مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

الاسـلام والغرب المسلمون في الغرب
لمحة عن التطور العلمي للمسلمين في الأندلس
عبد الجبار الرفاعي


تمتد حياة الاسلام في الأندلس بين الأعوام 711 _ 1492م، أي مايقارب ثمانية قرون، في عصر كانت تعيش فيه أوروبا والغرب عموماً في فترة سبات حضاري، وظلام فكري، في ظل القمع الذي مارسته الكنيسة ومؤسساتها.
وكانت الأندلس قبل أن يفتحها المسلمون يلفها الظلام الذي خيّم على الغرب قرون مديدة، ولكن الاسلام استطاع بعد فترة محدودة من دخوله هذه الديار، أن ينقلها الى عالم آخر خارج إطار حالة التخلف الذي عاشته مع الغرب، حيث شاء الله ان تكون الندلس هي البوابة التي أدخلت الغرب في العصر الصناعي الحديث، واخرجته من حالة البؤس والاضطهاد الكنسي، والانحطاط الحضاري الذي لازمه عصور عديدة، فهي النافذة الاولى التي أطل منها الانسان الغربي على الشرق والانجازات الحضارية العظيمة التي قدمها المسلمون في مختلف حقول المعرفة والمدنية.
حتى ان حركة الاصلاح والتنوير الديني التي دعا لها الكاهن الألماني "مارتن لوثر" كانت قد تأسست على الوعي الجديد الذي أسهم به الرهبان الذين (تلقوا العلم مجاناً مع تقديم المسكن أحياناً، وهذا مثال يحمل في طياته أعظم مبادىء الرقي والتسامح والتمدن، كما ان الجامعات الاوروبية إنما نشأت تقليداً للجامعات العربية في اسبانيا).
ومن المعروف تاريخياً ان مارتن لوثر هو رائد الحركة الاصلاحية التي أطاحت بجبروت الكنيسة، وحطمت الأغلال والقيود التي كان يرزح بها العقل الغربي، وآنئذ تحرر هذا العقل وانطلق نحو مرحلة جديدة، يؤسس فيها للنهضة العلمية، والثورة الصناعية التي انتقل اليها المجتمع الغربي.
لقد أسهمت انجازات العقل الاسلامي _وبالذات الاندلسي _ بشكل فعّال ومباشر، في هذا النهوض، فابن رشد، وابن باجه، وابن الطفيل، وابن حزم، ومحي الدين ابن عربي... وغيرهم، من العباقرة الذي أنجبتهم الاندلس، أضحى تراثهم الفكري مصدر إلهام للدراسات المنطقية، والفلسفية، والاجتماعية، لمن جاء بعدهم من علماء الغرب والشرق.
وبوسعنا ان نتعرف على ملامح تلك النهضة العلمية من خلال ملاحظة حركة النسخ وانتاج الكتاب هناك، فقد كانوا في قرطبة وحدها ينسخون (16_18) ألف كتاب سنوياً، وكان "الخليفة الحكم الثاني 961 _ 976م" محباً للعلوم مكرماً لأهلها، جمّاعاً للكتب بأنواعها، بما لم يجمعه أحد من الملوك قبله... فبلغ عدد الفهارس التي فيها أسماء الكتب أربعاً وأربعين فهرستاً، وفي كل فهرست عشرون ورقة، ليس فيها إلا ذكر أسماء الدواوين لا غير.
وكانت صناعة الورق قد ادخلت من بغداد، فازداد حجم الكتب وتضاعف عددها، حتى كان في الأندلس وحدها سبعون مكتبة عامة، قدّر البعض محتويات واحدة منها فقط هي المكتبة الأموية، بأربعمائة ألف مجلد، فيما قدّرها البعض الآخر بستمائة الف.
وشهد النظام التعليمي تطوراً واضحاً، حتى استوعب الناشئة، فكانت المدارس الابتدائية كثيرة العدد، ولكنها كانت تتقاضى أجوراً نظير التعليم، ثم أضاف الخليفة الحكم إليها سبعاً وعشرين مدرسة لتعليم أبناء الفقراء بالمجان، وكانت البنات يذهبن الى المدارس كالأولاد سواء بسواء، حتى نبغ عدد من النساء المسلمات في الأدب والفن.
هذا فضلاً عن المساجد التي كانت معاهد مفتوحة لدراسة وتدريس مختلف العلوم والمعارف.
-------------------------
المصدر : "متابعات ثقافية"

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة