مركز الصدرين للدراسات السياسية || الدراسات السياسية

نقد لبحث جولة في مباني ولاية الفقيه
د.مهدي حائري يزدي

نقد لبحث جولة في مباني ولاية الفقيه
د.مهدي حائري يزدي
عالم دين وأستاذ جامعي

بعد أن انتهى الشيخ جوادي آملي من كتابة بحثه عن أصول نظرية ولاية الفقيه، اطلع عليه الدكتور الشيخ مهدي حائري يزدي، فعنت له مجموعة من الملاحظات النقدية دوّنها على دراسة آملي، فما كان من الشيخ الآملي إلا أن رحب بالخطوة النقدية للدكتور حائري، وتفاعل معها عملياً من خلال رده على ملاحظاته، ليتجدد السجال بينهما في رد آخر نهض به حائري ورد للرد كتبه آملي.
نقدّم هنا هذه التجربة السجالية المهمة وننشر نص بحث الشيخ آملي والملاحظات النقدية التي سجلها عليه الدكتور حائري.
ابتدأ الدكتور حائري ملاحظاته الناقدة على مقال الشيخ آملي بالكلمات الودية التالية: الصديق المحترم سماحة الشيخ آملي زيد عمره وتوفيقه، يقيناً ان هذه الحواشي لن تحظى بالرضا والقبول المطلق من لدن سماحتكم، بيدَ اني أقدمت على كتابتها لما لمسته فيكم من لطف ومحبة وافرة، وفي غير ذلك لم أكن مستعداً للرد على أحد.
نص الملاحظات
1 ـ جاء في ص 15 "وعندما يكون قد اتضح ان ولاية الأنبياء والأولياء والأئمة ليست حقيقية، فسيتضح مآل ولاية الفقيه، لتنتفي من الأساس الكثير من الشبهات والإشكالات".
في هذا الفرض ستغدو ولاية الفقيه من ضرب المجاز من المجاز من المجاز.
2 ـ في ص 16: "الأمر كذلك حيال الولاية؛ ففي سورة المائدة يطالعنا قوله: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}، ففي هذه الآية تثبت الولاية للنبي، ولأهل البيت أيضاً بتتمة الرواية".
إذا كان مقصود الولاية بمعنى الحاكمية وإدارة البلد، فسيلزم من ذلك أن يكون لجميع المؤمنين الولاية على جميع المؤمنين، حتى الفرد المؤمن على نفسه، بحيث يلزم أن يكون الشخص الواحد ولياً ومولّىً في الآن معاً.
3 ـ في ص 16: {ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة}.
هذا قضاء بالتحكيم وليست له أية صلة بالحكومة أبداً. هذا اشتباه واضح ارتكبه الكاتب.
4 ـ في ص 17: "وبهذه المثابة ليس معنى: {العزة لله ولرسوله وللمؤمنين} أو:{العزة لله جميعاً} ان النبي والمؤمنين والأولياء أعزة بعد الله حقيقةً؛ وأن عزة الله واسطة في ثبوت العزة لهم. وإلا لغدت العزة الإلهية محدودة، لأنه لو كانت هناك أكثر من عزة حقيقية، فلا يمكن أن تكون أي واحدة منها مطلقة غير محدودة، بحكم ان غير المتناهي لا يترك مجالاً لفردٍ آخر مهما كان هذا الفرد محدوداً، بل العزة الإلهية تصير واسطة في عروض العزة لأولئك".
هذا الذي تفضلتم به ـ وبقية ما تتفضلون به ـ صحيح بالكامل بشرط حذف الانتاج في الشكل الأول، ونعده كأن لم يكن، ونلغي الرابطة بين المقدمتين والنتيجتين.
5 ـ في ص 18: "الولاية على العقلاء".
هذه لغة (اصطلاح) موضوعة لا وجود لها في الكتب الفقهية السنية والشيعية، بل تنطوي في حد ذاتها على تناقض منطقي، لأن الرُّشد ينتهي إلى الولاية بالرفع أو المرفوع. نقيض كل رفع أو مرفوع.
6ـ في ص 18: "أما الأحكام الولائية، من قبيل قطع العلاقة مع قوم ما، أو إخراج اليهود من المدينة أو مصادرة أموالهم، فإن العمل بها واجب ونقضها حرام حتى على النبي نفسه".
ان الأحكام الولائية أو بتعبير آخر الأحكام الحكومية، هي شاهد ناطق وجزمي على انفصال السياسة عن الديانة، لأن كثيراً ما يحصل وان تستشعر الحكومة حاجة شديدة لوضع قانون، لا وجود لمداركه في الكتاب والسُّنة بأي شكل من الأشكال. وفي هذه المواطن ليس الدين هو الذي يحكم بل حكومة ذلك العهد.
وإذا ما قبلنا هذه الموارد بعنوان الموجبة الجزئية، وقد سمعتم جزماً بأن الموجبة الجزئية هي نقيض السالبة الكلية. ومعنى ذلك أن السلب الكلي المتمثل بأن الدين غير منفصل عن السياسة أبداً، سيصير باطلاً.
7 ـ في ص 19: " وهكذا يتضح أنه ليس هناك امتياز شخصي للقائد على الآخرين، حتى يقال بأن الشعب الإيراني ليس محجوراً حتى يحتاج إلى ولي. ولو اتضح معنى: {والله هو الولي} لما وقع خلل في التوحيد، ولأضحى قبول ولاية الأولياء عين التوحيد".
أجل، ان نسق هذه الولاية تكويني، والولاية التكوينية إشراقية غير قابلة للانتقال إلى الغير، لأن الرابطة الاشراقية ليست كالرابطة المقولية قابلة للجعل.
8 ـ في ص 21: "إن جزءاً من الولاية التشريعية معروض في كتب الفقه؛ في كتاب الحجر".
وليس في أي مكان آخر قط.
9 ـ في ص 22: "إن آية: {إنما وليكم} خطاب للعقلاء والمكلفين وليست خطاباً للمحجورين أو غير المكلفين، فالله (سبحانه) لم يخاطب أبداً المحَجورين والمجانين والصبيان والمفلسين، بمثل قوله: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}.
(أولى) صيغة أفعل للتفضيل، وفي حال التزاحم بين أولوية الناس أنفسهم على الصغار والمجانين، فمن الثابت أن للنبي الأكرم الأولوية؛ إضافة إلى ان: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} لا :(على أنفسهم) إلا في حال الجهاد.
10 ـ في 22 : {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}.
أولي الأمر هنا من قبيل ذكر العام بعد الخاص، والإطاعة إطاعة إرشادية. ويمكن أن يكون المراد من أولي الأمر أشخاص لهم اطلاع على أوامر الله ونواهيه، ومادام لهؤلاء معرفة بأحكام الشريعة الواقعية لعصمتهم، فإن اتباع هؤلاء واجب، ولكن لا بديل الولاية، بل بديل كشف الحقيقة.
وبذلك فإن أي إنسان له اطلاع على أحكام الله الواقعية يستوجب الإطاعة عقلاً؛ لا فرق في أن يكون إماماً او نبياً أو أي إنسان آخر.
والحصيلة أن أولي الأمر هنا ليست بمعنى "ولي الأمر" بل معنى أي إنسان له معرفة بالشريعة، ووجوب الإطاعة وجوب عقلي لا شرعي، وإلا يلزم التسلسل.
11 ـ في ص 22: "يمكن البحث في الولاية من جهتين: فقهية وكلامية. يتمثل البحث الفقهي بما يلي: إذا كان ثمة وجود لمثل هذا القانون، فهل العمل به واجب؟ وهذا ما يطرحه الفقيه في كتاب الفقه. وهو يُثير السؤال التالي: هل الطاعة علينا واجبة أم لا"؟
وأين رُؤي أو سُمِعَ بأن عصيان الأمر الإلهي واجب؟!
12 ـ في ص 23: "هل يجب على الشعب من جهة كونه بالغاً، عاقلاً، رشيداً ومكلفاً إطاعة الوالي أم لا؟ أياً ما كان الجواب على هذا السؤال (سلباً أم إيجاباً)، فهو في نهاية الأمر جواب فقهي".
هذه أيضاً مسألة كلامية حيث يتم البحث عن الطاعة والعصيان، ولا شأن لها بالأحكام الخمسة.
13 ـ في ص 23 أيضاً: "أما البحث الكلامي حيال ولاية الفقيه، ففحواه: هل أمر الله بأمرٍ في عصر الغَيْبة أم لا"؟
هذه مسألة تاريخية لا شأن لها بعلم الكلام.
14 ـ في ص 23: "نخلص في ضوء ذلك، إلى أنه إذا كان فعل الله هو موضوع المسألة فهي كلامية، وإذا كان موضوعها فعل المكلف فهي مسألة فقهية".
القِدمَ أو الحدوث، وفيما إذا كان فعل الله حادثاً مثل كلام الله أم قديماً؛ هذه هي مسألة كلامية.
15 ـ ص 23: " [وما يذهب إليه أهل السنة] إن الله لم يأمر بشيء حيال قيادة الأمة بعد النبي، بل ترك الأمر إلى الأمة التي ينبغي لها أن تنتخب القائد".
في الأمور الدنيوية الجزئية لم يأمر [الله] بأمر، لأن الجزئي لا كاسب ولا مكتسب.
16 ـ في ص 23: "وهو (سبحانه) العالم بأن أولياءه لا يبقون إلا لمدة محددة، وان خاتم الأولياء سيمضي في الغَيْبة مدة مديدة، تراه هل أمر بشيء في عصر الغَيْبة، أو ترك الأمة لحالها"؟.
مادامت الأحكام الشرعية هي جميعاً على نحو القضايا الحقيقية، فليس من اللازم أن يُبعث رسول على حِده لكل عهد ولكل مكان (تنظر تقريرات المرحوم النائيني رحمه الله)؛ وبتعبير صدر المتألهين هذه من قبيل القضايا اللاّبتّية .
17 – في ص 24: "تحدث الامام أمير المومنين (ع) عن نفسه في خطبه بعنوان الوالي والولي، وقد وردت هذه الصيغ كثيراً، وذكر فيها الامام أن له حق الولاية، بيد إن ذلك لم يعنِ أني قيم عليكم وأنتم (الأمة) محجورون، بل جاء بمعنى الحكومة وادارة شؤون الأمة" .
أياً ما كان معنى الولاية؛ إذا كانت من قبل الله فهي كالنبوة، وهذه الصيغة من الولاية هي بمعنى الإمامة. بل ينصب الحديث في الإدارة والحكم، والكلام لا يدور عن الولاية بمعنى الإمامة، بل ينصب الحديث على تلك الولاية التي تتم ببيعة الأمة؛ فهل لهذه الولاية حق القيمومة على المولّى عليه؟ وهل تصوت الأمة لقيمومة أخرى على نفسها؟ إن واحدة من مزايا الاسلام عقلانيته، فهل تتسق هذه الأفكار مع الأصول العقلانية.
18 ـ في ص25: "الكلام هنا عن الولي وولاية الولاة يأتي ناظراً لإدارة المجتمع وتدبير أمره".
هل بمقدور المجتمع والمولّى عليه نفسه أن يعين الذي يتولى إدارة المجتمع؟
19 ـ في ص25: "نقرأ قصة الكتاب (42) من نهج البلاغة: "… فلقد أحسنت الولاية وأديت الأمانة…".
أياً ما كان معنى هذه الولاية، فهي لم تكن من قبل الأمة، بل كانت بتعيين الإمام، وهي خارجة عن مدار البحث؛ لأن الحاكم الذي تعينه الحكومة المركزية، يكون بعنوان الوكيل في التوكيل لا وَلي الأمر. والشائع الآن في كل أرجاء الدنيا ان السفير هو الممثل الخاص لسياسة الجمهورية، وكل ما يقوله ينظر إليه على انه يصدر من رئاسة الجمهورية، وهذه سفارة وليست ولاية.
20 ـ في ص25: "فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاّك".
إذا كانت هذه ولاية أيضاً فهي تعيين من قبل الإمام لا من قبل الأمة، ومن المعلوم ان أي حاكم وكيل عن الموكلين أيضاً.
21 ـ في ص26: "في رواية ثانية عن حريز عن زرارة عن الإمام الباقر (ع) قال: "بُني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية".
جزماً الولاية هنا ليست بمعنى الحكم وإدارة البلاد، لأنه يكفي للحكم وإدارة البلد شخص واحد، في حين ان الولاية هنا جاءت في عداد الصلاة والزكاة والحج، وهي واجبة على الجميع بالفعل. وهذه الولاية الواجبة على الجميع كالصلاة، هي ليست الحكم وإدارة البلد.
22 ـ في ص26: "يتضح مما مر إذن أن الولاية هي بمعنى الإدارة والحكم؛ وهي تدبير أمور العقلاء الرشداء لا المجانين".
ان إدارة العقلاء الرشداء هي بذاتها لغة متناقضة.
23 ـ في ص27: "ان الولاية في الموارد التي ذُكرت، هي مطلب تشريعي؛ وبمعنى إدارة المجتمع الإنساني الرشيد".
ان إدارة المجتمعات الإنسانية الرشيدة هي لغة تنطوي على التناقض، لا تجري على لسان أي واحدٍ من أهل العلم.
24 ـ في ص27: "لقد اقترح بعضهم أثناء تدوين الدستور عبارة: "الشعب ينتخب" بيدَ أنها أصلحت هناك بعبارة: "الشعب يقبل".
القبول مع الانتخاب هما أمر واحد مآلاً؛ مثل قبول البيع الذي يتساوى مع الإيجاب في التأثير، بل كيفية القبول أقوى بمراتب من الإيجاب.
25 ـ في ص28: "وإذا ما صار أحدهم ولياً للمجتمع في الإسلام، فينبغي أن تتوافر فيه مزايا؛ ومن له الولاية في الحقيقة هي تلك المزايا العلمية والعملية التي تعود إلى ما يحظى به من حكمة نظرية وعملية".
لجميع البشر حكمة نظرية وعملية، وهذان الاثنان لا اختصاص لهما بالولي.
26 ـ في ص28: "وهؤلاء يظنون أن العقل في قبال الدين ومتعارض معه، في حال أن العقل والنقل هما مثل عينين للدين. لقد ذكرت الكتب الأصولية بأجمعها أن منابع الفقه، هي: القرآن، والسنُّة، العقل والإجماع".
لقد ورد أيضاً إذا ما كانت الرواية بخلاف العقل فاضربوها عرض الجدار.
27 ـ في ص28: "ان المسائل والتفاصيل لم تأتِ بصيغة نقلية بأجمعها، وإنما تستكملها العين الأخرى للدين المتمثلة بالعقل".
الثابت في الكلام إنصافاً عكس هذا المطلب، إذ قيل: الأحكام الشرعية ألطاف في الأحكام العقلية. الأحكام الشرعية في الحقيقة هي أحكام مقدمية للأحكام العقلية.
28 ـ في ص28: "في حين أن ما يذهب إليه الدين، هو: إن كل ما يفهمه العقل المبرهن هو فتوى".
لا معنى للعقل المبرهن.
29 ـ في ص29: "إن القيادة وإدارة المجتمع هي أيضاً أمر عقلي. وحتى لو افترضنا انه لم يأت حيالها حكم صريح في الآيات والروايات، فإن العقل السليم يحكم بها على نحوٍ واضح، وحكم العقل هذا هو أمر الله".
ان العقل العملي الصريح يدرك إدارة المجتمعات الإنسانية لا ولاية الأمر، لأن للعقل العملي وجود بالفعل لدى جميع البشر، وترجيح عقل عملي بعينه على عقول الآخرين، هو ترجيح بلا مرجِّح.
30 ـ في ص 29: "مما يظهر بأدنى تأمل في النصوص… بل لولا عموم الولاية لبقي كثير من الأمور المتعلقة بشيعتهم معطلة…".
هذه الرواية هي عينها كلام أمير المؤمنين (ع) حيث يقول: "ولابد لكل قوم من أمير برٍّ أو فاجر". وهذا كلام صريح على انفصال الدين عن السياسة.
31 ـ في ص29: "ان ما يؤكده هذا الفقيه الجليل هو مسألة عقلية. فبعد أن تأمل بكثرةٍ وافرة من الأحكام في المجالات المختلفة، وصل إلى نتيجة مضمونها: ان هذه الأحكام والأوامر لابد وان تحتاج إلى متولٍّ ومجرٍ، وإلا أمست أمور الشيعة معطلة في عصر غيبة الإمام المهدي (ع)".
ان متولي الأمر ومجريه هو غير الولاية المطلقة. وإلا لاشك في اجتياج أي مزار لأولاد الأئمة، وأية بقعة أو مسجد صغيراً كان أم كبيراً للإدارة، وفي الأطر التنظيمية غير الدينية يحتاج كل مركز تجاري للإدارة ومن يتدبر أمره.
32 ـ في ص30: "وإذا ما كان خطاب: {إنما وليكم الله}؛ يعني أن الذي يتدبر أمركم ويديره هو الله، النبي وأمير المؤمنين، فسيكون المخاطب بهذه الآية هم أهل الرشد والمؤمنين والعلماء وذوي العقول وأولولي الألباب، لا المجانين وغيرهم".
قوله: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} يشمل كل المسلمين منذ الأول حتى آخر الدنيا، ولا يمكن أن يكون بمعنى الحكم وإدارة البلد، إذ في هذه الحالة سيكون للجميع ولاية على الجميع، فيلزم منه اجتماع الولي والمولّى عليه، وهذا محال.
33 ـ في ص30: "ولما كان الوالي التكويني حقيقة هو الله: {والله هو الولي}، فإن في ذلك حصراً للولاء المطلق في الذات الإلهية المقدسة، تكويناًً وتشريعاً: {ان الحكم إلا لله}، وبالعرض، للأنبياء والأولياء والأئمة، ثم الفقهاء العدول الذين يُعدون مظهراً لولاية كهذه".
إذا كانت الولاية في هذه المواطن بمعنى الرابطة القيومية والعلم الحضوري الإشراقي، فكيف يمكن أن يكون فيها نصيب للفقهاء العاديين؟!
34 ـ في ص30: "وبه يتبين: إذا ما ذكر أحدهم ان ليس لدينا ولاية بمعنى الحكم والتدبير، فليس هذا كلاماً صحيحاً".
ليس لدينا ولاية بمعنى إدارة العقلاء وتدبير أهل الرشد، وإذا ما كانت مثل هذه الولاية موجودة فيلزم من ذلك التسلسل في أمر الولاية، لأن ولاية العقلاء تحتاج إلى الولاية، وهكذا إلى غير نهاية.
35 ـ في ص31: "ينشأ هذا الإشكال من واقعٍ ما يذهب إليه أولئك من حصر الولاية في كتاب الحجر، اما عندما تكون الولاية بمعنى إدارة العقلاء وأولي الألباب وأهل الرشد، نظير ماجاء في آية: {إنما وليكم الله} وما جرى في واقعة يوم الغدير، وآية: {النبي أولى بالمؤمنين} فسيرتفع الإشكال المذكور".
مر أن ولاية الذين يكونون أنفسهم ناصحين للآخرين مدبرين لهم، لا معنى لها سوى التناقض الصريح، فإذا ما كانوا أولي ألباب فسيحتاجون إلى أولي الألباب، مما يلزم منه التسلسل.
اما: {انما وليكم الله} فلا معنى لها غير المحبة. ثم ان المعنى الصريح للآية: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} ان للنبي الأكرم الأولوية على بقية الأولياء. لأن أولى صيغة أفعل تفيد التفضيل، ومعنى أولوية النبي الأكرم تعني بذاتها ان لبقية المؤمنين ولاية، ولكن غاية ما هناك انه حال التزاحم بين ولاية النبي والآخرين، يكون النبي الأكرم أولى من الآخرين، ولا محل للتزاحم بين ولاية النبي الأكرم والآخرين، سوى الولاية على الصغار والمجانين.
36 ـ في ص31: "النبي نفسه هو الذي عرض الجمهورية الإسلامية والعودة إلى رأي الأمة، حين أوضح ان: إسلامية النظام تقوم على أساس الوحي، وشعبيته على أساس قبول الأمة به".
القبول هو بمعنى قبول العقلاء، وهو أحد أركان عقد الوكالة.
37 ـ في ص32: "يعني أن الإسلام موجود ولا نقص فيه؛ والإسلام يستبطن في داخله وجود الولاية، والقيادة، والنبوة والرسالة، وقد بلغ كمال هذا النصاب، ولا حاجة لكم لانتخاب قائد، بل عليكم القبول فقط والعمل بذلك".
أياً ما كان الأمر فإن القبول أحد أركان العقد، وبانتفائه ينتفي العقد برمّته، وإذا لم يكن هناك قبول فلا وجود لا للولاية ولا للقيادة ولا للنبوة.
38 ـ في ص32: "تحريف المناصب وضرورة الرجوع إلى الخبراء".
يفترض أساساً ان تشخيص الخبراء في العالمية والأعلمية لا في الولاية والسياسة. لا معنى للخبروية في أمر الولاية، لأن السياسة ليست من مقولة العلم حتى تثبت بواسطة الخبراء. وهذا عيب منطقي في نظام ولاية الفقيه، لأن الولاية أمر إلهي ليس لأحد فيها اطلاع على هذا المقام الرفيع غير الله.
39 ـ في ص 34: "تناقض ولاية الفقيه ورأي الأمة…" حتى آخر الصفحة.
لا محصل له، خارج عن البحث.
40 ـ في ص36 الصفحة بأجمعها.
لا ربط لهذه التفاصيل بالمطلوب.
41 ـ في ص 37: "ان أي خطاب يتضمن: {انما وليكم الله} فهو للأنبياء بالأصالة، وبعدهم للإمام المعصوم، وبعد ذلك وبالعرض لنائبهم الخاص مثل مسلم بن عقيل، ومالك الأشتر، ثم يثبت من بعدهم لذوي النصب العام، من أمثال الإمام الخميني (قدس سره)".
مرًّ أن {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} ليست بمعنى الحكومة حتماً، وإلا للزم منه ان تكون الحكومة والحاكمية بعدد المؤمنين والمسلمين في آنٍ واحد، وهذا توارد العلل الكثيرة على المعلول الواحد.
42 ـ في ص37: "ثانياً: قبل المعارضون والمؤيدون لولاية الفقيه، صيغتين من ولاية الفقيه الجامع للشرائط، هما: الأولى: عندما تقبل الأمة مرجعية أحد مراجع التقليد، فهل تقبله على انه وكيل تنتخبه أم على أساس انه ولي في الفتوى"؟.
في حال مرجعية التقليد يمكن أن يكون لكل إنسان مرجع بعدد المقلدين، ولا يستلزم ذلك أي محذور. أما في الولاية والإمامة فيتحتم أن يكون لأمة بأجمعها ولي واحد، وإلا للزم الفساد؛ طبيعي هذا قياس باطل.
43 ـ في ص 37: "الثانية:.. تعود إلى قضاء الفقيه للشرائط في عصر الغيبة. فالجميع يُذعن بأن لمثل هذا الفقيه القضاء شرعاً. والسؤال: هل الفقيه الجامع للشرائط هو وكيل الأمة في موقع القضاء الذي يتحلى به؟ أم ان الدين الإسلامي هو الذي نصبه لهذا الموقع؟ فهو قاضٍ ولم تهبه الأمة أي منصب بهذا الشأن. وإذا ما رجعت إليه الأمة وقَبِلَ، فسيصير قضاؤه ناجزاً فعلياً".
القضاء على قسمين: القاضي بالنصب والقاضي بالتحكيم. وإذا ما كان القاضي بالنصب منصوباً من قبل الإمام، فله وكاله من طرف الإمام، وأما القاضي بالتحكيم فهو وكيل من الطرفين بلا منازع، وعليه العمل بحكم الله.
44 ـ في ص38: "إن إقبال الأمة هذا هو تعبير عن قبول الولاية ولا يعد ضرباً من الوكالة".
مر ان القبول من أركان أي عقد، لأن المعنى الحقيقي للعقد هو الإيجاب والقبول.
45 ـ في ص 39: "تُرى هل فعل ذلك المؤمنون الذين قبلوا ولاية الإمام أمير المؤمنين (ع) في واقعة الغدير وآمنوا بها على أن يكون الإمام وكيلاً لهم انتخبوه أو انهم ارتضوه ولياً"؟.
جاء في ذيل الخطبة الغديرية: "اللهم والِ من والاه.. إلى آخره". وهذا الكلام بنفسه تفسير صريح لما جاء في الصدر؛ من أن المولى بمعنى الحجة لا بمعنى الحكومة.
وحتى إذا ما جاء بمعنى الحكومة، فهو ليس نصباً، بل إخبار للمقام الإلهي الرفيع لإمامة علي بن أبي طالب (ع) لكي تعرف الأمة أن الإمامة برتبة النبوة ولكن من دون وحي.
وربما كان في هذا الإخبار للإمامة وصية ضمنية على أن لا تختلفوا في البيعة مع علي (ع).
وإذا كان بمعنى النصب لما ظهر كل هذا الاختلاف.
"اللهم والِ من والاه" تُفسر صدر الرواية، لأن "والِ من ولاه" إذا كانت بمعنى الولاية التي تعني الحكم، فلا يكون بعدئذ ثمة معنىً صحيح لـ"وال منَ والاه". لأن "الوالي" هو الملاذ والملجأ، أي: إلهي كن ملاذاً للإنسان الذي يتخذ علياً ملاذاً له.
والله أعلم بالصواب.

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية