مركز الصدرين للدراسات السياسية || المقالات السياسية

الأركان الإسلاميّة والحقوق المتبادلة بين الإمام والأمّة أو القيادة والقاعدة
الطيّب عبد الرحيم محمد

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين
وبعد... ابدأ مقالتي هذه فاقسمها إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول
مشاكل المسلمين وحلولها الإسلامية
هناك قضية تهم المسلمين اليوم، ألا وهي كيفية اختيار القيادة وكيفية تعاملها مع القاعدة. فوجدت الموضوع صعباً وشائكاً ـ وعلى الرغم من ذلك فقد أقحمت نفسي محاولاً طرق عدة قضايا باختصار، تاركاً للمفكرين المقتدرين زيادة، الايضاح ـ لأن جل العالم الإسلامي يعيش تحت ضغوط دكتاتوري رهيبة، بقيادة دكتاتوريين لا همّ لهم في الحياة إلاّ ملء البطون وإشباع الفروج كغاية في حدِّ ذاتها، القادة الذين جعلوا من جماهيرهم قطاعات من الحيوانات لا تفكير ولا إرادة لها تمكنها من الحصول أو الانتزاع لحقوقهم، بسبب هيمنة الجهل بين القيادات وجماهيرها بحقوق كل للآخر.
وتسهيلاً لتلك الصعاب رأيت ضرورة التركيز على وسائل التربية السياسية بقصد تنوير المسلمين على ضرورة العمل الجاد لينالوا حقوقهم السياسية بمفهومها الشامل الذي يعني:
"ادارة شؤون البلاد ومجتمعاتها وكيفية اختيار القيادة وكيفية العلاقة بين القيادة والقاعدة التي تعتمد على الأركان الإسلامية كوسيلة للآتي:
1 ـ بناء الفرد المؤمن القوي كوسيلة..
2 ـ ليساهم الفرد في بناء الأمة الإسلامية كوسيلة...
3 ـ لاقامة الدولة الإسلامية كوسيلة.
4 ـ لتأسيس الخلافة الإسلامية الكبرى كوسيلة..
5 ـ لاسعاد الإنسان في الدنيا كوسيلة...
6 ـ لإسعادِهِ في الآخرة، "الحياة الأبدية"...
وتعتبر هذه النقاط الست ردّاً على المقولة الفقهيّة: "ما وافق الكتاب والسنة" وردّاً على سؤال "لماذا أنزل القرآن ولماذا أرسل محمد صلى الله عليه وسلم"، كما وانها تعني مقاصد الإسلام التي تضم سياسة الإسلام بقرآنه وسيرته أي سنته.
القسم الثاني
مشاكل المسلمين
ليس من السهل ان تبحث الحقوق بمعزل عن مشاكلها المتعددة، والتي ألخصها في التالي:
1 ـ تعدّد الأيديولوجيات بآلهتها التي زرعها الاستعمار في جسم الأمة الإسلامية بقصد الإبقاء عليها ضعيفة، مشتتة ومنهزمة هزيمة داخلية.
2 ـ تعدد وهيمنة القيادات غير الربانية التي بناها ودعمها الشيطان الأكبر وحلفاؤه، والشيطان الأصغر وحلفاؤه أيضاً، بقصد ديمومة استغلال الشعوب الإسلامية.
3 ـ هيمنة التربية ذات الطابع الوثني، التي ربّت القيادات والأتباع على قاعدة "تعلم واعمل لذاتك ولا تبالِ بالوازع الديني ولا بالقوة الغيبية".
4 ـ سوء توزيع الثروة تحت تصور هيمنة الفرد على النظام الرأسمالي وهيمنة الجماعة الحاكمة على النظام اليساري. فاستأثرت القيادات ومن لفَّ حولها بالأموال والثروات وهرّبوها إلى أوربا وأمريكا وآسيا، أمثال نميري والشاه المقبور وعمر وكّو النيجيري الذي هرّب أكثر من عشرة مليارات من الدولارات الأمريكية إلى بريطانيا وسويسرا.
5 ـ هيمنة المبادئ غير الأخلاقية ذات الطابع الوثني والمادّي على حكام المسلمين أنفسهم فصارت العلاقة بين القيادة والقاعدة علاقة نفاق وخداع فاضطربت مفاهيم الحقوق المتبادلة بينهم.
6 ـ انعدام الوحدة، والمساواة الفكرية والجغرافية والمظهرية والحقوقية.
7 ـ ضعف تقدير القيادة الصالحة.
8 ـ حب الدنيا وكراهة الموت.
9 ـ كراهة الابداع والتجديد من أجل إعداد القوة لارهاب الأعداء.
ونتج من جراء تلك المشاكل نوم عميق لازم كثيراً من المسلمين على الرغم من محاولات المجدّدين.
الحلول الإسلامية للمشاكل
لقد أوضحتُ المشاكل، والآن سأوضِّح الحلول لتلك المشاكل التي أعتبرُها الحقوق الأساسية المتبادلة بين الامام والأمة، فهي بمثابة ضمانات قويّة تمكن الامام من ترسيخ الخلافة والاسلام، وتمكن الأمة من المساهمة بصدق في تعميق العلاقة بينها وبين الامام. والحلول هي:
1 ـ الضمان العقائدي المتمثل في العقيدة الصحيحة، "لا إله إلاّ الله" بمفهومها الشامل والايجابي كما فهما إبراهيم والرسول صلوات الله وسلامه عليهما، الشهادة التي جعلت من العرب أمة راقية متحضرة وعلمية.
2ـ الضمان السياسي المتمثل في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومن سار بنهجه، بمعنى ان يتمَّ اختيار رؤساء صالحين تنطبق عليهم شروط الامامة الإسلامية ابتداء من رئيس الدولة وانتهاء برئيس الحي والفريق والقرية.
3 ـ الضمان التربوي المتمثل في الصلاة التي تعتبر ضماناً لتربية الإنسان اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وروحياً وصحياً. فهي تربي الإنسان لكي يجعل من كل أعماله أعمالاً رسالية في سبيل الله، وعلى ضوء مقاصد الإسلام التي مرّ ذكرها.
{ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين...} الآية.
4 ـ الضمان الاقتصادي المتمثّل في فريضة الزكاة التي تعني الحل الشامل والدائم لمشكلة الفقر والفقراء وباقي مستحقي الزكاة الثمانية.
أما أنها حل حاسم وشامل لمشكلة الفقر والفقراء فلأن بيت مال المسلمين ينقسم إلى أربعة أقسام، ثلاثة منها مخصصة للفقراء والمساكين وباقي مستحقي الزكاة الثمانية، والرابعة مخصّصة للمصروفات الحكومية. والأقسام هي:
أ ـ فرع الزكاة الاجباريّة.
ب ـ فرع الزكاة التطوعية.
ج ـ الغنائم.
د ـ الانتاج العام بشتى مصادره.
5 ـ الضمان الأخلاقي المتمثل في الصوم الذي يربي المسلم على قاعدة "اعمل كأنك ترى الله فان لم تكن تراه فانه يراك".
6 ـ الضمان الوحدوي المتمثل في الحج الذي يربي المسلم على ما يلي:
ـ وحدة أهل القبلة، فالجميع يتوجهون إلى بيت الله.
ـ وحدة المظهر، فالجميع يلبسون لباساً موحداً.
ـ وحدة الفكر فالجميع يهدفون إلى غاية واحدة، غاية المقاصد الإسلامية، ويظهر ذلك في وحدة الحركة في الطواف وما يردده المسلمون من دعاء وأمل في مستقبل المسلمين والإسلام.
ـ وحدة عسكريّة وغاية جهاديّة، فالجميع يشتركون في رمي الجمرات كرمز لاعلان الجهاد على شياطين الإنس والجن.
ـ وحدة سياسية، فالجميع يتوجّهون إلى جبل عرفات للتعارف والتضامن بقصد إقامة الدولة الإسلامية والخلافة الإسلامية الكبرى إذا لم تكن قائمة، وتدعيمها ان كانت قائمة، متخذين من حجّة الوداع السياسية منارة لهم لفهم الحقوق السياسية بين القيادة والقاعدة أو الامام والأمة.
القسم الثالث
الإمام والإمامة
الامامة هي الخلافة في الأرض وحراسة الدين والدنيا.
وأقسم الامامة إلى قسمين:
أ ـ إمامة كبرى وتتمثّل في خليفة المسلمين عموماً.
بـ إمامة صغرى، وهي تعني حكام الأقاليم والمدن والقرى والأحياء والفرقان والمؤسسات والحكام الذين يتمّ اختيارهم عن طريق الشورى لكي يكونوا من مساعدي الخليفة في امور الدين والدنيا، بما في ذلك إمامة الناس في الصلوات.
اختيار الامام أو القائد
يتمُّ اختيار الامام دائماً على منهج الشورى، وفي ذلك قال تعالى:
{والذين استجابوا لربّهم وأقاموا الصلاة، وأمرهم شورى بينهم...} (الشورى: 38).
كما مرّ يتم اختيار الامام عن طريق أهل الحلِّ والعقد أو بوعد من الامام السابق الراحل.
ولكن من هم أهل الشورى؟ أهل الشورى هم أفراد من الأمة الإسلامية يتم اختيارهم بعد توفر الشروط التالية:
1 ـ العدالة الجامعة لشروطها.
2 ـ العلم الذي يتوصل به إلى من يستحق الامامة.
3 ـ الرأي والحكمة التي تساعد على معرفة من هو الأصلح للامامة.
4 ـ الورع.
على ان تنطبق هذه الشروط على كل أهل الحلِّ والعقد الذين يشاركون في اختيار حكام الأقاليم والقرى والمدن والفرقان.
شروط الامام وحكام الأقاليم
يجب ان يراعى في اختيار الهيئة التنفيذية الشروط التالية:
1ـ ان يكون مسلماً عاملاً باسلامه متبعاً لقوانين الله.
2ـ ان يكون ذكراً.
3ـ ان يكون عالماً، العلم الذي يؤدّي إلى الاجتهاد في توازن الأحكام.
4ـ ان يكون سليم الحواس من السمع والبصر واللسان، سليم الأعضاء من كل نقص يمنع من استبقاء الحركة والنهوض بسرعة.
5ـ الرأي ودقته، الرأي الذي يمكِّن القائد من التدبير السياسي والاجتماعي.
6ـ الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيعة وجهاد العدو.
7ـ الورع والتقوى.
8ـ ان لا يكون مبتدعاً بدعاً خارجة عن محيط التصور الإسلامي.
9ـ ان يكون حراً من كل عبودية بما في ذلك عبودية الايديولوجيات غير الإسلامية: (الشيخ عثمان بن فودي: بيان وجوب الهجرة على العباد) مخطوط جامعة بايرو ـ كنو ـ نيجريا.
وتعتبر شروط الامام وأهل الشورى حقوقاً متبادلة بين الامام والأمة فهي حق للامام وهي كذلك حق للأمة تطالب بتوفرها عند اختيار كل حاكم.

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية