مركز الصدرين للدراسات السياسية || الدراسات السياسية

قراءة في كتاب: (رجل من أهل قم)
الشيخ حسن فؤاد حمادة


لا شكّ أن الحديث عن الإمام الراحل له نكهة خاصة لا يلتذّ بطعمها سوى من يدرك حلاوة العزّة والكرامة التي أعادها هذا الإمام إلى الإسلام والمسلمين على حدّ سواء.
يعرض الكتاب لمختصرٍ وافٍ من سيرة الإمام (قدس سره) من الولادة وحتى الرحيل، إضافة لخلاصة الوصية الإلهية الخالدة، ويقع الكتاب في عشرة فصول ضمن ستمائة وسبعين صفحة (670) وهي التي تحتوي موضوعات هذا الكتاب الهام والجامع عملياً لشخصية الإمام بالقدر المتيسّر.‏
الجهاد والثورة‏
في الحديث عن الجهاد والثورة يقدّم الكاتب نموذجاً عن الجهاد والشهادة في فكر الإمام الذي يتحدث عن حزب اللَّه لبنان قائلاً: «... بلغ اندفاع شباب الدول الإسلامية نحو الشهادة ذروته دفاعاً عن مقدساتهم الدينية.. كما فعل مسلمو حزب اللَّه لبنان. والذين نهضوا للمقاومة والجهاد ضد المعتدين»[1]، وفي هذا السياق يتطرّق الكاتب إلى كيفية تعاطي الإمام مع القضية الفلسطينية، وطريقة التعاطي مع أمريكا واعتبارها الشيطان الأكبر.‏
الدين والسياسة:‏
بعد عرض كلام الإمام الخميني عن الحكومة الإسلامية وضرورة تشكيلها، وحديثه عن نظام الحكم الإسلامي المتمثل بولاية الفقيه، وعن ضرورة النضال لتشكيل هذه الحكومة وذكر سماتها ووظائفها، يقدّم الشيخ حمادة لكلام الإمام عن الدين والسياسة لناحية استحالة فصلهما عن بعضهما وأنه ليس هناك في الإسلام أي مسألة تتعلق بالفرد أو بالجماعة ذات طابع شخصي أو عام إلا ولها بعدٌ سياسي، وهنا يقول الإمام (قدس سره): «حتى تلك الأمور التي هي عبارة عن وظيفة شخصية للإنسان، والعلاقة الشخصية بين الناس وخالقهم، هي ذات طابع اجتماعي وسياسي»[2].‏
الأخلاق والعرفان:‏
لا يمكن أن يقال كلمة أخلاق وعرفان إلا وكان اسم الإمام الوجه الآخر لهما، لذلك فإن الكتاب يتضمن أحاديث الإمام حول جهاد النفس والمهلكات والمنجيات، إضافة للمكرمات. يقول الإمام في حضور القلب: «إن حضور القلب هو مفتاح الكمالات والباب الرئيسي لأنواع السعادات، وقلّما ورد في الأحاديث الشريفة ذكرٌ لأمر بكثرة ما ذكر هذا الأمر، وقلّما نال سواه من الآداب ما ناله من الاهتمام»[3].‏
ولا بدَّ للمطلع هنا أن يطلَّ على وصايا الإمام العرفانية ومنها بعض رسائله، إضافة إلى شعره العرفاني.‏
الصفات الشخصية:‏
لا شكَّ أن الصفات الشخصية للإمام الخميني (قدس سره)، هي معيار أساس في التعرّف على خط ونهج هذا الإمام العظيم، ويقول الكاتب: «فعلى الرغم من كونه قائداً كبيراً فقد جعل حياته حياة متواضعة». وينقل هنا الشيخ حمادة قصصاً في هذا الشأن عن تلامذة الإمام.‏
حقوق المرأة وحريتها:‏
في هذا المجال يقول الإمام الخميني (قدس سره): «حقوق المرأة في النظام الإسلامي هي كحقوق الرجل، فلها حق الدراسة، وحق العمل وحق التملك وحق التصويت وحق الترشّح وللمرأة حق في جميع المجالات التي للرجل فيها حق، ولكن أيضاً ثمة موارد محرّمة على الرجل لأنها تسبب ظهور الفساد، كذلك فإن بعض الموارد محرّمة على المرأة لأنها تسبب الفساد»[4].‏
ويأتي هذا الكلام في سياق عرض رؤية الإمام للقضايا المعاصرة والعلاقات الإنسانية مع أفراد أسرته ومع الناس والمجاهدين وغيرهم، وكذلك فهمه للحرية والثقافة والإعلام والعدالة الاجتماعية وخدمة الناس، وحديثه عن العمل والعمال وحقوقهم، وكذلك في التربية والتعليم إضافة لفهمه حول وحدة الحوزة العلمية وتكاملها مع الجامعة.‏
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:‏
«لم تفارق المسحة الإرشادية والنبوية فتاوى وأحكام الإمام في مختلف المواضيع الفقهية لكنها في هذا الباب تميزّت بمزيد من الرأفة والشفقة، فليس الهدف هو الانتقام والثأر من فاعل المنكر أو تارك المعروف، بل الغاية القصوى هي جلبه إلى طريق الصلاح...» وهكذا يعرض الكاتب مجموعة من فتاوى الإمام في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.‏
ثورة المفاهيم:‏
متحدّثاً عن أبعاد الثورة الإسلامية التي فجّرها الإمام الخميني في إيران الإسلام يظهر الكاتب ما شملته هذه الثورة في جوانب الحياة كافة الثقافية والفكرية والسياسية والاجتماعية والإعلامية والاقتصادية والدينية بالمعنى الخاص للدين وبما يختصّ بمفاهيمه وقيمه، وقد كان الإمام الرائد والداعي والمحيي لهذه المفاهيم دوماً إن كان على مستوى القرآن الكريم بالخصوص أو معرفة الإسلام والإمامة والتشيّع والإمام المنتظر (عجل الله فرجه السريف)، ومكانة العلماء ودورهم والقيم المعنوية، والدعاء والمناجاة، والتكليف الشرعي وكذلك عاشوراء والمسجد.‏
من الولادة حتى العروج:‏
«رغم أن عملية ترسيم أبعاد شخصية الإمام الخميني (قدس سره) والفصول المهمّة في حياته عبر مقالة أو كتاب تشبه عملية جمع مياه البحر في كوب صغير، غير أنه لا بدَّ من السعي لتحقيق هذه المهمة» وهكذا يصل الكاتب إلى جانب آخر من حياة الإمام ليوجز تفاصيلها في سياق استعراض الحوادث التي تدّل على الأصالة الفكرية للإمام (قدس سره) فيما يؤكده على أولوية التربية والتهذيب، وتأثير البعد المعنوي على مسير ثورة الإمام (قدس سره) وجهاده. وقد سلسل الكاتب وبقدرة متميزة السيرة المباركة للإمام منذ الولادة إلى السفر إلى قم، وكيف كان الإمام؟ وكيف بدأ حياته في خندق الجهاد والثورة؟ إلى انتفاضة الخامس من حزيران، وهكذا إلى النفي إلى تركيا ومنها إلى العراق، وسفر الإمام بعد اشتداد الثورة إلى باريس، والعودة ظافراً إلى الوطن، وانتصار الثورة، وتأسيس الحكومة الإسلامية، والتحديات التي نشأت أمام الثورة، ومنها الحرب المفروضة والدفاع المقدس. وتتجلى شخصية الإمام في أبعادها فيما توقعه من انهيار الماركسية مسبقاً، ودفاعه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والقيم الدينية إلى سنوات الإمام الأخيرة بأحداثها المرّة ورحيله الملكوتي، لتطوى صفحة حياته البدنية وتنطلق معها آفاقه الروحية وآثاره العظيمة وبلا حدود، ويبقى الإمام قدوة أهل الحق على طريقة أجداده وآبائه الطاهرين من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).‏
الوصية الإلهية الخالدة:‏
الوصية الخالدة، هي قليلة الكلام عظيمة في شمولها لكل نواحي الحياة البشرية، التي تبتغي حقيقة الوصول للغاية المنشودة، فمن المستحيل أن يضيع أحد مع هذا الإمام .... أو أن يتردد، إلا من حُرم من بركات هذه الرحمة الإلهية المتجسدة في إمامنا الخميني الراحل.‏
... لقد أطلّ، بل عرض الكاتب بحق كل أبعاد هذه الوصية بما يقدر عليه القلم حقيقةً وبما شملته وتضمّنته من العلاقة مع أهل بيت النبوة وأهميتها، إلى الوصية الإلهية السياسية بكل تفاصيلها حول الحكومة الإسلامية ووحدة الكلمة، ومؤامرة فصل الحوزة والجامعة، إلى ضرورة الاكتفاء الذاتي، وعدالة القضاء الإسلامي، وتنظيم الحوزات العلمية وأهمية السلطة وخطرها، وموضوعات أخرى كالتربية والتعليم، والاهتمام بالقوى المسلحة ووسائل الاعلام، والحذر معها والتنبّه لخطرها، إلى حديثه مع بعض المتلبسين بزي العلماء، ووصيته إلى مستضعفي العالم.‏
ويختم الكاتب بالحديث حول آثار ومؤلفات الإمام الخميني (قدس سره)، ولا يستطيع المنصف هنا إلا أن يقف إجلالاً وتعظيماً لهذا الإمام فيقتدي به ويتخذه بحق أسوة وقدوة واللَّه ولي التوفيق.‏
الكتاب يقع فيما يقرب من 670 صفحة من القطع الكبير وليس فيه للملل محل.‏
______________________
[1] ويستمر النهج، ص‏15.‏
[2] منهجية الثورة الإسلامية، ص‏138.‏
[3] آداب الصلاة، المقالة الأولى.‏
[4] منهجية الثورة، ص‏331.

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية