مركز الصدرين للدراسات السياسية || المقالات السياسية

السياسة والدستور الإسلامي
السيد محمد علي الموسوي

المقدمة ونبذة عن الدستور
مقدمة :
يعتبر نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، أول تجربة بعد حكومة الإمام علي عليه السلام، لإقامة دولة دينية تعتمد مذهب التشيع كأساس لها ويقودها فقيه من فقهاء أهل البيت عليه السلام.
وشهدت الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها وإلى هذا اليوم الكثير من الأحداث والمغامرات والتطورات، والتي لا يمكن فهمها إلاّ إذا كنا على علم بثلاثة أمور :
1- آليات الحكم في الجمهورية الإسلامية والتي في حدود إطارها الدستور.
2- مبدأ ولاية الفقيه (محور هذا النظام ككل).
3- التاريخ المعاصر لإيران (خلال المائة سنة الماضية من ثورة الدستور في بداية القرن العشرين والى يومنا هذا).
أولا : دستور الجمهورية:
انتصرت الثورة الإيرانية في فبراير 1979 م، وبدأ عمل الدستور بعد ستة أشهر من انتصار الثورة في أغسطس 1979 م من نفس السنة، وأول مرحلة من مراحل إعداد الدستور هي انتخاب مجلس خبراء الدستور، المنتخب مباشرة من الشعب، وأعضاء المجلس معظمهم من الفقهاء المشهود لهم بالاجتهاد، ومن رجال القانون الملتزمين مثل الشهيد بهشتي، المرحوم السيد محمود الطالقاني، الشيخ رفسنجاني، وغيرهم، وهم منتخبون من الشعب مباشرة.
وبعد الانتهاء من الدستور عُرض على السيد الإمام الخميني قدس سره الشريف، وكانت كلمة الإمام في الدستور لطيفة جداً، فقد قال: "لم أجد فيه شيئا يخالف الإسلام"، ولم يقل أنه دستور كامل ولا دستور إسلامي، والدليل على ذلك أن بعد وفاة الإمام بفترة بسيطة صدر أمر من السيد القائد بتعديل بعض مواد الدستور. ووضع الدستور أمام الشعب للإستفتاء مرة ثانية بعد تصديق السيد القائد عليه في شهر نوفمبر 1979 م، والشعب وافق على الدستور بنسبة 90%.
ثانيا : مراحل الدستور :
1- صياغته من قبل مجلس الخبراء المنتخب من الشعب.
2- تصديق الإمام عليه.
3- تصديق الشعب عليه في الإستفتاء.
وتم تعديل الدستور مرة أخرى في 1989 م، حيث أصدر السيد الإمام أمر بإجراء بعض التعديلات، ومنها إلغاء منصب رئيس الوزراء، وتعديل يخص القيادة والولاية.
ثالثا : مميزات دستور الجمهورية الإسلامية :
1- الدستور الوحيد في العالم الذي وضعه خبراء متخصصون في مجلس منتخب.
2- الدستور الوحيد في العالم الذي تم التصديق عليه بعد صياغته من قبل المتخصصين في استفتاء شعبي.
3- الدستور الوحيد من بين دساتير الدول الإسلامية الذي ينص صراحة على ضرورة مطابقة جميع القوانين والأنظمة مع الإسلام ، ويضع آليات لضمان ذلك.
4- الدستور الوحيد الذي ينص صراحة على أن المذهب الجعفري هو المذهب الرسمي للبلاد، والفقه المستند عليه بحكم الإسلام في إيران هو الفقه الجعفري، مع استثناءات في المناطق التي بها أكثرية من أهل السنة.
5- الدستور الوحيد في العالم الذي فيه إشارة إلى مبدأ ولاية الفقيه كامتداد للإمامة المعصومة، وكمحور للنظام الإسلامي.
رابعا : نبذه عن الدستور:
يتكون الدستور من (14) فصل و(177) مادة بعد التعديل، وهذه الفصول تحدد أهداف إقامة نظام الجمهورية الإسلامية (صلاحيات كل المؤسسات، المسئولين، الوزراء، نواب المجلس، رئيس الجمهورية)، وهناك نص واضح بأن القائد وكل أبناء الشعب متساوون أمام القانون.
ويجتمع مجلس الخبراء سنويا ومن ضمن أولوياته تقويم أداء القائد، ويحق للمجلس أن يعزل القائد.
الإشكالات التي أثيرت حول دستور الجمهورية
هناك عدة إشكالات وشبهات أُثيرت أثناء وضع الدستور وبعده، وبعضها يثار إلى اليوم، من أهمها:
الإشكال الأول:
استشكل بعض الناس على أنه أنتم من ناحية تتحدثون عن وضع الدستور والمصادقة على الدستور وهذا عمل أناس متخصصين خبراء وعلماء ورجال قانون، في نفس الوقت تعرضون الدستور على استفتاء عام على الشعب الذي منهم الأمّي، وعندما حدث الاستفتاء على الدستور في الجمهورية كانت نسبة الأمية في الجمهورية حوالي 55-60%، مع أن سكان الجمهورية اليوم حوالي 70 مليون وفي ذلك الوقت كان 35 مليون واليوم نسبة الأمية حوالي 15% فقط مما يعني 85% من البالغين من الذكور والإناث يقرؤون ويكتبون.
الرد على الإشكال الأول:
أولاً : ليس من الضروري أن يكون جميع الناس على علم بكل مادة في الدستور ليوافقوا عليه، لأن هذا بالفعل عمل أهل التخصص. هناك إطار عام يعرفه الناس، والناس كانوا على درجة كافية من الوعي ليدركوا أن نظام الشاه نظام فاسد ولابد من التخلص منه، وهذا الوعي يختلف عن القراءة والكتابة وهذه الأمور.
ثانياً : في فترة معينة تم عملياً طرح الدستور بعد المصادقة عليه في الإذاعة والتلفزيون، ومناقشة موادّه، أي جاء خبراء حتى أن بعضهم كان يستشكل على بعض مواد الدستور في الإذاعة وفي التلفزيون وفي الجرائد، يناقشون الدستور بحيث أنه كثير من الأمور أصبحت واضحة للناس الذين جاؤوا ليصوتوا وهم ليسوا أهل التخصص، ومن الطبيعي بالنسبة لشعب مؤمن ومتدين وملتزم بمذهب أهل البيت عليهم السلام أن يرجع في الأمور والحوادث الواقعة التي تستشكل عليه يرجع بها إلى الفقهاء والعلماء ليبينوا له الصح من الخطأ.
وأناس كثيرون استفتوا مراجعهم يعني ناس صوتوا على الدستور بعد أن استفتوا، أي سألوا مرجع التقليد هل يجوز لهم أن يصوتوا على الدستور بنعم أو لا، فهذا الأمر كان الناس يعرفونه لأنه لا يعني أن كونهم ليسوا أهل التخصص كرجال القانون أو الفقهاء أنه لا يحق لهم أن يصوتوا على الدستور، لأن الفقهاء موجودين ويوجّهوا الناس والناس لديهم وعي كافٍ لإدراك بعض الأمور، ثم كانت هناك حملة توعية، وهذه نقطة مهمة جداً، فقد يُحضروا لشخص ورقة ويطلبوا منه أن يوقع عليها وهو لا يعرف ما بها لأنه لا يعرف القراءة والكتابة، وأحياناً يتم التوضيح له من قبل أكثر من شخص ليعرف ما تحتويه الورقة ويوضحوا له معاني الجمل والمصطلحات التي جاءت بها ثم يطلبوا منه أن يوقع عليها حتى لو كان أميّاً.
والنقطة اللطيفة في دستور الجمهورية أنه حتى النص العربي والنص الإنجليزي كُتِبا بلغة مبسطة، أي التفاصيل والمسائل القانونية والفقهية المعقدة التي استندوا عليها في مجلس الخبراء ليخرجوا بهذا الدستور هذه التفاصيل ليست مذكورة في الدستور، لكن خلاصة النقاش هي مواد الدستور التي ترونها الآن، يعني نقاش ثلاثة شهور.. تقريباً 7 أيام في الأسبوع.. صبحاً ومساءً لفقهاء ورجال قانون، وكان أمامهم حوالي 70 مسودة للدستور ليناقشوها وقد جاءت من جهات وأحزاب وهيئات حتى من أفراد، هناك أفراد وضعوا نص للدستور وأرسلوه للمجلس وقالوا هذا النص الذي نقترحه، وهذه المناقشات مدوّنة وموجودة وهذا الدستور هو خلاصة جميع المناقشات.. أحاديث وروايات قانونية يستندوا عليها ليخرجوا بمادة من مواد الدستور أو جزء أو فقرة من المادة، فلو ذكروا كل هذه الأمور في الدستور لأصبح الدستور ربما خمسين مجلداً وكل مجلد به 500 صفحة، فالدستور خلاصة جميع ذلك وكُتب بلغة يقرأها ويفهمها الكل بصورة عامة.
بعد هذه التمهيدات تم الاستفتاء على الدستور، فالذين استشكلوا يومها بأن الناس ليس لديهم وعي ولا يفهمون هذه الأمور وليسوا متخصصين، فالإمام كان يعرف مدى وعي والتزام هذا الشعب أكثر من أي شخص آخر، وكان يحترم الشعب أي يجعل اعتبار للناس، مع الأسف ترون الكثير من الزعماء حتى الزعماء الدينيين في العالم عندما يتحدثون عن الناس وكأنهم يتحدثون عن مجموعة من الجهلة الذين لا يفهمون، الإمام لم تكن هذه نظرته للشعب أبداً ولم يتصرف بهذا الأسلوب، فكل تصرفاته وأفعاله تدل على أنه يحترم الناس ويجعل لهم وزنا واعتباراً ليس ظاهرياً بل قلبيّاً، وهذا الأمر جعل الشعب يتمسك بالإمام لأنه فعلاً أحسّ أن هذا الإنسان أعطاه وزنه واعتباره وأعاد له كرامته المسلوبة في عهد الطواغيت.
أهم الأسباب التي دعت الإمام للإصرار على الاستفتاء على الدستور:
الدستور ثمرة دماء الشهداء، فالشعب هو الذي ضحى بستين ألف شهيد وحوالي مائة ألف معوق، فإذاً هؤلاء هم الذين لهم الحق في اختيار من يحكمهم؟ وماذا يحكمهم ؟؟.
الإشكال الثاني :
وهذا الإشكال حدث من خارج إيران، وهو على مسألة التأكيد على أن الديانة الرسمية هي الإسلام، والمذهب الرسمي للجمهورية الإسلامية هو مذهب أهل البيت عليهم السلام وهو مذهب الشيعة الإثني عشرية تحديداً، فهناك أشخاص من السنة ومن خارج إيران استشكلوا على أنها دولة إسلامية ثم تحددون المذهب!.
الرد على الإشكال الثاني :
التأكيد على المذهب كان من باب بيان الواقع إذا أن نسبة الشعب الإيراني 90 % من أتباع أهل البيت عليهم السلام، وهم الأكثرية، فالشعب الذي ثار شعب شيعي، والذي قاد الثورة عالم شيعي، والمذهب والمبادئ التي كانت دافع للثورة هي مبادئ حسينية..
هذه حقيقة واقعية، فالدستور أكد هذه الحقيقة بأن أكثرية الشعب شيعة ويجب أن يحكموا بالمذهب الشيعي، أما في مسائل الأحوال الشخصية فكلاً طبقاً لديانته.
الإشكال الثالث :
الدستور وُضع بعد انتصار الثورة وكان هناك حالة حماس ثوري للشعب، الإمام كانت له شخصية كارزماتيكية ونفوذه قوي بين الناس، فكونه قد قال للناس أنّ هذا الدستور هو يقبله فمن الطبيعي أن الناس يقبلون الدستور أيضاً، لكن هل الجيل الحالي من الشعب الإيراني بعد 25 سنة من انتصار الثورة يقبل بهذا الدستور اليوم؟
الرد على الإشكال الثالث :
ما دام النظام معترف بمشروعيته من الشعب وفي الخارج بأنه شرعي وقانوني ووفقا للمعايير الغربية، وليس الإسلامية فقط فهو نظام ديمقراطي. وإثارة الشبهة حول شرعية الدستور معناه إثارة الشبهة حول شرعية النظام، ونسبة المشاركة في انتخاب الجمهورية الإسلامية بين 25-24 انتخاب، وكلها انتخابات شعبية عامة، وبلغت نسبة المشاركة الشعبية 70%.
مسألة المشاركة: مثلاً: إذا لديكم برنامج وُضع قبل سنتين ومازال يُعمل به وتريدون معرفة إن كان البرنامج مقبول أم لا، هناك معيار واضح جداً وهو: نسبة مشاركة الناس وتفاعلهم مع البرنامج، فإذا كان البرنامج في أول حلقاته كان به مثلاً مائة مشارك والآن بعد سنة به 150-200 مشارك، فهذا يعني أن البرنامج مقبول بل مقبوليته زادت. نسبة المشاركة في انتخابات الجمهورية 24 أو 25 انتخاب واستفتاء في 25 سنة أي تقريباً بمعدل استفتاء لكل سنة إذا النظام لا زال يتمتع بمشروعيته.
ومن الأمور التي تثار حول شخصية الإمام كانت ولا تزال بأنه رجل ثورة قاد ثورة وقضى على حكم الشاه، فالإمام ليس فقط رجل دولة بل هو رجل دولة ورجل ثورة، والدليل على أنه رجل دولة هو أنه لم يبن دولة فردية تنتهي بوفاته، بل دولة مؤسسات تضمن بقاء الدولة ، ومن أهم هذه المؤسسات مؤسسة ولاية الفقيه.
المؤسسات التي تخص الدستور:
1- السلطة التنفيذية (رئاسة الجمهورية والحكومة).
2- السلطة التشريعية (مجلس الشورى ، ومجلس صيانة الدستور).
3- السلطة القضائية (تحديد صلاحياتهم ووظائفهم بالإضافة إلى مجمع تشخيص النظام، وحل المسائل التي يستعصي حلها بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور).
الفصل الأول من الدستور الإسلامي
- الحلقة الأولى -
في المحاضرة الأولى والثانية تكلمنا عن دستور الجمهورية الإسلامية وأنه مقسم إلى 14 فصلاً.
الفصل الأول من الدستور :
يخص الأصول العامة، أي المبادئ الأساسية والأهداف الرئيسية لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران.
هذا الفصل مقسم إلى 14 مادة، ولن نناقش كل مادة بالتفصيل ولكن مجرد رؤوس أقلام.
المادة الأولى من الفصل الأول : نظام الحكم في إيران :
تشير المادة الأولى في الفصل الأول إلى نظام الحكم في إيران، وتقول أن نظام الحكم هو الجمهورية الإسلامية التي صوت عليها الشعب بنسبة أكثر من 98%.
فالذي حدث بعد انتصار الثورة أن السيد الإمام الخميني قدس سره الشريف رغم أنه لم يكن بحاجة لعمل استفتاء، لأنه على مدى أكثر من سنة كانت جماهير الشعب تنزل إلى الشوارع تواجه الرصاص وتردد شعار:
"استقلال، حرية، جمهورية إسلامية أو حكومة إسلامية"، وفي آخر شهرين أو ثلاثة كانوا يرددون شعار "استقلال، حرية، جمهورية إسلامية".
فهذا كان مطلب الشعب وهو شيء ثابت والعالم كله رأى هذا الشيء وسمعه، ولكن الإمام ولكي يقطع الطريق على أي إشكال وحتى لا يقول أحد أنه أتى وفرض هذا النظام، أجرى استفتاء والشعب صوت لنظام الجمهورية.
ورغم ذلك توجد اليوم أبواق تشكِّك في مشروعية النظام، فما بالكم لو مثلاً أعلن الإمام بمجرد وصوله لإيران أن إيران جمهورية إسلامية، كان بمقدور الإمام أن يعلن في تلك الفترة، بعد هروب الشاه وبعد ما هرب بختيار رئيس الوزراء الذي عيّنه الشاه، أن إيران جمهورية إسلامية وتنتهي المسألة.
ولكن الشيء اللطيف أن الإمام هو الذي أصرّ على الاستفتاء مع أن هناك أناس كانوا يقولون للإمام بعدم ضرورة الاستفتاء وحجتهم أن الشعب قد قال كلمته. ولكن الإمام رفض وأصر على أن يكون هناك استفتاء رسمي، ولكي يرى العالم كله أن هذا النظام هو مطلب الشعب الإيراني وليس نظاماً مفروضاً عليه.
قد يحتج أحدهم ويقول أن أيام المسيرات والمظاهرات لا أحد يعرف العدد الدقيق للمشاركين.
التقديرات تختلف في المظاهرات، يمكن أن يأتي أحد ويقول أن في هذه المظاهرة مائه ألف ويمكن أن يقول أن فيها خمسمائة ألف، ولكن عندما أصبح التصويت بالعدد ومع وجود نسبة معينة من الناس الذين يحق لهم التصويت، ومعرفة نسبة الذين صوتوا بنعم أو لا، بعد ذلك سيكون الشيء ثابت رسمياً على أساس أن هذا مطلب الشعب الإيراني على مسمع العالم كله وأمام كافة وسائل الإعلام.
فالفترة من انتصار الثورة إلى إجراء الاستفتاء على نظام الجمهورية لم تتجاوز الخمسين يوماً. في خلال خمسين يوماً من انتصار الثورة الى إجراء الاستفتاء الشعب صوت بنسبة أكثر من 98% ونسبة المشاركة كانت عالية جداً وتجاوزت 90%. والعالم كله رأى هذا الشيء واعترف بأن هذا النظام قائم على مطلب الشعب.
المادة الثانية من الفصل الأول: الأسس التي بنيت عليها الجمهورية الإسلامية:
هذه المادة تُحدِّد الأسس التي قامت عليها الجمهورية الإسلامية في إيران. لأن كل نظام يجب أن يقام على أسس.
ما هي هذه الأسس؟
لقد قسموها إلى خمسة أو ستة أسس :
الأساس الأول: الإيمان بالله الأحد لا إله إلا الله وتفرده بالحاكمية والتشريع:
"إن الحكم إلا لله". الحكم لله وليس الإمرة. فعندما قال الخوارج "الحكم لله" قال الإمام علي عليه السلام: "كلمة حق يراد بها باطل". الحكم لله. الذي يحكم هو الله.
أما الذي ينّفذ أحكام الله هذا هو الذي يكون أميراً على الناس وهذه تسمى الإمرة وتكون للأمير الذي يتولى أمور الناس، وينفذ ويطبق أحكام الله.
فالحكم لله ليس معناه أن الله يأتي مباشرة ويحكم الناس في الأرض. كلا، بل توجد وسائل لتطبيق حكم الله ويوجد ولاة أمر، حددهم الله ورسوله وهم أحق بولاية أمور الناس. وهذا البحث سوف يطرح في بحث ولاية الفقيه في الفصل الثامن أو العاشر من الدستور.
الأساس الثاني: الإيمان بالوحي الإلهي ودوره الأساس في بيان القوانين:
لأن الوحي الإلهي هو الأساس لكل القوانين. وهو يتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
الأساس الثالث: المعاد:
وهذه النقطة غير مذكورة في أي دستور في العالم سواء دساتير الدول الإسلامية أم غير الإسلامية. يعني لا يوجد دستور مذكور فيه أن أساس النظام الإيمان بالمعاد.
ويعني هذا أن النظام لم يأت فقط لتعمير دنيا الناس. فهذا النظام من ضمن أهدافه والأسس التي قام عليها أن يعمر الآخرة أيضاً (الإيمان بالمعاد ودوره الخلاق في مسيرة الإنسان التكاملية نحو الله).
الأساس الرابع: العدالة:
عندما ترون هذه الأسس المذكورة يتبين لكم بوضوح أن الأسس التي قام عليها نظام الجمهورية الإسلامية في إيران هي في الواقع أصول الدين والمذهب، يعني التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد. هذه الأسس مأخوذة من أصول الدين والمذهب.
الإيمان بعدل الله في الخلق والتشريع، وهذا أيضاً من ضمن أهداف النظام في الجمهورية الإسلامية أي تحقيق العدالة. يعني أن الله سبحانه وتعالى عادل في التشريع وفي الخلق.
فالنظام الذي يحكم باسم الله وباسم الإسلام يجب أن يبذل كل جهد لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعدالة على كل الأصعدة في المجتمع. وهذا قد يجيب على الكثير من التساؤلات إذ يوجد الكثير من الناس والمسؤولين في الجمهورية الإسلامية حتى السيد القائد (حفظه الله) يقولون إننا مقصرون ولم نفعل أي شيء. ولا يعني هذا أن النظام لم يحقق شيئاً لأن أهداف النظام سامية وعالية لدرجة أن بلوغها يحتاج إلى جهد غير عادي.
فإذا كان النظام هدفه الحكم فقط مثل الكثير من الأنظمة التي لا نسمع أبداً اعترافها بالتقصير. فالنظام الوحيد الذي يعترف المسؤولون فيه وقادته دائماً بالقصور والتقصير هو نظام الجمهورية الإسلامية. لماذا؟ لأن الأهداف عالية وسامية جداً يعني تحقيق العدالة في المجتمع هذا بالكلام سهل وبالعمل من أصعب الأمور.
وهذا كان هدف الأنبياء والأولياء الذين ضحوا من أجله وهدف الإمام علي عليه السلام الذي قال عنه الكاتب المسيحي (قتل في محراب عبادته لشدة عدالته) فقتلوه لأنه عادل ويريد تحقيق العدالة. فالإيمان بعدل الله في الخلق والتشريع معناه العمل من أجل ترسيخ العدالة عملياً في المجتمع.
الأساس الخامس: الإيمان بالإمامة والقيادة المستمرة ودورها الأساس في استمرار الثورة التي أحدثها الإسلام:
مبدأ الإمامة الذي نؤمن به نحن الشيعة بالذات، والقائل بأن الأئمة المعصومين عليهم السلام هم ولاة الأمور وهم الأئمة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهم الأئمة الذين فرضت علينا طاعتهم، طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم واجبة، وطاعة الأئمة عليهم السلام واجبة أيضاً.
ومن الأسس التي بني عليها نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمامة. الإيمان بالإمامة وولاية الفقيه وبأن ولاية الفقيه استمرار لخط المعصومين. وسوف نتطرق لهذا البحث في المستقبل إن شاء الله.
سادساً : الإيمان بكرامة الإنسان وقيمته الرفيعة وحريته الملازمة لمسئوليته أمام الله:
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (الإسراء/70). هذا المبدأ له أساس قرآني أيضاً. فالإنسان مكرَّم وله مرتبة رفيعة عند الله سبحانه وتعالى بشرط أن يظل إنساناً بمعنى الكلمة. والإنسان حر ومكلف في نفس الوقت.
هذا هو الفرق بين الإسلام وبعض النظم الليبرالية في الغرب التي تركز على الحرية دون النظر أو التركيز على التكليف. فالإنسان حر ومكلف ومسئول أمام الله في نفس الوقت. هذه الحرية هبة إلهية وهي ليست شيئاً يمنحه إنسان لإنسان. أتذكر مرة ألقى الشاه خطاباً قال فيه "أنا منحت الناس الحرية". الإمام (ره) كان في النجف الأشرف في تلك الفترة فرد عليه قائلاً : "بأي حق تقول أنك منحت الناس الحرية. فهل الحرية ميراث حصلت عليه من والدك حتى تمنحها للناس؟ الحرية حق إلهي للناس وهبة إلهية للناس".
لذا فإن من الأسس التي قام عليها النظام الإسلامي في إيران التأكيد على حرية الإنسان. وفي نفس الوقت التأكيد على مسؤوليته أمام الله سبحانه وتعالى ومسئوليته كفرد في المجتمع. ويعني هذا أنه لا توجد حرية دون مسئولية وتكليف. ليس لدينا في الإسلام حق فقط ولا عندنا تكليف دون حق أو حرية. وهذا يعني في النهاية حرية الإنسان في الاختيار وتحمله المسؤولية عما يختاره.
أهداف نظام الحكم الإسلامي:
هدف النظام تأمين القسط والعدل والاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتلاحم الوطني، وهذه هي مجمل أهداف النظام:
القسط، العدالة، الاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتلاحم الوطني.
تحقيق هذه الأهداف يتم من خلال :
أولاً: الاجتهاد المستمر:
فعندنا مبدأ الاجتهاد المستمر. باب الاجتهاد مفتوح لدى أتباع أهل البيت. طبعاً الاجتهاد وفقاً لموازين معينة وليس أي اجتهاد. والاجتهاد له أهلُه فليس كل من تكلم بأي كلمة يقال له بأن هذا اجتهاد. فمثلاً أن يخرج أحدهم ويحارب إمام زمانه ويقول هذا اجتهاد!! ليس لدينا اجتهاد في مقابل النص.
الاجتهاد له أهله وله شروطه وله موازينه. والاجتهاد يكون على أساس الكتاب والسنة سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمعصومين عليهم السلام.
ثانياً: الاستفادة من العلوم والتجارب العلمية للشعوب المتقدمة:
أي أن الإسلام لا يضع أي قيود أمام الاستفادة من علوم الآخرين وتجاربهم الإيجابية في شتى المجالات من أجل تحقيق الأهداف المنشودة لنظام الحكم الإسلامي.
ولذا ترون اليوم الجمهورية الإسلامية بها عمل دؤوب في مجالات كثيرة مثل مجال الأبحاث والعلوم والتحقيقات في شتي الحقول الطبية والعسكرية والصناعية، وقد حققت إنجازات لم تحققها أي دولة عالم ثالثية رغم وجود كل هذه المشاكل والمؤامرات. وفي المجال الطبي توجد إنجازات سوف يعلن عنها قريباً كما تحدث عنها السيد القائد (حفظه الله). وفي المجال العسكري كما تسمعون عنها لأن المجال العسكري كل العالم يركز عليه مثل صنع الصواريخ والطائرات. وفي مجالات أخرى أيضاً حققت الجمهورية إنجازات ملموسة.
ثالثاً: محو الظلم:
لكي تتحقق أهداف الجمهورية في العدالة يجب أن يُمحى الظلم. فمع وجوده لا تتحقق العدالة سواءً على المستوى الفردي، أي بين الأفراد في العائلة أو في المجتمع الصغير أو في البلد ككل.
محو الظلم والقهر مطلقاً وعدم الخضوع لهما. وهذا يعني أن الجمهورية لا تعمل على محو الظلم داخل إيران كمجتمع فقط بل أن الجمهورية كنظام ترفض الخضوع للظلم. فالبعض يتساءل أحياناً: "لماذا لا تتفاهم الجمهورية مع هذا وذاك؟" لأنه في بعض هذه التفاهمات يكون هناك خضوع للظلم، خضوع للجور، خضوع لهيمنة غير المؤمنين. ومن الطبيعي أن نظاماً يقول أنه مبني على الدين والإسلام ويدعي أنه حسيني لا يمكن أن يخضع لليزيديين. هذا الشيء ليس مطروحاً أصلاً.
فكثير من مواقف الجمهورية التي يعتقد بعض الناس أنها متشددة من غير لزوم هي في الواقع مبنية على هذا المبدأ الدستوري القائل بأنه لا يحق للنظام أن يخضع للظلم. لا يظلم الناس ولا يخضع للظلم. وهذا مبدأ الإمام الحسين عليه السلام. فهذا ليس من الجمهورية أو من الإمام الراحل (قدس سره)، بل إن هذا الأمر له أساس في ديننا ومنهجنا وثقافتنا.
المادة الثالثة من الفصل الأول : تحدد وسائل الوصول إلى الأهداف المحددة في المادة الثانية:
وهي 16 وسيلة وتشمل :
- خلق المناخ الملائم لتنمية مكارم الأخلاق ورفع مستوى الرأي العام وتوفير التربية والتعليم.
- تقوية روح التحقيق.
- طرد الاستعمار كلياً.
- محو أي مظهر من مظاهر الاستبداد.
- ضمان الحريات الاجتماعية والسياسية في حدود القانون وإسهام عامة الناس في تقرير مصيرهم. فكما قلنا سابقاً أن نظام الجمهورية في كل مراحله كان للشعب الدور الرئيسي في تكوين النظام وتشكيله واستمراره.
واليوم المؤسسات في الجمهورية هي التي تحكم البلاد، إما منتخبة مباشرة من الشعب أو منتخبة بصورة غير مباشرة من الشعب. يعني رئيس الجمهورية منتخب مباشرة من الشعب، السلطة التشريعية الجزء الرئيسي منها وهو مجلس الشورى الإسلامي منتخب مباشرة من الشعب.
مجالس البلديات، وعندما نتكلم عن مجالس البلديات فإن هناك مجالس المحافظات ومجالس المدن ومجالس القرى ومجالس البلدات إلى آخره، ومجموع أعضاء هذه المجالس حوالي مائتا ألف عضو في إيران. وهؤلاء ينتخبون مباشرة من الشعب.
يعني رئيس الجمهورية منتخب، مجلس الشورى منتخب، مجالس البلديات منتخبة مباشرة. هذه كلها ومجلس الخبراء الذي من ضمن صلاحياته تعيين وعزل القائد فهذا أيضا منتخب مباشرة من الشعب.
أي أربع مؤسسات رئيسية منتخبة من الشعب. باقي المؤسسات منتخبة بصورة غير مباشرة من الشعب مثل مجلس صيانة الدستور. الولي الفقيه منتخب من الشعب لكن بصورة غير مباشرة.
- رفع التمييز غير العادل.
- إيجاد النظام الإداري السليم.
- تقوية بنية الدفاع الوطني.
- بناء اقتصاد سليم وعادل.
- إيجاد الاكتفاء الذاتي في العلوم والفنون والصناعة والزراعة.
- ضمان الحقوق الشاملة للجميع نساءً ورجالاً.
- توسيع وتقوية الأخوة الإسلامية.
- تنظيم السياسة الخارجية للبلاد على أساس المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين والحماية الكاملة لمستضعفي العالم. وهناك من يريد أن يثبت أن السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية في عهد الإمام (قده) كانت تختلف عن سياستها في عهد السيد القائد، وأن الإمام كان أكثر ثباتاً إلى آخرة، بينما السيد القائد ليس كذلك وهذا كلام باطل.
الفصل الأول من الدستور الإسلامي
الحلقة الثانية
السياسة الخارجية للجمهورية:
إن أساس السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية التفاهم والأخوة وإيجاد علاقات سليمة مع كل بلد مستعد أن يحترم خصوصية الجمهورية الإسلامية ولا يتدخل في شئونها. هذا مبدأ أساسي.
الذي حدث في عهد الإمام أنه وبعد انتصار الثورة وقبل أن تقف الجمهورية على رجليها شنّوا عليها الحرب، وقد شاركت دول كثيرة في مساندة المعتدي. فكان من الطبيعي أن علاقات إيران مع هذه الدول التي تساند المعتدي ضد الجمهورية تتوتر.
بعد أن انتهت الحرب وبعد أن حدثت قضايا أثبتت للجيران أن العدو ليست الجمهورية الإسلامية، وأن الذي تقوله أمريكا عن الجمهورية كلام باطل، واقتنعوا عندما رأوا الدبابات العراقية في شوارع الكويت، لذا فهم قد أحسوا بأنه لابد من تعديل علاقاتهم بالجمهورية الإسلامية. والجمهورية من الأساس لم تكن تريد التوسع ولا التوتر ولا احتلال البلدان أو غزوها، ومبدأ تصدير الثورة الذي كانت الجمهورية تتكلم عنه لم يكن يعني بأي شكل من الأشكال احتلال البلدان بالقوة.
مبدأ تصدير الثورة :
دعونا نعتبر الثورة بضاعة، فإذا كان هناك بلد لديه بضاعة جيدة ينتجها فإن من حقه أن يروج لها ويقوم بتسويقها ويحاول بيعها. أمريكا تبيع الهمبرغر على العالم وتسوق وتبيع ثقافتها وأحياناً تفرض ثقافتها على بلدان العالم وهذا لا يعتبر تدخلا في شئون العالم! ولا يعتبر اعتداءاً على خصوصيات الشعوب!
بينما الجمهورية قالت أن هذا الفكر الذي أدى إلى قيام الثورة الإسلامية، وهو أساساً الفكر الإسلامي السليم الأصيل، هذا الفكر يجب أن يصل للعالم والشعوب ترى الذي يناسبها وتأخذه منه، ولم تقل الجمهورية نحن أتينا لكي نجيش جيوش وأساطيل ونغزو البلدان ونحتلها ونفرض عليها الحكم الإسلامي والحكم الشيعي إلى آخر الأباطيل التي كانت تروج في وسائل الإعلام.
مبدأ التفاهم الأخوي بين الجمهورية وبلدان العالم :
أي إن أساس سياسة الجمهورية كان التفاهم الأخوي بين البلدان الإسلامية تحديداً وكل بلدان العالم. واليوم نرى نفس المبادئ يتبعونها في سياستهم. فالدول التي تحترم الجمهورية تعاملها الجمهورية بالمثل وتبني علاقات معها على أساس سليم. وبعض الدول مثل أمريكا وإسرائيل وبعض الدول الأخرى الجمهورية ليست لها أي علاقة أو عمل معها. فلو كانت إيران تنظر إلى مصلحة مادية لوجب عليها اليوم أن تبني علاقات قوية مع أمريكا وإسرائيل. والحقيقة أن معظم المؤامرات التي تحاك ضد الجمهورية السبب الرئيسي لها موقف الجمهورية ضد إسرائيل. وهذا سوف نتطرق له في تفاصيل المسائل السياسية في المستقبل إن شاء الله.
فالسياسة الخارجية للجمهورية منظمة على أساس هذا المبدأ في الدستور، وليس بها شيء من تجيّش جيوش أو احتلال بلدان وغزو وفرض الإسلام بالقوة أو فرض المذهب الشيعي أو ولاية الفقيه بالقوة. هذا الشيء ليس موجوداً في دستور الجمهورية ولا في سلوكيات قيادة الجمهورية الإسلامية.
من بداية الثورة إلى يومنا هذا، وكل ما كان يروج لتخويف الشعوب والحكومات والدول ما هو إلاّ مجرد أكاذيب. بينما الحقيقة أن الثورة قد صدّرت. فهذا الاهتمام العالمي بإيران واهتمام الشعوب واستلهام الشعوب من الجمهورية في لبنان وفلسطين وغيرها من الدول هذه معناها أن الثورة قد صُدِّرت. ولا يستطيع أحد أن يمنع الفكر أو يقيده ولو استطاع ذلك لمدة قصيرة فإن الفكر الأصيل سيجد في النهاية طريقه للوصول إلى الناس.
المادة الرابعة من الفصل الأول من الدستور :
وهي التي تكلمنا فيها بخصوص القوانين، ووجوب أن تكون الموازين الإسلامية أساس جميع القوانين والقرارات المدنية والجزائية والمالية والاقتصادية والإدارية والثقافية والعسكرية والسياسية.
أي أننا عندما نتكلم عن القوانين فإننا لا نعني قوانين الأحوال الشخصية فقط، بل إن جميع القوانين يجب أن تكون على أساس الإسلام حتى في المجال العسكري، فالسيد القائد له دروس في البحث الخارج حول بحث الجهاد، دروس استمرت سنتين ونصف، وهذه كلها أحكام تحدد الجمهورية على أساسها سياساتها الدفاعية.
مثلاً عندما يقولون أن اقتناء أو امتلاك السلاح النووي يخالف مبادئنا أو أي سلاح من أسلحة الدمار الشامل فإن هذه الأشياء لها أحكام في الإسلام. فالجمهورية يجب أن تكون قوانينها وسلوكياتها وبرامجها العسكرية، يجب أن تبنى جميعاً على هذا الأساس، والدستور يؤكد على هذا الأمر.
المادة الخامسة من الفصل الأول :
وهي تخص مسألة القيادة في زمن غيبة الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، حيث أن القيادة يجب أن تكون بيد الفقيه العادل المتقي البصير بأمور العصر الشجاع القادر على الإدارة والتدبير، وذلك وفقاً للمادة 107. وهذه المادة تحدد شروط الولي الفقيه ومواصفاته.
ولايـة الفقيـه :
ولكن انظروا عندما قالوا ولاية الفقيه قد يسأل شخص هل يعني هذا أن يحكم أي فقيه؟ كلا، العادل هو الذي يحكم. وهل يوجد فقهاء غير عدول؟ نعم، فقد يكون هناك فقيه متفقه في الدين إلى آخر درجة ولكن في سلوكياته غير عادل، فهذا لا يستطيع أن يصبح قائداً ولا ولياً.
المتقي البصير بأمور العصر وليس ذلك القاعد في بيته ولا يدري بما يحدث في العالم ويبين للناس الأحكام مثل أحكام الصلاة وأحكام الصوم وغيرها وهو جالس في بيته، وتأتي قوة محتله تحتل العالم الإسلامي وهو لا يكترث. أمريكا احتلت العراق والصهاينة يحتلون فلسطين وتأتي غداً قوة غاشمة وكافرة وتعتدي على أعراض المسلمين هذه كلها لا تهمه، فهذا ليس من شأنه فهذا الإنسان ليس بصيراً بأمور العصر ولا يصلح أن يكون قائداً.
الشيخ جوادي الآملي حفظه الله قال في مبحث حول المرجعية: "المرجع الذي نريده يجب أن يكون شجاعاً لدرجة يقول معها لا لأمريكا دون تردد". أي أنه يتخذ الموقف الواجب في مواجهة أعتى قوة في العالم التي هي أمريكا دون تردد لحفظ الدين والإسلام. هذا الشخص يكون هو القائد وليس أي فقيه. كما يجب أن يكون قادراً على الإدارة والتدبير. وهذه من مميزات السيد القائد اليوم، وهذه نقطة مهمة جداً.
الخبرة المتنوعة للسيد القائد حفظه الله :
السيد القائد وقبل أن يتولى قيادة الجمهورية كولي فقيه كانت له خبرة إدارية اعتباراً من انتصار الثورة إلى يوم توليه القيادة، أي عشر سنين من الخبرة الإدارية. كان في مجلس الشورى الإسلامي، كان ممثل الإمام في المجلس الأعلى للدفاع، كان رئيساً للجمهورية لدورتين، وفي نفس الوقت له خبرة عسكرية وهذه نقطة لطيفة. فقد كان سماحته يقضي معظم أوقاته في جبهات القتال.
يقول أحد قادة جيش الجمهورية الإسلامية الذي توفي (رحمه الله) وهو رئيس أركان الجيش في تلك الفترة واسمه اللواء ظهير نجاد، يقول: "إن السيد بعد فترة قصيرة من تواجده معنا في مقار القيادة في الجبهات بدأ يتكلم وكأنه خبير عسكري". يعني أصبح لوجهات نظره وآرائه وزن في المجالات العسكرية. وهذا ليس من باب المجاملة ولكن سماحة السيد أثبت فعلاً أنه يستوعب الأمور العسكرية بكل سهولة وبساطة. وكان يبدي آراءه في المسائل العسكرية فاكتسب خبرة في المجال العسكري، لأنه قضى وقتاً طويلاً في جبهات القتال أثناء الحرب المفروضة التي استمرت ثماني سنوات.
أما بالنسبة للتدبير، يكفي أن السيد القائد وبعد 14 سنة من توليه القيادة (تولى القيادة بعد وفاة الإمام مباشرة في وضع كانت الجمهورية خرجت لتوها من حرب ضروس استمرت 8 سنوات، وكان البلد مدمراً اقتصادياً ومحاصراً سياسياً وإعلامياً وعسكرياً، والطرف المقابل كانت تتوافر لديه كل الإمكانيات ومساندة من كل القوى العالمية بينما إيران نزلت بها مصيبة وهي مصيبة وفاة الإمام (قده) التي هزت أركان البلد) أصبح لإيران وزنها كدولة في العالم.
أمريكا تبني كل حساباتها في المنطقة على أساس مواجهة إيران، لأنها هي الدولة الأقوى والأهم ولأنها هي الدولة الأكثر تأثيراً في الدول والشعوب الأخرى في المنطقة، وحتى في خارج المنطقة.
وفي المجال السياسي فإن الجمهورية ورغم كل محاولات أمريكا وإسرائيل وأعدائها لفرض العزلة السياسية عليها، فإنها اليوم ولله الحمد تقيم علاقات مع معظم دول العالم وتحظى باحترام كبير.
القوة العسكرية للجمهورية :
وفي المجال العسكري العراق الذي كان عدو الجمهورية مدمر اليوم، بينما الجمهورية تتمتع بقوة عسكرية لم يسبق لإيران أن تمتعت بها إلاّ في عهود امبرطوريتها القديمة. وكانت تلك القوة تتمثل في الجيش فقط، بينما القوة العسكرية للجمهورية اليوم لها عمق شعبي جماهيري وقاعدة شعبية وجماهيرية عريضة. يكفي أن هناك ما بين ثمانية إلى عشرة ملايين مدرب على السلاح موجودين، وبإشارة من السيد يتسلح هؤلاء ليدافعوا عن كيان الجمهورية.
وأمريكا تدرك هذا الشيء، فلو تيقنت أمريكا أنها قادرة على غزو إيران لفعلت ذلك قبل أن تغزو العراق، ولكنها تعرف أنها ستواجه القاعدة الجماهيرية العريضة وليس فقط القوة العسكرية النظامية للجمهورية.
المجال الاقتصادي للجمهورية :
أما في المجال الاقتصادي، ورغم كل مشكلاتها وخروجها من حرب كلفتها حوالي ألف مليار دولار في سنة 1988م، فإن الجمهورية الإسلامية هي اليوم الدولة الأقل مديونية بين معظم دول العالم، مقارنة بتركيا مثلاً التي لديها سياحة والغرب يساعدها، ولديها صناعة وزراعة ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاتحاد الأوروبي وعضو في الحلف الأطلسي، وتحظى بمساندة أمريكا والغرب اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، السياحة فيها مفتوحة دون قيود أو التزام بأي شرع أو دين أو مذهب، فهي تدخل بلايين الدولارات في السنة ولكن هذه الدولة اليوم مديونة بمائة وأربعين مليار دولار للخارج.
بينما ديون الجمهورية الإسلامية لا تتعدى السبعة بلايين دولار فهذه الحقائق وللأسف لا تذكر في وسائل الإعلام، فالجمهورية اليوم في وضع اقتصادي جيد، وهذه ليست مبالغة. ولا يستطيع أحد تجويعها وهذا أهم شيء، لأن الإنتاج الزراعي لديها اليوم قريب من الاكتفاء الذاتي، فالجمهورية تنتج حوالي 80% من الغذاء الذي تستهلكه عكس مجموع الدول العربية الذين يستوردون 75% من الغذاء الذي يستهلكونه.
تدبير السيد القائد :
فعندما نتكلم عن التدبير فالسيد القائد قد استلم بلداً بتلك الحالة، واليوم هذا هو حال البلد بعد 14 سنة. وقيادة السيد كان لها الدور الأبرز في تخطي الجمهورية للكثير من المشكلات والمصاعب والمنعطفات الخطيرة، بل وحتى المسائل السياسية التي حدثت، مثلاً بين مختلف الأجنحة أو التيارات المحافظين والإصلاحيين والصراعات السياسية بين الأحزاب وغيرها.
هذا السيد بتدبيره يسير الأمور بحيث تظل هذه مجرد مناوشات سياسية. دعونا نقول أن هذه خلافات بين أفراد الأسرة الواحدة في الداخل، وهذه كلها نتيجة للعناية الإلهية ولتدبير السيد القائد لكونه في موقع القيادة والقرارات الحاسمة بيده. فهذه كلها من تدبيره بفضل الله وعنايات بقية الله عجل الله تعالى فرجه الشريف.
فعندما نتكلم عن إنسان مدبر فهذه هي علائم التدبير كلها. ومجلس الخبراء في كل سنة عندما يجرى تقويماً لأداء السيد فإنه يضع كل هذه الأمور في الاعتبار. ولو رأى أن السيد يفتقد المواصفات الضرورية للاستمرار في القيادة فسوف يعزله لأن ذلك من حق المجلس وضمن صلاحياته.

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية