مركز الصدرين للدراسات السياسية || الدراسات السياسية

مفهوم الحرية.. الاشكال التوفيقية ومنهج الاصالة
عبدالله الفريجي


مقدمة
استخدم مصطلح الحرية في العالم الغربي للدلالة على رفض الأنظمة العبودية والإقطاعية في العصور الوسطى، وترسخ بعد انتصار الثورات التي ألغت الإقطاع وأقامت الأنظمة الجمهورية، واستمر حتى صار يحمل دلالة تعادل (صيغة تقرير المصير الفردي والجماعي، وفي درجة الاستقلال الذاتي الذي تشجع عليه وتبيحه (الديمقراطية)، وفي طبيعة العملية الديمقراطية وفي مجال أوسع للحريات الأخرى الأكثر خصوصية والتي هي من صلب طبيعة العملية الديمقراطية، أو انها من المتطلبات الضرورية لوجودها)[1]
وفي النادر ورد في التراث الإسلامي الفقهي مصطلح يحمل هذا اللفظ حيث ورد بمرادفات أكثر قد تعبر في بعض مداليله على أوقع من الحرية كالسلطنة المستفادة من (الناس مسلطون على أموالهم)، و الرحمة والاختيار ونحوها. نعم وردت الحرية كثيرا بمعنى يقابل العبودية ويشار به الى المملوك أو المملوكة، وهذه القضية خارج نطاق الدلالة السياسية لهذه الكلمة.
إلاّ أن المفردة شاعت بدلالتها الغربية في الثقافة الإسلامية المعاصرة بتأثر الاحتكاك الحضاري وحملت دلالة التحرر من الأنظمة الدكتاتورية ومن السيطرة الاستعمارية والدعوة للمشاركة الشعبية في القرار السياسي ولذلك فهي لا تحمل دلالة محددة وثابتة.
ولقد وجه المفكرون والسياسيون مسوغاً لاستخدامها لما وجدوه من تشابه في الرؤية الإسلامية لمنح الإنسان حقوقاً تنحو نحو تحريره من الضغوط والإكراه وتمنحه الاستقلالية التامة في إدارة شؤونه في إطار الأحكام الشرعية التي نصت عليها الشريعة الإسلامية بل حاول البعض ادعاء التطابق بين النظام الإسلامي الحقوقي والنظام الغربي.
غير أن الحريات والحقوق حتى لو وجدت بنفس الكيفية في النظام الحقوقي الإسلامي إلاّ أنها تقوم على أرضية سياسية واعتقادية مختلفة تماماً، ذلك أن النظام الغربي يرى أن الإنسان هو مصدر السلطات[2]، بالتالي فهو يمتلك مصيره وبغض النظر عن سلطة أخرى سواء كانت في السماء أو الأرض، و مثل هذا التصور مرفوض تماماً في الإسلام حيث أن المشرع هو الله والإنسان منفذ للبرنامج سواء كان الحاكم فقيها أو واليا، لهذا فان العقد سيكون في النظام الغربي عقداً اجتماعياً بين الإنسان والإنسان، وفي النظام الإسلامي عقد بين الله والإنسان من جهة وبين الإنسان والإنسان من جهة أخرى .
ولهذا فإن التشابه لا قيمة له طالما أن روح التشريع متباينة تماماً، وبالتالي فان ما يترتب على الاختلاف في روح التشريع واسسه من توسعة لدائرة الحقوق أو تضييق سوف لا يترك فرصة للمقارنة المباشرة، بل لابد من العودة الى ما يؤديه النظام من تحقيق للعدالة بناءاً على كونها الهدف الذي يسعى الى تحقيقه إي نظام كما يدعي.
ولعل المقارنة المباشرة جعلت البعض يضعون الإسلام في خانة أنظمة التسلّط الديني[3]لمجرد كونه يعتمد على عقيدة دينية، بينما لا تستطيع هذه الادعاءات الصمود أمام المحاكمة الواعية التي تبحث بنية النظام السياسي برمته بناءاً على ان دائرة الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تنشأ وتتأثر تبعاً لطبيعة النظام السياسي، وهو بدوره تبعاً للفلسفة الكونية التي يقوم تعبيراً عنها وهناك نقود موجهة لكل الأنظمة من أنصارها أو من معارضيها مما يقتضي بدءاً البحث في الجذور.
جذور النظام الإسلامي
من الثابت تاريخياً أن المجتمع المسلم وهو يتطور سياسياً أنجز نقلات سريعة شملت طبيعة النظام السياسي كما شملت العلاقات الاجتماعية. فالبيئة الاجتماعية التي احتضنت الرسالة كانت تعتمد على نظام (المدينة القبلية) أو (القبيلة)، وهذا النظام ينطوي على نظام حقوقي خاص به ويفسح حيزاً خاصاً للحريات تتأثر بدرجة رئيسية بطبيعة العلائق الاجتماعية والاقتصادية بحيث تصبح المعايير والقيم منسجمة ومبرراً للواقع السائد.
ولهذا فانه يعتمد على نخب تترشح بواســطة الانتماء العـــرقي أو الثراء أو الملكات الحربية أو الأدبية ويسمح لها بالمشاركة في القرار السياسي ضمن الوحدات العرقية التي يتألف منها، والتي تكون كل منها فئة ذات مصالح خاصة بها ضمن الوحدات الأكبر، وبذلك فإن القرار يحتكره عدد من الوجهاء والشيوخ الذين اثبتوا مواهبهم في الظروف الحرجة والمواقف وحازوا على موقعهم الاجتماعي بواسطته. ولذلك فإن البقية الباقية وهي أكثرية الجماعة لا تملك حق المشاركة المباشرة وبالتالي فهم يطيعون القرارات الصادرة من مجلس العشيرة أو رئيسها أو من مجلس المدينة (دار الندوة).
هذا النظام ورثه العرب من عهود قديمة لا يعلم أصلها ذلك أن التأريخ المعروف لسكان الجزيرة لا يمتد إلاّ الى فترة قصيرة تسبق الإسلام رغم ان الجزيرة شهدت قيام دول واسعة النطاق إلاّ ان طبيعة الأنظمة السياسية فيها لم تكن معروفة فيها بسبب عدم وجود مصادر. ولما نزلت الرسالة الإسلامية عملت على تشذيب الواقع القائم ووضعت أسساً جديدة للأهلية حيث أدخلت جميع أبناء المجتمع في صلب الحياة السياسية بمجرد حملهم للقب مسلم أو معاهد. فالمسلم هو الوحدة الأساسية في بناء الجماعة المسلمة والتي ينشأ مفهوم المواطنة فيها على أساس العقيدة وليس على أساس الاشتراك في الرقعة الجغرافية أو الانتماء العرقي، والمسلم هو الهوية التي يشترك فيها جميع المواطنون، وهي لا تلغي الانتماء القومي بل توجد رابطة إنسانية جديدة (فوق القومية) ينتمي إليها جميع المسلمين في نفس الوقت الذي تمتن في العلاقات الأسرية والعرقية بعد أن تضعها في نسق العلاقات العقائدية، ولذلك فهي إيجابية تعتمد على المشترك، ولهذا فإن المعاهد (وهو غير المسلم الذي يعيش داخل حدود الدولة الإسلامية) يحصل على كافة الحقوق التي يكفلها له قانون الدولة كما تبينها كتب الفقه.
ولهذا فإن الحرية ستكون محكومة بالأطر العامة فـ(ليس القانون الإسلامي خاصاً بالامور الحرفية، وإنما للإسلام قوانين عامة تنطبق فــي كل زمان ومــكان حسب مقتضيات الأمــــر، ولذا سميناه (التأطير). وهناك قانون الأهم والمهم وقانون لا ضرر الى غير ذلك)[4].
فالفقه الإسلامي يرسم (حركة المواطن) المسلم والمعاهد ويحدد حقوقه بحسب الظروف المتغيرة والمتحركة حيث أرسى قاعدة الرضى (لا يحل مال امرء إلاّ بطيب نفس)[5] ، و كذلك نظام البيعة حيث يتنازل الفرد للولي عن بعض حقوقه وحرياته ويفوضه في اتخاذ القرارات بالنيابة عن الأفراد بما يصلح أمر الجماعة بحيث ان ولي الأمر أو الحاكم الشرعي سيتدخل لتعطيل الحرية الفردية حين تستلزم الأضرار بحقوق الأفراد أو حرياتهم وكذلك إذا ما تصادمت مع حرية الجماعة، وفي نفس الوقت يفقد الحاكم سلطته بمجرد خروجه على القانون (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) لأن الخالق هو المشرع والوالي مبلغ لتشريعات الله.
نظريتان في شرعية السلطة
غير أن النقلات السريعة في بنية النظام السياسي وما تم من خرق سريع للمراحل حتى انتقلت قيادة المجتمع من (حكومة المدينة القبلية وحكومة القبيلة) الى (الحكومة العالمية) التي تضم عددا هائلاً من المواطنين وتمتد على رقعة جغرافية واسعة. هذه النقلات أدت الى بروز نظريتين بالنسبة لشرعية السلطة وما يتفرغ عنها من نظام حقوقي هما نظرية الشورى ونظرية التعيين.
هاتان النظريتان تختلفان أيضاً بالنسبة لدائرة الحقوق التي يمنحها النظام للمواطن كما تختلفان في النظرة الى شرعية السلطة، إذ ادعى أصحاب نظرية الشورى أن الشرعية ناشئة من اجتماع أهل الحل والعقد (المهاجرون والأنصار) فكل ما أقره هؤلاء فلله فيه رضى وبالتالي فهو ملزم لأبناء المجتمع بما في ذلك أهل الحل والعقد ممن هم خارج الإجماع المذكور ولهذا فإن حصول إجماع تام غير ضروري كما انه لم يحدد نصاب معين لهذا الـــرأي ولا توجد ضابطة محددة يتم بموجبها تحديد الأهلية للانضواء في جماعة أهل الحل والعقد، كما ان هذا الرأي يرى ضرورة استخدام الإكراه مع الرافضين أو المعترضين، وهذا يعني أن نظرية الشورى تؤمن بسلب حق الاعتراض من المعارضين.
غير أن هذه النظرية ألغيت بعد فترة قصيرة وتم تبني طريقة التعيين، فقد تم استبدال التشاور بين أهل الحل والعقد بأسلوب الوصية، إذ أوصى الخليفة الأول للثاني وأوصى الثاني لعدد محدود من ذوي الأهلية لترشيح أحدهم، أما بالنسبة للخليفة الرابع فقد أدى الانفجار الى حمله الى السلطة وبذلك فرض أسلوب التعيين نفسه في النهاية.
مع التفاوت في الغايات والأهداف فقد دعى الإمام علي عليه السلام الى نظرية التعيين بناءاً على موقع شرعي وأن الذي يمارس السلطة أشخاص بكيفية (معصومين)، وهذا يختلف طبعاً عن الذي انتهى إليه النظام الإسلامي في النهاية.
فبعد وصول الإمام الى السلطة التي منع منها بعد تظافر وجهاء قريش على ذلك عمل على إعادة الحريات حتى ان معاوية عندما شاهد اعتزاز العراقيين بآرائهم السياسية وجرأتهم في مواجهة السلطان فقال ما معناه (لقد جرأكم أبو تراب) وألف أهل العراق كيف أن شكوى فرد واحد كافية لعزل الوالي مع العلم أن الحروب وأوضاع التعبئة لم تفسح للإمام فرصة كافية لتأسيس تقاليد الحرية بصورة واسعة.
وبمجرد شهادة الإمام تحولت السلطة الى الحكم الملكي الوراثي التي تكون السلطة فيها حكراً على الملك، وبغض النظر عن أي قانون غير أن الأجواء التي عاشها المسلمون ووجود عدد من الصحابة الذين عاصروا عهد الرسول وعهد الإمام علي عليهما السلام فرض على السلطة اللجوء الى تبرير تصرفات الحكام من خلال الفقه، وبذلك نشأ فقه السلطة الذي يمارس مهمة تبريرية ولا يهدف إلاّ مراعاة المصالح في الأحكام وبذلك تحول الى سلاح خطير بيد السلطان لإلغاء الحريات العامة، وقد استمرت هذه الحالة بل تفاقمت مع مرور الزمن ولم يعد من الضروري الاستمرار في التبرير لأن الحاكم صار أعلى سلطة ونشأ نوع من الفصل غير المعلن بين الشريعة والسياسة عندما صارت الشريعة محصورة في آفاق الحياة غير السياسية كالاقتصاد والقضاء وبقى للساسة كامل الحرية في التصرف بدون دستور.
الاحتكاك الحضاري
ففي الفترة التي صار فيها السلاطين العثمانيون يستعيرون القوانين الغربية فاتحين بذلك أفقاً جديداً من الاحتكاك بالثقافة الغربية التي طرحت مفاهيم الحد من سلطة الحاكم وحق الشعوب ولكن من منطلق الثقافة الغربية، ولهذا تزايد البحث عن جذور للحرية في الثقافة الإسلامية الى جانب محاولات تركيب مفاهيم ملفقة من التراث ومن الثقافة الغربية وبمرور الزمن صارت مشكلة الحرية تطرح نفسها بقوة في إطار محاولات النهوض.
ومع وجود محاولات التوفيق وجدت أيضاً محاولات لانتزاع مذهب في الحرية يستند الى الرؤية الإسلامية الأصيلة، ولهذا برزت من جديد مشكلة تعدد التصورات، فصرنا نواجه اتجاهاً يدعوا الى استعارة الرؤية الغربية واتجاهاً توفيقياً وثالثاً يدعو للعودة الى المنابع وهو طبعاً أعاد البحث من جديد في التيارات التي انطلقت في الصدر الأول للإسلام، وبذلك انحصرت المشكلة بدءاً في اختيار النظام السياسي فهل يصار الى نقل التجربة الغربية ام يتم الاعتماد على شكل توفيقي ام العودة الى النظام الإسلامي بنوعيه الشوروي أو التعييني.
وبالنظر لما هو سائد من أفكار يواجه مذهب التعيين للحاكم من قبل الله نقد لأنه يقاس على منظومة الحقوق الغربية التي ترفض (الحق الإلهي) الذي يعني سلب حرية المواطن في اختيار السلطة التي تمثله، بينما يبدو النظام الشوروي الذي يحكم فيه أهل الحل والعقد أكثر قرباً من الأوضاع السائدة في العالم المعاصر الذي يروج فيه الحديـث عن الديمقراطية، ولهذا فان البحث بدقة عن الفوارق من زاوية معيارية يصبح فيها النظام الديمقراطي والنظام الإسلامي على طاولة واحدة مطلوب لأجل إثبات التطابق مع النظام القيمي وقدرة هذا النظام على تحقيق العدالة، خصوصاً ان النظام الديمقراطي لا يدعي قدرة مطلقة على تحقيق العدالة بل إن اكثرما يدعيه انه استطاع ان يقلص من فرص الظلم الاجتماعي وهذا امر يستوي فيه مع بقيه الأنظمة.
رؤية في النظام الديمقراطي
كما ان هناك الكثير من الثغرات تواجه النظام الديمقراطي على الصعيد النظري أو على الصعيد العملي والتطبيقي وبالتالي فهو يواجه صعوبات جدية ويتم التغاضي عن تلك الصعوبات، فمثلا لحد الآن لا يستطيع منظرو الديمقراطية الإجابة على سؤال مفاده (متى تشكل مجموعة من الأفراد كياناً (شعباً) جديراً بحكم ذاته ديمقراطياً)[6] ، إذ ان تطبيق الديمقراطية يحتاج الى مجموعة من الناس تعي حقوقها ثم تمارسها وهذا أمر ليس متوفراً دائماً، اذ يؤكد (العديد من المنظرين عبر التأريخ على ان الديمقراطية ما كانت ممكنة حقاً إلاّ في حالات امتلاك الجماهير للكثير من المعلومات والحنكة السياسية)[7] ، مع أن النموذج الأمريكي للديمقراطية يعاني صعوبة من حيث (قدرة الأمريكيين التي تقل يوماً بعد يوم على المشاركة في القرارات السياسية التي تؤثر في حياتهم. إن القرارات المصيرية يتم اتخاذها في واشنطن.. هذه القرارات يتم إعدادها بواسطة خبراء في الاقتصاد وخبراء عسكريين.. أما دور الجمهور في تشكيل هذه القرارات فانه يتضاءل يوماً بعد يوم)[8]
والخلاصة أن الديمقراطية يشار اليها من خلال معالم قائمة في الممارسة وفي الإطار النظري وفي الأهداف حيث (يعزى وجود الديمقراطيات الجماهيرية المعاصرة الى اختراع عصري نسبياً ألا وهو الحكومة التمثيلية، فمنذ زمن الإغريق القدماء وحتى عصر روسو كانت الديمقراطية تعني المشاركة المباشرة في شؤون الحكم)[9].
كما إنها (تفترض مسبقاً ثلاثة أنواع من المساواة الأخلاقية الذاتية (الحقيقية) لكل الأشخاص والتي تعبر عنها فريضة ان الأشخاص البالغين مخولون للحصول على استقلالهم الذاتي من خلال تقديرهم لما هو الأفضل لانفسهم، ويتبع ذلك المساواة السياسية كما قدرتها المعايير الخاصة بالعملية الديمقراطية)[10] ، وهي تنحو نحو تحقيق العدالة، ولذلك (فلن تضع العملية الديمقراطية اقل من متطلبات العدالة التوزيعية)[11] ، اذ ان الجميع مشاركون في صناعة الخير وبالتالي فهم شركاء بالانتفاع منه.
وفي ظل هذا الغموض حول الكثير من الجوانب النظرية للنظام الديمقراطي فإننا نجد تركيزاً من اغلب المنظرين على بعض المعالم من قبيل الاتفاق (على أن تركيز السلطة خطر لابد من تلافيه دائماً إلاّ انهم يختلفون في كيفية معالجة المشكلة)[12] ، ولهذا حاول البعض بواسطة (فكرة الفصل الدستوري والمؤسساتي للسلطات الى ثلاثة فروع رئيسة: هي التشريعية والتنفيذية والقضائية.. وعليه ينبغي وضعها في مؤسسات منفصلة كل منها تقوم بوظيفة مراقبة السلطتين الأخريين)[13].
بينما لا نجد في أصل الديمقراطية مثل هذا التصور، لكنه نشأ عندما آلت (دولة المدينة) الى الزوال بفضل الدولة القومية وفي تحول ديمقراطي ثان انتقل مفهوم الديمقراطية من اطار دولة المدينة الى مجال الدول القومية الأكثر سعة. وكان من شأن هذا التحول بروز مؤسسات سياسية جديدة الى حيز الوجود والى هذا الجمع الجديد من المؤسسات نشير بشكل عام بعبارة ديمقراطية)[14].
فالديمقراطية نظام سياسي لــم يتحدد بدقة رغــــم مرور فترة طويلة على ولادته، ومما يعتبر سبباً مهماً في عدم فهم ما نعنيه بالديمقراطية في عالم اليوم هو إنها تطورت عبر الآلاف من السنين وانبثقت من أصول متنوعة وأن ما نفهمه من عــبارة (ديمقراطية) يختلف عما تعكسه من مـــعنى لأي من مـــواطني أثينا إبان حكــم بيريكليس. وقد امتزجت المفاهيم الإغريقية والرومانية وتلك الخاصة بالقرون الوسطى وعصر النهضة مع مفاهيم القرون اللاحقة لتخرج بخليط غير منتظم بجمع الجانب النظري والممارسات العملية ويفتقر في اغلب الأحيان الى الانسجام[15].
والنتيجة التي يصل إليها البحث هو أن التشابه لا يسوغ الوصول الى أحكام، وكما يتصور البعض بوجود نقد للإسلام فإن هناك نقوداً أكثر أهمية توجه للديمقراطية وأن النظام الديمقراطي ليس ديمقراطياً دائماً اذ انه يخرج عن الأبعاد التي تتبناها الديمقراطية حيث تقوم الأنظمة الغربية على فرض الإلحاق بها بواسطة الإكراه ولا تعترف لهذه الشعوب بحق تقرير المصير.
ولعل الإسلام وحده يستطيع الإدعاء بأن فرص تطبيقه لا تزال قائمة ذلك أن الفترة القصيرة التي كان للقانون أو النظرية حضور لم تسمح بإبراز حقيقة هذا النظام على ان ما ينسب من الخير والتطور البشري سواء في العالم الإسلامي وخارجه بما في ذلك العالم الديمقراطي يعود الفضل فيه الى حكم الإسلام، ولهذا فان الحرية في الإسلام جديرة في بحث أكثر جدية لاستجلاء معالمها كما يبينها العلماء من اجل الوصول الى مزيد من التكامل بالنسبة للتجربة البشرية والوصول الى عالم أكثر عدالة.
____________________________
[1] الديمقراطية ونقادها رو برت دال ترجمة نمير عباس مظفر مراجعة د. فاروق منصور دار الفارس للنشر والتوزيع سنة 1995، ص517.
[2] راجع النظم السياسية والحريات العامة الدكتور أبوا لزيد المتين مؤسسة الشباب الجامعية الإسكندرية، ص24.
[3] نفس المصدر، ص23.
[4] الحرية الإسلامية للإمام المرجع السيد محمد الشيرازي مؤسسة الرابطة الإسلامية للنشر والاعلام دار الفردوسي، ص 36.
[5] نفس المصدر، 36.
[6] الديمقراطية ونقادها ـ مصدر سابق، ص517.
[7] دور المواطن في الديمقراطيات الغربية! ترجم بإشراف وتحرير د. احمد يعقوب المجدوبة. شارك في الترجمة محفوظ الجبوري تأليف رسل جيه. دالتون. بيروت. لبنان سنة 1996، ص39.
[8] الديمقراطية وقرار الجماهير، تأليف دانييل بانكلوفيتش، ترجمة كمال عبد الرؤوف صادر عن الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية القاهرة 1993، ص16.
[9] دور المواطن في الديمقراطيات، مصدر سابق، ص236.
[10] الديمقراطية ونقادها، مصدر سابق، ص518.
[11] نفس المصدر، ص518.
[12] نفس المصدر، ص51.
[13] نفس المصدر، ص13.
[14] نفس المصدر، ص13.
[15] نفس المصدر، ص13.
 

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية