مركز الصدرين للدراسات السياسية || المقالات السياسية

العلاقات الدولية والسياسة الخارجية للحكومة الاسلامية
الشيخ ابراهيم الأمينى

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل أن نخوض هذا البحث، نشير باختصار الى مسألتين:
الأولى: ان البحث حول السياسة الخارجية فى الاسلام يتوقف ـ بطبيعة الحال ـ على موافقتنا المبدئية بأن الاسلام يتدخل فى السياسة، بل وفى تأسيس الحكومة الاسلامية، وادارة أمة الاسلام، وتطبيق الأحكام والقوانين الاجتماعية، ويبدى وجهات نظره حولها.
وبديهى ان هذا الامر قد ثبت فى حينه بأفضل صورة ولذلك لا نرى ضرورة للبحث فيه مجددا .
الثانيه: ان الحكومة الاسلامية، حكومة رسالية وعقائدية، تقوم على نظرة كونية خاصة. ومن هنا كان عليها أن تعمل لتحقيق الأهداف الالهية.
ان حاكم الشرع ومسؤولى الحكومة الاسلامية لايستطيعون أن يحددوا المنهج العام وأصول السياستين الداخيلة والخارجية على ضوء أهوائهم ورغباتهم، بل عليهم أن يستلهموا المنهج من الوحى، ويخططوا فى اطار القوانين والتعاليم الالهية. وبعبارة ثانية عليهم فى الوهلة الأولى أن يعرفوا ما الذى يريده الاسلام منهم؟ وذلك لكى يتمكنوا من تحقيق الأهداف الالهية وتنظيم السياسات الداخلية والخارجية بشكل يمكن معه تحقيق الأهداف. وعليهم فى هذه المرحلة أن يستفيدوا من توجيهات الشرع.
و مما تجدر الاشارة اليه ان هؤلاء لا يملكون حرية مطلقة فى طريق تحقيق تلك الأهداف، فهم مضطرون لأن يعملوا فى اطار التعاليم العامة للشرع، مثلا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، علينا قبل كل شى‏ء أن نوضح الأمر التالى وهو: هل نحن نرى أنفسنا ملتزمين تجاه شعوب الدول الأخرى؟ وهل يطلب الاسلام شيئا معينا منا، أم لا؟ واذا كان يطلب، فما هو ذلك الشى‏ء؟ وهل نحن باعتبارنا حكومة اسلامية لنا التزامات أو مصالح الاسلامية فى بقية الدول، أم لا؟ واذا كان الجواب بالاثبات فما هى السبل الكفيلة بتحقيقها؟ كما علينا أن نعرف ما هو مقصودنا من اقامة العلاقات مع الدول الأخرى؟ كل ذلك لكى نعرف مع أى الدول يجب أن نقيم العلاقات، وعن أى الدول يجب أن نبتعد.
لهذا السبب نرى لزاما علينا الاشارة فى الوهلة الأولى الى عدة مسائل، لنتمكن فيما بعد من اثبات مقصدنا.
الرسالة العالمية لنبى الاسلام (ص) :
ان نبى الاسلام (ص) أرسل للناس كافة، والاسلام شريعة عالمية، لا اقليمية أو عرقية، أو قومية، وما شابه ذلك.
يقول القرآن الكريم:
«قل يا أيها الناس انى رسول الله اليكم جميعا الذى له ملك السماوات والأرض لا اله الا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون» (الأعراف: 158) و«و ما أرسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا...» (سبأ: 28) .
تؤكد هاتان الآيتان ـ بصراحة كاملة ـ على ان نبى الاسلام (ص) أرسل للناس كافة، وكان لهم بشيرا ونذيرا.
وجاء فى آيات اخرى ان الدين الاسلامى، دين شامل وعالمى، وسيتفوق فى النهاية على جميع الأديان، يقول القرآن الكريم:
«هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون» (التوبة : 33) .
و يقول أيضا:
«هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا» (الفتح : 28)
و فى القرآن الكريم، آيات تعد المؤمنين بأن ادارة العالم ستكون من اختصاصهم، وان دين الاسلام سيقوى كثيرا.
يقول القرآن الكريم:
«وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا» (النور: 55).
كما يقول:
«و نريد ان نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين» (القصص : 5) .
نستنتج من هذه الآيات ان العالم له مستقبل زاهر، حيث سيسيطر المؤمنون والمحسنون على زمام الأمور، فيما يستعيد الاسلام مجده ووقوته، ويبدأ الناس بعبادة الله سبحانه وتعالى دون خوف، ويتم استئصال جذور الشرك.
الدعوة ونمو الاسلام:
بديهى ان الدين الاسلامى لم ولن ينمون من تلقاء نفسه، بل هو بحاجة الى الدعو والجهاد . وهذه المسؤولية فوضت فى بادى‏ء الأمر الى رسول الله (ص)، فكان (ص) يسعى فى هذا المجال . يقول سبحانه وتعالى:
«ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن» (النل: 125) .
و يقول كذلك:
«فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم» (الشورى: 15) هذه الآيات تدعو الرسول (ص) لدعوة الناس الى الاسلام بالحكمة والموعظة الحسنة وحتى بالجدال الأحسن، والصمود فى هذا الطريق العظيم، وعدم اتباع اهواء الناس. كما يقول القرآن الكريم فى مكان آخر:
«يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس» (المائدة: 67) .
و يقول كذلك:
«يا أيها المدثر قم فانذر وثيابك فطهر والرجز فاهجر» (المدثر: 1ـ 5) .
يقول:
«لا يصدنك عن آيات الله بعد اذ أنزلت اليك وادع الى ربك...» (القصص: 78) .
هذه آيات تطلب من النبى (ص) ان يبلغ لآيات الله، مبعدا الخوف عن نفسه، لأن الله سبحانه وتعالى سيكون عوناله.
ولو ألقينا نظرة على كتب التاريخ والسيرة لعرفنا ان الرسول (ص) بذل محاولات جمة فى مجال الدعوة الاسلام، وارشاد الناس، ومقارعة الشرك وعبادة الأوثان، وتوسيع نطاق التوحيد وعبادة الله. لقد كان (ص) يتحدث الى الناس متى ما سنحت له الفرصة، ويدعوهم الى الاسلام بالاستدلال والبرهان والموعظة والحكمة والنصيحة. وكان يسافر فى بعض الأحيان الى المناطق الأخرى، كما كان يبعث بأصحابه الى هنا وهناك ليعلموا الناس قراءة القرآن وشعوبهم، داعيا اياهم للدخول فى الدين الاسلامى (التراتيب الادارية ـ ج 1، ص 194) .
و بالدعوة توسع الاسلام شيئا فشيئا.
و لم يكن رسول الله (ص) مسؤولا لوحده عن الدعوة الى الاسلام، بل ان هذه المسؤولية الكبيرة هى أيضا من اختصاص جميع المسلمين. يقول سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم:
«قل هذه سبيلى ادعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين» (يوسف: 108)
تطلب هذه الآية من النبى (ص) ان يقول للناس ان طريقى هو هذا، وأدعو الناس الى الله بالبصيرة والوعى، وأن أتباعى سيواصلون هذه المهمة من بعدى.
ان المسلمين سواء فى عهد الرسول (ص) أو بعده كانوا يرون فى الدعوة الى الدين وتنمية الاسلام وظيفة شرعية. وكم هى المصائب والمشقات والسجون والتعذيب التى تحملوها فى هذا الطريق. ولو لم يبذل المسلمون كل تلك المحاولات، لما كان الاسلان يبقى صامدا ومنتصرا ليومنا هذا.
الدعوة الى الخير، وظيفة عامة:
يعتبر القرآن الكريم الدعوة الى الخير والأمر بالمعروف وينهون عن المنكر من وظائف الأمة الاسلامية، حيث يقول:
«ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون» (آل عمران: 104).
و يقول كذلك:
«كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله» (آل عمران : 110) .
و من المسلم به ان الدعوة الاسلام تعد من احدى مراحل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .
الدعوة وتنمية الاسلام، من وظائف الحكومة الاسلامية:
و على هذا الأساس فان احدى الوظائف الكبيرة الملقاة على عاتق المسلمين تتمثل بالدعوة الى الدين، وتوسيع نطاق التوحيد، وعبادة الله ومقارعة الشرك والكفر والاتجاهات المادية. واينما أقيمت حكومة الاسلامية، فعلى تلك الحكومة ان تسعى فى هذا المجال، وتحاول جادة لنشر الاسلام فى المناطق الأخرى.
و هذه هى من احدى الوظائف الرسمية للحكومة الاسلامية ويجب أن تتصدر برامجها. وهى تؤدى هذه الوظيفة من خلال الاذاعة والتلفزيون أو الصحف والمجلات أو بواسطة ارسال الكتب الاسلامية والمبلغين أو عن طريق التبادلات الثقافية والعلمية أو عن أى طريق آخر. وان الحكومة الاسلامية لن تستطيع أن تتقاعس فى هذا الأمر المهم. كما ان هذا البرنامج يجسد جانبا من السياسة الخارجية للحكومة الاسلامية.
مقارعة الظلم والاستكبار:
و الوظيفة الثانية الملقاة على عاتق المسلمين تتمثل بمقارعة الظلم والاستكبار والفساد، والدفاع عن المحرومين والمستضعفين، والعمل على اقامة العدل الاجتماعى. يقول الله سبحانه وتعالى:
«يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون» (المائده: 8).
و يقول أيضا:
«لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ان الله قوى عزيز» (الحديد: 25) .
كما يقول عزوجل:
«يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله» (النساء: 135) .
فى هذه الآيات يطلب الله تعالى من المؤمنين أن يقيموا العدل والقسط، ولايخشوا أى قوة فى هذا الطريق، باعتبار ان من أهداف بعثة الأنبياء اقامة العدل الاجتماعى. ولتحقيق هذا الهدف العظيم، يجب الاستفادة حتى من قوة الحديد (السلاح) .
ان المسلمين ملزمون بالدفاع عن المحرومين والمستضعفين والمضطهدين فى العالم بمختلف الوسائل، بل وحتى خوض الجهاد اذا ما تطلب الأمر ذلك. يقول سبحانه وتعالى:
«و ما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا الذين آمنوا يقاتلون فى سبيل الله والذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت، فقاتلوا أولياء الشيطان .ان كيد الشيطان كان ضعيفا» (النساء: 75، 76) .
يصرح القرآن الكريم فى هذه الآية بأن القتال بهدف انقاذ المستضعفين يعتبر فضيلة انسانية تستجيب لها الضمائر الانسانية الحية، وان القتال فى سبيل الله هو من علائم الايمان، فيما يكون القتال فى سبيل الطاغوت من علائم الكفر والشرك. ويقول سبحانه وتعالى أيضا :
«و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله» (البقرة: 193) .
فى هذه الآية يطلب جل وعلا من المسلمين أن يقاتلوا ويجاهدوا بالقدر الذى يستطيعون معه أن يقطعوا جذور الفساد من الأرض ليصبح الدين لله.
و على هذا الأساس طالما يكون الفساد والفتنة فى الأرض، فلن يهدأ للمسلمين بال.
و مثلما نلاحظ فان القرآن الكريم وضع على عاتق المسلمين وظيفة شاقة للغاية، حيث ان عليهم أن يسعوا ويجاهدوا لصد الظلم والفساد والاستعمار والاستكبار ويدافعوا عن المحرومين والمستضعفين، ويقيموا حكومة العدل الالهية بكل الوسائل الممكنة... عن طريق الدعوة وتوعية المحرومين، وبالحكمة والموعظة، وعن طريق فضح الظالمين والمستكبرين، وعن طريق الترهيب والتهديد، وبالطرق الدبلوماسية والسياسية، ودعم حركات التحرر، وبالتالى الحرب والقتال فى الحالات الضرورية. ومادام هناك فساد وفتنه وظلم واستكبار واسعتعمار فى العالم، فعلى المسلمين والحكومات الاسلامية أن يناضلوا سواء فى الداخل أو فى الخارج .
و عند تنظيم السياسيات الخارجية يلزم أخذ هذه الرسالة الالهية العظيمة بنظر الاعتبار واستخدام أفضل السبل للوصول اليها بحيث تكون مختلفة باختلاف الدول والظروف والأوضاع والأزمنة. ومع ذلك يجب عدم تجاهل الهدف مطلقا.
و على الحكومة الاسلامية أن تتصرف بشكل تعرف معه فى العالم كمكافحة للظلم والاستكبار والكفر والاتجاهات المادية ومدافعة عن المحرومين والمستضعفين، ورائدة الارشاد والتوحيد، وداعية الى الخير، وآمرة بالمعروف، وناهية عن المنكر، وأن تأخذ على عاتقها قيادة حركات التحرر العالمية باعتبارها أمة وسطا، وتصبح أسوة للعالم فى جميع الشؤون والكمالات المادية والمعنوية.
استقلال أمة الاسلام، وعلاقاتها بالدول الكافرة:
هذا الموضوع سندرسه ضمن عدة مواضيع:
وحدة الأمة الاسلامية:
ان الاسلام يعتبر جميع المسلمين، أمة واحدة. يقول القرآن الكريم:
«و ان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون» (المؤمنون: 52)
و يقول فى مكان آخر:
«و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا» (البقرة : 143) .
ان ملاك ومعيار وحدة المسلمين هو العقيدة والايمان، ولهذا فان الاختلافات العرقية والقومية والاقليمية واللغوية وماشابه ذلك لاتستطيع أن تؤدى الى التفرقة وتباعد المسلمين عن بعضهم، حيث توجد بين المسلمين صلة قوية، وهم أخوة وجسد واحد. يقول القرآن الكريم:
«انما المؤمنون أخوة» (الحجرات: 10) .
و لا توجد فى الاسلام أمم، بل الجميع أمة واحدة، لهم هدف واحد يعملون لتحقيقه. انهم جميعا أمة، ويتواجدون مقابل العدو المشترك، أى الكفر والاستكبار العالمين.
الاسلام، نظام كامل ومستقل: الاسلام، منهج: عقائدى، عبادى، أخلاقى، سياسى، اجتماعى، ثقافى، اقتصادى، و
بصورة عامة نظام كامل له ثقافد مستقلة تنشأ من الوحى، ويقيم جميع برامجه وخططه ومشاريعه على أساس نظرته الكونية الخاصة وتربية الفضائل والكمالات الانسانية.
والاسلام له ثقافة وغنية ومستقلة، لاتعتمد الا على الوحى. وبهذه الثقافة الغنية استطاع المسلمون فى صدر الاسلام أن يحرزوا تقدما ملحوظا ويبنوا حضارة مرموقة.
ان الثقافة الغنية للاسلام ظهرت أول ما ظهرت فى أرض الحجاز، وأوجدت على أساس احياء الفضائل والكمالات الانسانية، أمة صغيرة، ولكن مستقلة وقوية للغاية. ثم كبرت تلك الأمة تدريجيا، وجذبت اليها المجتمعات والشعوب والأفراد والعرقيات المختلفة، ولم يمض وقت طويل حتى سطع نورها على أبعد نقاط العالم.
ان البرامج الحياتية للقرآن واستقلاله الثقافى كانت رائعة بشكل يسطع نورها على كل بقعة فى العالم، وينفذ فى الأعماق، ويضم الجميع فى أحضانه الدافئة.
ولقد منحت الثقافة الاسلامية الغنية والانسانية لأتباعها استقلالا وحرية الى درجة انهم كانوا لسنين طويلة يحملون لواء التمدن والعلوم والفنون والثقافة والمعارف، بحيث ان اكثر آثارهم الغنية والعلمية مازالت مشهودة فى عالمنا هذا.
والاسلام لايتبع أى مذهب فى برامجه، ولذلك لايمكن لأتباعه أن يتبعوا أى مذهب. وعلى هذا الأساس فان حكومة ما لا تستطيع أن تكون حكومة اسلامية مالم تسع لحفظ استقلال الأمة الاسلامية الواحدة، وتستلهم من مذهب الوحى فى مشاريعها وبرامجها. وعليها أن تنظم السياسات الداخلية والخارجية بحيث تحرر الأمة الاسلامية الواحدة من التبعية للأجانب فى مجال العلم والصناعة والثقافة والاقتصاد والزراعة وبقية المجالات الأخرى، لكى يفكروا بأنفسهم ويضعوا المشاريع والبرامج على أساس الاسلام ويقرروا ويعملوا بأنفسهم .
اذن فان حفظ استقلال وحرية أمة الاسلام يتصدران برامج الحكومة الاسلامية، ويجب تنظيم السياسات الخارجية والداخلية على ضوئهما، ولا فلا تكون حكومة اسلامية.
القرآن وكشف مؤامرات الأعداء:
ان الاسلام يهتم كثيرا باستقلال الأمة الاسلامية، ولهذا السبب يمنع نفوذ الأجانب وتدخلهم فى الشؤوون الداخلية للدول الاسلامية. والقرآن له توصيات فى هذا المجال، ففى البداية بين فى بعض الآيات الأغراض الدنيئة والأهداف المشؤومة للكفار ومؤامراتهم لكى لاينخدع المسلمون بأحابيلهم، ليعرفوا أمام اى أشخاص يتواجدون. وعلى بيل المثال نورد الآيات التالية:
«ما يود الذين كفروا من أهل كتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم» (البقرة: 105).
«ان تمسسكم حسنة تسؤهم وان تصبكم سيئة يفرحوا بها وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ان بما يعملون محيط» (آل عمران: 120) .
«ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتى الله بامره. (سوره بقره: 109)
النهى عن الولاية للكفار:
نظرا لأن الله تعالى له عناية خاصة بحفظ استقلال الأمة الاسلامية وكيانها وحريتها، وهو عليم بالأغراض السيئة والمؤامرات الخيطره للكفار، فانه سبحانه وبعد أن يعدد قسما من الأهداف اللئيمة والخصال الذاتية للكفار، يخاطب المسلمين داعيا اياهم لعدم اعتبار هؤلاء اصدقاء، أو الاعتماد عليهم، أو تفويض الأمور اليهم، أو اتباعهم، وعقد الولاية معهم. على سبيل المثال نورد الآيات التالية:
«يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ماعنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات ان كنتم تعقلون» (آل عمران : 118) .
«يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض من يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدى القوم الظالمين» . (المائدة: 51) .
«يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون اليهم بالمودة وقد قد كفروا بما جاءكم من الحق» (الممتحنة 2) .
«يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوالله إن كنتم مومنين» (المائدة: 57)
«يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين اتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا» (النساء: 144) .
«يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور» (الممتحنة: 13) .
«لايتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شى‏ء الا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه والى الله المصير» (آل عمران: 28) .
فى هذه الآيات، اشارة الى قسم من خصال الكفار وأغراضهم اللئيمة:
1ـ الكفار لايريدون الخير للمسلمين ويحاولون الحاق الضرر بهم بكل الوسائل.
2ـ ان عداءهم للمسلمين واضح من كلامهم، وفى قلوبهم عداء كبير.
3ـ الكفار لايقبلون دين الاسلام، ويستهزئون به.
و بعد أن يزيح سبحانه وتعالى فى هذه الآيات الستار عن الأغراض اللئيمة والعداء الذاتى للكفار ازاء المسلمين، ويعد ان يحذر المسلمين من هؤلاء، يطلب منهم ان لايعتبروا الكفار أولياء وأصدقاء ومدافعين... يدعوهم لعدم الاعتماد عليهم والتآلف معهم، وعدم الاستجابة لقراراتهم، والسماح لهم باعداد المشاريع للمسلمين والتدخل فى شؤونهم، كما يدعوا المسلمين ليكونوا مستقلين وأحرارا. وهو جل وعلا يؤكد كثيرا على هذه المسائل، اذ يقول: «و من يفعل ذلك فليس من الله فى شى‏ء ومن يتولهم منكم فانه منهم» .
وفى آيات أخرى يعتبر الله تعالى الولاية مع الكفار من علائم انعدام الايمان، اذ يقول من كتابه المجيد:
«و لو كانوا يؤمنون بالله والنبى وما أنزل اليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون» (المائدة: 82) .
و يقول كذلك:
«لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم» (المجادلة: 22)
هذه الآيات تحدد بوضوح السياسة الخارجية للحكومة الاسلامية ازاء الدول الكافرة، و تطرح مشروعا واضحا، وتدعو المسلمين بحزم للمحافظة على استقلالهم وحريتهم، وعدم السماح للكفار والمشركين للتدخل فى شؤونهم الداخلية، أو عقد المودة معهم وانخذاعهم بهؤلاء . وخلاصة القول يلزم على الحكومة الاسلامية أن تسعى بكل مالديها لحفظ استقلالها وحريتها وعدم السماح للكفار والمستكبرين للنفوذ فى الأمة والتدخل فى شؤونها الداخلية، وتجنب أى معاهدة تؤدى الى تسليط الكفار عليهم. ولهذا السبب يقول القرآن بصراحة تامة:
«و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا» (النساء: 141) .
الود مع الكفار فى الحالات الاضطرارية:
ينهى القرآن الكريم عن الولاية مع الكفار، بهدف حفظ استقلال الأمة الاسلامية وحريتها وقدرتها. وعلى هذا الأساس اذا اقتضت مصالح الاسلام والمسلمين، فان الحكومة الاسلامية تستطيع ان تقيم علاقات ودية مع الكفار شريطة ان تكون وقتية.
فعلى سبيل المثال اذا أحست الحكومة الاسلامية انها غير قادرة على الوقوف بوجه الكفار، فانها تستطيع أن تظهر ودا ـ ظاهريا ـ مع الدول الكافرة وتبدى لينا من جانبها، وتسعى فى نفس الوقت لتقوية نفسها . وأيضا اذا اقتضت مصالح الاسلام جذب الكفار نحو الاسلام باللين ونشر الاسلام فى المناطق الأخرى، فان الحكومة الاسلامية تستطيع ان تظهر الود مع الكفار. يقول القرآن الكريم:
«لايتخذ المؤمنون الكفارين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شى‏ء الا ان تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه والى الله المصير» . (آل عمران: 28)
هذه الآية تمنع الولاية للكفار أو اقامة علاقات ودية معهم، ومع ذلك تستثنى فى هذا المجال التقية.
أما موضوع التقية فقد ورد فى روايات كثيرة. فعلى سبيل المثال ورد فى تفسير الصافى فى ذيل آية «الا أن تتقوا منهم تقاة»
عن أميرالمؤمنين على (ع) :
«و امرك أن تستعمل التقية فى دينك ... واياك ثم اياك ان تتعرض للهلاك وان تترك التقية التى أمرتك بها فانك شائط بدمك ودماء اخوانك معرض لزوال نعمك ونعمه مذلهم فى أيدى أعداء دين الله وقد أمرك الله باعزازهم» . (الميزان ـ ج 3، ص 174) .
و عن الصادق عن ابيه عليهما السلام، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : «لا ايمان لمن لا تقية له» ويقول:
«قال الله تعالى الا أن تتقوا منهم تقاة» (البحار ـ ج 75، ص 414) .
و قال الباقر (ع) :
«التقية فى كل شى‏ء يضطر اليه ابن آدم وقد أحله الله له» . (البحار: ج 75، ص 435)
و قال الحسن بن على عليه السلام: «قال رسول الله (ص) : «ان الانبياء انما فضلهم الله على خلقه بشدة مداراتهم لأعداء دين الله وحسن تقيتهم لأجل اخوانهم فى الله» (البحار: ج 75، ص 401) .
و قال الصادق (ع) فى قول الله تعالى «و قولوا للناس حسنا» : «أى للناس كلهم مؤمنهم ومخالفهم. أما المؤمنون فيبسط لهم وجهه، وأما المخالفون فيكلمهم بالمدارة لاجتذابهم الى الايمان فانه بأيسر من ذلك يكف شرورهم عن نفسه وعن اخوانه المؤمنين» .
قال الامام عليه السلام: «ان مداراة أعداء الله من أفضل صدقة المرء على نفسه واخوانه . كان رسول الله فى منزله اذا استأذن عليه عبدالله بن أبى سلول فقال
رسول الله: بئس اخوالعشيرة ائذنوا له. فلما دخل أجلسه وبشر فى وجهه فلما خرج قالت له عائشة: يا رسول الله قلت فيه ما قلت وفعلت به من البشر ما فعلت، فقال رسول الله: يا عويش! يا حميراء ان شر الناس عندالله يوم القيامة من يكرم اتقاء شره» . (البحار: ج 75، ص 401)
و بالجملة يستفاد من الآيات والروايات آنفة الذكر انه اذا احست الحكومة الاسلامية بان المداراة مع الكفار تخدم استقلال الأمة الاسلامية وتحافظ على
كيانها، فانها تستطيع ان تنتهج مثل هذه السياسة بصورة مؤقتة، على ان لا تتجاهل الهدف الأساس المتمثل الاسلام وتحقيق الاستقلال، وتساوم بهدف المحافظة على حكمها.
التعاون مع الكفار وعدم التعرض لهم:اذا كان الكفار لايريدون خيانة المسلمين أو التسلط عليهم، ويرغبون فى التعايش معهم سلميا، فان الحكومة الاسلامية تستطيع ـ وفقا لمصالح الاسلام ـ ان تعقد اتفاقيات معهم وتتعايش معهم سلميا وتتعاون معهم فى القضايا المشروعة التى تعود بالنفع على الطرفين . يقول القرآن الكريم:
«لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطينانما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون» (المتحنة: 8، 9) .
و يقول كذلك:
«و ان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله انه هو السميع العليم» (الانفال: 61) .
يستفاد من بعض الآيات ان النبى (ص) كان يعقد مثل هذه الاتفاقيات مع الكفار.
يقول القرآن الكريم:
«الا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا اليهم عهدهم الى مدتهم ان الله يحب المتقين» (التوبة: 4) .
لو نظرنا الى تاريخ الاسلام وسيرة الرسول (ص) نرى انه (ص) عقد خلال سنى نبوته معاهدات مع الكفار والتزم بها، ومن جملة تلك المعاهدات:
أولا: عندما هاجر (ص) الى المدينة، عقد اتفاقية بين المهاجرين والأنصار واليهود. ومازال نص تلك الاتفاقية المهمة باقيا فى التاريخ. ونرى من الضرورة
بمكان، الاشارة الى أجزاء منها:
أ ـ وانه من تبعنا من اليهود فان له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم .
ب ـ وان اليهود ينفقون مع المؤمنين مادامو محاربين.
ج ـ لليهود دينهم وللمسلمين دينهم.
د ـ وان على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وان بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.
ه ـ وان بينهم النصر على من دهم يثرب.
(سيرة ابن هشام ـ ج 2 ص 147ـ الأموال، ص 290) كما نلاحظ ان الرسول الأكرم (ص) عقد وفق هذه المعاهدة ثلاث اتفاقيات مع اليهود، وهى:
1ـ اتفاقية الدفاع المشترك، وانفاق تكاليف الحرب بالتساوى.
2ـ عدم ارتكاب الخيانة والسرقة والاحترام المتبادل لأموال الآخرين.
3ـ كل مسلم دخل مكة لغرض الحج أو العمرة أو السفر الى اليمن والطائف، يكون فى أمان، وهكذا الحال بالنسبة للمشركين الذين يدخلون المدينة لغرض الذهاب الى الشام أو المشرق .
4ـ يستطيع الطرفان ان يعقدا معاهدات مع أى قبيلة ويجب احترام تلك المعاهدة.
5ـ يتعهد الطرفان بأن لايكن احدهما العداوة للطرف الآخر أو استخدام الخدعة.
6ـ يستطيع محمد وأنصاره فى العام القادم ان يدخلوا مكة لغرض الحج، شريطة أن لايحملوا السلاح معهم، وان لا يتوقفوا فى مكة أكثر من ثلاثة أيام. (الأموال ص 230ـ سيرة الحلبى ج 3، ص 24)
ثالثا: الرسالة التى أرسلت الى يوحنا حاكم ايله. وفيما يلى نصها:
هذه الرسالة بمثابة تعهد من جانب الله ورسوله الى يوحنا ابن روبه وأهالى ايله.
انهم وسفنهم وقوافلهم البحرية والبرية فى عون الله ورسوله. والذين يمرون من تلك المنطقة قادمين من الشام واليمن والبحر هم بدورهم سيكونون آمنين، ويجب أن يتعهد أهل ايله على ان يدفعوا الدية لأهالى المقتولين وأن لايحرموا الآخرين من المياه التى يدخلونها، ولايغلقوا الطرق المائية والبحرية بوجه الآخرين. (الأمول ص 287ـ النقل بالمعنى)
رابعا: المعاهدة مع نصارى نجران. وفيما يلى نورد فقرات منها:
1ـ يتعهد أهالى نجران بدفع ألفى حلة (ثياب خاصة) الى المسلمين فى كل عام وعلى مرحلتين كضرائب مترتبة عليهم.
2ـ أن يستضيفوا مبعوثى محمد مدة شهر أو أقل، على أن لايبقى المبعوثون أكثر من شهر هناك .
3ـ متى ماشنت حرب من جانب اليمن، فعلى أهالى نجران ان يضعوا تحت اختيار جيش الاسلام ثلاثين درعا وثلاثين حصانا وثلاثين بعيرا، تحت عنوان العارية المضمونة.
4ـ ان أهالى نجران وضواحيها سيعيشون فى ظل رحمة الله ورسوله. وستكون أموالهم ومعابدهم فى أمان. وسيواصل الكهنة والقساوسة وخدمة المعابد نشاطاتهم، دون أن يمنعهم من ذلك أى شخص.
5ـ لايحق لأى كان أن يبعد هؤلاء عن أراضيهم أو يأخذ العشر منهم أو يهاجم موطنهم.
6ـ من طالب بحقه، فيجب التصرف معه بانصاف وعدل.
7ـ أن لايرتكب الواحد منهم أى جرم.
8ـ يتعهد أهالى نجران يتجنب الربا، والا فان محمدا سيستاء من ذلك ولن يتعهد لهم بشى‏ء .
(فتوح البلدان، ص 76ـ الأموال، ص 272ـ النقل بالمعنى) يستنتج من الآيات والمعاهدات المشار اليها ان الحكومة الاسلامية تستطيع متى ما اقتضت مصالح الاسلام والمسلمين ان تتعاون مع الكفار والمشركين وأهل الكتاب، و كذلك تتعاون معهم فى المجالات التى تعود بالفائدة على الطرفين، مثل عقد اتفاقيات التبادل العلمى أو الزراعى أو الصناعى أو التجارى أو الاقتصادى أو الدفاعى، أو معاهدة عدم تعرض الواحد للآخر أو معاهدات أخرى من هذا القبيل. ومع ذلك يشترط فى عقد مثل هذه المعاهدات والاتفاقيات عدم تسلط الكفار على المسلمين و التدخل فى شؤونهم الداخلية، أو توجيه ضربة الى استقلال الأمة الاسلامية وحريتها. وخلاصة القول يجب فى كل معاهة ان تؤخذ بنظر الاعتبار مسألة حفظ استقلال البلاد، لا أن يقبل الحاكم الاسلامى بولاية الكفار حفظا لمقامه.
و يجب على الحكومة الاسلامية أن تأخذ بنظر الاعتبار ـ دائما ـ العداء الذاتى الذى يكنه الكفار للمسلمين ومؤامرتهم الخفية، واذا ما عقدت معاهدة معهم عليها أن تعمل بحذر لئلا تؤدى الى تسلط الكفار.
احترام المعاهدات والاتفاقيات:
لو عقدت الحكومة الاسلامية اتفاقية مع حكومة أو شخص أو شركة من الشركات التابعة للدول الآخرى، دون فرض أو اجبار، عليها أن تلتزم بتلك الاتفاقية وتحترمها. وهناك بهذا الخصوص آيات وروايات كثيرة. يقول القرآن الكريم:
«يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود» (المائدة: 8) .
ويقول جل وعلا:
«و أوفوا بعهدالله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ان الله يعلم ما تفعلون» .(النحل: 91)
هذه الايات ترى فى الوفاء بالعهود والعقود علائم الأيمان.
وهناك آيات اخرى تصرح بعقد الاتفاقيات والمعاهدات مع الكفار. يقول القرآن الكريم:
«الا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا اليهم عهدهم الى مدتهم ان الله يحب المتقين» (التوبة: 30) .
و فى هذا المجال وردت روايات، منها: ان الامام عليا عليه السلام كتب الى مالك الأشتر يقول:
«و ان عقدت بينك وبين عدوك عقدة أو ألبسة منك ذمة فحط عهدك بالوفاء وراع ذمتك بالأمانة واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت فانه ليس من فرائض الله شى‏ء الناس أشد عليه اجتماعا مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود» . (نهج البلاغة ـ الكتاب 53)
و قال رسول الله (ص) :
«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليف اذا وعد» . (الكافى ـ ج 2، ص 363)
و قال الرسول الكريم (ص) أيضا:
«يجب على المؤمن الوفاء بالمواعيد والصدق فيها» المستدرك ـ ج 2، ص 85) .
ان الوفاء بالعهد هو من الفضائل والكمالات الانسانية التى تستجيب لها فطرة البشر، والاسلام بدوره يؤكد على ضرورة هذا الأمر. فالمسلم اذن يجب ان يفى بوعوده حتى وان الحقت به اضرار مادية. نعم، يجب على المسلمين أن يعطوا للآخرين دروسا فى الانسانية والقضائل .
و نحن لو راجعنا سيرة الرسول الأكرم (ص) وجدنا انه كان يفى بوعده ومعاهداته ولاينقضها طالما يلتزم الطرف الآخر بها. على سبيل المثال ان الرسول الأكرم (ص) وعد المشركين على ضوء معاهدة صل الحديبد بتسليمهم الأشخاص الذين يفرون من مكة الى المدينة. لكن وبعد انتهاء المعاهدة دخل المدينة شخص مسلم يدعى أبا بصير كان قد هرب من مكة. فى هذه الأثناء بعث المشركون شخصا الى الرسول الكريم (ص) طالبين منه أن يسلمهم ذلك الشخص. فقال (ص) لأبى بصير: نحن عاهدنا هؤلا القوم لتسلمين الهاربين اليهم، وان ديننا لايسمح بالغدر ونقض المعاهدات. اذهب معهم و سيجد الله لك حلال. فقال أبو بصير: هل تسلمنى الى المشركين يا رسول الله ليأخذوا دينى منى؟ فقال له الرسول: يا أبا بصير، يجب ان نفى بوعدنا. اذهب معهم و كن على يقين بان الله تعالى سينقذك ومعك سائر المستضعفين» . (سيرة ابن هشام ـ ج 2، ص 323)
و فى قضية صفين عندما اضطر أميرالمؤمنين على (ع) أن يوقع معاهدة صلح مع معاهدته، لكنه (ع) خاطبهم بقوله:
«ويحكم ا بعد الرضا والعهد نرجعه؟ أ وليس الله يقول أوفوا بالعقود. وقال اوفوا بعهد الله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله
عليكم كفيلا ان الله يعلم ما تفعلون» . (وقعة صفين لابن مزاحم ـ ص 514)
على أى حال، فان الرسول الأكرم والخلفاء والأئمة عليهم السلام كانوا يوفون بالعهود والعقود فى حياتهم الشخصية والجتماعية، ثم ان الوفاء بالعهد يعد من علامات الاسلام والايمان.
و لا يمكن نقض المعاهدات الا فى حالة واحدة، أى عندما ينقض الطرف الآخر المعاهدة من جانبه، أو ينوى نقضها وخيانتها. وقد تحدث القرآن الكريم عن هذا الموضوع، حيث قال:
«و اما تخافن من قوم خيانة فانبذ اليهم على سواء ان الله لا يحب الخائنين» (الأنفال: 58) .
و يقول أيضا:
«و ان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم فقاتلوا أئمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون» (التوبة: 12) .
و يقول أيضا:
«الا تقاتلون قوما نكثوا ايمانهم وهموا باخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه ان كنتم مؤمنين» (التوبة: 13)
و نحن نلاحظ هذا الأمر فى سيرة النبى (ص) نفسه وخلفائه، مثلا فى صلح الحديبة ظل (ص) وفيا لعهده مقابل وفاء المشركين، لكن حين نقض المشركون جزءا من المعاهدة، اضطر الرسول الأكرم لالغاء المعاهدة واعلان الحرب.
اخافة الأعداء:
و من الأمور المهمة التى يجب أن تأخذها الحكومة الاسلامية بنظر الاعتبار، اخافة الأعداء . فالحكومة الاسلامية ملزمة جيشها والتسلح ليهاب الأعداء قوتها ولايفكروا ـ قط ـ بخيانتها أو الاعتداء عليها. يقول القرآن الكريم بهذا الصدد:
«و اعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شى‏ء فى سبيل الله يوف اليكم وأنتم لا تظلمون» (الأنفال: 60) .
و الآية الآنفة تخاطب المسلمين جميعا لا الرسول (ص) فقط، وتدعوهم لاعداد قوة كبيرة بكل الوسائل المتاحة. قوة متفوقة على بقية القوى فى مختلف الأبعاد... انها تدعوهم لتقوية أنفسهم فى المجالات التجريبية، والتمارين العسكرية، والخطط الحربية، والأسلحة الحديثة المتطورة، ووسائل النقل البرية والجوية والبحرية ليتفقوا بذلك على الأعداء، ليس المكشوفين منهم فحسب، بل وجميع الأعداء الذين لا يعملون بهم ولا يعلم بهم سوى البارى جل وعلا . أما جملة «و آخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم»
فهى كلام رائع ويثير الانتباه. ذلك ان الآية تدعو المسلمين لتقوية أنفسهم بحيث يخشاهم الأعداء، بل وجميع الأعداء الذين لا يعلمون بهم، ولايفكرون عندها بالخيانة أو التآمر على الاسلام. وبهذه الوسيلة تتم السيطرة على القوى المعتدية والفاسدة، وذلك لقلع جذور الفساد والفتنة والاعتداء والاتعمار و
الظم من الأرض. وواجب على المسلمين أن يبذلوا فى هذا الطريق مالديهم من امكانات مالية ومعنوية، وسيكون أجرهم محفوظا عندالله، لأنهم يعملون من أجل هدف مقدس والهى وانسانى، لامن أجل السلطة.
و القرآن الكريم يدعوا المسلمين لعدم التغافل ولو لحظة واحدة من عداء الكفار لهم وأحقادهم الدفينة ومؤامراتهم ودسائسهم، باعتبار ان هؤلاء ينتظرون الفرصة للسيطرة على المسلمين وسلب الاستقلال والدين منهم. كما يدعوهم للصمود بوجه الأعداء وعدم الامتثال لأهوائهم، حيث يقول:
«محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم» (الفتح: 29).
و يقول لذلك:
«يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير» (التحريم : 9) .
و الظاهر ان المراد من كلمة «الجهاد» فى هذه الآية هو السعى والمحاولات، اذ ان النبى لم يحارب المنافقين. فهذه الآية تدعو النبى لاقامد البراهين والأدلة واستخدام الارشاد والهداية وكل الوسائل المتاحة من أجل تحقيق أهدافه واحباط مؤامرات الكفار والمنافقين، وعدم الشعور بالضعف أو الخذلان أمامهم.
و يقول القرآن أيضا:
«فلا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون» (القلم: 8 و9).
و يقول فى آية أخرى:
«فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين» (آل عمران: 139).
ويقول:
«فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم» (الشورى: 15).
ويقول أيضا:
«فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا انه بما تعلمون بصير ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم
لا تنصرون» (هود: 112، 113).
ويقول:
«ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون» (الأحقاف: 13) .
علاقات الحكومة الاسلامية بسائر مسلمى العالم: الاسلام يرى فى المسلمين أمة واحدة مقامة على أساس وحدة العقيدة والمذهب والهدف، وتوجد بيد آحاد أفرادها صلة دينية عميقة، لا تنال فيها الاختلافات الاقليمية والعرقية وماشابه ذلك. يقول القرآن الكريم:
«ان هذه امتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون» (الأنبياء: 92)
هذه الآية تصف المسلمين ب «الأمة الواحدة» تسير نحو هدف مشترك، ولهارب واحد، غايتها عبادة الخالق جل وعلا.
و هناك أحاديث كثيرة تصف المسلمين ب «الجسد الواحد» فيما ترى فى آحاد المسلمين، أعضاء لذلك الجسد، على سبيل المثال: عن أبى سعيد، عن النبى (ص) قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» (مجمع الزوائد ـ ج 8، ص 87) . وعن النبى (ص) قال: «ان المؤمن من أهل الايمان بمنزلة الرأس من الجسد يألم المؤمن لأهل الايمان كما يألم الجسد لما فى الرأس» (مجمع الزوائد ـ ج 8، ص 87) . وقال الرسول الأكرم (ص) :
«من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ومن سمع رجلا ينادى يا للمسلمين فلم يجب فليس بمسلم» (الكافى ـ ج 2، ص 164).
وقال أبوعبدلله (ع) : «المومن أخو المؤمن كالجسد الواحد ان اشتكى شيئا منه وجد ألم ذلك فى سائر جسده» (الكافى ـ ج 2، ص 166)
وقال أيضا: «انما المؤمنون إخوة بنو أب وأم واذا ضرب على رجل منهم عرق سهر له الآخرون» (الكافى ـ ج 2، ص 165) .
وقال كذلك:
«المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه وبحق على المسلمين الاجتهاد فى التواصل والتعاون على التعاطف والمواساة لأهل الحاجة بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم الله رحماء بينكم متراحمين مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله» (الكافى ـ ج 2، ص 174) .
و يستفاد من مجموع الآيات والأحاديث والروايات الآنفقة ان المسلمين بمجموعهم اخوة، بل بمنزلة الجسد الواحد، ولايستطيعون أن يكونوا لا أباليين تجاه بعضهم، اذا يلزم ان تسود بينهم روح التعاون والأخوة والمودة والخير والمحبة والحنان والعطف والدفاع .
و من هنا يمكن الاستنتاج بأن مسؤولية الحكومة الاسلامية لا تنحصر فى نطاق بلدها، لأنها مسؤولة بقية مسلمى العالم وملتزمه تجاههم، وعليها أن تسعى لتحقيق الأمور التالية:
1ـ نشر الحقائق والمعارف الاسلامية الأصيلة بين جميع مسلمى العالم وذلك عن طريق توزيع الكتب والصحف والمجلات وارسال الدعاة والتبادل الثقافى وارسال الأساتذة وادارة المساجد والمدارس، وكذلك عن طريق البرامج الدينية فى أجهزة الاعلام، وأية وسيلة اعلامية أخرى.
2ـ دعم الحركات الاسلامية والتحررية لمسلمى بقية الدول.
3ـ تقديم المساعدات المالية للمحرومين والمستضعفين.
4ـ الدفاع عن المظلومين والمضطهدين.
5ـ السعى لاقامة الوحدة بين المسلمين.
6ـ الدفاع عن استقلالهم وكيانهم فيما لو تعرضوا للاعتداء.
ان الحكومة الاسلامية تحمل مثل هذه المسؤولية العظيمة، ولكن بقدر امكاناتها. وعلى الحكومة الاسلامية دراسة الامكانات والظروف والأوضاع وتنظيم سياستها الخارجية على ضوء تلك الأمور.
علاقات الحكومة الاسلامية بحكومات الدول الاسلامية:
ما هى السياسة التى يجب أن تنتهجها الحكومة الاسلامية ازاء الحكومات التى تدير الأقطار الاسلامية؟ هل ان العقلاقات مع تلك الحكومات يجب أن تكون فى مستوى علاقاتها مع الدول الكافرة؟ أ ان عليها أن تنتهج سياسة أخرى؟
و بديهى أن حكومات الدول الاسلامية ليست متشابهة، اذ يمكن تقسيمها الى عدة مجموعات:
المجموعة الأولى: الحكومات والدول الاسلامية التى تؤمن بالنظام الاسلامى وتطبقه فى جميع أبعاده.
المجموعة الثانية: الحكومات التى تؤمن بالاسلام، لكنها لاتفهم الاسلام بشكل صحيح. انها لاتفهم من الاسلام سوى العبادة وبعض المسائل الأخلاقية، ولاتعترف بالاسلام كنظام عبادى وأخلاقى وسياسى واجتماعى. ولذلك لا تسعى لتطبيقه. وهذا الأمر ناشى‏ء من جهلها وعدم فهمها للأمور لا من عنادها ومعارضتها للاسلام.
المجموعة الثالثة: الحكومات التى تدعى الاسلام، لكنها لا تستهدف سوى التسلط على المسلمين . انها ترغب فى السلطة واشباع رغباتها، ولاتهتم لا بالاسلام ولا بغير الاسلام، كما لا تلتزم بالأحكام الاسلامية.
المجموعة الرابعة: الحكومات التى لا تؤمن بالاسلام، والتى وصلت الى السلطة بدعم من الأنظمة الكافرة والمستكبرة، وتعمل لحساب الكفار والمستكبرين وأعداء الاسلام.
و من هنا فان الحكومة الاسلامية لا تستطيع ان تنتهج سياسة واحدة ازاء المجموعات الأربع من الحكومات آنفة الذكر. فالحكومة الاسلامية حكومة رسالية هادفة، وعليها أن تنتهج سياسة توصلها الى الهدف المنشود بأحسن وجه. والحكومة الاسلامية تحمل مسؤولية تجاه مسلمى العالم، وترى نفسها ملزمة بالقيام بالأمور التالية:
1ـ السعى لنشر الثقافة والمعارف الاسلامية بين مسلمى العالم بهدف توعيتهم.
2ـ السعى لاقامة الود والوحدة والتآلف بين أبناء الأمة الاسلامية.
3ـ السعى لقطع نفوذ الكفار والمستكبرين والقضاء على سلطتهم، وعدم السماح لهم بالتدخل فى شؤون المسلمين.
4ـ السعى لتحقيق الاستقلال والحرية للأمة الاسلامية.
5ـ السعى لتأسيس الحكومة الاسلامية وتطبيق القوانين الاسلامية فى جميع أنحاء العالم .
6ـ الدفاع عن المحرومين والمستضعفين، واقامة العدل الاجتماعى فى العالم.
7ـ مقارعة الكفر والاتجاهات المادية والاستكبار، وتوسيع ونشر التوحيد والاسلام فى العالم.
نعم، ان الحكومة الاسلامية تحمل مثل هذه المسؤولية الخطيرة والحساسة. وعلى مسؤوليها ـ ومن خلال الأخذ بنظر الاعتبار الأهداف المذكورة ـ أن ينظموا السياسة الخارجية بشكل يستطيعون معه تحقيق الأهداف المنشودة فى أقرب فرصة.
و من المسلم من ان سياساتها سوف لا تكون متشابهة، بل مختلفة باختلاف الدول وأوضاعها وظروفها والظروف الزمانية والمكانية والحوادث والأوضاع العالمية ومدى امكاناتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية. والمهم فى هذا المجال ان لا ننسى الهدف مطلقا، وعلينا ان نسعى لتحقيقه ونستخدم فى سبيله كل الوسائل المتاحة، ففى بعض الأحيان تكون هناك حاجة لاقامة علاقات وثيقة، وفى أحيان أخرى يلزم قطع العلاقات أوشن الحرب أو اقامة الاسلام.
و خلاصة القول ان مسؤولى الحكومة الاسلامية وهم وحدهم الذين يستطيعون ان ينتخبوا الطريق الأفضل.
اما اقامة العلاقات الحسنة، فلها فوائد كثيرة، من جملتها:
1ـ يمكن من خلال اقامة حسن التفاهم بين الحكومات، الاتصال بالشعوب بشكل أفضل، والسعى النشر المعارف الاسلامية الحية وتوعية المسلمين وتعريفهم بالحقائق الاسلامية وتوفير الأجواء الملائمة لتطبيق الأحكام الاسلامية.
2ـ الاستفادة من تعاون الأوساط الدولية لصالح الاسلام.
3ـ تحقيق وحدة الأمة الاسلامية وانقاذ الشعوب والدول من قبضة الكفر والاستكبار العالميين، اذ ان الكفار والمستكبرين يحاولون بث التفرقة بين الدول الاسلامية بغية المحافظة على مواقعهم فى تلك الدول. وعلى هذا الأساس فان قطع العلاقات مع الدول الاسلامية انما ينتهى لصالح المستعمرين. ولذا فالحكومة الاسلامية ومن دون أن تتجاهل هدفها، لأن الحكومة الاسلامية كلما اقتربت من تلك الدول والشعوب، انعزل الاستكبار والاستعمار وبنفس المستوى .
4ـ لو قطعت الحكومة الاسلامية علاقاتها مع حكومة أخرى، اضطرت تلك الحكومة لتقوية علاقاتها مع الكفار رغبة منها فى حفظ كيانها، الى درجة انه يمكن ان تسقط فى أحضان الكفر والاستكبار، وهذا ما يضر بالعالم الاسلامى.
5ـ ان علاقات الحكومة الاسلامية مع مثل هذه الحكومة، تنتهى لصالح الشعوب.
6ـ يمكن من خلال حسن التفاهم واقامة العلاقات الودية الحد من مؤامرات الأعداء و تقليصها .
7ـ تستطيع الحكومة الاسلامية من خلال حسن التفاهم واقامة العلاقات الاقتصادية و الثقافية والعلمية والعسكرية مع سائر الدول الاسلامية ان تسد احتياجاتها وتحقق الاكتفاء الذاتى، وبالمقابل تسد أكثر احتياجات تلك الدول، مقللة بذلك ميزان تبعية تلك الدول، وبالتالى توجيه ضربة الى الاستعمار والاستكبار. ومع ذلك يلزم على الحكومة الاسلامية أن لا تغض ـ النظر ـ قط ـ عن هدفها ورسالتها الاسلامية، بل تفكر به دائما وتستخدم أفضل الوسائل لتحقيقه.
ان تحقيق الهدف لايمكن ـ بطبيعة الحال ـ حصره فى طريق واحد، بل هو متباين تبعا للأوضاع والظروف. وان أى تقاعس أو اهمال فى هذا المجال قد يؤدى الى مشاكل يصعب علاجها ويعزل الحكومة الاسلامية عن العالم ويضعفها.
لكن وعلى أى حال، فان تعيين السياسة الخارجية واقامة العلاقات الدولية مع المحافظة على الهدف، انما هو أمر حساس وظريف للغاية يحتم على المسؤولين ان يحققوه بتدبير وحكمة مع مراعات الأوضاع والظروف العامة وعدم الخروج عن اطار الأحكام والتعاليم الاسلامية . وفى نطاق هذه الضوابط يكون قطع العلاقات فى بحض الأحيان، بل وحتى النضال السرى والعلنى من الأمور الضرورية.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية