مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

الاسـلام والغرب تأثيرات المسلمين في الحضارة الغربية
ترستان وايزولده .. ملحمة ذات أصول ايرانية
عبد الرحمن بدوي


قصة ترستان وايزولده مشهورة، خلدتها خصوصا أوبرا الموسيقي الألماني فجنر بهذا الاسم. وهي قصة شعرية بطولية من القرن الحادي عشر أو الثاني عشر، تندرج ضمن دورة (مجموعة) المنضدة المستديرة. وتدور حول مغامرات ترستان وغرامياته بايزولده، زوجة مارك، ملك ايسلنده، والألاعيب التي خدعا بها ذلك الزوج المخدوع. ولها روايات عديدة، افتتن فيها شعراء العصور الوسطى في مختلف البلاد واللغات الأوربية. والنص الأصلي مفقود، وإنما بقيت ترجمات، وصلتنا منها أربع كاملة: هي الرواية الفرنسية أو النورماندية، بالنثر، وتنسب عادة إلى لوي، سيد جاست بالقرب من سالسبوري. والمؤلف يقول أنه ترجم هذه القصة من اللاتينية بأمر هنري الثاني ملك انجلتره، والثانية هي الرواية الألمانية، وهي الأخرى بالنثر، ويظهر أنها قامت على الرواية الفرنسية، والثالثة بالشعر، وتنسب إلى جود فروا من استراسبورج، أحد مشاهير شعراء الغرام (المنيسنجر) في القرن الثاني عشر، والرابعة بالشعر أيضاً من نظم توماس من أرسلدون، وباللغة الاسكتلندية، وتتألف من مقطوعات كل منها تتألف من أحد عشر بيتاً. وإلى جانب هذه الروايات الكاملة توجد شذرات عديدة من روايات أخرى، بعضها بالشعر والآخر بالنثر. ونظم كرتيان من تروا، رواية كاملة ضاعت كلها. ووجدت رواية بروفنصالية كثيراً ما يشير إليها الشعراء المطربون (التروبادور) في القرنين الثاني عشر، والثالث عشر. والبعض يزعمون أن لهذه القصة أصلاً تاريخياً، وأن ترستان قائد شهير عاش في منتصف القرن السادس الميلادي، وكان أحد الأمراء الثلاثة المتوجين هو وجوايروكاي. والبعض الآخر يزعمون أنه كان شاعراً جوالاً من بلاد الغال (ويلز) في غربي انجلتره ومن تلاميذ مردين، وكان أيضاً في بلاط الملك آرثر وعاش في سنة 520م.
وخلاصة هذه القصة أن ترستان دي ليونوا فقد أباه منذ طفولته، فكفله عمه مارك، ملك كورنوول. واعترافاً بفضل عمه، قتل مورهوت الإيرلندي، وهو نوع من الوحش، كان يأتي كل عام يطلب من إقليم كورنوول جزية مقدارها أربعمائة شاب. ولكن رمح مورهوت المسموم أصابه، فمضى إلى ملكة ايرلنده، أخت الوحش، وهي القادرة على علاجه، ولم تتعرف هويته فعالجته. وعاد بعد ذلك إلى ايرلنده مرة أخرى مكلفاً بطلب يد ايزولده من أمها ملكة ايرلنده ليتزوجها الملك مارك. وعاد فعلا ومعه ايزولده، لكن في أثناء الرحلة شرب معها من شراب كان معدا ليشربه زوجها ليلة الزفاف، ومن خواص هذا الشراب أن يشعل نار الغرام في قلب من يشربونه معاً. ومنذ ذلك الحين ارتبط ترستان وايزولده برابطة غرام عارم. وجرت لهما مغامرات عديدة وأحياناً كان يفتضح أمرها، أو يفران. ولما علم الزوج المخدوع بذلك تفاهما، فلجآ إلى غابة الموردا، حيث عاشا معاً وقتاً طويلاً في سعادة وهناء، وكان ترستان يحسن الصيد والقنص فكانا يتعيشان من حصيلة الصيد. وأخيراً صفح الملك مارك عنهما ودعاهما إليه. ولكنهما فجعا في غرامهما من جديد، وقرر ترستان أن يغادر كورنوول انقاذا لايزولده. وتزوج ايزولده أخرى، هي ايزولده ذات اليد البيضاء. وذات يوم جرح بسلاح مسموم، وهو يعلم أنه لن يشفيه غير ايزولده الأولى، ايزولده كورنوول. فبعث إليها برسول يطلب منها أن تترك زوجها وتأتي لإنقاذ حياته: فان جاءت بها السفينة، رفعت شراعا أبيض! وإلا رفعت شراعا أسود. وفي اليوم الأخير من المدة المحددة عادت السفينة رافعة شراعا أبيض. لقد تركت ايزولده كل شيء من أجل حبيبها. لكن زوجة ترستان قالت له أن الشراع أسود، فتوجه ترستان نحو السور، ومات. ووصلت ايزولده، ودخلت عليه، وارتمت على جثمانه وماتت هي الأخرى. ولما عرف الملك مارك الأصل والسبب في غرامهما وخطيئتهما ومصائبهما، وهو أنهما شربا معاً من شراب الغرام وهما لا يدريان، صفح عنهما ومجد ذكراهما.
وكان ترستان محاربا جسوراً، وصيادا ماهرا، وبحارا ممتازاً، ولاعبا بالشطرنج لا نظير له، وعازفا على الهارب بارعا. ومن هنا كان النموذج الأعلى للانسان كما تصوره خيال الكلتيين.
وقد نشر فرانسو ميشيل ما بقي من تأليف بيرول وتوماس (لندن سنة 1835_1839 في ثلاثة مجلدات). ثم جاء جوزيف بدييه، فنشر ما تبقي من روايات لقصة ترستان وايزولده بعنوان "ترستان وايزو" (باريس سنة 1900).
وقد اتجه البحث إلى الكشف عن إمكان وجود مصدر شرقي لهذه القصة فقام ايتيه Ethe في كتابه: "مقالات ودراسات" (ليپتسك سنة 1872 ص 295 وما يليها) بدراسة العلاقات بينها وبين الملاحم الايرانية وقفي عليه ايتالو بتسى بمقال في "مجلة إيطاليا" (ج 14 ص5 _ 21) عنوانه: "الأصل الفارسي لقصة ترستان وايزولده" فيه أكد وجود أصل ايراني لها.
وقام ر. أتسنكر فبين التشابه بين هذه القصة وقصة "ويس ورامين" الايرانية. وأيدهم ى. أسترزيجوفسكي في مقال بالمجلة البيزنطية (ج19 ص658)، وقال: "أن الاتفاق بين الاثنين يستبعد الصدفة ولا يمكن تفسيره إلا بافتراض أخذ الرواية الأولية لترستان من القصة الايرانية في القرن الحادي عشر أو أصلها الأقدم منها".
وأخيراً جاء س. زنجر S.singer في بحث له نشر في "أعمال الأكاديمية البروسية للعلوم" (سنة 1918، قسم الدراسات الفيلولوجية التاريخية برقم 13) فاكتشف أن الصورة الأولية لقصة ترستان، وهي حكاية ايزولده ذات اليد البيضاء، موجودة في كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني.
----------------------------------
المصدر : "دور العرب في تكوين الفكر الاوربي"

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة