لـ مركز التخطيط الشيعي
فصل من كراس سيصدر قريباً
الشيعة في عالم متغير (2)
الشيعة وفلسفة المجتمع المدني


أريد للشيعة العزل والنبذ ، أُريد لهم الطرد من حومة الاجتماع الإسلامي ، وقد مورس بحقهم مختلف أساليب التغييب والتهميش ، وقد وضعت إستراتيجية كبيرة لتحقيق هذه الأهداف العدوانية بحق المسلم الشيعي ، وكان لذلك مجموعة أسباب وعوامل ، منها الانتماء العقدي ، لقد كان هذا الانتماء سببا جوهريا في تصميم هذه السياسية الخطيرة ، ومراجعة بسيطة للتاريخ الذي يسمونه إسلامياً تكفي لذلك ــ أقصد التاريخ السياسي بشكل غالب ــ ولعل من المعروف أن كلمة شيعي كانت عنوان إدانة سياسية ودينية . ومن هذه الأسباب الموقف الشيعي من الاستعمار ، فقد عرفوا بمقاومة الاستعمار القديم والحديث ، يحدوهم في ذلك المعتقد الإسلامي ، ولما ورثوه من تاريخ نضالي مصبوغ بالدم ، وقد شاع في الأدب الإسلامي التاريخي ، وفي الخطاب السياسي التحليلي أن الشيعة يشكلون الجماعة المعارضة للحكم ، بل حتى المستشرقون بما فيهم الجدد يسمون الشيعة بـ ( حزب ) المعارضة .
الشيعة كانوا حقا معارضة ، ولكن أسيء فهم هذا المصطلح ، لم يجر على سنته الموضوعية ، حرَّفوه ، بما يكفي لخلق رأي شعبي من داخل المسلمين ضد الشيعة ، زادوا عليه ما ليس منه ، ما ليس من حقيقته ، ما ليس من مهماته ، وذلك بما يكفي ليجعل كل الحكومات حذرة خائفة متوجسة من هذه الطائفة .
هل صدفة أن يلف الفقر الشيعة في كل العالم ؟
هل صدفة أن تكون حصة الشيعة من الوظيفة المدنية متدنية بدرجات نوعية عن غيرهم ؟
هل صدفة أن يشيع مصطلح رافضي ، وسبئي ، وحفيد العلقمي ، على طول وعرض الاجتماع الإسلامي ؟
هل صدفة أن تتكالب كل الحكومات والأنظمة على شيعة العراق مجرّد أن لاحت زاوية انعطاف بسيط في مجال المعادلة الطائفية ؟
من الطبيعي أننا نتكلم هنا بلغة النسبة الغالبة وليس المطلق .
الشيعة طائفة معارضة .
الشيعة حزب معارض .
صحيح .
ليس من شك ، هم معارضة ، ولكن فُسِّر ذلك بما فيه حذف الشيعة ، مطاردتهم ، قتلهم ، ذبحهم ، حرمانهم ، تغييبهم ، تحجيمهم ، تكفيرهم .
الشيعة يعارضون الحكومة الظالمة وليس الدولة من حيث هي دولة ، هذه هي النقطة الجوهرية التي يجب تجليتها .
لقد صوَّر الآخرون الشيعة طائفة فوضوية ، تريد أن تربك المجتمع المسلم ، تخرب الدولة الإسلامية ، تشيع الظلام والخراب والدمار ، لقد نظروا لهم كطائفة عدمية ، مخيفة ، تهدف إلى نشر الكفر والزندقة ...
لقد كان الشيعة في زمن الخلافة الراشدة حركة تصحيح .
وكان الشيعة في زمن الانحراف الخطير دعاة عودة إلى الإسلام ( كنا نقاتلهم على تنزيله واليوم نقاتلهم على تأويله ) .
وهذا الحسن عليه السلام ، لقد كان بطل الصلح ، ولم يكن الصلح عن ضعف أو مهادنة ، بل تغليب لمشروع السلام الاجتماعي الشفافة ، حقن الدماء ، حفظ تراث الإسلام .
ولم يكن الحسين عليه السلام صاحب مشروع حرب دموية ، لم يكن صاحب مشروع سياسي مسلح ، لم يكن صاحب ثورة مسلحة ، بل كان صاحب مشروع دولة مدنية ، مشروع عمل سياسي مدني ، مشروع جهاد مدني ، لم تكن لغة الدم في حسبانه ، لقد خلا الخطاب الحسيني من كل إشارة إلى الدم ، أو إلى السيف ، بل كان خطابه مدنيا ، عمل مدني ، خطاب فكري يركز على واجبات الدولة .
وهذا الإمام السجاد عليه السلام ، يشهد له دعاؤه الذي يدعى بدعاء ( أهل الثغور ) ، ينبض بحيوية التعاضد المبدئي الكامل مع المقاتلين على الحدود ، يدافعون عن حياض الإسلام ، ويصونون الحدود .
وهذا الباقر عليه السلام فقد كان سباقا لإنقاذ الدولة من الإفلاس الاقتصادي فيما هي تقتل آباءه وأجداده ، وتحرض عليه المنافقين والمندسين .
وهذا الصادق عليه السلام رفض القيام بثورة مسلحة فيما كانت الجموع تنتظره ، وانصرف لبناء كتلة علمية فقهية عريضة في إطار الدولة ، في ظل حكمها ، في ظل التزاماتها العامة .
وهذا الكاظم عليه السلام لم يعرف عنه منظر ثورة مسلحة ، ولا داعي لعمل مسلح ، رغم ما لقي من الدولة من عنت وسجن واضطهاد .
والرضا قبل بولاية العهد ، وهو وإن كان رغماً عنه ، ولكن في المحصلة الأخيرة كان منسجما بشكل عام مع الدولة .
وهكذا كل أئمة أهل البيت ، قادة الشيعة ، باني التشيع ، عبر مئات السنين ، نعم ، كانوا أصحاب مشروع نقدي لممارسات الدولة ، وليس للدولة من حيث هي مؤسسة حضارية ، تمخضت عن مسار تاريخي معقد وصعب عبر قرون وقرون .
لم يكن الشيعة يحملون فكراً فوضويا ، وإلا كيف يكتبون في فقههم عن مواصفات الحاكم ، وشروط البيعة ، ومتى تعقد ، وعن طبيعة العلاقة مع الدولة الظالمة .
وهل الدفاع عن الدولة العثمانية سوى ترجمة حقيقية لهذا الموقف ؟
وقبل ذلك هل كان موقف ابن العلقمي الذي أنقذ فيه الدولة الإسلامية من شر المغول سوى إخلاص رائع لهذا الموقف ؟
وهل مطالبتهم بدولة عراقية يحكمها العراقيون في ظل نظام دستوري بقيادة ملك عربي من سلالة بني هاشم سوى تطبيق لهذا الموقف ؟
وهل دفاعهم اليوم عن جنوب لبنان سوى تماهي مع هذا الموقف ؟
وهل دعوتهم في البحرين إلى تحكيم الديمقراطية ، والمشاركة في العمل البرلماني سوى تجذير لهذا الموقف ؟
وهل بطولات الشيعة الكويتيين ضد الغزو الصدامي الإرهابي سوى تمازح حي مع هذا الموقف ؟
وهل دعوة المرجعية الدينية في العراق إلى الانتخابات الحرة النزيهة سوى توافق حي مع هذا الموقف ؟
وهل مشاركتهم الحية الفاعلة في ا للعبة الديمقراطية في الكويت سوى وفاء شفاف لهذا الموقف ؟
الشيعة بناة دولة وليس طائفة فوضوية .
ألم يكونوا بناة الدولة الحمدانية ؟
ولكن أصحاب التفكير المذهبي الجاف ، تفكير التكفير والإلغاء والإقصاء حرفوا القضية من الجذور ، صورا الشيعة أعداء دولة الخلافة ، وأنهم الداء الذي ينخر في جسم الدولة !
كانت عملية مدروسة لحذف الشيعة ، لتدمير هذا الوجود .
كانت عملية سياسية تخفي ورائها حقداً أمويا بغيضا ، ثم كانت عملية سياسية تهدف إلى إسكات كل صوت حر يطالب بحقوق الناس .
 

الرئيسية  | مركز الصدرين للفكر الإستراتيجي |  العودة للصفحة السابقة