أن تكون منارة للاسلام وخير دليل على عظمته ومثالاً ساطعاً للنظام الاسلامي.‏
لقد أثبتت الثورة الاسلامية من خلال نظامها الجمهوري الرائد مجموعة من الحقائق التي عجزت عن اثباتها الأنظمة الأخرى في جميع مراحل حياتها ومناطقها منها،‏
أولاً: قدرة الدين الاسلامي على إثبات وجوده في معترك الأحداث وفي بناء دولة العدل الالهي التي لا يضاهيها تشريع وضعي مهما سمت تشريعاته وقوانينه.‏
ثانياً: إنَّ النظام الاسلامي بما يمنحه لأفراد المجتمع من مساواة أمام القانون وفي مجال التمتع بالإمكانيات والعناية لجميع الفئات المستضعفة بمنع الاستغلال والتسلط عليها وحمايتها من الحيف والذل والاستعباد، ورعاية شؤونها الحياتية والصحية والاجتماعية، ورفعها الى مستوى لائق بإنسانيتها ووجودها، ما يحفظ لها كرامتها.‏
ثالثاً: توحيد الكلمة والارادة والحفاظ على وحدة الشعب التي تشكل رمز انتصاره وصلابة مواقفه القادرة على مجابهة التحدي ودرء الأخطار الخارجية والداخلية المحدقة بالجمهورية الاسلامية.‏
وهذا لا يتم الا بوحدة الأمة حكومة وشعباً، واجتماعها حول مبادئ الثورة الأساسية التي قامت عليها الجمهورية الاسلامية، وانصباب كل الطاقات والقوى لتحقيق الأهداف والدفاع عنها حتى لا تخترق من قبل أعدائها المتربصين بها والعاملين على تقويض أركانها.‏
رابعاً: ومن النقاط الأساسية التي حافظت عليها الثورة الاسلامية من خلال دولتها، كرامتها وعزتها في المحافل الدولية، ذلك أن انتصارها أحدث تحولاً عميقاً في العلاقات الدولية بتوجيهه ضربات قاصمة للقوى العظمى ولأحلافها، وأنهك قدراتها وقواها التي أنفقت زمناً طويلاً لفرض هيبتها وعظمتها أمام الشعوب، وبالتالي وهب للشعوب المستضعفة الثقة بنفسها وأعطاها الجرأة والشجاعة الروحية والمعنوية لمجابهة قاهريها من طغاة ودول استعمارية، وقد فعلت هذه الجرأة والثقة فعلها وبدأت آثارها العميقة تظهر شيئاً فشيئاً على الساحة الدولية، ما أوجد وضعاً جديداً في العلاقات الدولية يبشر بعصر جديد في هذه العلاقات، وقد أطلق على هذا العصر تسمية عصر الخميني(قدس سره), وسماته يقظة الشعوب وجرأتها وثقتها بنفسها، وتنامي هذه الثقة من خلال القيم الروحية والمعنوية والإلهية التي أفعمت مبادئ الثورة وتراثها الواقعي الفاعل في تنامي المقاومة الشعبية في مناطق كثيرة من العالم في لبنان وفلسطين وغيرها.‏
إنَّ الجمهورية الاسلامية التي كانت ثمرة جهد وعرق وتضحيات مئات الآلاف من الشهداء والمستضعفين وفي ظل خليفة مؤسسها العظيم(قدس سره) الامام الخامنئي قائد الثورة الاسلامية وولي أمر المسلمين عليها واجبات ومهمات كثيرة وكبيرة أهمها:‏
أولاً: الحفاظ على النهج الثوري المتصاعد، ودعم الشعوب المضطهدة والمظلومة التي تتحكم بها الدول المستكبرة.‏
ثانياً: تصليب مواقفها ضد الاستكبار العالمي الذي يعيث فساداً واستغلالاً وتجبراً وبشكل خاص الولايات المتحدة ووليدها الكيان الصهيوني المتغطرس اللذين يشكلان رأس الفتنة في إفساد القيم الانسانية والأخلاقية.‏
ثالثاً: دعم الشعوب قولاً وعملاً ورعاية وهداية والدفاع عنها في المحافل الدولية.‏
رابعاً: تفعيل العلاقة الى أقصى حدودها مع الدول الاسلامية وإقامة أوطد العلاقات بها والسعي لإنشاء سوق اسلامية من شأنها الإرتقاء بالتبادل التجاري الى أعلى مستوياته سعياً وراء وحدة العالم الاسلامي.‏
خامساً: تعميق الوحدة بين مؤسسات المجتمع الاسلامي وجعلها الركن الأساس من خلال استفتائه والأخذ بإرادته لما له من تضحيات وإيثار نابع من إيمانه القوي بالإسلام ومن ثقة عظيمة بالثورة ونظامها الاسلامي.‏
 

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية