مركز الصدرين للدراسات السياسية || الدراسات السياسية

علاقة ولي الفقيه بالقانون
رضا حق بناه


تمهيد
تمتد جذور نظريّة ولاية الفقيه في الفقه الشيعي إلى ماضٍ يزيد على الألف سنة، ورغم عدم اتفاق الفقهاء على صلاحيات الفقيه، إلا أنَّهم تحدثوا، دائماً، عن خطوطها العامة. واليوم، ومع ظهور النظام الجمهوري الإسلامي على أرض الواقع استناداً إلى فكر الإمام الخميني(قده)، فإنَّ الولاية المطلقة للفقيه تعدّ قلب وروح هذا النظام، والمصدر الرئيس لقوته الدينية والسياسية. وبسبب هذه المكانة السامية، فإنَّ مئات الكتب، والمقالات والبحوث قد أُلفّت، داخل البلاد وخارجها، عن هذه النظريّة، وأبعاد الحكومة الإسلامية، لكن، يمكن القول: إنه ما يزال هناك الكثير مما لم يُبحث في هذا المضمار.
وتكمن خصوصيّة نظريّة ولاية الفقيه عند الإمام الخميني، في اعتقاده بسعة صلاحيات الفقيه ومحاكاتها لصلاحيات حكومة النبي(ص) والأئمة(ع). وتُلاحَظ هذه الرؤية في جميع آثاره المنطوقة والمكتوبة. ومع انتصار الثورة كان النظام الإسلامي، رغم وجود المشاكل العديدة الداخلية والخارجية، يزداد ثباتاً ورسوخاً يوماً بعد يوم. وقد أدى ظهور قضايا عديدة وظروف ومقتضيات الزمان والمكان، إلى ظهور إمكانية أن يوضح الإمام وعلى مدى عشر سنوات من قيادته للنظام، وبشكل متزايد، شتى جوانب نظريّة ولاية الفقيه، وكانت ذروة هذا التبيان والإيضاح، بيانه الذي صدر في 16 دِيْ 1366ش(6كانون الثاني1988م)[1]، مما يمكن أن يعدّ القول الفصل في تبيان هذه النظريّة.
وحتى الآن لم يتم سوى استنباط القليل من المعطيات، والمغلوطة أحياناً، من هذا البيان. وإن واحداً من هذه الاستنتاجات والأوهام هو كون ولي الفقيه أعلى من القانون. فقد تصور البعض أنَّ سعة نطاق صلاحيات ولي الفقيه وإطلاقها ينتجان سلطة لا حدود لها تتجاوز القانون، خصوصاً وأنَّ الأيدي القذرة للأعداء ومثيري الشبهات قد وسِّعت من حدة هذه القضية وانبرت لتحريف الحقائق، كما يُمارَس اليوم، وبكثرة، بحق حقائق الثورة الإسلامية، بل وأفكار الإمام الراحل، الأمر الذي يحدو بكل إنسان ملتزم مقاوم للبدع، إلى حماية النبع الصافي لأفكار الإمام، بوعي من أن تلمسه الأيدي الملوثة، على حدّ قول الإمام نفسه:
«وأنا لما أزل على قيد الحياة وأتابع قضايا إيران المعاصرة التي حدثت أمام أعيننا جميعاً، أجد الانتهازيين والنفعيين يظهرون ـ دون خوف من فضيحة ـ بأقلامهم وألسنتهم، القضايا الدينية والنهضة الإسلامية بشكل مغاير للواقع. وبسبب معارضتهم للقضية مبدئياً، فإنهم لا يريدون الاعتراف بالواقع المعاش ولا يستطيعون رؤية قوة الإسلام. ولاشك في أنَّ هذه الكتابات التي لا تستند إلى أساس، ستترك آثاراً مدمرة على الأجيال القادمة باسم التاريخ... إنَّ الأقلام المسمومة اليوم تحاول تحريف الحقائق. ينبغي للكتاب الغيارى أن يحطموا هذه الأقلام»[2].
ولهذا السبب، فإنَّ البحث والدراسة في شتّى أبعاد نظريّة الولاية المطلقة يبدوان ضروريّين، وسنضع - بعون الله - في هذه المقالة، على بساط البحث، علاقة الولاية المطلقة للفقيه بالقانون، وسنثبت أنه لن تظهر ـ خلافاً لما توهم ـ سلطة فوق القانون، لا تحدها حدود ولا يمكن التحكّم بها بالمعنى الذي يطرحه مثيرو الشبهات، بل إن الإمام الخميني نفسه (صاحب فكرة الولاية المطلقة للفقيه في العصر الحديث) هو من القائلين بضرورة أن تكون مشروطة وملتزمة بالقوانين الإلهية.
ولما كنا قد تناولنا القانون وماهيته ومصادر تشريعه[3] في بحث آخر، فإنَّه فلا حاجة لطرح ذلك هنا.
البحث عن جذور المصطلحات
لعلّه من المهم أن نتناول، في البداية، جذور مصطلحي «الولاية» و«المطلقة»:
الولاية: تستخدم مفردة «ولاية» بنفس المعنى المتداول في اللُّغة والعرف، وهي مرادفة لمفردات مثل «الإمارة»، و«الحكومة»، و«الزعامة»، و«الرئاسة»[4]. وتقال كلمة «ولاية» بمعنى «الإمارة» بحق من يحكم منطقة ما، كما يقال للمنطقة الخاضعة لحكمه أيضاً: «ولاية» و «إمارة». وقد وردت الولاية بمعنى النصرة والمحبة أيضاً، لكنها ليست موضع البحث في «ولاية الفقيه»، فموضوع البحث هو الولاية التي تعني الحكومة؛ لذا فإن هذه المفردة تستخدم في المواضع التي يُقصد بها السلطة السياسية والحكومة الإدارية.
وفي المصطلح الولاية تعني: القيمومة على شخص أو أشخاص معينين، وهي، في الحقيقة، تبيِّن نوعاً من حق التدخل وفرض الرأي بشأن شخص معين. وأمّا في مصطلح الفقهاء، فإِنَّ الوِلاية هي السلطة على الغير بحكم العقل، أو الشرع في البدن أو المال، أو كليهما. ويمكن أن تمارس هذه السلطة بالأصالة أو النيابة[5]. وبطبيعة الحال، فإن الشرط في هذه السلطة، بجميع أبعادها، هو حفظ المصالح الحقيقية للأشخاص الموضوعين تحت الولاية. كما يشار إلى منصب القائد السياسي لبلد إسلامي تتوفر فيه الشروط المطلوبة بوصفه «ولي الأمر».
الفهم الخاطئ لمعنى الولاية
مع الأخذ بنظر الاعتبار معنى الولاية، يتضح بطلان الدعوى القائلة:
«من وجهة نظر تاريخية، فإنّ الولاية بمعنى إدارة البلاد، لم تكن مطروحة إطلاقاً في تاريخ الفقه الإسلامي»[6].
ويبدو أن الكاتب المشار إليه لم يطلع على كتب الفقهاء المسلمين الذين تحدثوا في الكتب الفقهية، منذ زمن بعيد، عن أحكام الولاة، وأبواب ومسائل تحمل نفس العنوان وظناً منه أنَّ الولاية تعني القيمومة الناتجة عن الحجر على المولّى عليه، يقول في موضع آخر:
«الولاية بمعنى القيمومة تختلف، معنى وماهية، عن الحكومة التي تعني الحاكمية السياسية؛ ذلك أنَّ الولاية هي حق تصرف ولي الأمر في الأموال والحقوق الخاصة بالشخص المولى عليه، المحروم من التصرف في حقوقه وأمواله، لسبب من الأسباب من قبيل: عدم البلوغ والنضج العقلي، ومن قبيل الجنون وغيره، بينما تعني الحكومة والحاكمية السياسية، إدارة البلاد وتصريف شؤونها. وهذا منصب ينبغي أن يوكله مواطنو ذلك البلد، الذين هم المالكون الحقيقيون للمصالح العامة، إلى الأشخاص ذوي الكفاءة والتدبير... وربما أمكن القول: إنَّ الولاية التي تعني سلب جميع أنواع حق التصرف من الشخص المولّى عليه ووضعها في يد ولي الأمر، لا يمكن تحقيقها إطلاقاً في القضايا العامة وشؤون البلاد»[7].
وليس معلوماً من أي مصدر استقى الكاتب هذا المعنى للولاية، ولماذا فهم من الولاية هذا المعنى الخاطئ؟ فلم يتصور أي ممن طرحوا نظريّة ولاية الفقيه، ودافعوا عنها، معنىً كهذا. وعلى مبناه، ينبغي أن لا يكون هناك وجود خارجي لـ «النبي أولى بالمؤمنين» أو«من كنت مولاه فهذا علي مولاه»، رغم أن ذلك قد تحقق فعلاً. وللأسف، فإن كثيراً ممن يعترضون على نظريّة الولاية المطلقة للفقيه ـ شأنهم شأن الكاتب المذكور ـ يتخذون من تصوراتهم معياراً ويبادرون إلى بحثها والنظر فيها.
مفهوم الإطلاق في «الولاية المطلقة للفقيه»
توجد بعض التصورات المغلوطة حول إطلاق الولاية، ولعل سبب هذا الخطأ هو المعنى الظاهر لكلمة الولاية المطلقة، فقد أدى أَخْذُ المعنى اللُّغوي لكلمة «مطلقة» إلى نوع من الإبهام في بعض الأذهان، فتصوروا أنَّ الحكم القائم على أساس نظريّة ولاية الفقيه لا يحدّه حد، وهو حرّ منعتق من كل شيء، يفعل ما يشاء!
و«المطلق» في اللغة بمعنى «غير مقيد»، في مقابل «المقيد»، و«المشروط»، و«النِّسبي»، ومن حيث المفهوم الاجتماعي والسياسي، فهو بمعنى الكلي والشامل ويعادل مفهوم الكليانية (Totalitarian)، يُستخدم، أحياناً، بمعنى الحر المنعتق من القيود والقوانين، أي المستبد برأيه؛ أي كون الحاكم يفعل ما يحلو له ولا يُسأل عما يفعل، وبمعنى آخر عدم كون الحاكم مسؤولاً، وعدم إمكانية استجوابه.
فإذا كانت «المطلقة» بهذا المعنى، فإن ولي الفقيه سيكون فوق كل قانون حتى قانون الشرع، لكن هذا المعنى ـ بلا شك ـ ليس هو المقصود، وما يقصده الإمام وكافة الفقهاء المعتقدين بالولاية العامة والمطلقة، يختلف عن ذلك كلياً.
والمقصود بالإطلاق في ولاية الفقيه المطلقة هو الشمول والإطلاق النسبي، في مقابل بقية الولايات التي تُراعى فيها أمور خاصة. وإيضاح ذلك، أن الفقهاء يحددون حدود كل قسم من أقسام الولايات التي يذكرونها، كولاية الأب في مسألة زواج البنت، وولاية الأب والجد في التصرف بأموال الأولاد الذين لم يبلغوا الحلم، وولاية عدول المؤمنين في حفظ وحراسة أموال الغائبين، وولاية الوصي أو القيم الشرعي على القاصرين، وأمثال ذلك مما بُحِث بالتفصيل في الكتب الفقهية في الأبواب ذات العلاقة. إلاّ أنّهم عندما يطرحون «ولاية الفقيه»، فإنهم يوسعون نطاقها ويعتبرونها متضمنة للشؤون والمصالح العامة للأمة التي هي واسعة جداً.
وعلى هذا، فالفقيه الشيعي الذي يأخذ على عاتقه حمل مسؤولية الزعامة، هو مسؤول في جميع الجوانب السياسية، وينبغي له أن يسعى للحفاظ على مصالح الأمة على جميع الصعد. وهذه هي الولاية العامة التي وردت في كلام المتقدمين، ومضمونها هو نفس مضمون الولاية المطلقة التي شاعت على ألسن المتأخرين. فالمقصود بالإطلاق هو توسيع نطاق ولاية الفقيه إلى المدى الذي تسعه الشريعة، وأنَّ مسؤولية ولي الفقيه التنفيذية هي في جميع الأحكام التدبيرية الإسلامية، وليست ذات بعد واحد كما هو الحال في بقية الولايات[8].
وبذلك تكون «مطلقة» مقابل «النسبية»؛ أي أنه لا ينبغي اعتبار صلاحيات الفقيه محدودة ومقيدة بأمور خاصة، كأن يقال: إن الفقيه يحق له التدخل فقط في القضاء، أو في الأمور الحسبية، لكنه لا يحق له، مثلاً، تعيين القائد العام للقوات المسلحة؛ لذا لا توجد، من حيث الشمول في مجال صلاحيات الفقيه العادل، حدود سوى حدود مصالح الناس، والقوانين، والمعايير، والضوابط الإسلامية.
وإن إضافة صفة «الفقاهة» تؤدي إلى تقييد «الولاية»؛ ذلك أنَّ ولايته تنبع من فقاهته، وفي النتيجة، فإن له ولاية في حدود الفقاهة. وهذا إطلاق في عين التقييد، وتقييد في عين الإطلاق؛ والمقصود هو أن تكون الولاية محدودة في إطار مقتضيات الفقه، والشريعة، ومصالح الأمة.
الفهم الخاطئ لـ «الإطلاق»
مع الأخذ بنظر الاعتبار ما قلناه في الإطلاق، يتضح عدم أهمية كلام أولئك الذين يقولون: «إن القائلين بالولاية المطلقة للفقيه جعلوا صلاحية حكم الفقيه تمتد إلى اللانّهاية، وهم يعتبرون الفقيه كالإله على الأرض»[9].
إن أي فقيه لم يقصد بكلمة «عامة» أو «مطلقة» هذا المعنى اللامعقول. وإنَّ كلمات مثل «اللامحدودية»، و«مطلق العنان»، و«الإرادة القاهرة»، و «إن إرادة الفقيه مؤثرة حتى في توحيد الله تعالى والشرك به، فإذا أراد فبإمكانه إصدار حكم بتعطيل التوحيد»، وغيرها، هي مفاهيم ابتُدعت ونُسبت إلى الفقهاء، وهي أقرب إلى الافتراء والتهمة منها إلى المناظرة العلمية؛ إذ تعبير «ولاية الفقيه المطلقة» مبيّن لشمولية الولاية وليس كونها دون قيد أو شرط. ولذا، فإن ولاية الفقيه حكومة مشروطة باستمرار العدالة، وحسن الإدارة والتدبير، والاطلاع على القضايا الداخلية والعالمية، ومصالح الإسلام والناس. أنَّ المعنى المحرف لكلمة «المطلقة»، يتعارض مع كلام الإمام وسيرته وجميع الفقهاء. فقد أعلن الإمام نفسه بشكل واضح ، أن حكومة الفقيه مقيدة بقوانين الإسلام ليست فوقها، وهي ليست استبدادية[10].
صلاحيات الحاكم الإسلامي والولي الفقيه
من أجل معرفة العلاقة بين ولي الفقيه والقانون، وإزالة شبهة كونه فوق القانون، ينبغي أن نبحث، بادئ ذي بدء، حول صلاحيات الحاكم الإسلامي. ولمّا كان هذا الموضوع قد بُحِث بشكل منفصل ووافٍ (في مجلة فكر الحوزة، العدد 12 السنة الخامسة)، فسنكتفي بالإشارة إليه.
إنَّ ولاية الفقيه هي امتداد لولاية النبي(ص) والأئمة المعصومين، وقد وردت آيات كثيرة بشأن إطلاق ولاية النبي(ص) وضرورة اتباعه مثل: ?النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ?(الأحزاب،6)، و«ومن يطع الرسول فقد أطاع الله»(النساء، 8)، و?مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا?(الأحزاب، 36).
والأئمة الأطهار عليهم السلام أيضاً، وبحكم حديث الثقلين، وبعض آيات القرآن، وأحاديث أخرى للنبي(ص)، هم متساوون مع النبي(ص) في هذه الصلاحيات. وقد رأى المرحوم الشيخ الأنصاري في استنباط له من الأدلة التي قدمها في مجال ولاية المعصومين، الولاية المطلقة للمعصومين(ع)، حيث يقول: و«بالجملة، فالمستفاد من الأدلة الأربعة ـ بعد التتبع ـ أن للإمام سلطة مطلقة على الرعية من قبل الله تعالى، وأن تصرفه نافذ على الرعية، ماضٍ مطلقاً»[11].
ويستند المعتقدون بولاية الفقيه العامة إلى هذه الآيات في تدعيم رأيهم، ويرون أن وظائف النبي(ص) وصلاحياته (عدا مقام العصمة، والنبوة، والمقامات المعنوية) في تنفيذ قوانين الشريعة ثابتة للفقهاء كذلك. وقد استند في ذلك إلى الروايات أيضاً، كقول النبي(ص): «اللهم ارحم خلفائي، قالها ثلاث مرات. قيل له: ومن خلفاؤك؟ قال الذين يأتون من بعدي ويروون عني أحاديثي وسنتي ويعلمونها الناس من بعدي»[12]، حيث استفيد من هذا القول أن الخلافة المطلقة تستلزم ولاية مطلقة، وكملة «خلفائي» فيها إطلاق، ولم يقيدّها النبي(ص) بأي قيد. إذن، فالفقهاء هم نوّاب النبي(ص) في كل شؤونه عدا الجوانب التي ذكرت[13].
وقد استدل الإمام الخميني(قدس سره) بعموم وإطلاق هذا الحديث[14]. فمن وجهة نظر الإمام الراحل، فإن ولي الفقيه العادل له جميع صلاحيات حكم النبي(ص) والأئمة(ع). ولا يمكن ـ بحكم العقل ـ التفريق بين هذين الاثنين[15]، وسبب ذلك هو أن ولاية الفقيه هي استمرار لولاية المعصومين. بمعنى أن زعامة المسلمين في عصر الغيبة لم تهمل من قبل الإسلام؛ ذلك أن حفظ مصالح الأمة، وتطبيق العدالة الاجتماعية بشكل سليم، لا يقتصر على عصر حضور الإمام. وعلى هذا، فولاية الفقيه في عصر الغيبة هي استمرار لزعامة النبي(ص) والإمام المعصوم(ع) الذي تقع على عاتقه مسؤولية تطبيق العدالة الاجتماعية وإدارة شؤون عامة الناس، ولا ينحصر نطاق ذلك في أمور خاصة وصغيرة، فولي الفقيه لا يتدخل في شؤون الناس إلا إذا تعارض ذلك مع المصلحة العامة. واستناداً إلى هذا، فالولاية لا تعني القيمومة أو الحاكمية المطلقة، كما لم تكن ولاية النبي(ص) والأئمة المعصومين(ع) أيضاً بهذا الشكل، بل إنَّ المقصود هو إدارة الشؤون العامة فحسب. وكما أشرنا آنفاً، فإن هذه الولاية عامة في مقابل الولايات الخاصة مثل: ولاية الأب في تزويج ابنته، وولاية الأب والجد على أموال الأولاد القاصرين، والغائبين. وقد اختلف في سعة وصلاحيات الولي الفقيه؛ إذ حدّد البعض ولاية الفقيه بالأعمال والأمور التي لا يرضى الشارع المقدس ببقائها بدون ضوابط، وهي التي يعبّر عنها بالأمور الحسبية والتي لا يرون أن وضعها في دائرة أوسع خالياً من الإشكال، إلا أن ما يراه كثير من فقهاء الشيعة، هو أن مجال سلطة ولاية الفقيه واسع بسعة مجال حكومة النبي والأئمة المعصومين «عليهم السلام».
يقول شيخ الطائفة «أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي»: «.. أما الحكم بين الناس والقضاء بين المختلفين فلا يجوز إلا لمن أذن له سلطان الحق في ذلك وقد فوضوا الأئمة إلى فقهاء شيعتهم ...»[16].
ويرى الشهيد الأول «محمد بن مكي العاملي» في باب الحسبة من كتاب «الدروس»، وجود ثلاثة مناصب للفقيه: إقامة الحدود والتعزيزات (الأحكام الجزائية في الإسلام)، إصدار الفتاوى على نطاق واسع، تولي أمر القضاء في حل جميع أنواع الخصومات[17]. وهذه الثلاثة من مهام الأئمة الكبرى التي تقع على عاتق الفقيه الجامع للشروط في عصر الغيبة.
ويقول الشيخ المفيد بهذا الشأن: «وقد فوضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع إمكان»[18].
وقد بيّن المرحوم صاحب جواهر الكلام (المتوفى سنة 1266هـ) الولاية العامة والمطلقة للفقهاء بشكلٍ وافٍ، فهو يعتقد أن الولاية إذا لم تكن مطلقة، فسوف يؤدي ذلك إلى الإخلال بكثير من الأمور الخاصة بتنظيم علاقات المجتمع الشيعي. ثم يقول: «عجيب أن يشكك بعض الناس (ليس الفقهاء) بهذا الشأن بعد كل هذه الأدلة العقلية والنقلية الواضحة، وكأنهم لم ينالوا نصيباً من الفقه ولا يستطيعون إدراك أسرار كلام المعصومين؛ ذلك أن الكلام الوارد في الروايات مثل »جعلته حاكماً، قاضياً، حجةً، خليفة« وأمثال ذلك، يدل بوضوح على نيابة الفقهاء عن الأئمة خلال عصر الغيبة في جميع الشؤون ذات العلاقة بمنصب الإمامة. وإن المسؤولية التي وضعها الله على عاتق الإمام أوكلها إلى الولي الفقيه»[19].
والشهيد مطهري واحد ممن يعتقدون بولاية الفقيه المطلقة، فهو يقول ضمن إشارته إلى صلاحيات النبي(ص) الحكومية: «تنتقل هذه الصلاحيات من النبي(ص) إلى الإمام(ع)، ومن الإمام إلى الحاكم الشرعي للمسلمين. إن الكثير مما أحلّه الفقهاء أو حرمّوه مما يتقبله الجميع اليوم إنما كان على هذا الأساس»[20].
ويعتقد الإمام الخميني(قده) خلال تبيانه نظريّة الولاية المطلقة وتدعيمها ـ إضافة إلى ما قيل آنفاً ـ بأن التصور بأن صلاحيات النبي(ص) الحكومية كانت أوسع من صلاحيات الإمام علي(ع)، أو أن صلاحيات الإمام علي(ع) الحكومية أوسع من صلاحيات الفقيه، هو تصور باطل ومغلوط. وبطبيعة الحال، فإن فضائل الرسول الأكرم(ص) ومِن بعدِه فضائل الإمام علي(ع) تفوق فضائل كل العالم، لكن زيادة الفضائل المعنوية لا يزيد في الصلاحيات الحكومية[21].
ومن وجهة نظر الإمام، فإن صلاحيات ولي الفقيه لا تقتصر على الأحكام الشرعية، بل إنها، بحد ذاتها، من الأحكام الأولية التي تُقدم ـ عند اللزوم ـ على سائر الأحكام الفرعية كالصلاة والصوم:
«إذا كانت صلاحيات الحكومة محصورة ضمن إطار الأحكام الفرعية، فينبغي أن أقول: إن الحكومة الإلهية والولاية المفوضة لنبي الإسلام(ص) ظاهرة خالية من المعنى والمضمون. ويلزم من ذلك عدم إمكان الالتزام بها. فمثلاً هدم أحد البيوت لشق طريق، غير موجود في الأحكام الفرعية، ونظام الخدمة العسكرية الإلزامية، ومنع خروج العملة الصعبة، أو أي نوع من السلع خارج البلاد، ومنع الاحتكار ـ عدا بعض الحالات ـ وفرض الضرائب العامة، والضرائب الجمركية، والحد من ارتفاع الأسعار، وتحديد أسعار السلع، ومنع المتاجرة بالمخدرات، والحيلولة دون الإدمان عليها في المجتمع، ومنع حمل الأسلحة بشتى أنواعها ومئات الحالات من أمثال ذلك مما هو داخل في حيز صلاحيات الدولة (كل هذه الأمور لم ينص عليها في الأحكام الفرعية). ينبغي القول إن الحكومة هي فرع من الولاية المطلقة لرسول الله(ص) وهي واحدة من الأحكام الأولية، ومقدّمة على جميع الأحكام الفرعية حتى على الصلاة والصوم والحج... فبإمكان الحكومة أن تمنع بشكل مؤقت ـ الحج ـ الذي هو من الفرائض المهمة إذا كان يتعارض ومصلحة البلاد. وإن ما قيل حتى الآن، أو ما سيقال ناجم عن عدم المعرفة بالولاية الإلهية المطلقة. وإن ما قيل من أن الشائع هو أن المزارعة والمضاربة وأمثال ذلك ستزول مع تلك الصلاحيات، أقول بشكل واضح: لنفترض أن الأمر كذلك، فإن هذا من صلاحيات الحكومة»[22].
وعلى هذا يستفاد من كلام أساطين الفقه، أن الفقيه العادل لما كان هو المسؤول عن إدارة شؤون الدولة، ينبغي له أن يعمل بكل ما يرى فيه مصلحة للمجتمع، وذلك ضمن نطاق القوانين الإسلامية؛ إذ سيكون من العبث تصور وجود شخص على رأس الدولة، لكن بدون صلاحيات واسعة تمكنه من تنظيم شؤون المجتمع. ومن المؤكد أن الفقهاء الذين يعتقدون بضرورة تشكيل الحكومة خلال عصر غيبة الإمام المعصوم، إنما كانوا يقصدون هذا الهدف الذي أشاروا إليه بعناوين مثل «النيابة العامة للفقيه» و«الولاية العامة للفقيه» أو كونه «مبسوط اليد» أو «الولاية المطلقة».
علاقة الولاية المطلقة للفقيه بالقانون
بالنظر إلى الصلاحيات الواسعة للفقيه وكونها «مطلقة»، تطرح هذه المسألة على بساط البحث: هل أنَّ الفقيه في تطبيقه للقوانين الشرعية هو فوق القانون أم أنه تحت سلطة القانون؟ وهنا ينبغي الانتباه إلى أمرين:
- علاقة ولي الفقيه بالقوانين الإسلامية.
- علاقة ولي الفقيه بالدستور
أ ـ علاقة ولي الفقيه بالقوانين الإسلامية
إنَّ َمنْحَ صلاحيات واسعة للفقيه أدى إلى أن يتصور البعض أن الولاية المطلقة تعني الولاية على الشريعة، وأن الفقيه يستطيع أن يتجاوز حدود الفقه والشرع، وذلك بتجاهلهما، بل وحتى أن يصدر أوامر تعارض الشرع، أو أن يمنع الناس من العمل وفقاً له[23].
بينما الحقيقة هي أن من له أدنى معرفة بالمبادئ الفقهية، وأحاديث الإمام الراحل وبقية الفقهاء، لا يقبل مثل هذا الكلام المذكور آنفاً، فضلاً عن الاعتقاد والتمسك به. فولي الفقيه الذي يعتبره الإسلام نائباً عن النبي(ص) والإمام المعصوم(ع)، يمكنه العمل فقط ضمن إطار الشرع. وهو ليس فوق الشريعة التي ترتبط مشروعيته بها بصورة مبدأية، ويجب أن يكون في مقدمة العاملين بالقانون والتعاليم الإلهية؛ ذلك أنه المصداق الأكمل لحديث:
«وأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمرة مولاه، فللعوام أن يقلدوه..»[24].
فحكومة الفقيه في الوقت الذي تكون فيه مطلقة، هي في الوقت نفسه مقيدة بكافة الشروط والمعايير الإسلامية. ولقد جرى التأكيد بشدة على أن لا يكون زمام الأمور بأيدي من لا كفاءة لهم، فقد قال الإمام الراحل(قده): «إن الحكومة الإسلامية ليست استبدادية ولا مطلقة، بل هي مشروطة، وبطبيعة الحال ليست مقيدة بالمعنى المتعارف (في الأدبيات الإيرانية) الذي تكون فيه المصادقة على القوانين تابعة لآراء الأشخاص والأغلبية. بل المقصود هو أن يكون رجال الحكم خلال التنفيذ والإدارة مقيدين بمجموعة من الشروط المحددة الواردة في القرآن الكريم وسنة النبي الأكرم(ص)»[25].
إن القيود التي وضعت على الفقيه هي من الشدة بحيث «إذا تصرف في إحدى الحالات بشكل دكتاتوري، ألغيت ولايته»[26]. و «إن كل شيء في الحكومة الإسلامية ينبغي أن يكون وفقاً للقانون الإلهي».
نعم، «بإمكان الحاكم الإسلامي أن يعمل بما يراه صلاحاً للمسلمين، أو ضمن نطاق دولته. وإن هذه الصلاحية ليست استبداداً بل هي عمل وفقاً للمصلحة»[27].. وواجب الحاكم الإسلامي في عصر غيبة الإمام المعصوم، هو معرفة واستنباط الأحكام الإسلامية، وتطبيق الفروع على الأصول وتنفيذها. وفي حالة «التزاحم» ينبغي له، وفقاً لمصالح الإسلام والمسلمين، تقديم الأهم على المهم، وهذه قاعدة عقلائية يقرّها الشرع أيضاً.
وإيضاح ذلك، أن الأحكام الإسلامية قد يحدث «تزاحم» في ما بينها خلال التطبيق؛ حيث يبادر الفقيه إلى تقديم الأهم فيزيل «التزاحم». وهذا ضروري لتصريف شؤون المجتمع ما دام «التزاحم» قائماً، والمصلحة تقتضيه، حرمة أموال الأشخاص مثال على ذلك، فلا تستطيع الدولة الإسلامية التصرف في أموال الآخرين من دون إذن أصحابها، استناداً إلى الحكم الأوّلي: «الناس مسلّطون على أموالهم»؛ إذ لا يحلّ لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بطيب نفسه. ولكن إذا كان الحفاظ على الملكية الفردية مؤدياً إلى الإضرار بمصلحة المجتمع، كأن يتوقف شق طريق يحتاجه الناس إلى هدم بعض البيوت، فلا يمكن، في هذه الحالة، أن نراعي مصلحة الفرد، وكذلك تسعير السلع، وإلغاء العقود الشرعية المبرمة مع الناس من جانبٍ واحد عندما يكون ذلك العقد منافياً لمصلحة البلاد[28]، ففي حالاتٍ كهذه، يبادر الحاكم الإسلامي إلى تقديم الأهم ومصلحة المجتمع على مصلحة الفرد. وإن آلية الأحكام والقوانين الإسلامية تستدعي أمراً كهذا؛ لذا، فإن الفقيه لا يكون له اختيار مطلق وتصرف شخصي أو سلطوي في تطبيق الأحكام الإلهية، وليس بإمكان أي منصف أن يرفعه فوق الشريعة والتوحيد. وإذا اقتضت مصلحة الإسلام والمجتمع الإسلامي أن يتخلى الفقيه عن حكم شرعي بشكل مؤقت، فذلك لا يعني نسخ حكم أو كونه فوق التوحيد والدين.
ب ـ علاقة ولي الفقيه بالدستور
إن محور كثير من الشبهات والأوهام التي طرحت بشأن مفردة «مطلقة» هو علاقة ولي الفقيه بالدستور. والسؤال الرئيس هو: ترى هل أن ولاية الفقيه المطلقة لها الحق في فرض الولاية في إطار الصلاحيات التي حددها الدستور فقط (خاصة المادة 110 من الدستور الإيراني) أم أن له صلاحيات أوسع من ذلك؟ يقول البعض: إن على ولي الفقيه أن يعمل ضمن نطاق الدستور والمهام المحددة له، وأن لا يعتبر فوق القانون؛ ذلك أنه إذا تصرف خارج هذه الدائرة، فلماذا وضعت حدود لمهامّه وصلاحياته في القانون؟
ومن جهة أخرى فهو سوف يخالف الدستور الذي أقره الناس. لذا، ومن أجل المحافظة على حقوق الناس، وكذلك في سبيل خلق مجتمع ملتزم بالقانون، فعلى القيادة أيضاً، أن تعمل ضمن حدود هذه الصلاحية القانونية لئلا تثار شبهة الاستبداد.
إن الردّ على هذه الشبهة واضح من خلال نظريّة مشروعية القوانين المصادق عليها في نظام الجمهورية الإسلامية. فقد بيّن الدستور في المادة «مائة وعشرة» صلاحيات وواجبات القائد في أحد عشر بنداً، ولكن يمكن زيادة هذه الفقرات أو الإنقاص منها بحسب ما تقتضيه المصالح، وتحت إشراف مجلس صيانة الدستور المنتخبة من قبل الناس. لذا، فإن ذكر هذه الحالات لا يدل على التحديد والحصر. وعلى هذا، فالدستور لا ينكر صلاحيات أخرى للقائد، خصوصاً في الحالات الضرورية التي تستدعي فيها الظروف أن يتخذ القائد خطوة مناسبة وقراراً حاسماً، بعد تشخيص الخبراء ذوي العلاقة وموضع الثقة، على أن يكون ذلك وفقاً للمعايير الشرعية والقانونية.
«إنَّ إطلاق ولاية الفقيه المنصوص عليه في المادة «57»، حاكم على المادة «110». وإن أولئك الذين يقولون ـ مستندين إلى المادة 110ـ إن وجود إحدى عشرة وظيفة في هذه المادة يعني عدم إمكانية وجود ما هو أكثر، عليهم أن ينتبهوا إلى أن الدستور نص على إطلاق الولاية في المادة «57» لكي لا يعدد كل الصلاحيات. إذن، ففي حالة التعارض بين المادتين «57» و «110» فالمقدم هو المادة «57»؛ ذلك أن هذه المادة قد أوضحت عدم الحاجة لإضافة صلاحيات أخرى(في حينه). وعلى هذا، واستناداً إلى المادة
«57»، فالولاية مطلقة، وإن وجود إحدى عشرة فقرة في المادة «110» لا يعني الحصر؛ ذلك أن كل حصر محتاج إلى مفهوم معارض ـ كما في المصطلح القانوني ـ وأنَّ المادة «57» مطلقة. ويمكن القول الآن: إنه، استناداً إلى المادة «75» فإن (ولاية الفقيه) حاكمة على مواد الدستور، وإن الإحدى عشرة فقرة الواردة في المادة «110» لا تعني الحصر«[29].
إن كون ولاية الفقيه مطلقة يستدعي أن تكون صلاحياته الحكومية أوسع من تلك المدونة في الدستور؛ ذلك أن مهامه أوسع. فإذا واجهت المجتمعَ معضلةٌ معقدة لا يمكن حلّها بالطرق المتعارفة، ولم يُشَر إليها في الدستور، فإن المادة 110 من الدستور قد نصت على أن من واجب القائد أنّه يبادر إلى حل تلك المعضلة بشكل من الأشكال، وأنَّ ذلك سيتم، أيضاً، استناداً إلى القاعدة الشرعية والعقلية القائلة بتقديم «الأهم على المهم» وبعد التشاور مع المختصين. وفضلاً عن ذلك، فإن الصلاحيات الخاصة بفترات الأزمات قد ُأخذت بنظر الاعتبار في الحكومة الإسلامية، كما هو الأمر بالنسبة لبقية الحكومات، والقائد الحق هو الذي يتخذ إجراءات في ضوء تشخيصه للمصلحة، رغم أنه لم يُشَر إليها بوضوح في المواد المتعلقة بالقائد، مثل: تحديد النسل، وتعيين أئمة الجمعة، وتعيين المدير العام للأوقاف، وتعيين رئيس بعثة للحجاج الإيرانيين، وتعيين المتولي لإدارة الحضرة الرضوية، وبقية المراقد المقدسة إذا دعت الضرورة، وتعيين وفصل ممثلين في الأماكن التي يراها ضرورية، وعشرات الحالات الأخرى.
إن حدود صلاحيات ولي الفقيه في الفقه والبحوث المتعقلة بصلاحيات الحاكم الإسلامي قد جرى توضيحها، واستناداً إلى الإطلاق، فإنها لا تقتصر على الحالات الخاصة(المادة 110)، لذلك أعلن آية الله مشكيني في إحدى جلسات مراجعة الدستور (سنة 1368ش/1989م):
«أقترح إضافة شيء آخر هنا (المادة 110)، وهو أنكم لم تستوفوا هنا جميع واجبات الفقيه الجامع للشروط، واقتراحي أن تضيفوا إلى هذه الجملة أو أن تجعل بعنوان بند مستقل يحمل الرقم 21 وينص على: «وسائر ما عدّ في الدستور والكتب الفقهية من واجبات الحاكم الإسلامي وبطبيعة الحال، فإن للحاكم واجبات أخرى تدخل في نطاق صلاحياته»[30].
ويقول شخص آخر من خبراء الدستور: «اقتراحي هو أن نذكر هنا، في البدء، أن صلاحيات ولي الفقيه هي نفس الصلاحيات التي كانت للنبي(ص) وللأئمة المعصومين(ع)»[31].
والقول الفصل بهذا الشأن هو قول الإمام الراحل:
«إن الموضوعات المطروحة في الدستور ـ وإن كانت في رأيي ناقصةً قليلاً، حيث لرجال الدين صلاحيات أوسع من هذا في الإسلام، ولكن السادة، ولأجل أن لا يخالفوا بعض المتنورين، تنازلوا قليلاً ـ هي بعض مهام ولاية الفقيه وليست جميعها»[32].
والأمر الذي تجدر الإشارة إليه هنا، هو أن التمتمع بصلاحيات أوسع مما ورد في الدستور لا يخرج القائد إطلاقاً، عن جادة الحق والعدل ولا يؤدي به إلى مخالفة القانون؛ ذلك أنه فضلاً عن الشروط العامة، فإن العدالة شرط للقيادة. وإن مخالفته القانون وخروجه على الحق والعدل يعني سقوطه عن مقام العدل والولاية:
«إذا أراد الفقيه أن يكون مستبداً، سقط عن الولاية»[33].
«لو كذب الفقيه ولو بكلمة، أو خطا خطوة مخالفة للشرع، فلن تعود له تلك الولاية»[34]. فشرط العدالة دقيق جداً، فإذا كانت الولاية تلغى بكذبة واحدة، فأين مثار القلق؟ هذا الشرط، إذاً، ينفي إمكانية الاستبداد. ويبدو أن المستنكرين قد خلطوا، عمداً أو سهواً، بين مفهومي ولاية الفقيه المطلقة، والحكم الفردي المطلق. فقد وُصِف الحكم المطلق بأنه الحكم الاستبدادي لشخص، أو مجموعة معينة بسمات التعسف والقمع والإرهاب والرعب وانتهاك القانون، ولا تحده أية موانع قانونية، ولا يمكن أن يشكوه أحد إلى أي شخص أو جهة قانونية[35]. وفي ظل حكومات كهذه، لا يكون هناك أي دور أو إرادة للشعب، ويعتبر الحكامُ الحكومةَ ملكَهم الخاص ويرتكبون أفظع الجرائم في سبيل البقاء في الحكم[36]. ولا ينطبق أي من الأوصاف المذكورة على الولي الفقيه، فهو يعيش، دائماً، في صراع مع الظلم، وانتهاك حقوق الآخرين، ومع نفسه، وإذا وجدت فيه واحدة من الصفات المذكورة، فلن تكون له عندها مشروعية.
يقول الإمام الراحل في إيضاح التناقض الجوهري بين ولاية الفقيه والاستبداد: «الحكومة الإسلامية ليست استبدادية، يكون فيها رئيس الدولة مستبداً يفعل ما يشاء، ويستهين بأموال الناس، وأرواحهم، ويتصرف فيها كما يحلو له، يقتل من يشاء وينعم متى شاء على من يشاء. ولم يكن حتى الرسول(ص) وأمير المؤمنين(ع) وكافة الخلفاء يتمتعون بصلاحية كهذه»[37].
وعلى هذا، فإنَّه إذا بحثت هذه المسألة بقليل من الدقة بعيداً عن العداوات، والأحقاد، والأحكام المسبقة، فإنّه سيتضح أن امتلاك القائد لصلاحيات تتعدى حدود الدستور لا يعني التمحور حول الذات وانتهاك القانون، بل يعني إخراج المجتمع من الأزمات التي تحدث في ظروف خاصة. فالآلية المطروحة في دستور الجمهورية الإسلامية تجمع بين كون ولاية الفقيه مطلقة، وكون الفقيه خاضعاً للقانون. وفي الحقيقة، فإن الدستور هو تفصيل تنفيذي لمبدأ ولاية الفقيه، والنظام الإسلامي هو آلية تنفيذه.
ولأجل المحافظة على سعة نطاق صلاحيات ولاية الفقيه ووضع قاعدة راسخة لها (لئلا تكون هناك ذريعة للباحثين عن الذرائع) فقد أضيفت عند مراجعة الدستور، اللائحة المصادق عليها في 1368ش(1989م)، مواد شاملة وصلاحيات أساسية تلبي حاجات البلاد القانونية والحالات الطارئة، يستفاد منها بشكل مباشر عادة، وفي أحيان أخرى بواسطة وعن طريق مؤسسات قانونية، مثل: مجلس الأمن القومي ومجمع تشخيص مصلحة النظام.
والمواد الثلاث المضافة هي:
1- رسم الملامح العامة لسياسية نظام الجمهورية الإسلامية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.
2- الإشراف على سلامة تطبيق السياسة العامة للنظام.
3- حلّ المعضلات التي تجابه النظام مما لا يمكن حله بالطرق المعتادة، بواسطة مجمع تشخيص مصلحة النظام[38].
ومع أخذ هذه المواد الثلاث بنظر الاعتبار، فإن كل عمل ينجزه ولي الفقيه لمصلحة الإسلام والمسلمين ينطبق مع القانون أيضاً؛ لك أن الولاية المطلقة لا تعني شيئاً سوى أن ترسم سياسة النظام العامة، وتشرف على سلامة تطبيقها وتحل المعضلات المعقدة الطارئة.
أهمية وضع الأسس السياسية العامة للنظام
إن أهم الحالات التي يكون فيها للولي الفقيه حضور فاعل هو تقديم حلول للمعضلات التي تواجه النظام. لذا، فإن بحث وضع السياسة وإدارة الأمور مهم جداً، فالتخطيط السياسي له مراحل متنوعة ومتعددة، والهدف منها تحديد الأسس، والحدود، وكيفية التحوّل من الوضع الراهن إلى الأمثل المنشود في المستقبل. وهذا الأمر، في حقيقته، يتضمن اتخاذ القرارات وفرض السيادة ضمن نطاق التخطيط والتعليمات؛ أي تفاصيل السياسة بصغيرها، وكبيرها، والداخلي منها، والخارجي.
وكمثال، نشير إلى أمر خطير يتعلق بالتخطيط العام للنظام القائم على أساس ولاية الفقيه اعتماداً على الدستور، هو العلاقات أو السياسة الخارجية. فلأجل رسم خطوط السياسة الخارجية بجميع مراحلها ينبغي مراعاة ما يلي:
1- إن الدستور وبوصفه الميثاق الوطني، يتضمن أسس القوانين، والسياسات، والضوابط العامة.
2- يقف القائد على رأس هرم السلطة الحاكمة.
3- تختص المؤسسات المرتبطة بالقائد ـ خصوصاً مجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس الأمن القومي ـ في رسم السياسة الدفاعية والأمنية للبلاد ضمن نطاق السياسة العامة المقررة من قبل القائد، والتنسيق بين الأنشطة السياسية، والأمنية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية ذات العلاقة بالتدابير العامة.
4- يعتبر مجلس الشورى الإسلامي، واللجان المنبثقة عنه، ولاسيما لجنة العلاقات الخارجية، مسؤولين عن السياسة التنفيذية، ووضع السياسة الخارجية، والعلاقات الخارجية، والأهداف، والمبادئ، والأسس، والأساليب التي تتبلور بشكل قوانين ينبغي مراعاتها.
5- إن مهمة مسئولي الدولة، سواء رئيس الجمهورية أم معاونيه أم الوزراء ـ خصوصاً وزير الخارجية هي ـ تطبيق السياسات التنفيذية على أساس التخطيط الشامل الذي تعتبر السياسة الخارجية الواردة في القوانين والبيانات التنفيذية ودور كل واحد من المؤسسات المذكورة، من أهم مهامه.
وعلى هذا، فرسم السياسة الخارجية يتم مع الأخذ بنظر الاعتبار جميع هذه المراحل، وبشكل دقيق. فالقائد يحدد الخطوط العريضة ويشرف على تطبيقها.
فإن استجدت مسألة طارئة في العلاقات الخارجية تحتاج إلى اتخاذ قرار فوري، يبادر القائد، أو الفريق العامل بإمرته، إلى اتخاذ ذلك القرار، استناداً إلى فقرات المادة «110». ويسري ذلك على كافة الحالات.
الأحكام الحكومية ذات العلاقة بالمصلحة العام
إن ما يأمر به ولي الفقيه استناداً إلى الخطوط العامة للنظام مراعياً المصلحة العامة وحل المعضلات في ضوئها، يُسمّى في المصطلح العلمي والفقهي بـ «الأحكام الحكومية» [أو الأحكام الولائية]. والأحكام الحكومية (في مقابل الأحكام الأولية والثانوية) تعني التعليمات، والقوانين، والضوابط العامة، وتفاصيل تنفيذ الأحكام والقوانين الشرعية التي يصدرها القائد الشرعي في المجتمع الإسلامي ضمن نطاق القضايا الاجتماعية، مستنداً إلى صلاحياته كقائد يراعي المصلحة العامة. فالأحكام الولائية هذه تصدر من أجل حلّ المعضلات والنزاعات[39]. كتب الإمام بشأن أحداث كردستان في رسالة له مؤرخة في 21/8/1979م:
«لقد أصدرت أمراً إلى المدير العام لشركة النفط بأن يخصص لكردستان ثمن مبيعات يوم واحد من النفط بالتشاور مع الحكومة» [40].
ورداً على رسالة موجهة له من رئيس مجلس الشورى آنذاك في أيلول 1981م، ومع الإشارة إلى الصلاحيات الواسعة للولي الفقيه، منح صلاحيات مهمة للمجلس للمصادقة على القوانين وتنفيذها، مما يمكِّن المجلس ـ بعد تحديد الموضوعات المستجدة ـ من المبادرة إلى وضع القوانين اللازمة بحسب الأحكام الثانوية في سبيل حفظ المصالح العامة للبلاد[41]. واستناداً إلى أقوال سماحته، فإنَّ الأحكام الحكومية هي من الأحكام الأولية والدائمة المنفعة، ولها، غالباً، طابع تنفيذي يساعد في حل المعضلات التي يواجهها النظام والحكم بدفع الضرائب نموذج على ذلك. يقول الشهيد مطهري بهذا الشأن:
«إذا استدعت المصلحة العامة فرض ضرائب تصاعدية، وحتى لو استدعى توزيع الثروة الاجتماعية بأن يكون بحيث يصل إلى المالك الأصلي 5% وتؤخذ ضريبة مقدارها 59% فينبغي العمل بذلك... ولا يشك أي فقيه في هذه «الكبرى الكلّية» التي تقول بأنه يبغي التخلي عن المنافع الصغيرة في سبيل مصلحة الإسلام الكبرى» [42].
تحديد الملكية طبقاً للصلاحيات الحكومية ورعاية للمصلحة العامة نموذج آخر، يقول الإمام(قده):
«في الوقت نفسه الذي يحترم فيه الشارع المقدس الملكية، إلا أن ولي الأمر إذا رأى أن هذه الملكية المحدودة مخالفة لمصلحة الإسلام والمسلمين، يمكنه أن يحدّ منها بقدر معيّن، ويمكنه أن يصادرها منه بحكم الفقيه» [43].
كما أن الشهيد مطهري يصرح بهذا الأمر أيضاً[44] وتوجد نماذج كثيرة من هذا القبيل، وضع الفقهاء بموجبها حل المعضلات التي تجابه المجتمع على عاتق الحكم الإسلامي. وأحكام الفقيه الحكومية هي، بشكل عام، على صنفين:
الأول: الأحكام الحكومية المتزاحمة مع الأحكام الأولية في مرحلة التنفيذ، كالحكم بتعطيل بعض الأحكام الأولية (الحج مثلاً) استناداً إلى المصالح؛ حيث يسقط ذلك الحكم بعد زوال الظروف الاستثنائية ويعاد العمل بالحكم الأولي من جديد[45]. وبطبيعة الحال، فإن هذا الأمر ليس جديداً، بل كان سائداً على الدوام بين المسلمين.
الثاني: الأحكام الحكومية التأسيسية، وهنا تستدعي صلاحيات ولي الفقيه الواسعة أن يصدر أوامره لإدارة المجتمع، وتعد هذه الأحكام أحكاماً أولية تتعلق بالحوادث الواقعة، مثل الأحكام الانضباطية والمقررات الإجرائية[46]. ونورد كنموذج على ذلك، تعيين لجنة للتعزيزات، حيث كتب الإمام(قده) بتاريخ 28/8/1364ش (19/11/1985م) جواباً على سؤال موجه من رئيس لجنة الشؤون القضائية والقانونية في مجلس الشورى:
«في هذه الفترة، حيث لا تتمتع الأغلبية الساحقة من العاملين في سلك القضاء بالشروط الشرعية المطلوبة للقضاء، وإنما سمح لهم بالعمل بسبب الحاجة؛ لذا، لا يحق لهم تعيين الحدود والتعزيزات من دون إذن الفقيه الجامع للشروط. وعلى هذا، فمن الضروري تحديد التعزيزات عن طريق تعيين هيئة يسمح لهم بالعمل في إطارها ولا يحق لهم تجاوزها، وهذا الأمر مؤقت تدعو إليه الضرورة، إلى أن يتم تعيين قضاة جامعين للشروط المطلوبة» [47].
وعلى مدى حياة النظام الإسلامي في إيران، ولاسيّما في السنوات الأخيرة من حياة الإمام(قده)، كانت تنشأ معضلات عديدة في إدارة أمور البلاد لم يكن يوجد لها حلّ في الدستور، وكان مسئولو الدولة يقدّمون له استفتاءات عديدة لحلها، فكان بدوره ـ مع الأخذ بنظر الاعتبار ولايته المطلقة والصلاحيات الواسعة للحكومة الإسلامية - يسعى إلى حل معضلاتهم؛ لذا حظيت الحكومة بصلاحيات واسعة من قبل الإمام خلال سنوات الحرب والجهاد الساخنة، ومن ذلك حق التعزيزات الحكومية الذي ألغاه الإمام بعد نهاية الحرب بسبب انتهاء حالة الحرب التي كانت تعيشها البلاد، وعدّ ذلك حقاً للفقهاء الجامعين للشروط فقط.
عنصر المصلحة
في هذه المقالة وكافة المقالات ذات العلاقة بولاية الفقيه، كثيراً ما تستخدم مفردة »المصلحة«، فمن المناسب التوقّف عندها قليلاً. ويكفي، لإثبات لأهميتها، أنَّ الجانب العملي وحل معضلات النظام في شتى المجالات رهن بمراعاة هذا العنصر المهم والمصيري. يقول الإمام الراحل: »في الإسلام تُقدّم مصلحة النظام على كل شيء، وعلينا جميعاً أن نتبع ذلك»[48]. ويقول: «إنَّ مصلحة النظام من الأمور المهمَّة التي تؤدّي الغفلة عنها، أحياناً، إلى إلحاق هزيمة بالإسلام العزيز... إنَّ مصلحة النظام والشعب من الأمور المهمة التي يمكن أن يؤدي الوقوف بوجهها إلى التشكيك في إسلام مستضعفي في الماضي والحاضر، وانتصار إسلام المستكبرين الأميركي المدعوم بمليارات الدولارات بواسطة عملائهم في الداخل والخارج»[49].
والمقصود بالمصلحة هو مراعاة المصالح الوطنية والاجتماعية، والحيلولة دون حدوث الخسائر الكبرى، وبعبارة أخرى، مراعاة الأوّلويات، وحل المعضلات والمشاكل التنفيذية، ورعاية المصالح الأساسية للإسلام، والأمة الإسلامية؛ حيث يستخدم الحاكم الإسلامي صلاحياته في ضوء المصلحة، وإن تشخيص المصلحة والزمان المناسب لإعلان حكم ما، يقع على عاتق الحاكم الشرعي الذي يبادر إلى ذلك بشكل مباشر أو بواسطة ذوي العلاقة. ونطاق تشخيص المصلحة هذا هو غالباً ـ وليس دائماً ـ الحالات التي ليس فيها حكم إلزامي(الوجوب أو الحرمة)؛ أي المباحات. إلا أنَّ مصلحة الإسلام والمسلمين تتطلب أن يمنع أو يفرض تطبيق بعضها إلى حين انتفاء الضرورة. وإنَّ إعلان المنع أو الوجوب في أيّ زمان مرتبط برأي الحاكم الإسلامي، وهذا يجعله فوق القانون، بل وينبري لذلك مستنداً إلى صلاحياته الشرعية والقانونية. لكنه، ولمّا كان لا يستطيع تشخيص الموضوعات المتنوعة في المجالات المختلفة وتنفيذها، فمن الطبيعي أن يستعين بالخبراء شأنه شأن بقية الحكومات، ويضع نظاماً على أساس الاحتياجات، ويعين مسؤولين للتنفيذ ولإدارة الحكومة، وتحديد وتشخيص العناوين، ويكون هو على رأس الهرم مشرفاً على المجموعة بأكملها. وبهذا يُدفَع الإشكال القائل: إنَّ الفقيه يحتاج إلى التخصّص في كثير من المجالات لو أراد العمل بالدستور والإشراف على سلامة تطبيقه؛ لأنَّ المهام المسندة إليه كثيرة ومتنوعة. يقول الإمام(قده):
«يقول البعض: إن الفقهاء عاجزون عن إدارة الشؤون السياسية والعسكرية وغيرها، وأقول رداً على ذلك: إنَّ هذا الكلام لا يستند إلى شيء ولا يستحق أقل اهتمام؛ ذلك أنَّ تدبير الأمور في كل دولة إنما يتم بتضافر جهود الكثير من المتخصصين وذوي الأفكار الثاقبة، وإنَّ الملوك ورؤساء الجمهوريات منذ القدم، وحتى الآن لم يكونوا ـ إلا في حالات نادرة جداً ـ على معرفة بالإجراءات السياسية والنظم العسكرية، بل كان الأمر، دائماً، يتم بأن تنجز كل مهمة على أيدي المتخصصين فيها؛ إلاّ أن الأمر الجدير بالاهتمام الكبير هو أن القائد ورئيس الدولة إذا كان عادلاً، فمن البديهي أن يختار وزراء وموظفين عادلين وصلحاء، ويؤدي هذا إلى انخفاض نسبة الظلم والفساد والاعتداء على الأموال العامة، وتتم المحافظة على أرواح الناس وحرماتهم وكراماتهم، وكما كان الأمر على عهد الإمام علي(ع) الذي لم يكن يباشر جميع الأمور بنفسه بل كان يختار قضاة وقادة عسكريين وغيرهم ويسند إليهم المهام، فالأمر اليوم هو على هذه الشاكلة؛ أي أنَّ إدارة الشؤون السياسية، والعسكرية، وكذلك إدارة المدن وصيانة ثغور البلاد هي كلها بأيدي أشخاص يتمتعون بالجدارة الكافية»[50].
وسائل السيطرة على سلطة الفقيه
إن كل ما يقلق منتقدي نظريّة ولاية الفقيه المطلقة هو عدم محدودية صلاحيات الفقيه، ويرون أنَّ السبيل إلى حل هذه المشكلة هو تحديد سلطة الفقيه. وبطبيعة الحال، فإنَّ سعة نطاق الصلاحيات الحكومية، قد تُستغل بشكل كبير، وربما يُتَوصل بها إلى إلغاء أحكام الله بذريعة المصلحة، لكنَّ هذا الخلل يمكن تلافيه بأشكال أخرى وليس بإلغاء صلاحيات الحاكم. ولقد قلنا في ما مضى: إن هذا إطلاق في عين التقييد (وفق ما تقتضيه مصلحة المسلمين والقوانين الشرعية) وليس انفلاتاً. ونذكر الآن بعض الوسائل لضبط تصرفات الفقيه:
أ ـ الصفات الذاتية للقائد
إن أول وأهم عوامل الانضباط هو تمتع قائد النظام الإسلامي بصفات وخصائص متميزة مثل: الإيمان، والالتزام التّام بالتعاليم الإسلامية، والتقوى، والعدل، والعلم، والفقاهة، والتدبير، والشجاعة، وأن يحظى بقبول الأغلبية. فمن البديهي أن لا توجد هذه الصفات في من يحمل أقل قدر من دوافع الدكتاتورية، والاستبداد، وانتهاك القانون. فوجود هذه الصفات في أي شخص سيكون أكبر رادع له عن الاستبداد. وقد وضعت المادتان «5» و «107» من الدستور ولاية الأمر وإمامة الأمة على عاتق الفقيه العادل المتقي، العارف بشؤون عصره، والمدير، والمدبّر. ففقيه كهذا ليس فقط يكون خالياً من الشخصانية، بل إنه يتهرب من قبول هذا المنصب إلا أن يكون ذلك من باب أداء الواجب الإلهي؛ ذلك أن التمتع بهذه الخصائص واكتساب صفة التقوى ليس أمراً سهلاً. وهو عليه أن يثبت، بشكل عملي، أنه متقٍ، متغلّب على هواه، لا يرتكب الكبائر ولا يصرّ على الصغائر. وبعد تمتعه بهذه الصفات وتسلّمه منصب القيادة أيضاً، يخلع من منصب الولاية إذا ظهرت لديه خيانة للأمانة، وروح استعلاء.
ب ـ القوانين الإلهية
إن الحكومة الإسلامية هي حكومة القانون، وإنَّ جميع السلطات التنفيذية، وعلى رأسها ولي الفقيه رغم سعة نطاق صلاحياته، هم مطيعون للقانون الإلهي، القانون الذي يعارض، بشدة، التصرف المستبد بأي شكل وأيّة صيغة مهما كان قليلاً. يقول الإمام الراحل(قده):
«الإسلام دين قانون، ولم يكن بإمكان أحد حتى النبي(ص) أن يتصرف خلاف ذلك ولم يفعل ذلك. ولقد قال تعالى لنبيه(ص): »ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين«(الحاقة، 44 ـ 46). هذا هو حكم القانون، لا يحكم سوى القانون الإلهي، لا الفقيه ولا سواه، فالجميع خاضعون للقانون، منفّذون للقانون»[51].
ففي النظام الإسلامي القائم على نظريّة ولاية الفقيه، لا يسود أسلوب الاستبداد ونزعات التسلط؛ ذلك أن هذا النظام مُلْهَم ومنبعث من الوحي الإلهي، وهو مسؤول عن كل واحد من أعماله. فالقوانين والضوابط الإلهية هي عامل قوي لقمع الأهواء النفسية، ومن يستشعر نفسه في حضرة الله، وأنه ينبغي له تقديم تفسير شرعي مقبول لكل فعل في حضيرة القدس الإلهي، لا يتخذ من منصبه ومكانته الاجتماعية وسيلة للاستبداد وظلم العباد.
ج ـ المصلحة العامة
ثمّة قيد أساس آخر لحالة الإطلاق الموجودة في الولاية، وهو الأخذ بنظر الاعتبار المصالح الحقيقية للمولَّى عليهم (وليس المصالح الشخصية) بشكل يُفنى معه الفرد في المصلحة العامة: «على من يحكم المسلمين والمجتمع الإنساني أن يأخذ بعين الاعتبار، دائماً، المصالح العامة، ويغضّ الطرف عن القضايا الخاصة والعواطف الشخصية»[52]. واستناداً إلى هذا ـ وكما مرّ آنفاً ـ فإنَّ الولاية المطلقة تعني التصرف في جميع أمور البلاد بشروطٍ، وبمقتضى المصلحة، وإنَّ عدم مراعاة ذلك يستدعي الخلع من القيادة.
د ـ الاستفادة من الاستشارة
الاستبداد هو تصرف الفرد من دون مراعاة آراء الآخرين، ويقع في مقابله أسلوب التشاور. ففي نظام الولاية المطلقة للفقيه، ورغم أنَّ الذي يتخذ القرار النهائي هو ولي الفقيه شخصياً، إلا أنَّ قائد الحكومة الإسلامية مضطر لاستشارة المتخصّصين والخبراء في شتَّى الأمور، وبعد أن يحيط علماً بكافة الآراء ووجهات النظر، عليه أن يتخذ القرار المناسب كما أشير إلى ذلك في المادة «110» من الدستور. وعلى فرض عدم وجود أمر كهذا في الدستور، فإنه ينبغي للحاكم الإسلامي ـ اتباعاً للقرآن وسيرة النبي(ص) والأئمة(ع) ـ أن يطبق مبدأ الشورى. وبناءً على هذا، فإنّه لا يوجد ما يقلق في الولاية المطلقة.
هـ ـ إشراف الناس ومجلس الخبراء
يشرف الناس دائماً، بشكل مباشر أو بالواسطة (مجلس الخبراء)، على عمل القائد. والمهمة الرئيسة لمجلس الخبراء هو تعيين، وإذا خرج عن طريق العدل والتقوى، عُزِل تلقائياً. إلاّ أنّ تشخيص هذا الخروج والإعلان ينبغي أن يتم بواسطة مسؤول رسمي وهو مجلس الخبراء. وعلى هذا، فإنّ واحداً من مهام مجلس الخبراء هو الإشراف على أعمال القيادة للحيلولة دون بلوغ الأمر مرحلة العزل[53]. وهذا الإشراف الحازم يعدّ أسلوباً فاعلاً لمنع استغلال السلطة وصلاحيات القائد الواسعة، والقانونية.
ز ـ حق النقد
مع وجود كل سبل المراقبة لسلطة الفقيه، فإنّ الحق في نقد أعماله مصان للناس. والمقصود بالنقد هو النصيحة وتوخّي الخير، وليس التخريب والهدم. والنصيحة والنقد البنّاء يعنيان كل قول أو فعل روعي فيه خير وصلاح من قُدّمت له النصيحة. والقرآن الكريم يصف دعوة الأنبياء بالنصيحة، وكلَّ واحد منهم بالناصح الأمين؛ ذلك أنهم لم يكونوا يتوخون سوى الخير للناس[54]. فقد قال نوح(ع):«وأبلغكم رسالة ربي وأنصح لكم»، وقال هود عليه السلام: «أبلغكم رسالة ربي وأنا لكم ناصحٌ أمين». فالنصيحة للجميع تؤدي إلى تطور الأعمال و تزداد أهميتها للحاكم الإسلامي. وليس من مصلحة قادة المجتمع الإسلامي أن يجعلوا أنفسهم فوق الانتقاد بمعناه السليم، فعلى الحاكم أن يعلم أن الناس يشرفون على أعماله، ومن حقهم أن يسدوا له النصح عند الضرورة. كان الإمام علي(ع) يطلب إلى الناس أن ينتقدوه:
«فلا تكلّموني بما تكلّم به الجبابرة، ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالاً، في حق قيل لي»[55].
قال الإمام الراحل:
«النقد لأجل البناء وإصلاح الأمور، شيء ضروري»[56].
وهذا يعني عدم وجود حكومة دينية مطلقة، وحتى النبي(ص) لم تكن لديه حكومة مطلقة قائمة على الرغبات النفسية كبقية الناس، وكان يتحرك وفقاً لما يمليه عليه الوحي. وإنّ غير المعصومين مثل الفقهاء، ليسوا فوق القانون، بل وليسوا فوق النقد أيضاً. فإن من حق الأمة أن تدقق في أعمال القائد وتحاسبه. وعليه، فإنّ حركة القائد محكومة للقانون وليس العكس.
كلمة أخيرة
إن هذا الكم من المقالات، والإشكالات، والشبهات التي تثار حول ولاية الفقيه وأهليته العلمية، والأخلاقية، وسلطته، مما يكتب وينشر، لا يوجد له مثيل بشأن بقية أركان النظام الإسلامي. ولعلَّ السر في ذلك يعود إلى الموقع الحساس، والمكانة السامية لولي الأمر الذي كان بمثابة عمود خيمة الدين، والعمود الفقري للنظام الذي ترتكز عليه بقية الأركان، وإلى محاولة الأعداء وعملائهم استهدافه. وهذا الإشكال القائل: إن تركيز السلطات بشكل مطلق يترافق مع الفساد واستغلال السلطة، لا قيمة له لدى المسلمين الذين يعيشون في الأجواء الروحية للمجتمع، ويعايشون أناساً فضلاء متقين قد هذّبوا أنفسهم. وعلى قادة المجتمع الإسلامي أن يتمتعوا بالصفات التي يتحرق الإمام علي(ع) شوقاً إلى رؤيتها؛ أي أن يكونوا علماء ربانيين[57]. فهم بعيدون عن الاهتمام بالدنيا والسلطة، وانتهاك الحقوق، ويسعون إلى دفع المجتمع، أيضاً، بهذا الاتجاه، وإن بلوغ هذه المرحلة، إنما يتم بعد اجتياز معترك جهاد النفس. لذا، فإن اتهامهم بالاستبداد وانتهاك القانون، هي تهمة غير مقبولة.
ولعلّ ما هو جدير فعلاً بالنقاش وإمعان النظر، هي أفعال وتصرفات مسئولي النظام الإسلامي. فالقيادة، وبعد انتخابها من قبل مجلس الخبراء، لا تتوانى لحظة عن أداء المهمات المنوطة بها شرعاً وقانوناً. والمهم هو: هل أنَّ الأوامر الصادرة من مقام ولي الأمر تُنفّذ أم لا؟ فجميع مسئولي النظام هم مكلّفون بتنفيذ أوامره وإرشاداته. وعندما يتم ذلك بمسؤولية، فإنّ الأعمال ستنجز بشكل طبيعي، ومنطقي، وقانوني، وسيكون النظام القائم على ولاية الفقيه مقتدراً، وفاعلاً، ومتمكناً من حل المعضلات، مما يؤدي إلى تعزيز مكانة ولاية الفقيه. لكن إذا لم تكن هذه المجموعة متمتعة (لأي سبب كان) بالفاعلية اللازمة، أو كان أعضاؤها يفكرون بمصالحهم الشخصية، أو الفئوية، فسيُنسب ضعف النظام وخِوَرُه وعدم فاعليته إلى الولي الفقيه. وكل فرد من المنتخبين ممن يتولون منصباً في هيكلية النظام، له دور في النظام برمته، وسيكون تقصيره في أداء الواجب خيانة بحق الإسلام والمسلمين؛ ذلك أنَّ القوانين المتعارف عليها في البلاد، هي الأخرى، قد اكتُسبت مشروعيتها بتأييد وإقرار الولي الفقيه، والتخلف عنها هو تخلف عن الحكم الشرعي. وعلى هذا الأساس، قال الإمام الخميني: «إن تخطي إشارة المرور الحمراء مشكل شرعاً».
ولنفترض أنّ قائد المجتمع هو إنسان معصوم كالإمام علي(ع)، والأعداء والجهلة من الأصدقاء يمكن أن ينسبوا ضعف وتهاون بعض الموظفين إلى شخصيته المقدسة، بينما بكى الإمام بشدة عندما بلغه خيانة أحد عمّاله وشكى إلى الله من عمله. فلو أنّ هذا الشخص أدّى واجباته بشكل صحيح، لكان قد أدّى إلى تحسين صورة الحكومة وتعزيز النظام العلوي، ونال رضا الله والإمام(ع) كما أن ضعف الكوفيين وخورهم عن التحرك نحو ميادين الجهاد، رغم أن الإمام علياً(ع) دعاهم مراراً إلى ذلك، أدى إلى حدوث خلل عام في عمل الحكومة، وبطبيعة الحال، فإن الذنب كان ذنبهم. واليوم، أيضاً، حيث إن لمجتمعنا الإسلامي قائد حلّ محل المعصوم، وورث منصب الإفتاء، والقضاء، والحكم المشروع عن المعصوم(ع)، يعمل ولايته بالاعتماد على هيكل النظام والمسؤولين الصغار والكبار فيه. وقد منح الناس المكانة اللائقة، وقد هيأ هؤلاء الشرط العملي للقيادة من خلال مصداق «حضور الحاضر». كما أن القائد بدوره تم انتخابه بصفات ممتاز قلّ نظيرها. ويشكّل مسئولو النظام حلقة الوصل بين القائد والناس، وسبب وجودهم هو خدمة الناس، فهم يستطيعون، بالخبرة والإيمان والعقل، أن يكونوا خدماً للنظام والناس، وبذلك يصونون كرامة الولاية، وعند تقصيرهم يؤدون إلى تشويه صورة النظام الإسلامي ووهنه. ولذا، فإن النقد، أو المناقشة، أو التدقيق في أعمال موظفي النظام ومحاسبتهم هو أمر بأمس الحاجة إليه أكثر من أي شيء آخر، كما أن تصحيح أخطائهم يحتاج، بطبيعة الحال، إلى جهود جماعية مكثّفة، لتشمل الأخلاق، والتربية، والثقافة، والاقتصاد، والأسرة، والفرد، والمجتمع. فإن كان قدر ضئيل من العدالة التي ينبغي لولاية الفقيه المطلقة أن تراعيها (وهي تراعيها) متوافراً في كافة المسؤولين، والموظفين، فإن الانتقادات ستنعدم تماماً.
لكن، وللأسف، فإن انعدام هذه الصفات في بعض المسؤولين، أدى إلى أن تنسب العيوب والنقائض إلى ولاية الفقيه، فتثار الشبهات بشأنها.

[1] رسالة الإمام إلى آية الله خامنئي ـ الذي كان رئيساً للجمهورية آنذاك.
[2] صحيفة النور، 2/83، وقد ظل حتى أواخر حياته (ومن ذلك في بيان 52 دي 1367ش/ 15/1/1989م) يؤكد على التدوين النزيه للوقائع وتاريخ الثورة ومبادئها.
[3] رضا حق بناه، «جايكَاه قانون وقانون كرايي در قرآن»[مكانة القانون في القرآن]، «مجلة أنديشه حوزه»، العدد 14، خريف 1377ش/ 1998م، ص 253ـ278.
[4] لسان العرب، 15/406.
[5] السيد محمد بحر العلوم، بلغة الفقيه، 3/210. ويقول الإمام الخميني(قده): «الولاية تعني حكم البلاد وإدارتها وتطبيق قوانين الشرع المقدس». الإمام الخميني، ولاية الفقيه، ص 56.
[6] مهدي حائري حكمت وحكومت، ص 178.
[7] المصدر نقسه، ص 177.
[8] محمد هادي معرفت، ولايت فقيه، ص 74.
[9] مهدي حائري، حكمت وحكومت، ص 178.
[10] الإمام الخميني، ولايت فقيه، ص 52ـ 53.
[11] المكاسب، 153.
[12] وسائل الشيعة، 18/66، الباب 8، صفات القاضي، الحديث 53، عيون أخبار الرضا، 2/37، الحديث 93.
[13] بلغة الفقيه، 3/228.
[14] ) كتاب البيع، 2/467ـ 470.
[15] شؤون واختيارات ولي فقيه، ترجمة بحث ولاية الفقيه من كتاب البيع، ص 25.
[16] النهاية، ص 301، قم، قدس، لا تاريخ.
[17] الدروس، ص 165.
[18] المقنعة، ص 80، الشيخ الأنصاري، المكاسب، ص 153.
[19] جواهر الكلام، 21/393 ـ 397.
[20] إسلام ومقتضيات زمان، ص 91.
[21] الإمام الخميني، ولايت فقيه، ص 64، كتاب البيع، ص 488.
[22] صحيفة النور، ج 20/ص 170.
[23] مجلة كيان، العدد 24، ص 21.
[24] وسائل الشيعة، ج18/ص94، الباب 10، صفات القاضي.
[25] الإمام الخميني، ولايت فقيه، ص 33.
[26] الإمام الخميني، بندها وحكمت ها، ص 119.
[27] كتاب البيع، 2/461.
[28] صحيفة النور، 20/170.
[29] عميد زنجاني، رسالت، 20/3/1371ش (حزيران، 1992م) العدد 1850.
[30] صورت مشروح مذاكرات شوراي بازنكَري قانون أساسي، 2/689ـ 690.
[31] نفس المصدر، 3/131.
[32] صحيفة نور، 10/133.
[33] المصدر نفسه، 10/39، 174.
[34] المصدر نفسه، 11/37.
[35] فرهنك علوم سياسي، ص 25.
[36] مونتسكيو، روح القوانين، ترجمة علي أكبر مهتدي، ص 93ـ 119، تاريخ فلسفة سياسي، 1/134.
[37] الإمام الخميني، ولايت فقيه، ص 32ـ 33.
[38] قانون أساسي، [دستور الجمهورية الإسلامية] الفقرات 1 ـ 2 ـ 8، من المادة 110.
[39] القواعد الفقهية، 1/320، جواهر الكلام، 40/100 الإمام الخميني الرسائل، ص 5، تنبيه الأمة وتنزيه الملة، ص 89.
[40] صحيفة النور، 8/262.
[41] المصدر نفسه، 15/188.
[42] إسلام ومقتضيات زمان، 2/86.
[43] صحيفة النور، 10/138.
[44] إسلام ومقتضيات زمان، 2/86.
[45] صحيفة النور، 20/171.
[46] محمد هادي معرفت، ولايت فقيه، ص 174.
[47] صحيفة النور، 9/176.
[48] المصدر نفسه، 21/112.
[49] المصدر نفسه، 20/176.
[50] شؤون واختيارات ولي فقيه، ترجمة بحث ولاية الفقيه من كتاب البيع، ص 80.
[51] نفس المصدر، 10/10، 53.
[52] الإمام الخميني، ولايت فقيه، ص 95.
[53] محمد تقي مصباح يزدي، مجلة حكومت إسلامي، العدد 8، ص 42.
[54] جذر هذا المعنى من : «نصحت العسل» أي صفّيته. وعلاقة هذه المادة بالعمل الذي ينجزه الناصح هي أن الناصح ينقي كلامه من كل شائبة وغش ولا يترك فيه دافعاً سوى حب الخير.
[55] نهج البلاغة، الخطبة 216، الطبعة التي حققها صبحي الصالح.
[56] صحيفة النور، 14/236.
[57] نهج البلاغة، الحكمة 139.

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية