الاستراتيجية الأمريكية في العراق

المرحلة السادسة
مؤشرات ارتباط العراق مع ملف الإرهاب
كتابات - صلاح التكمه جي


أن مؤشر تعامل ،قرار البيت الأبيض الأمريكي مع العراق ، كان يرتفع و ينخفض حسب ردود الفعل للقيادة العراقية ، حسب مدى انصياعها للخطة الإستراتيجية الأمريكية ، التي كان عنوانها الرئيسي في عهد الرئيس كلينتون هي القيام بحملات تأديبية للأهداف عسكرية و مدنية محددة في داخل العراق .
 وكانت كلما تتمرد القيادة العراقية نلاحظ مؤشر الضربات التأديبية يرتفع ،وذلك في شدة القصف الجوي ضد النظام البائد ، إضافة إلى هذا ،تم شل قدرة الجوية العسكرية للعراق بالحظر الجوي الذي أقيم ضده على ضوء قرارات الأمم المتحدة .
 إلا أن أكثر التحديات التي جعلت من العراق من أكثر الكيانات الخطرة للقرار الاستراتيجي الأمريكي حين ظهرت مجموعة من التصرفات و المستجدات جعلت منه ، الملف البرتقالي (درجة الانذار الاولى ) في دوائر الأمن القومي ،خصوصا عندما لوحظ بوادر علاقة بين الملف الإرهابي و الحكومة العراقية السابقة والتي من أهمها:
1. محاولة اغتيال بوش الأب في الكويت و تم كشف أن منفذي العملية لديهم ارتباطات بالقيادة العراقية السابقة.
2. تفجير مركز التجارة العالمية في عام 1993 في أمريكا ، حيث أعتبر هذا العمل الأكثر خطورة للأمن القومي الأمريكي باعتباره كان تهديدا أصاب مركز القرار الأمريكي ، و كان أول عمل عسكري ينفذ في ارض الولايات المتحدة الأمريكية ، ولهذا اعتبرته القيادة الأمريكية أن الحرب مع الإرهاب ،دخلت في صفحة جديدة تمثل ،نذير شؤم للمفكر الاستراتيجي الأمريكي ، وعليه أن يعيد حساباته ،ويشخص اللاعبين الرئيسين في معركة الإرهاب الإسلامي المتطرف و المتحالفين معه ، ولهذا كانت أصابع الاتهام واضحة للقرار الأمريكي ، بان الجهة الرئيسية التي تقف خلف عملية تفجير مركز التجارة العالمية القيادة العراقية السابقة للنظام البائد و بتعاون مع الحركات الإسلامية المتطرفة.
3. التغيير الذي حدث في الخطاب السياسي و الثقافي للقيادة العراقية السابقة بعد حرب الخليج الثانية و ذلك باستخدامها للخطاب الديني ودعمه المادي الكبير للترويج الفكر الديني السلفي ، حيث كشفت الوثائق بعد سقوط النظام البائد في وزارة الأوقاف السابقة ، أن ميزانية ضخمة رصدت لفتح مدارس دينية لترويج الفكر السلفي ، و إعطاء رواتب مغرية للدارسين في تلك المدارس الدينية ،والقيام بحملة ثقافية وعقائدية منظمة لنشر وترويج الفكر السلفي بالعراق آنذاك ، وتم تسخير مؤسسات الحزب والصحافة و المراكز الإعلامية للترويج للحملة الإيمانية الضخمة التي كانت يشرف عليها بشكل مباشر (عزت الدوري)، وكشفت إحدى وثائق المخابرات العراقية أن السبب الرئيسي لتلك الحملة الإيمانية لترويج الفكر السلفي ،وذلك لظهور المد الشيعي العقائدي في أنتفاضة اذار ، ولهذا كانت إحدى أهم النتائج المهمة التي تمخضت الدراسات التحليلية للمخابرات العراقية عن انتفاضة آذار ، هو الحد من التأثير العقائدي للفكر الشيعي في المدن العراقي ، وذلك بالترويج للفكر السلفي الذي يمثل الركن العقائدي الأساسي في الحركات الإسلامية المتظرفة ، ولهذا كانت تلك الحملة من المؤشرات المهمة للارتباط المؤسسات المخابراتية و الأمنية للصدام بحلقات الإرهاب العالمي ، وبنفس الوقت كانت الحملة الإيمانية فرصة مهمة لنفوذ العناصر السلفية المتطرفة و الموالية للقاعدة في المؤسسات العسكرية و الامنية للصدام ، وبزرع مواطئ قدم وخلايا نائمة في القيادة العراقية السابقة .

4. التعاون العلني و الخفي لدوائر القرار العراقي مع الأحزاب الإسلامية في المنطقة و دعمها المعلن له ،و المؤشرات الخفية التي بدأت تصل لدوائر الأمن القومي في تعاون خفي بين الحركات الموالية للقاعدة و القيادة العراقية , مما اثأر الرعب عند مراكز الأبحاث الاستراتيجي في أمريكا.

5. التلاعب و التهرب في تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقي و التمويه على خبراء التفتيش الأمم المتحدة و التي تم كشف هذا التلاعب بشكل واضح بعد هروب حسين كامل الى الأردن و إعلانه عن أسرار برنامج أسلحة الدمار الشامل للعراق.
جميع هذه العوامل و غيرها جعلت من العراق الملف الرئيسي للبيت الأبيض الأمريكي و دوائر الأبحاث القريبة منه بحيث أصبحت ملازمه ضرورية بين العراق والقاعدة في ذهن الباحث الاستراتيجي الأمريكي . ونتيجة تهديد المصالح الأمريكية في جميع إنحاء العالم من كينيا الى صومال، وكانت أكثرها تأثيرا ضرب السفارة الأمريكية في كينيا ، والبوارج الأمريكية في اليمن .
أصبح دائرة الأمن الأمريكي أوسع في ذهن الباحث الاستراتيجي فكثر الحديث في عهد الرئيس كلينتون عن خريطة جديدة للإرهاب الإسلامي المتطرف يكون مركزها العراق بشكل غير مباشر ،و أعدت و وثائق سرية في دوائر البنتاغون توضع خطط لمرحلة جديدة لكيفية تنفيذها ، ويذكر أن (هوى هو) ، السفير الصيني السابق لدى مصر ، أن الولايات المتحدة تعتبر الحرب ضد العراق مسألة ذات أهمية إستراتيجية بالغة .
وأكد أن العراق قد اختير كأول هدف لأسباب ثلاثة. –
أولا _انه بالرغم من العراق كان خاضعا لعقوبات الأمم المتحدة لمدة 12 عاما بعد حرب الخليج ، إلا انه لم يستسلم . وواصل تحدى تفوق الولايات المتحدة ، الأمر الذي اعتبرته الأخيرة امرأ غير محتمل .
 ثانيا -تعتقد الولايات المتحدة أن العراق لديه على الأقل القدرة على تطوير أسلحة دمار شامل ، حيث أن بإمكانه الاستفادة من موارده البترولية الغنية في هذا الغرض . وان وجود نظام مناهض للولايات المتحدة يملك أسلحة دمار شامل سوف يشكل تهديدا كبيرا على الولايات المتحدة . وفضلا عن ذلك فانه يمكن تقديم أسلحة الدمار الشامل للجماعات الإرهابية. –

 ثالثا ، أن العراق لديه موارد بترولية غنية . ويوجد حوالي 65 في المائة من بترول العالم في الشرق الأوسط ، ويملك العراق ثاني اكبر موارد البترول في العالم . أن البترول مادة إستراتيجية ، ويمكن القول بان الدولة التي تسيطر على البترول ، تسيطر أيضا على الاقتصاد العالمي . ويتعين على الولايات المتحدة السيطرة على موارد البترولية لأنها ترغب في تحقيق سيادتها على العالم .

كل تلك الدلائل جعلت من النظام العراقي البائد يمثل الخط الأول ، في حالة حدوث أي معركة شاملة مع الإرهاب الإسلامي المتطرف المتمثل بالقاعدة وخلاياه ، وتلك المؤشرات كانت هي الشرارة الأولى لمرحلة معركة الإرهاب الشاملة التي سيجري الحديث عنها في المرحلة القادمة .

الرئيسية  | مركز الصدرين للفكر الإستراتيجي |  العودة للصفحة السابقة