مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

الاسـلام والغرب شرفات غربية
تقييم لمزاعم إستشراقية حول إقتباس الرسول الاكرام (ص) من الديانات الأخرى
فؤاد كاظم المقدادي


عن دعوى استقاء الرسول (ص) من التوراة يقول المستشرق هورفتز تحت مادة "التوراة" من الموسوعة الاستشراقية الكبرى "دائرة المعارف الاسلامية": "وفي القرآن الى جانب مثل هذه الاشارات البيّنة الى التوراة قصص وأحكام استقاها منها ورددها في مواضع كثيرة دون أن يذكر المصدر الذي نقل عنه، وقد ساق اغلب هذا القصص في صيغته الهجاديّة وحوّر بعضه بحيث يلائم اغراض محمد الخاصة".
وتحت مادة "جهنم" يحاول مستشرق آخر هو كارادي فو من خلال تعريفه لها أن يطعن بإلهية القرآن الكريم ورسالة النبي محمد (ص) بالاسلام فيقول: "جهنم: وهي كلمة مشتقة من اللفظ العبري "جيحنّون" أو "وادي هنوم" (انظر سفر يوشع، الاصحاح الخامس عشر، الفقرة 8) وكان وادياً بالقرب من بيت المقدس تقدّم فيه القرابين الى مولك في ايام العقوق، وكلمة جهنّام بالف بعد النون معناها البئر العميق. وقد تردد ذكر جهنم وفكرة جهنم كثيراً في القرآن اما لأن محمداً نفسه قد بدهته هذه الفكرة وامّا لأنه رأى انه من المفيد ان يلحّ في ذكرها لتفعل فعلها في مشاعر السامعين".
وتحت مادة "دنيا" يحاول "كارادي فو" مرة أخرى أن يطعن بإلهية القرآن ويؤكّد أن محمداً (ص) استقى آيات قرآنه من اليهوديّة والمسيحيّة، فيقول: "...واُسلوب محمد في استعمال هذه الكلمة يذكّرنا تماماً باسلوب وعّاظ النصارى: (اُولئكَ الذينَ اشتروا الحياةَ الدُّنيا بالآخرةِ فلا يُخفّف عنهُم العذابُ ولا هُم يُنصرون) (البقرة/ 80)، وجاء في القرآن أيضاً (سورة الأعلى الآيات 16_19): (بَل يؤثِرونَ الحياةَ الدُّنيا* والآخرةُ خيرٌ وأبقى* إنَّ هذا لفي الصُّحف الاُولى* صُحُفِ إبراهيمَ وموسى)، ونحن نستدل من هذه الآيات أن محمداً لم يدّعِ أنّه أتى بجديد وهو يلقي بمواعظ من هذا القبيل، على ان الشيء الذي ينسب لليهودية يجب أن ينسب إلى المسيحية".
وتحت مادة "السكينة" يحاول جويل من خلال دعوى استعارة هذه الكلمة من العبريّة واقترانها بتصوّرات من العقائد والوثنيّة في الجن أن يوحي بأن القرآن هو كلام النبي محمد (ص) وليس كلام الله، فيقول: "السكينة: كلمة مستعارة من العبريّة "شكينا" وهي تدلّ في هذه اللغة على حضرة الله بالمعنى الروحي الخالص، وتتجلى هذه الحضرة أحياناً بعلامة كنار أو سحابة أو نور مما يستطاع إدراكه بالحواس، ومن الواضح ان النبي (ص) لم يتبين بجلاء المعنى الحق لهذه الكلمة، إذ يقول: إن السكينة هي وبعض الآثار كانت مودعة في تابوت بني اسرائيل المقدّس، ولعلّه قرن هذه الكلمة العبرية المستعارة بتصورات استقاها من العقائد الوثنية في الجن".
وتحت مادة "السحر" يرسل "هيك" دعواه بتأثير المسيحية واليهودية في هذا الدين إرسال المسلّمات وبصياغة صريحة من أنه من مؤلفات هاتين الديانتين، بالإضافة الى غيرهما مما هو سائد في جزيرة العرب آنذاك، فيقول: "وهكذا نجد أن عالم الأرواح في جزيرة العرب، مهد الاسلام، على ايام محمد (ص)، كان يتألّف _بصرف النظر عن الآثار المسيحية واليهودية التي في هذا الدين _ من الله ومن الآلهة القبليّة والجن، وكان الكهّان والسحرة والعرّافون والشعراء والمجذوبون صلة الوصول بين الناس وبين هذا العالم".
وتحت مادة "داود" ومن خلال بحثه عن مصدر معلومات النبي محمد (ص) عن النبي داود (ع) يحاول "كارادي فو" إثبات أنّ محمداً استقى قصة النبي داود في قرآنه من التوراة، فيقول: "وقد ورد ذكره (داود) في التوراة. وفي القرآن عدة آيات تشير الى قصة الملك النبي داود، خليفة الله "سورة ص _ الآية 25"، وقد حُرّفت هذه القصة شأن غيرها من قصص الأنبياء بعض التحريف، ويظهر فيها أثر من مذهب الربانيين، أو قل انه يبدو فيها أثر السعي الى تفسير بعض آيات من التوراة لم تعرف على وجهها الصحيح. فقد كان محمد يعلم أن داود قتل جالوت "القرآن، سورة البقرة _ الآية 250 وما بعدها" وأن الله آتاه الزبور، والزبور سفر من الأسفار الأربعة التي عرفها محمد من التوراة".
وتحت مادة "الجنّة" كما في غيرها من المواد المشابهة يكرّس "كارادي فو" دعواه بأنّ محمداً أو من كان وراءه قد تأثروا بالمسيحية، فيقول: "ولا بدَّ من أن يكون محمدا أو معلّموه المجهولون قد رأوا بعض التصاوير أو بعض قطع الفسيفساء المسيحية التي تصوّر حدائق الفردوس، وأوّلوا صور الملائكة كما لو كانت صورَ الولدان والحور".
وللايحاء بدعوى أنّ النبي محمداً (ص) قد أخذ من الأديان السابقة وتأثر بها في صياغة دينه الجديد يقول "كاستر" تحت مادة "الأدب السامري" من الموسوعة ذاتها: "والتشابه بين أصل الحديث وبين السنّة السامريّة الشفوية أوثق من التشابه بين الحديث وبين السنّة اليهودية أو المسيحية".
ويحاول المستشرق جوينبل أن يؤكّد هذه الشبهة فيدّعي أن الإقامة أخذت من اليهود والنصارى، حيث يقول تحت مادة "إقامة": "إن المسلمين استعاروا عبارات الإقامة من البركات التي تتلى في صلاة اليهود، في حين يقول بيكر إنها نشأت من الأذان الذي نسج على منوال القدّاس عند النصارى".
وهكذا ينساق كتّاب دائرة المعارف الاسلامية مع هذه دعوى إستلهام الاسلام للنصرانية واليهودية ويردّدون نفس الشبهة في موادها الاُخرى، منها ما في مادة "الجمعة" التي يقول فيها "جوينبل": "ويصحّ أن نذهب الى أن النبي نفسه جرى على إقامة صلاة عامة وإلقاء خطبة على طريقة اليهود في فناء داره بالمدينة في أيام الجمعة، ولعلّه قد جرى على إقامة الصلاة تتبعها الخطبة كما كانت عليه الحال لدى الجماعات المماثلة في الأزمنة السابقة له، إذ كانت الصلاة العامة تسبق أداء الأعمال الاُخرى".
وتحت مادة "الخطبة" يحاول المستشرق الهولندي فنسنك الذي أشرف على الموسوعة، أن ينفي الوحي الإلهي للنبي محمد (ص) وتشريعه لنظام عبادة الصلاة الإسلامية فيقول: "ومهما يكن من أمر الشكّ في هذه الأحاديث، فلسنا نبتعد عن القصد إذا ذهبنا إلى أن النظام المحدّد للصلاة يوم الجمعة والعيدين إنما نشأ بعد وفاة النبي. وهذا النظام يعتمد على ثلاثة عناصر: الخطبة الجاهلية والسنّة، والمثل المستقاة من اليهود والنصارى. وقد حاول بيكر في دراسته لتاريخ العبادات الاسلامية أن يعقد صلة وثيقة بين صلاة الجمعة والعيدين من ناحية، والقدّاس من ناحية أخرى والخصائص الأساسية لرأيه هي: أن الخطبة الاولى تطابق الجزء الأوّل من القدّاس (Vormesse) والأذان والخطبة صدى للعبادات التي تدور بين الشماس والقسيس الذي يتلو القداس. والتلاوة الواجبة لآيات القرآن تطابق القراءة من الكتاب المقدّس، وهو يقول عن الخطبتين: إن هذه الثنائية محل لاختلاف الفقهاء، انتقلت إلى صلاة العيدين عن طريق صلاة الجمعة.
أما الخطبة الثانية فتطابق العظة والصلاة الجامعة عند النصارى. وقد عارض هذا الرأي "متفوخ Mittwoch" الذي وجد في القدّاس اليهودي سمات تماثل الأذان والإقامة، وتماثل "الحمدلة" و "التلاوة" من التوراة "الخطبة الاولى" و "التلاوة" من سفر الأنبياء "الخطبة الثانية". وربما كان من المستحيل أن نأتي بالقول الفصل في هذا الموضوع. ولعلّ المثل المستقى من الشعائر اليهودية والمسيحية كان ذا تأثير في الهيكل الذي استقرّت عليه الصلاة عند المسلمين".
***
إن قول "هورفتر" تحت مادة "التوراة" و "كارادي فو" تحت مادة "داود" وتحت مادة "الجنة" فيه الكثير من التهافت، ومن ذلك أن عبارتيهما تشيران الى أن الأصل _في عقيدتهما _ هو ما ورد في التوراة، وهو الصحيح الذي لا تحريف فيه، وأن محمداً (ص) هو الذي حرّف بعضه ليلائم أغراضه الخاصة، ويقصد من ذلك أن القرآن من صنع محمد (ص) وأنّه حرّف ما في التوراة ليميّز دعوته ويظهرها بثوب جديد.
والكلام نفسه يرد على قوله تحت مادة "الجنة": "ولابد من أن يكون محمد ومعلّموه المجهولون..." على أنه لم يسق أدنى دليل أو قرينة على أن النبي (ص) كان قد رأى كنائس ليشاهد فيها مثل هذه الصور، أو أن له معلمين مجهولين، إذ ليس في مثل هذه الأقوال إلاّ التمحّل والتعبير عن الخلفية المتعصبة.
وهكذا يرد على قول "كاستر" تحت مادة "الأدب السامري": "التشابه بين أصل الحديث وبين السنّة السامرية الشفوية..." الى آخره، فكلها دعاوى جزافية لا وزن لها في معايير البحث العلمي.
أما قول "جوينبل" تحت مادة "إقامة": "إن المسلمين استعاروا عبارات الاقامة من البركات التي تتلى في صلاة اليهود" وكذلك وجه الشبهة بين الأذان والقدّاس عند النصارى لتترتب عليهما دعوى الاستعارة والنسج الواحد، فيه أن الثابت فيما ورد عن أهل البيت (ع) أن الإقامة والأذان وحيٌ إلهي لرسوله الكريم(ص).
فقد روى محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أُذينة عن زرارة أو الفضيل عن أبي جعفر (ع) قال: (لمّا أُسري برسول الله (ص) الى السماء فبلغ البيت المعمور، وحضرت الصلاة فأذّن جبرئيل وأقام، فتقدّم رسول الله (ص) وصَفَّ الملائكة والنبيّون خلف محمد (ص).
وعنه عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) قال: "لمّا هبط جبرئيل (ع) بالأذان على رسول الله (ص) كان رأسه في حجر علي (ع): فأذّن جبرئيل وأقام، فلما انتبه رسول الله (ص) قال: يا عليّ سمعت؟ قال: نعم، قال حفظت؟ قال: نعم، قال: ادع لي بلالاً فعلّمه، فدعا علي(ع) بلالاً فعلّمه". ورواه الصدوق باسناده عن منصور بن حازم، ورواه الشيخ باسناده عن علي بن إبراهيم مثله.
وفي معرض استنكار الامام الصادق (ع) ولعنه لمن يدّعي أنه أخذ الأذان عن غير طريق الوحي الإلهي نقل محمد بن مكّي الشهيد في "الذكرى" عن ابن أبي عقيل عن الصادق(ع): أنه لعن قوماً زعموا أن النبي (ص) أخذ الأذان من عبد الله بن زيد، فقال: "ينزل الوحي على نبيكم فتزعمون أنه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد؟!".
أما قوله تحت مادة "الجمعة": "ويصح أن نذهب إلى أن النبي نفسه جرى على إقامة صلاة عامة وإلقاء خطبة على طريقة اليهود.." إلى آخره، فإضافة الى ما فيه من إيحاء بإنكار الوحي لرسول الله (ص)، فيه أيضاً أن افتراض وجود تشابهٍ ما في كلّيات عبادة معينة في مفرداتها الكثير من الاختلافات التفصيلية شكلاً ومضموناً لا تنهض دليلاً، بل ولا حتى قرينة على وحدة الطريقة في تلك العبادة، فكيف يفرّع عليها تبعية احداهما للاخرى؟
ثم إن رسول الله (ص) كان يقيم صلاة الجمعة في المسجد لا في فناء داره، لعدم وجود مثل هذا الفناء أساساً، كما هو ثابت تاريخياً، ولعلّ "جوينبل" هذا توهّم أن المسجد هو فناء دار رسول الله (ص) لأن بيوت الرسول (ص) وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام كانت متصلة وملحقة بالمسجد، ولها أبواب خاصة توصلها به.
أمّا قوله: "... ولعلّه (الرسول) قد جرى على إقامة الصلاة تتبعها الخطبة..." الى آخره، فهو قول لا صحة له، لأن الروايات بلغت شهرة عظيمة عن الرسول (ص) وأهل بيته الطاهرين (ع)، وما عليه سيرة المتشرعة من عهد رسول الله (ص) الى يومنا هذا في أن صلاة الجمعة تبدأ بخطبتين يجلس بينهما الخطيب جلسةً خفيفة ثم يصلي ركعتي صلاة الجمعة، ولم يُروَ قط أن النبي (ص) بدأ بصلاة الجمعة قبل الخطبة، وعلى هذا انعقد إجماع فقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم. ومما روي في ذلك ما عن محمد بن الحسين باسناده عن عليّ بن مهزيار عن عثمان بن عيسى عن أبي مريم عن أبي جعفر (ع) قال: سألته عن خطبة رسول الله (ص) أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال: "قبل الصلاة ثم يصلّي". وروى الكليني عن الحسين بن محمد عن عبد الله بن عامر عن عليّ بن مهزيار مثله، إلاّ أنه قال: "يخطب ثم يصلّي". وقال صاحب جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام في وقت الخطبة من صلاة الجمعة ما نصّه: والمشهور نقلاً وتحصيلاً أنه يجب أن تكون الخطبة مقدمة على الصلاة شهرة عظيمة لا بأس بدعوى الإجماع معها، بل في كشف اللثام استظهار دعواه، كما في المحكي عن المنتهى نفي العلم بالمخالف فيه، بل عن مجرى البرهان نفي الخلاف للسيرة القطعية والتأسّي بفعل الرسول (ص) المعلوم بالنصوص والسيرة القطعية على وجه يقتضي الوجوب... الى آخر قوله.
وأما رأي "فنسنك" تحت مادة "خطبة": "إن النظام المحدد للصلاة يوم الجمعة والعيدين إنما نشأ بعد وفاة النبي"، "وهذا النظام يعتمد على ثلاثة عناصر: الخطبة الجاهلية، والسنّة، والمثل المستقاة من اليهود والنصارى"، وما نقله عن "بيكر" و "متفوخ" تحت نفس المادة يرد عليه ما أوردناه أعلاه على قول "جوينبل" تحت مادتي "إقامة" و "الجمعة". ويضاف إليه أن ادعاء "فنسنك" الصلة الوثيقة بين صلاة الجمعة والعيدين من ناحية والقدّاس من ناحية اُخرى غريب، إذ لا وجه للتشابه بينهما لا شكلاً ولا مضموناً، فكيف تدّعى الصلة الوثيقة؟ فالقدّاس عند النصارى هو ذبيحة جسد ودم السيّد المسيح يقدّمان على الهيكل تحت شكلي الخبز والخمر للمصلّين بواسطة القسيس، ويعاونه الشماس ضمن طقوس وتلاوات تدور بين القسيس والشماس من الكتاب المقدّس فأين هذا من خطبتي صلاة الجمعة والعيدين اللتين يجلس بينهما الخطيب جلسة خفيفة، ثم يصلّي ركعتي صلاة الجمعة أو العيدين بالمأمومين؟!
--------------------------
المصدر : "الإسلام وشبهات المستشرقين"

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة