مؤلفات العلوية الشهيدة آمنة الصدر

كلمة ودعوة

المرأة بين مفهومي العلم والثقافة

 

اختاه ...
كنت قد تحدثت في احدى الاعداد السابقة عن الثفافة والعلم واختلاف مفهوميهما وموقف الاسلام من كل منهما ، وقد افترقنا آنذاك على ان نعود فنلتقي ثانية لنتابع ما وقفنا عنده من بيان خطورة غزو الثقافة الاجنبية لبلادنا الاسلامية ، واستيلائها على مفاهيمنا ومثلنا العريقة وتخديرها لافكارنا بأفيونها الاستعماري البغيض ، وتشويهها لصفحة نتاجنا الاسلامي الذي هو مرآة حضارتنا العميقة .
ولنأخذ ـ على ذلك مثلا ـ الرسم فهو في حد ذاته شيء حسن وحسن جدا ، وقد خلد وخلد كثيرا ممن نبغوا فيه وأصبح عنوانا لحضارات مختلفة توسعت في الرسم بشتى أنواعه وأشكاله من نحت ، وتمثيل وتصوير ، ولكنه في الوقت ذاته يطبع متتبعيه وهواته بطابعه الخاص لأنه مرتبط بوجهة النظر العامة عن الحياة والكون والمفاهيم المأثورة عنها ، فإذا أخذت خطوطه وقواعده عن فنان يؤمن بوجهة النظر المادية عن الحياة والكون ومدلولاتها الاخلاقية والاجتماعية أصبحت الصورة مادية متحللة من القيم الروحية .


( 173 )

وأما اذا بني الفن على وجهة النظر الصحيحة للحياة والكون أصبح ناطقا معبرا عن الانسانية السامية ، ومشيرا الى المفاهيم الحكيمة العالية وكذلك الادب بشعره ونثره وهو الشيء الذي لا غنى لنا عنه لتنوير أفكارنا ، وتهذيبها ، وابراز مشاعرنا وتنسيقها ، قد اصبح عند بعض الادباء المتطرفين سلعة رخيصة تأخذ عن الادب الغربي مباذله ، وتكشفه ومن الادب الشرقي ماديته وانحرافه وكفره بالقيم والاخلاق الفاضلة الخيرة !
وقد استحال بعض ادبائنا مع كل الاسف ، الى مترجمين وناشرين لا أكثر ولا اقل !! ، أفكارهم غريبة عنهم بعيدة عن واقعهم ومجتمعهم تستهويهم الصيحة ، وتطربهم نغمة ، وتسكرهم رشفة ، فيغنون بأمجاد الاعداء وهم في غفلة ساهون ، ويهللون للافكار السامة وهم لا يكادون يفقهون منها شيئا ، وقد تشبعوا بالثقافة الاجنبية التي أدخلها الاستعمار الى بلداننا منذ عهد بعيد وهي التي انحرفت بجيلنا الناشيء ذات اليمين وذات اليسار ، وحرصت على تشويه انتاجاتنا الادبية بكل أشكال ونواحيها ، ومن جراء هذا الفهم الخاطئ للثقافة وهذه الثقافة الدخلية انتشر في ربوعنا مفهوم استعماري عدائي موجه نحونا نحن بنات الاسلام بالذات ! فشوهوا علينا دعوتنا لطلب العلم واستجاباتنا لدعوة الرسول اذ جعلوا من التعلم والسفور توأمان لا يفترقان !!


( 174 )

فكأنما التعليم ليس بممكن لا اذا برزت بغير غطاء ! في الوقت الذي يكون ذلك سهلا ويسيرا اذا طبق النظام الاسلامي ، وتطهرت معاهدنا من النفوذ الاجنبي ، وارتفع شبابنا عن وهدة الجنس وتسامى عن حضيض الرذيلة ، واذا عمت النظرة الأخيرة وشاعت الفكر الانسانية الفاضلة بين المجتمع الاسلامي ، واذا اكتسبن فتياتنا شيئاً من صمود امهاتهن المسلمات وراجعن عهودهن الزاهرات ، أيام كن يعقدن النوادي الادبية ويفحمن اعاظم الرجال ! من وراء حجاب ، ايام كن يشهدن الحروب الدامية ! وهن كالزهرة في الاكمام لم يعقهن الخمار عن خوض الميادين ولم يقعد بهن الحذر عن الانطباع بطابع الثقافة الاسلامية الصادقة وما أحلى ابيات وردت عن لسان شاعرة نابغة اذ تقول :

بيد العفاف اصون عز حجابي * وبعصمتي أسمو على أترابـي
وبفكــرة وقادة وقريحــة * نقادة قــد كملــت آدابـي
ما عاقني خجلي عن العليا ولا * سدل الخمار بلمتـي ونقابـي

بنت الهدى


( 175 )

دور المرأة المسلمة في الطف


أختاه ....
وبعد ، فما أروعه من لقاء يجمعنا على صفحة قرطاس في غضون هذه الأيام أيام محرم الحرام ، وبعد ان عشنا الأسبوعين المنصرمين مع أعظم كارثة اسلامية نستعيد ذكراها المستقرة في أعماق نفوسنا نحن المسلمين ، ونمجد خلودها الصاعد على مر العصور ، ونتابع حوادثها البطولية الرائعة ، لنستمد منها أسمى معاني الكفاح المتبلور بالاشعاعات السماوية ، والزاخر بالمثل الروحانية ، المليء بكل المعاني الخيرة التي تمثلت في يوم الطف ـ من عاشوراء ـ ، ذلك اليوم الذي لم يزل ولن يزال عبرة في صدور المسلمين ، وغرة في تاريخ الاسلام . ومشعلاً وهاجاً ينشر معالم العزة القعساء والايمان الصحيح . وطريقاً مهيعاً للخلود الروحي ، والبقاء الأدبي المعنوي ! .
وأني لحريصة في لقائنا هذا أن أغتنم هذه الفرصة لأتحدث فيها عن دور من أهم أدوار هذه الذكرى المقدسة ، والذي يجيء أثر دور الأمام عليه السلام مباشرة . فأذكر


( 176 )

السيدة ( زينب عليها السلام ) زينب بنت علي (ع) واخت الحسنين (ع) سليلة البيت الهاشمي العريق . وعقيلة الطالبيين . زهرة أهليها الأعلين وريحانة النبوة السماوية . وقداحة الشجرة المباركة . التي اصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء ( زينب ) هذه التي دبت وترعرعت في مهد الجنان الفاطمي والعطف المحمدي . والتي هيأت منذ اليوم الأول لتسجل أروع صفحة في جهاد المرأة المسلمة والتي احاطتها ظلال عاشوراء منذ الفجر الأول لولادتها . فهذا التاريخ يحدثنا صادقاً وحتى على لسان المستشرقين أمثال ( رونالدسون ) في كتابه ( عقيدة الشيعة ) و ( منس ) في كتاب ( فاطمة وبنات محمد ) نعم يحدثنا أن البيت النبوي كان يرى في وليدته الصغيرة جيشاً صامداً امام حوادث الدهر المقبلة فأخذ يهيؤها لذلك . وعندما لمح لها الامام ( ع ) في يوم من الأيام عن دورها المقبل أجابته في جد رصين : ( أعرف ذلك يا أبي ، اخبرتني به أمي لتهيأني لغدي ) . يالله ويا لروعة عقيلة بني هاشم ... ويا لعقيدة الاسلام ... التي تهب الروح المسلمة طاقة تقاصر دونها الطاقات .
ثم درجت زينب ( ع ) وتقدمت بخطاها نحو صباها الحزين بعد فقد الرسول الكريم ( ص ) والأم الرؤم ( ع ) ومضت منطلقة بوصية الأم النائية فأصبحت للحسن والحسين عليهما السلام أماً ثانية لا يعوزها حنان الأمومة بما فيه من إيثار وتضحية . ثم تتابعت الحوادث وتعاقبت وعقيلتنا تتابعها


( 177 )

عن بعد أو قرب وقد اندمجت مع رسالة جدها الخالدة تستمد منها النور الوهاج والقبس المضيء حتى وقفت بها عجلة الزمن في يوم النور الخالد ، ويوم الجهاد الشامخ فكانت هي أول من تحسس مواطن الخطر في كربلاء ! وحينما سمعت الامام ( ع ) يقول : ( يا دهر اف لك من خليل ... ) فرجعت إليه وهي تقول : ( واثكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة ... ) فيروح أخوها الحبيب يسليها ويواسيها ، ثم يشرح لها الوضع الراهن على حقيقته ، ويوصيها بوصاياه ...
ومنذ تلك الساعة اخذت على عاتقها تحمل المسؤولية الكبرى واضطلعت بأروع مهمة تاريخية ، وهي تركيز نداء الحق الذي استشهد لأجله الميامين ! . فنراها وقد خرجت من المعركة ، بعد إذ فقدت فيها أعز ما يفقد ، نراها شامخة كالطود ، راسخة كالجبل الأشم ! تخاطب يزيد فتقول : ( أظننت يا يزيد ، حيث أخذت علينا أقطار الأرض ، وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى ان بنا على الله هوانا ، وبك عليه كرامة ، وان ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، جذلان مسروراً ، حين رأيت الدنيا لك مستوثقة ، والأمور متسقة .. فمهلاً مهلاً ، أنسيت قول الله تعالى : ( ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لأنفسهم ، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولم عذاب مهين ) ( آل عمران 178 ) فوالله ما فريت الا جلدك ، ولا حززت إلا لحمك ... ولأن اتخذتنا مغنماً لتجدنا وشيكاً مغرماً ، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك ... ) .


( 178 )

هكذا خرجت بنت علي ( ع ) من الطف وهي أرفع ما تكون روحاً ، وأرسخ ما تكون من عقيدة وثبات .
ولقد كانت خطبتها المأثورة في الكوفة هي الشرارة الأولى للأخذ بالثأر ، ولحركة التوابين ! فلقد كفكفت دموعها وهي تلمح الكوفة مهد صباها اليانع ، وعاصمة عزها الشامخ وأشارت للجموع الباكية بالسكوت ، ثم قالت : ( أما بعد يا أهل الكوفة .... أتبكون ، فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنة ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً ، تتخذون إيمانكم دخلا بينكم ... ألا ساء ما تزرون ... أي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا ، أتعجبون لو أمطرت السماء دماً ، ألا ساء ما سولت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون ... ) .
واستمرت بنت الرسالة تدعو إلى رسالة الاسلام على يقين وبصيرة لم يشغلها المصاب الهائل ! ولم تقعد بها الشدائد عن المضي قدماً في طريق الدعوة والهداية ! حتى أنها كانت امتداداً لحياة أخيها الشهيد (ع) وآلها الأطهار ، فلنقتبس ومضة من روحها الجبارة ، ولنستمد طاقة من طاقاتها المثالية لنحتفظ بكياننا الاجتماعي ، الذي بنته لنا ، هي وآلها الميامين ، تحت راية الاسلام الشامخة ، ولواء القرآن المظفر ، ولا يقعدن بنا


( 179 )

وهن أو كسل فهذا الغد المشرق يفتح ساعديه لاستقبالنا لنرقى إليه وبيميننا القرآن وبشمالنا كلمة ( لا إله إلا الله فالغد لنا إن شاء الله ) .

غد لنــا لا لمبـادئ العـدى * ولا لأفكارهـم القاحـلـــة
غد لنـا تزهــر فـي أفقـه * أمجادنـا وشمسهـم مائلــة
غد لنـا إذا تركنـا الونــى * ولم تعـد أرواحنـا خاملــة
غـد لنــا إذا عقدنا اللــوا * لديننا في اللحظـة الفاصلــة
لا وهن ، لا تشتيت ، لا فرقة * نصبح مثل الحلقــة الكاملـة
إذ ذاك لا نرهب كــل الدنا * ولا نبالــي نكبـة نازلــة
غـد لنـا وما أحيلــى غد * كل الأماني في غـد ماثلــة
إذ ينتشر دستـور اسلامنـا * تهـدي الورى أفكاره الفاضلة

بنت الهدى


( 180 )

المغالاة في المهور


اختاه ...
ما اسعدني وانا أتوجه إليك بهذا النداء ، وما اشد فخري واعتزازي إذ اكتب ، إليك من جديد وأنا واثقة هذه المرة من أنك تقرئين ما أكتب ، وتستمعين إلى ندائي بقلبك وفكرك وعواطفك . وقد كنت أنتظر هذا اليوم بفارغ صبر ، والآن وقد تحقق حلمي الذهبي ، وأصبحت واثقة من وصول صدى صوتي إليك ونفوذه إلى صفحات قلبك الطاهرة بعدما تحسست بقلبي وعيني المحصول الرائع لسنتين خضناهما معا جنباً إلى جنب ، وقلباً مع قلب ، ويداً واحدة وفكراً واحداً حتى تبلورت أفكارنا ، وتعقمت من الادران وخلصت من كل شائبة ، وغدوت أرى فتياتنا الناشئات وقد تبدلت نظرة اكثرهن نحو واقع الحياة ، واكتسبت أفكارهن إطارات جديدة تشعرهن بالمسؤولية وتنبههن إلى رسالتهن الغالية .
والآن وبعد أن أبعدتني الظروف عنك شهوراً قليلة في حساب الزمن ، كثيرة في حساب قلبي وعواطفي ، أعود إليك


( 181 )

وانا اكثر ما اكون لهفة وحنيناً إلى لقائنا هذا ، وعلى صفحات نشرتنا الغالية الأضواء وهي قد تخطت عامها الثاني موفورة الكرامة ، مكللة بأكاليل الفخر الواقعي والمجد الحقيقي المترفع عن كل مادة أرضية غلت او رخصت ! فأنا اشعر وكأن الأضواء قد أصبحت جزء من حياتي لا يتجزأ ! لأنها تقربني إليك ، وتجمعني بك في أول كل شهر ، ولأنها أيضا تستطيع ان ترفع عن كاهلي بعض ما أحسه من مسؤولية تجاه ديني أولا وبنات جنسي ثانيا ، وانا واثقة ايضاً من انك تشعرين نحوها نفس الشعور فان نسبة القارئات والمشتركات في الأضواء نسبة مبشرة بكل خير والحمد لله .
أختاه ... أنا أريدك معي في هذا اللقاء لنعالج معاً نقطة حساسة في حياتنا نحن المسلمات تمس كرامتنا وعزتنا بالصميم . وتجعل من فتيات الاسلام سلعة رخيصة كالاماء في سوق الرقاق ! فأنا أريد أن أتحدث وإياك عن المهر أو الصداق بعد أن أصبح الغلو فيه موضه ومظهراً من مظاهر البذخ والدلال والاعتزاز بالفتاة ، متى اصبحت الفتاة سلعة يساوم عليها ؟ وأي ضمير انساني يسمح ان تكون للفتاة قيمة معينة قد تزيد وقد تنقص ؟ . وهي المخلوقة الطاهرة التي جاءت لتنشئ أجيالاً وأجيالاً ! وأنا إذ أكتب هذا إنما اكتبه للآباء اولاً وبالذات فهم وحدهم المسؤولون عما وصلن إليه بناتهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون ، فهم في الوقت الذي يريدون فيه ان يرتفعوا ببناتهم ينزلون بهن إلى مصاف


( 182 )

الأماء ! جاهلين أو متجاهلين جميع الأضرار الاجتماعية التي تنتج عن غلاء المهور وفي عصر كعصرنا هذا !! فهم يظنون أن البنت مهما غلت بنفسها غلت بمهرها في الوقت الذي يعلمنا فيه الاسلام ، وواقع الحياة ، أن الفتاة مهما غلت بنفسها رخصت بمهرها وقبلت الزواج على أنه شركة روحية لا أكثر ولا أقل .
ولكن فتاتنا المسكينة لا تزال تحت وطأة بقايا الجاهلية فهي أما فتاة متحررة منطلقة من كل قيد وشرط ، وأما فتاة مسكينة لا حول لها ولا طول ولا تتمكن حتى من إثبات وجودها وإبداء رأيها في هذا المضمار ! فأنا لا أكاد أصدق أن هناك فتاة واحدة تقبل بكل عواطفها أن يحدد لها قيمة عقد الزواج . ولكن العرف الأعمى والتقاليد الظالمة هي التي انحرفت بنا عن طريق اسلامنا وما جاء به من تعاليم . أو ليس لنا في رسول الله ( ص ) وابنته أسوة حسنة إن كنا مسلمين ؟ فان فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وبنت سيد الأمة وحامل الرسالة والنبوة ، كان صداقها درع باعه ابن عمها ليشتري بدراهمه مستلزمات المعيشة ! وقد زفت إلى بيت ليس فيه إلا حشية من قش وبعض الأواني ومطحنة للطحين ! ولم تكن صلوات الله عليها مغصوبة في ذلك أو مجبورة عليه ، فقد استشارها أبوها فوافقت ولم يكن يبت في أمرها بغير رضاها ، نعم وافقت وهي تعلم أن عريسها فقير في ماله متواضع في بيته ولكنه علي أمير المؤمنين ( ع ) وكفى بذلك


( 183 )

فخراً . كانت تتمكن أن تخطب إلى أثرى رجل في مكة ، وكانت تتمكن لو أرادت أن تأخذ الدنيا زاهية براقة ، فهي بنت رسول الله قبلة أنظار الخاطبين وكعبة الطالبين لكنها اختارت السعادة الواقعية وفضلت الرتبة الروحية وأرادت بهذا بنفس الوقت أن تعطينا درساً نعتبر فيه في كل عصر وزمان فهل نحن معتبرون ؟ .

بنت الهدى


( 184 )

النفوس العالية


اختاه ...
تحية وإخلاصاً ودعاء ،
وبعد ، فأراني وأنا مدفوعة في هذه المرة إلى أن أخصص ندائي وأوجهه إلى أخت واحدة لا غير ، أخت عرفتها من بعد ولم أتعرف إليها عن قرب ، وأغلب الظن أني لن أتعرف اليها عن قرب ولن تتعرف إليّ هي أيضاً عن قرب ، فهي أخت مسلمة لا تجمعني وإياها سوى الوحدة تحت راية الاسلام والالتفاف حول كلمة لا إله إلا الله ولكني واستجابة للدافع الروحي الذي يهيب بي أن أكتب اليها وأن اخصها في هذا اللقاء سوف أوجه إليها ندائي ساحقة جميع الاعتبارات التي قد لا تجوز لي مخاطبة من لا أعرف عنها أي شيء اللهم سوى كونها مسلمة ومحافظة على تعاليم الاسلام ، وسوى ما قيل عنها أنها من كربلاء أو من أسرة تنتسب إلى كربلاء ، ولا أدري مقدار الصحة من هذا ولكنها قبل كل شيء شريكة لي في المبدأ والعقيدة ، وأختي في الله وفي الاسلام فان لي الفخر بأن اعتبر نفسي اختاً متواضعة لكل مسلمة ، وأن اعتبر جميع


( 185 )

المسلمات أخوات لي عزيزات وكفى بهذا سبيلا يبرر لي الكتابة وأني إذ أكتب هنا اعتمد بايصال ما أكتب إليها على كل اخت مسلمة ، واخ مسلم يعرف عنها اكثر مما اعرف .
فلعلها ليست ممن يقبلن أمثال هذه الصفحات ، أو لعلها لا تعرف عن نشرتنا الاسلامية شيئا والآن فإليك يا أختي ندائي فاسمعيني بالله عليك واستمعي إليّ بروحك وقلبك معاً ، فقد بلغني عنك يا أخية أنك طرقت أبواب العلم عن طريق المدارس والمعاهد سواء أكنت مدفوعة إلى ذلك بدافع المجتمع والمحيط أو بدافع الرغبة الشخصية حتى انتهيت في سيرك إلى كلية الحقوق لتحصلين على أكبر رقم من الثقافة . وإلى الآن فليس في هذا ما يسترعي الاهتمام او يستوجب الانتباه ، فما أكثر الفتيات اللاتي حصلن على معدلات فتحت لهن أبواب الكليات فاندرجت أسماؤهن في سجل المتعلمات ، ومشين في ركب الثقافة الحديثة التي تتطلب السير وراء كل معالم الحضارة المستوحاة من الخارج ، فأصبحن في هذا كغيرهن من ملايين الفتيات لا يفرقن عنهن ! فأصبحن في هذا كغيرهن إلا أنهن تابعات والأخريات متبوعات ولكنك أنت يا من لا أعرف عنك حتى اسمك ، أنت نعم أنت وحدك وبالذات دخلت الكلية مرفوعة الرأس ثابتة الأساس ، صريحة في غايتك واضحة في سلوك طريقك ، إذ أنك دخلتها وأنت متمسكة بأكمامك الغالية وأممتها وأنت حريصة على حجابك الطبيعي ( فمرحاً لك يا أختي ، ومرحاً لنفسك


( 186 )

العالية ) التي لم تهن ولم تنكل ولم تتراجع أو تتقهقر أمام التيارات والاغراءات ، والتهاويل ، والأباطيل ! وأنك وبصمودك هذا لتثبتين للمجتمع الغافل أن هناك من بنات جنسك من تسعى وراء العلم بمفهومه الصحيح لا لما يتطلب من مقدمات تستوجبها الثقافة الجديدة ! وأني إذ أوجه اليك هذا النداء أراني حريصة وحريصة جدا على أن يصل إليك بأي طريقة ممكنة ، ولا قصد في كل ما اقصد إلا تشجيعك ومساندتك فحسب ، فأنت ، وكما ستشعرين والحمد لله غنية عن التشجيع وإن كنت محتاجة إلى مساند ومعاضد ، ولكني أريد وغايتي الحقيقية هي أن أهمس اليك بكلمات أحب أن تأخذينها بمأخذ الحقيقة ، وتنظرين إليها بمنظار الواقع فاعلمي يا أخية أن هناك من يترقب بك وسلوكك الفرص ، وان هناك من يود أن يزحزحك عن رأيك بأية وسيلة ممكنة ولو عمل المستحيل ، وان هناك ممن لم يساعدهن الحظ على تعقيم أرواحهن يودن لو يشترين سفورك بنصف أعمارهن كما وان هناك من لم يجدن لديهن القوة الكافية ، والجرأة الوافية لمواجهة التيار المنحرف يتمنين بل ويسعين إلى فل صمودك ، وإلى تضعضع روحياتك بأي ثمن لكي لا يكون لك السبق عليهن ، فان الغد لك لا محالة ( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء ) النساء 89 نعم أن الغد لك ولنا إن شاء الله ، وهذه طلائعه البيضاء أخذت تنتشر في الأفق والحمد لله فكم فتاة في عمر الزهور تلج المدارس وهي


( 187 )

في أبراد الحجاب ، وكم من اللواتي مشين وراء النفير الأجنبي ونزعن حجابهن في غفلة وغرور أخذن يتراجعن وبدأن يستفقن من كابوس المفاهيم الخاطئة التي أملاها علينا الاستعمار الغاشم بعد أن أراد أن يستعمرنا في كل شيء حتى في أعز وأطهر ما عندنا وهو المرأة ! نعم هذه كلها بوادر خير وبواكير نجاح فامضي يا أخية في طريقك غير هيابة ولا وجلة ، ولا تدعي للمتربصات بك سبيلا إلى تشف أو مدخلا إلى نقد ، كوني مثلا يقتدى به ولا تكوني ألعوبة تقتدي ، كوني متبوعة لا تابعة قاومي الاغراءات أصمدي أمام كل شيء فأني لأعلم أن العقبات أمامك كثار وان دربك لا يخلو من شوك وعثار ! ولكن النكوص عار والتراجع شنار ، فالموت أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار !! .
ثم أني أريد أن أهمس في أذنيك أيضاً بأني قد سمعت وأكثر الظن أنك أيضاً تسمعين أن الحجاب والتستر يسترعي الانتباه أكثر من السفور ، ويستوجب لفت النظر اكثر من التكشف ، ولكن لا ، فما هذه سوى دعوى الرجال المتعطشين إلى التطلع إلى محاسنك ، ومحاسن بنات جنسك المسكينات ، فدعيهم وما يقولون وسيري على بركة الله ولا تهني فأن لك الغلبة في الغد ، وليس الغد ببعيد والآن فلا أدري هل سوف يصل ندائي هذا إلى أعماق قلبك وفكرك ؟ أم هل سوف يصل إليك على الأقل ؟ .
أسأل الله أن يكون كذلك ، ودمت للمعجبة ...


( 188 )

أختاه ...

غد لنا مهما ادعـى ملحــد * وارتجلــت مبـادئ وافده
غد لنــا إذا صمدنـا ولم * نضعف أمام العصبة الجاحدة
فالله قــد واعدنـا نصره * والحـق لا يخلـف من واعده


( 189 )

موقف المرأة في الاسلام


أختاه ...
مرحباً بك وأنت تلتقين معي على هذه الصفحات فلنراجع السير ولنتابع السور ونرجع بذاكرتنا معا إلى أزهر عهود البشرية . عهد الاسلام في فجره المشرق السعيد . لنستعرض دور المرأة المسلمة في ذلك العصر الذهبي ولنتطلع إلى موقعها في الاسلام ونظامه الاجتماعي هذا الاسلام الذي ركز للمرأة كيانها في ذلك العصر الجاهلي الرهيب الذي كانت الفتاة فيه موؤدة تسود وجوههم إذا بشروا بها . نعم في تلك الفترة المقيتة وبين معترك تلك الأفكار الهوجاء وافانا الله تعالى بدين الاسلام فأشاد بالمرأة في القرآن وجعلها في صف واحد مع الرجل لها ما له وعليها ما عليه كما جاء في الأية الكريمة ـ 195 سورة آل عمران ـ ( أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثى بعضكم من بعض ) وبهذا خلق الاسلام من المرأة المسلمة خلقاً اجتماعياً جديداً وركز لها مكانتها في الأوساط الاسلامية وارتفع بمعنوياتها حتى شهدت الحروب ونزلت إلى سوح الجهاد وكتبت لها أنصع صفحة في


( 190 )

تاريخ الأمة الاسلامية منذ عهد خديجة أم المؤمنين أول حاضنة للرسالة المحمدية ، واستمر التاريخ يحدثنا عن أمهاتنا اللاتي استنرن بنور الاسلام السماوي فقدمن الضحايا والشهداء من إخوانهن وأفلاذ أكبادهن ولم يكن المصاب ليزيدهن إلا غيرة وحماسة وتفانياً في سبيل تركيز راية اسلامهن الخالد .
فما أجدرنا اليوم إذ نمتحن رسالتنا الحبيبة بشتى المحن أن نرفع مشعل الدعوة الاسلامية وننشر علومنا وتعاليمنا في سبيل الدعوة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة وان نذكر دائماً وأبداً ان رسول الله ( ص ) كان قد أوصانا بطلب العلم وجعله فريضة على كل مسلم ومسلمة لكي يكون للمرأة المسلمة نصيبها من الدعوة إلى مبدئها ونظامها الخالد ولكي تكون قادرة على صد هجمات المغرضين ورد دعايات المرجفين لا لتتلاعب مع الريح مصفرة او محمرة شرقية كانت أم غريبة ولكن لكي تسير على الطريق المهيع السوي وتتمسك بالاسلام ديناً وعقيدةً ونظاماً ولكي تتفهمه لترى فيه كل ما تطمح إليه من تقدم ورقي وازدهار فلا تعود تتطفل على المبادئ الدخلية والأفكار المستوردة ومن ثم أرادها أن تتعلم لتعرف جوهر الاسلام على حقيقته الرائعة لا لتتعرف على انحلال الغربيات وتحجر الشرقيات أرادها أن تكون شعلة من نور ملائكي ، ويحاول المجتمع الفاسد أن يحيلها إلى لفحة من نار بهيمية أرادها أن تكون ريحانة عطرة ويريدها المفهوم الحيواني أن تغدو


( 191 )

كورقة صفراء ذابلة تتلاعب بها الريح ، خلقها لتكون قائدة سفينة فجعلتها الحضارة الكاذبة لعبة ساعة من الزمان خلقها لتصبح مدرسة أجيال ولكن قوى الشر تجهد لتحويلها الى آلة صماء .
فإلى الاسلام يا فتيات الاسلام ، وإلى الدعوة إليه يا حفيدات خديجة والزهراء وبنات سكينة والحوراء فان فيه الأمن والأمان وهو أعذب معين ننهل منه وأصفى غدير نرد فيه ولن ينخذل أو يرتد من يدعو إليه وإليه فقط أبداً .
فقد مرت على إسلامنا الحبيب أهوال وأهوال على مر العصور ومنذ أشرق نوره في مكة ولكنه خرج منها جميعاً أوسع دعوة وأقوى حجة وأصلب عودا فالله قد وعدنا النصر والله لا يخلف الميعاد والسلام على من اتبع الهدى .

سترفع راية اسلامنــا * نحو العلى خفاقة صاعـدة
وينتصـر دستور قرآننا * رغم أنواف الزمرة الحاقدة


( 192 )

الطلاق في نظر الاسلام


أختاه ...
قالت صاحبتي وهي تحاورني بأسلوبها التهكمي : هبينا جاريناك بما تدعينه للمرأة المسلمة من تركيز وسمو في محيطها إذا كان مسلماً حقيقياً فما عساك أن تقولي أنت في الطلاق وتشريعه وفيه ما فيه من هدم للسعادة الزوجية وتخريب للعش الهانىء وهو لا يعدو أن يكون كلمة ينطق بها الرجل متى شاء وأنى رغب ، أفليس في هذا اجحافاً بالمرأة ووأداً لحقوقها الطبيعية ؟ فقلت لها وبصوتي رنة المرارة والأسى عليها وعلى جميع مثيلاتها من التائهات المخدوعات ، قلت : فاتك يا أخية أن تراجعي أحكام الطلاق كما شرعت وعلى حقيقتها الناصعة الواضحة وأن لم يفتك مراجعة أحدث أزياء باريس لهذا العام . فهكذا أنت ومثيلاتك المسكينات تتسابقن لتحرزن قصب السبق في أضاليل الأعداء ولتتفاخرن بتفاهات الاستعمار التي لا يراد منها إلا تخدير أرواحكن بأفيونها السام فهل فاتك أن الاسلام حمانا إذ شرع الطلاق جاء به كآخر دواء لحياة مريضة موبوءة . وبعد إذ تشغل جميع الأساليب


( 193 )

الحكيمة لترميم ما تصدع من الحياة الزوجية كما جاء في الآية الكريمة ـ 35 النساء ـ ( وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكمات من أهلها أن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما أن الله كان عليماً خبيراً ) فان تشريع القضاء يضع الحل الوحيد والنهائي للمسشكلة أو الانحطاط إلى درك الرذيلة ، وتسد أمام الزوجين أبواب الخلاص والفراق مع استحالة الحياة والانسجام بينهما وانعدام الروابط الروحية والمعنوية وفاتك أيضا ياصاحبتي أن الطلاق أبغض الحلال عند الله تعالى كما قد روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ما من شيء أبغض عند الله من بيت يهدم بالفرقة ـ ، وكما روي عنه صلوات الله عليه أيضاً تزوجوا ولا تطلقوا فان الطلاق يهتز منه العرش !! ـ ولكن الاسلام أراد أن يهيئ للزوجين غير المتكافئين ، أو غير المتوافقين طريقة سليمة تقيهما شر الهبوط إلى الرذيلة ، ولذلك فقد شدد فيه ووكد لكي لا يستهين به الرجال ، ولا يعتبرونه مضغة في الأفواه ، كما جاء في الرواية : ـ أن الله عز وجل إنما شدد في الطلاق وكرر القول فيه من بغضة للفرقة ـ ، وان الله عز وجل يحب البيت الذي فيه العرس ويكره البيت الذي فيه الطلاق ـ . والسلام كما أنه أباح للرجل الطلاق عند الضرورة أباحه للمرأة أيضاً في حالات معينة إذا رفعت شكواها إلى الحاكم الشرع المسلم وأقرها على ذلك ، كما وقد أباح لها أن تشترط في العقد على زواجها فرض الطلاق عليها متى شاءت ، إن


( 194 )

كانت على غير ثقة وركون من زوجها المقبل ، مع قلة ما يتفق هذا في مجتمع اسلامي لا يفرض على المرأة إرادة تتعارض ومصلحتها الخاصة .
وأني لآسفة جداً لكونكن تأخذن أحكام الاسلام من مجتمع فاسد لا يعرف من الاسلام إلا اسمه ، فيخيل للرجل فيه أنه وقد خول هذه السلطة ، وله أن يستعملها وفقا لأغراضه الشخصية ، ويتخيل للمرأة فيه أنها أسيرة مهيضة الجناح لا حول لها ولا طول إلا إذا نقمت على الاسلام وكفرت بمثلة وتراكضت وراء المبادئ المستوردة ، فتروح تسعى لتثبت وجودها تحت بريق متكهربة كاذبة ، ولو كانت تعلم الحقيقة لاستطاعت أن تثبت كيانها الأدبي والاجتماعي على ضوء منهج الاسلام التربوي والاجتماعي تستطيع أن تشترط الطلاق ، وهي تتمكن من الفسخ إذا اكتشفت في زوجها عيباً شرعيا وهي حرة في إثبات شكايتها أمام الحاكم الشرعي المسلم ليحكم لها في الطلاق وهي قبل ذلك كله حرة في اختيار الزوج الذي ترضاه لنفسها في محيطها ومجتمعها الاسلامي الحقيقي ! لا في محيط متأرجح متحلل لا يمكنها من ذلك إلا بعد أن تسف إلى حيث الوحل اللزج ، وبعد أن تفقد عبير أنوثتها وتملأ منه أنوف الشباب ولهذا فلن يصلح المجتمع ، ولن تنال المرأة حقوقها كاملة إلا إذا تم تطبيق الحكم الاسلامي الحقيقي كما هو لا أكثر ولا أقل وعلى حقيقته الناصعة البيضاء وليس هذا ببعيد . ( نصر من الله وفتح قريب ) .


( 195 )

سترفع راية اسلامهنا * نحو العلى خفاقة صاعدة
وينتصر دستور قرآننا رغم أنوف الزمرة الحاقدة


( 196 )

نفثة الصدر للمرأة المسلمة


اختاه ...
وأخير طوينا صفحة عام كامل من حياتنا معا على صفحات الأضواء عام كامل ضم في حناياه الكثير الكثير من الألام والأمال واليأس والرجاء والكسل والنشاط .
عام كامل خضناه بحراً أجاجاً تارة وشربناه كأسا رقراقة أخرى فحوادث الدهر نشر ولف وللأيام أقدار وآراء .
عام كامل كنت أسعى فيه إلى لقائك على هذه الصفحات عند مطلع كل شهر ، وطالما تلهفت واستعجلت هذا اللقاء الذي يشدني إليك ، ويدنيني من اخواتي المسلمات اللاتي يستشعرن معي خطورة مسؤولياتنا في الحياة وعمق واجبنا أمام مبدئنا السماوي .
نعم كنت أتلهف واتشوق واثقة من ان كثيراً من بنات الاسلام كن يتلهفن ويتشوقن بدورهن أيضاً ، وذلك لما دل عليه هذا الاقبال المشكور من السيدات والآنسات للحصول على مجلة الأضواء ، ولكن الذي حزّ في نفسي وآلمني هو ما تحسسته في غضون هذه المدة من روح أنطوائية تقمصتها بنات


( 197 )

الاسلام ، وفكرة يائسة خاطئة قعدت بهن عن مجال الدعوة والتبشير في الوقت الذي يتحتم به علينا أن نكون أكثر تفاؤلاً بالمستقبل من أي وقت مضى بعدما دلت عليه نتيجة الأرقام في فشل المجتمعات الغير إسلامية ، وعجز الأنظمة الأخرى عن استيعاب تحقيق حاجات الانسانية . فمن بين نظام رأسمالي يرزح تحت وطأة الرأسمال ويئن من سياط الطبقية والعنصرية ويتحدر أثراً لانعدام المعنويات واضمحلال القوى الأدبية ، أو مجتمع الحادي مادي يفتقر إلى الروح ويفتقد حتى حرية التفكير أو تقرير المصير ! وأنا لا أريد هنا أن أعدد نقاط الضعف في الأنظمة المرتجلة ، أو أثبت عجزها عن القيام بالمجتمع البشري في الوقت الذي انبعث فيه دعوة الاسلام عالمية شاملة ، الناس عنده كأسنان المشط ، لا فضل لأحدهم إلا بالتقوى . وهذا ما عجزت عن ادعائه أحدث الأنظمة العصرية ، نعم لا أريد أن أدخل في هذا فلقد بحثه قبلي كبار الأدباء والفلاسفة الاسلاميين وأثبتوا صدق فكرتهم بدراسات موضوعية خالية من شوائب العاطفة والعصبية ! . ولكنني أريد أن اقول أننا يجب أن يكون أكثر تفاؤلاً بالمستقبل ويقيناً بحاجة المجتمع إلى الاسلام ، لما أصبح واضحاً جلياً خيبة المجتمعات الغير الأسلامية ولا أقصد هنا مجتمعات أجنبية فقط ، بل أعني مجتمعات في قلب الدول التي تسمى الاسلامية وهي أبعد ما تكون عن روح الاسلام ومعناه الصحيح فهي إذ تضج بالمشاكل وتصبح تعج بالعثرات


( 198 )

والكبوات كانت تتمكن وببساطة أن تتجنبها باتباعها الطريق السوي . نعم هذه المجتمعات المنحلة التي قنعت بأقعنة الحسد والنفاق وبطنت ببطانات الغش والخداع ، والآلام والحسرات ، كما نراه على صفحات المجلات في كل يوم وأسبوع . نعم هؤلاء الضالون الذين ألقوا بأنفسهم مختارين إلى أنياب هذا الوحش الضاري الذي يسمونه الحضارة الحديثة ! هؤلاء جاهلون أو متجاهلون مدى ما جلبوا على أنفسهم ومجتمعهم وتربيتهم الغالية من شقاء وبلاء ! . ولكن التجارب التي أخذت تمر بهم والأزمات الشائكة التي اخذوا يمرون بها سوف توقظهم وتوقفهم على الواقع وتدلهم على طريق الخلاص والنجاة وهو طريق الاسلام لا غير ! .
وأنا لا أريد أن انكر وجود مجتمعات اسلامية أيضاً ولكنني أقول أنها من نقاط ضعف متركزة أولاً وبالذات على المرأة المسلمة في هذا المجتمع ، فهي أما أن تكون جاهلة قانعة بالجهل صابرة على ظلمة الفكر لا تعرف للثقافة بابا إلا أبواب التهتك والتحلل فهي غافلة عن كونها مدعوة للتثقف ولطلب العلم الذي جعله الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فريضة على كل مسلم ومسلمة وهي غافلة أيضاً عن قدرتها على تنوير أفكارها وتوسيع معارفها بطرق صحيحة تكون فيها كالزهرة العطرة بين الأكمام واما ان تكون متعلمة مثقفة ولكنها منطوية على معارفها لا تتعدى نطاق دراستها الخاصة ولا تشعر بأية مسؤولية موجهة نحوها لا ستثمار تعلمها


( 199 )

لخدمة المجتمع المسلم فهي تفخر لكونها مسالمة لا تعرف للنقاش والجدل سبيلاً وقد فاتها أن الجدل الشريف والنقاش الهادئ الناشئ عن عقيدة صحيحة مفخر يقلد صاحبه أكاليل الفخار لا كالجدل والنقاش حول قشور وسفاسف وعصبيات وعنصريات فالساكت عن الحق شيطان أخرس .
ولنأخذ على هذا مثلا : فقد كتبت على صفحات الأضواءمواضيع كثيرة ولم تكن كتاباتي كلها مثالية ، ولا يمكن أن تكون خالية من هفوة أو غفلة ولو من وجهة بعض النظريات فقط ، فما الذي قعد بالعارفات من بنات الاسلام عن أن يصححن ما كتبت ؟ أو ينبهنني إلى ما غفلت عنه ؟ أو يبدين وجهة نظر فيما ادعيت ؟ فهل هذا العجز فيهن وما اكثر القادرات منهن أم الجهل وفيهن والحمد لله العارفات المتنورات أو الخمول والكسل ؟ نعم لخمولهن وعدم شعورهن بالمسؤولية ! وإلا فما أحلى وما أبهى ان تجتمع اصواتنا نحن المسلمات لننبعث صرخة واحدة لا تنطق إحدانا إلا عن لسان وأفكار الباقة اليانعة من بنات الاسلام ولا تكتب إحدانا إلا بعد أن نثق أن هناك من بنات جنسنا جيشاً صامداً يقف أمام الصدمات وينبهها على الهفوات . ولست أعني بهذا أو ابتغي استجداء ادب أو فكرة ، فهذا لا يكون مني إن شاء الله تعالى ، وإنما أقصد توحيد الآراء وتحديد الأفكار فأني إذ أكتب هنا لا أهدف إلى أي غرض أو مصلحة شخصية ، فأن لي من اكتفائي الذاتي المعنوي والأدبي ما يكفيني مشقة الخوض في


( 200 )

هذا المضمار ولكني أكتب لأكون قريبة منك دانية إليك عساني أن أسمع لك صوتا أو احرك من مشاعرك وترا والله من وراء القصد .

اختاه هيا للجهــاد وللفــدا * وإلى نداء الحق في وقت النــدا
هيا اجهري في صرخة جبارة * أنا بنات محمـد لــن نقعــدا
انا بنـات رسالـة قدسيــة * حملـت لنــا عزاً تليداً أصيـدا

السيرة الذاتية  || المؤلفات  || الصور  || ما كتب حولها