نحو نظرية عمل شيعيِّة عراقية
بُنية الكيانيِّة الشيعيِّة النظميِّة في خطوطها العريضة
القسم الثاني
كتابات - شباب ال محمّد


مقدمة وفكرة مهمة
لقد قلنا ان الكيانية الشيعية هي نظم جماهيري يضم الأحزاب والهيئات والجماعات والقواعد التي تنتمي الى هذه الدائرة العقدية المذهبية التاريخية ، نظم محكوم بقواعد مرنة ، لا تعتمد السريِّة ، بل هي نظم علني ، يتوسّل بآليات العمل السياسي والاعلامي والاجتماعي المعروفة ، التي لا تتعارض مع الاخلاق الانسانية ، والقواعد الدينية ، والمبادئ الوطنية ، في سياق الإنتماء للوطن العزيز .
تهدف هذه الكيانية الى النهوض بالفرد الشيعي فكريّاً وتربوياً وسياسيا ، تهئ الشيعة للمساهمة في صناعة القرار السياسي باعلى المستويات ، وبمديات عميقة من التأثير والتفاعل ، تحرّر الإنسان الشيعي من الشعور بالضعف ، وتلصقه بكيانه البشري عقديا ومصيريّا ، تجعل صوته مسموعاً محترماً ، تدمجه في العالم بقوة ، بفاعلية ، تنقذه من الهامشية ، تعزّز فيه روح المبادرة ، تنقذه من مشروع العطاء المجاني ، يتعامل بقانون النديّة ، تنقذه من فكرة الإستشهاد العفوي ، توجه انظاره للمستقبل ...
وفي الحقيقة ان الشيعة اذا انتظموا في كيان نظمي مُقَّننْ هادف يجعل منهم نقطة جذب ، وليس مجال استغلال ، أنّ مرجعية الشيعي سوف لا تكون رجل سياسة  اوعالم دين  أسمه المرجع ، بل مرجعيته ستكون هي هذه الكيانية بكلها ، بنظمها ... بعلاقاتها ... بخطابها ... بل ستكون هذه الكيانية هي مرجعية حتى للمرجع الديني الا على ... يعود لها في تسمية مشاريعه ، في تحرّكه ، في إنقاذه ...
المسلم السني يرجع الى كيانية سنية بالكامل ، حتى العالم السني ، المسلم الشيعي يرجع الى شخص واحد اسمه المرجع الديني ، المرجعية السنية متكاملة ، متعاضدة ، مرجعية مركبة ، تشكلت عبر السنين بفعل الحكم والقوة ، نريد كيانية شيعية تكون بمثابة ملجأ لكل شيعي ، لا فرق بين شيعي و اخر .
جوهر المشكلة / الازمة  
·     هناك شيعي يتصوَّر ان مشكلتنا تتجسّد بحرماننا من الوظائف ، ومن الواضح ان الشيعة محرومون على هذاالصعيد ، سواء في العراق او في غير ا لعراق ، ولكن ليس ا لمشكلة هنا ، هذ ا من مصاديق المشكلة أو نتيجة لمشكلة اعمق . انّ هذا التصور للمشكلة الشيعية في العراق وغيره تستحوذ على خيال الكثير من الشيعة ، فالشيعي يكرّس كل طاقته من أجل الحصول على وظيفة حكومية ، ويناضل من اجل الارتقاء بهذه الوظيفة ، وهو ما نراه اليوم بكل وضوح لدى شيعة العراق ، فإن الشيعي العراقي مهووس بالوظيفة الحكومية ، ويلخّص كل مشكلته بهذا الحرمان ، حتى الذين يطالبون بحقوق الشيعية تختصر في بعض الاحيان فلسفتهم بهذه الدائرة الضيقة .
·     هناك شيعي يتصوّر ان مشكلتنا او مظلوميتنا تتجسّد في الحرمان من الوظائف المهمّة ، مثل الجيش والوزارات والشرطة والامن والخارجية ، ومن الحقائق الملموسة أن الشيعة يعانون من هذا الحرمان في كل البلاد الاسلامية تقريبا ، فهناك خط احمر تحت اسم المسلم الشيعي بشكل عام على صعيد الوظائف السيادية وذات السطوة اذا صحّ التعبير ، وفي تصورنا ان ذلك ليس المشكلة بكلّها ، بجوهرها ، بل هي من صور المظلومية ، هي واحدة من مشكلة مركبة عويصة ، ترتدّ الى جذور اعمق واخطر .
·    هناك شيعي يتصوّر ان مشكلتنا هي عدم السماح لنا بممارسة تقاليدنا وطقوسنا مثل اللطم والزنجيل والقامات وإقامة التعازي الحسينية ، وفي هذا السياق يُذكر موضوع حرية ا لحوزات العلمية الشيعية ، وفي هذا السياق يُذكر ايضا الكتاب الشيعي تأليفا وطبعا ونشرا . وهي حقيقة مرّة معروفة في اكثر البلدان الاسلامية ، ولكن هل هي المشكلة ببعدها الجوهري وحقيقتها الصميمية ؟
·    هناك تصور شيعي يرى ان مشكلتنا في الاهمال الخدمي للمناطق الشيعية ، فمناطق الشيعة في كل البلدان الاسلامية مهمّشة تقريبا ، مدناً ونواحي واقضية ، سواء على صعيد المدارس او المستشفايات او مراكز الشرطة والامن ، هناك اهمال عمراني وخدمي في مناطق الشيعة العراقيين بشكل مدهش . وفي تصور شباب ال محمد ليست هذه كل المشكلة ، هناك اكبر واعمق واخطر ، وهذا نوع تصور اوّلي للمشكلة الشيعية بشكل عام والعراق بشكل خاص .
وفي تصورنا ان المشكلة الشيعية لا تنصرف بالجوهر الى هذه النماذج من الحرمان ، بل تنصرف الى كوننا ( كمّاً ) مهملاً ، هناك تجاوز للاعتراف بنا كـ ( بشر ) ، من هنا نُحرَم من الوظائف الحسَّاسة ، ومن هنا نُعامل خدمياً على الهامش ، وحسْب الفائض وليس في سياق إعتبارنا كـ ( مواطنين ) من الدرجة الا ولى ، نحن مواطنون من الدرجة الثانية في كل بلدان العالم الاسلامي ، هنا المشكلة ، ولذا لا ينفع ان يكون منّا وزراء وضباط ، هذه سذاجة شيعية رثائية ، ولا ينفع ان يبلِّطوا لنا هذا الشارع أو ذاك ، كل ذلك لا يحلّ المشكلة ولم يغيّر ذات النظرة الجوانية تجاه الشيعة .
تسميات ذات مغزى كبير
 وفي الحقيقة نظرة متفحّصة بالتسميات التي تُطلق علينا تكفي لتتاكد من هذه الحقيقة الكبيرة ، فليست التسمية مجرد حروف بل هي ستراتيجية ، خاصّة إذا القيت من قبل الند او من قبل المخالف لك .
ومن نماذج التسمية هي :
ـ الرافضة .
ـ المتاولة .
ـ المجوس .
ـ الهنود .
ـ أولاد المتعة .
ــ ورثة إبن العلقمي .
ـ الذين يبيعون شرف بناتهم في الليل البهيم لقاء كسرة خبز ( صحيقة الثورة ) .
أنّ هذه ( التسميات ) جزء لا يتجزأ من حالة التهميش البشري لنا ، هناك رفض بشري لنا ، فهذه التسميات هي من نتائج او اسباب التهميش ، من نتائج أو  اسباب رفضنا ورمينا خارج دائرة التاريخ ، وخارج جسم الامة ، وخارج كيان العقيدة ، وخارج مفهوم الحضارة ، وخارج سمة الشرف ... تسميات تغييبية رهيبة ، ولم يلتفت شيعي واحد لهذه الحقيقة ، نعم ، شباب ال محمّد هم اصحاب هذه الأكتشاف .
نمرّ على هذه التسميات بسهولة ، بيسر ، لا نفتش عن تضاعيف المعنى ومقاصده البعيدة ، أن المقصود ليس التعيير بل المقصود النفي !
هنا مكمن السرْ .
هنا الدقة في التفسير .
الشيعي خان الوطن والاسلام والعروبة ؟ في حين هو الذي ضحّى في سبيل الوطن والاسلام والعروبة ، فإذن هناك قصد بعيد ، يتجسّد في ( الإلغاء ) ، نعم ، الالغاء الذي هو اقسى من التهميش .
· لا شيعة بعد اليوم !
·     الشيعة حزب صهيوني يجب رميه بالبحر ( ... ؟ )
·     ابناء الجنوب العراقي تعاونوا مع الامريكان وهم خونة ( التميمي من كوادر الحركة الفلسطينية من تلفزيون الجزيرة ) .
· لا مجال للشيعي بيننا نحن الرؤوساء والملوك العرب ( ... ؟ ) .
حقاً اننا في حاجة الى ( علم اجتماع شيعي ) ، لاننّا طائفة محكوم عليها بالنفي حتى اذا قتلنا كل اطفالنا من اجل فلسطين .
أليس الاولى بالمرجعية ان تستدعي بعض علماء الشيعة من اختصاصي علم الاجتماع لدراسة هذه الظاهرة المؤلمة
عود على بديئ
الكيانية الشيعية طريقنا الى التحرُّر من الاهمال ، الى التحرّر من الحذف ، طريقنا الى البناء الذاتي ، الى الارتقاء بالذات والجماعة ، وهي بلا شك مطلوبة بذاتها اوّلا ، لان القوة مصلحة ، القوة تفرض احترامك ، وتفرض عدم اهمالك ( انا قوي اذن انا موجود) ، وبطبيعة الحال لا نعني بالقوّة هنا السلاح المادي والرصاص والبارود ، وان كان ذلك مطلوب في كثير من الاحيان ، بل القوة النظمية المشفوعة بالتربية والعمل والفكر ، ولا اسبتعد ان هيجان النظام الاقليمي ضدنا واستهانته بنا لانّنا لا نملك كيانية منظمة ، كيانية علمية فكرية مرنة ، كيانية تقوم على التازر والتالف والتعاضد في سياق نظرية نظمية ، وليس من شك ان استهتار الا خ المسلم بنا لهذا السبب بالذات .
كن قويا يحترمك الاخر ، انّه منطق ، وقوتنا ليس في المرجعية الدينية ، ولا في عددنا ، ولا في تاريخنا ، قوتنا في نظمنا قبل كل شيء.
إذن الكيانية الشيعية مطلوب في حدّ ذاته ، وهي مطلوب لغيره ... غاية ووسيلة في آن واحد ...
كيف ؟
1 : نتعرّض لازمة قيم عالمية ، والفرد الشيعي لا يمكنه الحفاظ على اقل مستوى من القيم التي نؤمن بها من دون نظم كياني يلمّه ويحتضنه .
2 : الساحة العراقية ساحة صراع ــ لا نسخر من الحقيقة ــ ولا يمكننا ان نخوض حلبة الصراع بدون نظم كياني قوي يتحدى الاهمال ، وللاسف الشديد نعاني من تشرذم موجع ، يا ترى اين الشرفاء يا ناس ؟
3 : والذين ينشدون ( دولة اسلامية ) من الشيعة ، وهو وإن كان هدفاً خرافياً في هذه المرحلة ، ولكن نعتقد ان هؤلاء يحتاجون لهذه الكيانية كمجال للحركة على الهدف المذكور ـ وان كنّا نعتقد انه هدف غير واقعي الان  ــ وحقا ممّأ نخافه اليوم ان يقدم هؤلاء على تحالفات مع مَنْ يسموهم المسلمين الرساليين ، بهدف الدولة الاسلامية المزعومة .
4 :  وحتى دعاة الحقوق الوظيفية والخدمية يحتاجون الى الكيانية كآداة مطالبة وضغط ، ضغط حسب مقتضيات الحق والعدل بطبيعة الحال .
5 : والكيانية سوف ترغم بعض الانظمة الاقليمية التي تريد ابتلاعنا وتحطيمنا  ، سوف ترغمهم على التفاهم معنا وترغمهم على احترامنا .
6 : والكيانية الشيعة ستكون ملجأ للشيعي من الضياع العقدي ، والضياع السياسي ، والضياع الاخلاقي ، والضياع الاجتماعي .
7 : والكيانية الشيعية سوف تضع حداً للمستهترين بنا ، المستهترين بتاريخنا وشرفنا ونضالنا عبر التاريخ الدامي .
العمل على جبهتين
تعمل الكيانية الشيعية على جبهتين واسعتين ، وهما على التوالي : ــ
الجبهة الداخلية
ويتقوَّم العمل على هذه الجبهة بترقية العلاقات بين القوى والفاعليات المسلمة الشيعية على الاصعدة السياسية والأجتماعية ، والروحية ، والفكرية ، ضمن مشروع الالتزام بنَظْم الكيانية ، ترقيةالعلاقات ، وتعزيزها ، وصنع صيغ متطورة فاعلة ، فهناك مجال التواصل على اساس التكافل الاجتماعي بين أتباع أهل البيت ، وهناك مجال تبادل الخبرات بين هذه القوى والفاعليات ، وهناك مجال سد النقص في المعلومات والخبرات والاليات ، وهناك مجال تبادل الرأي والمشورة في اتخاذ المواقف وعلاج الازمات ، وهناك مجال التعاون الاقتصادي بين ممكنات الكيانية ذات الهوية الاقتصادية ، وهناك مجال القيام بمشاريع مشتركة لتنمية الشيعة علميّا وثقافيا بتوفير الدورات التربوية والتعليمية المشتركة ، وهناك مجال توفير فرص العمل من خلال التعاون البنّاء وفي سياق تخطيط مدروس ، وهناك مجال التعاون من أجل منع تيارات الفساد والافساد داخل الجسم ، والقائمة هنا في الحقيقة تطول ، لانّها خاضعة للظروف والممكنات .
ترشيد الجسم من داخله ، وتعزيز نقاط القوة ، ومعالجة نقاط الضعف ، يأتي من خلال مشروع الكيانية الشيعية ، ومن دون ذلك لا قوّة ذاتية اطلاقا .
العمل داخل الجسم الشيعي يكاد ان يكون معدوما ، بل العكس هو الصحيح ، هناك تشرذم وقتال ، وهناك قوى شريرة تغذي هذه الظاهرة التشظوية الخطيرة ، ولكن العمل من داخل الجسم الشيعية لا يتحق إلاّ إذا تحققت الكانية الشيعية المنظمة المُقنّنة .
الجبهة الداخلية لاي طائفة تفترض وجود كيانية وليس عقيدة وبشر وحسب ، لا معنى لهذا الكلام ، ولا مفهوم لهذا المشروع إذا كان ا لشيعة كتلاً مُتفرّقة مشتّتة ، لا مجال ولا مغزى لاي كلام يصبّ في تضاعيف الجبهة الداخلية للشيعة وهم شتات تتفرقهم السبل والاهداف .
إن الشيعة يملكون كل ممكنات العمل من داخل ا لجسم لتعزيز هذا الجسم وتمكينه من التلاحم مع العالم ، ولتحقيق حضور شيعي فكري مادي سياسي مهاب الجانب ، محترم الوجود ، الفكر والخُمس والمرجعية والعلماء والمثقفون والمنبر الحسيني والاحزاب والجمعيات   والتجار ... كل هذه العناصر يمكن ان تتحوّل الى كيان متماسك من الداخل ، يعمل في دينمايكية ذاتية حيّة ،  يتكامل من الداخل بقوّة وحييوية ونشاط ، وينعكس ذلك على حركته في الخارج .
ان العمل من داخل الجسم في سياق كيانية شيعية منظّمة تحول الهم الشيعي من فردي الى جماعي ، من وظيفي ساذج الى بنيوي شامل ، يتحدى الاهمال الذي نعاني لقعود من الزمن .
الجبهة الخارجية
هذا هو المجال الثاني ، الجبهة الخارجية ، من خلال الصراع ، الصراع المسالم بطبيعة الحال ، بواسطة الفكر، والمناورات السياسية ، بواسطة التحالفات والتجاذبات بين الإرادات ، بواسطة التلاقي والتحادث والحوار ، عبر خطاب مدروس ، وممارسات سياسية معقولة ، عبر لقاءا ت بالانظمة والحكومات ، عبر حوار صريح مع القوى المسؤولة عن حركة المجتمع ، وبطبيعة الحال ان ذلك يتطلب ان تكون الكيانية واضحة الاهداف والغايات ، لها خطّتها المدروسة ، ولم يُترك ذلك للصدف والمزاج .
ان الجبهة الخارجية تحتاج الى جبهة داخلية قوية ، ذلك ان العلاقة بين الجبهتين جدلية ، تتبادل القوة والتاثير والانعكاسات ، ومن هنا ينبغي مراعاة هذه الحقيقة الحيوية .
ان علاقتنا بالانظمة والحكومة والدولة تعتمد في قوتها ونتائجها على مدى تحقيقنا للكيانية الشيعية ، ومن خلال العمل على جبهتين ، جبهتين متعاضدتين ، تتبادلان الخبرة والفكر والوصايا ، بل تسيران في خطين متوازيين ، فاننا بذلك نكون قد دخلنا التاريخ .
القيادة / فكرة موجزة
ليس من شك ان الكيانية الشيعية تحتاج الى قيادة متميّزة ، وفي تصورنا ان الكيانية كي تؤدي دورها بقوّة وفاعلية وسلام تحتاج الى ثلاثة انماط من القيادة .
النمط الاول  :
 تتمثَّل بالقيادة الروحية ، قيادة العلماء الاعلام ، مهماتها تصب في عمق الكيانية الجوهري ، تغذي المسيرة بالمدد الروحي ، وتضع لها معالم الطريق الهادي ، المنقذ من الانزلاق ، تشحذ الهمم بالعمل والبذل والجهد والعطاء ، وذلك بطرح الفكر الروحي الخلاّق ، والتذكير بالسيرة الطيبة للافذاذ من الانبياء والائمة والصالحين ، تمارس عملية تهذيب للمسيرة ، وتحكمها بشرع الله ... هي البوصلة على الطريق الصحيح من الناحية الفقهية والشرعية .
النمط الثاني
وتتمثّل بالقيادة السياسية ، وهي القيادة التي تتولى موضوعة العلاقات مع الانظمة والقوى الفاعلة في المجتمع ، وتضطلع بترسيم المواقف الايجابية او السلبية من الاحداث ، وترسم لنا طرائق العمل من اجل حقوقنا ، تمارس عملية تحليل العالم سياسيا، وتقترح الموقف المطلوب حسب أجتهادها وخبرتها .
النمط الثالث
وتتمثل بالقيادة النظمية ، وهي قيادة تضع الضوابط النظمية للكيانية، وتقننن العلاقات بين عناصر هذه الكيانية المأمولة بإذن الله تعالى ، وتضع خطط توسيع رقعتها وتعميق حضورها ، وهي المسؤولة عن وضع صيغ النشاط الاجتماعي والسياسي ، وتطرح الصيغ الاجرائية لمشاريع التنمية والتطوير .
وتبقى قضية الاعلام الذي يُعتبر قضية حسّاسة وخطرة ن ونعتقد ان القضيةالاعلامية يتم انجازها بالتعاون بين الانماط الثلاث ، على ان يتولى الناحية الإنشائية والخبرية كتّاب محترفون من الدرجة الاولى .
آليات على الطريق  
نعتقد ان الكيانية الشيعية لا تنبثق سحريّا من أعماق الجسم الشيعي المشتت ، بل هي عملية صيرورة ، عمليّة تاريخية ، تحتاج الى التوضيح الفكري ، والاقناع النظري ، وتحتاج الى التبشير والحوار ، على أنّ هناك بعض الممارسات التي هي مطلوبة لذاتها ، ولكن في الوقت نفسه تكون بمثابة آليات على الطريق باتجاه بلورة المشروع العظيم ، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر : ــ
الاول : المدارس الاهليّة الخاصّة ... انّها تُشعرنا بوجودنا الكياني المتجذّر ... تساهم في تعميق إنتماء المسلم الشيعي لطائفته التي يريد البعض الغاءها ، وتوفر لنا عقلية شيعية متجانسة ، ومتعاضدة ، ومتفاعلة ، تخلق لنا جيلاً مسلما شيعيا عارفا بواجباته تجاه دينه ، ووطنه ، وامته ، و طائفته ... وكل هذا يساعد على بلورة الكيانية الشيعية ....
الثاني : الجريدة السياسية الشيعية ... تكسبنا عنوان الحضور السياسي الناطق ... تعبر عن شخصيتنا .
الثالث : الجمعيات الخيرية والعلمية والفكرية ... تبلور أحساسنا بالقوة وبالانتماء ، تنمي فينا الشعور بالعمل الجماعي ، وتقدم لنا الدليل المحسوس على اهمية الكيانية الشيعية العامّة .
الرابع : المشاريع الاقصادية المحلية بين ابناء اتباع اهل البيت عليهم السلام .
 هذه المشاريع وغيرها يمكن ان تكون آليات مهمة في صيرورة مشروع الكيانيةالشيعية المأمولة بقوّة الله .
الخطاب المُقترح  
ينطلق خطاب الكيانية من طبيعة الاهداف التي تهدف لها الكيانية بالذات ، أي تنمية الإنسان الشيعي على كافة الاصعدة ، تقوية إ نتمائه لطائفته  في نطاق الانتماء للوطن والامة ... تأصيل حقوقه ... حمايته من القهر والذل والموت المعنوي ... ترسيم علاقته المنتجة المؤثرة مع الدولة ... تعزيز موقعه الاقتصادي والسياسي في المجتمع ... وكل ما يصبُّ في هذه المجالات الخيّرة المعطاءة .
هذا الخطاب في تصورنا يتّسم بالخصائص التالية : ــ
الخاصّية الاولى : خطاب حجاجي ، اي يستند إلى المنطق ، يستمد قوّته من العقل والتاريخ والجغرافية ، من معطيات الواقع المحسوس .
الخاصيّة الثانية : خطاب محوري ، يقوم على محوريّة الشخصية الشيعية العراقية في سياق انتماء كياني شيعي مسلم ، ضمن دائرة اكبر هي العراق وشعب العراق .
الخاصيّة الثالثة : خطاب تعبوي ، يعمل على حشد الطاقات الشيعية في داخل الجسم الشيعي ، باتجاه ترصين الوجود الشيعي وتمكينه من الحركة الايجابية الخلاّقة ، وباتجاه تحقيق الحقوق ، وإنجاز الواجبات تجاه الاخر والوطن .
الخاصيّة الرابعة : خطاب تبشيري ، يعمل على التبشير بالقيم الخيرة ... حقوق الانسان ... التعددية ... الاخلاق الاسلامية وما افرزته المسيرة البشرية من مقتربات انسانية خيّرة ... الشراكة السياسية ... الحرية ...
الخاصيّة الخامسة : خطاب ثقافي ، يعمل على التعريف بالثقافة بشكل عام ، تعريف استعراضي نقدي سجالي ... وبطيعة الحال تكون الثقافة الاسلامية هي محور ا لخطاب ... خطاب يعرّف القاري الشيعي بخصائص الاشياء ... يستعرض له طرائق التفكير ... يزجِّهُ بالثقافة اليومية ... يدمجه بالعالم بمعادلات انسانية شفافة ... ينقل له خبرات الاخرين ...
الخاصيّة السادسة : خطاب تعريفي ، يعرّف المسلم الشيعي بتراثه الحيوي ، عطاءه للاسلام والاوطان والامم ، دروه في صناعة التاريخ وصيانة الحياة من العبث والاستهتار .
الخاصيّة السابعة : خطاب وصفي ، يعمل على وصف الواقع الشيعي بالدرجة الاولى في العراق ... ايجابياته ... سلبياته ... انجازته ... أخفاقاته ... لم تعد الحوادث والوقائع والحقائق سريّة ... هي مكشوفة الان ... فلا نستغفل انفسنا .
هذه جملة مواصفات وخصائص قد يحالفنا ا لحظ للاسهاب بها ، ولكن اذا توفّر خطاب اعلامي شيعي بهذه المواصفات والخصائص سوف نخلق كيانية شيعية رائعة ... كيانية خلاّقة ... تنقذ المسلم الشيعي من الغربة التي يريد الاخرون فرضها عليه ... كيانية ترتقي بفكره وعاداته وا سهاماته ... كيانية تسمو بروحه وإرادته ... كيانية ترفع راسه عاليا ...  
هذه الخطوط العريضة لمشروع الكيانية الشيعية العراقية على صعيد البنية النظمية ، وهي بطبيعة الحال مجرّد خطوط مُقترحة ، قابلة للنقد والتقييم والتعديل ، وسوف نشفعها ببرنامج ثقافي للكيانية بقوة الله ، ونعيد ا لقول بان الكيانية الشيعية العراقية اصبحت ضروة حضارية مصيرية بالنسبة لنا نحن شيعة العراق ، وبدونها سوف نضيع الى الابد ، والله الموفق .

الرئيسية  | مركز الصدرين للفكر الإستراتيجي |  العودة للصفحة السابقة