مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

الاسـلام والغرب شرفات غربية
ملامح إسلامية مزيّفة في الموسوعة العربيّة الميسّرة
فؤاد كاظم المقدادي


الموسوعة العربية الميسّرة ترجمة حرفيّة لدائرة معارف جامعة كولومبيا التي وضعت تحت إشراف علماء صهاينة وترجمها شفيق غربال ومجموعة من الباحثين، وأضافوا إليها المواد الإسلاميّة العربيّة، وقد ترجمت واُعدّت دون تقدير للتاريخ الإسلامي وحقائقه. ولو تتبّعنا محتوياتها بنظرة علميّة فاحصة لوجدنا بوضوح سلبيات اساسيّة في منهجها وموادّها، يمكننا إجمالها في جانبين:
الجانب الأوّل: بُعدها عن ثوابت التاريخ الإسلامي، وعدم أمانتها في نقل الكثير من حقائقه ومقولاته المعتبرة، حيث نجدها كثيرة الخلط فيما تورده من معلومات مغرضة في اعتمادها على الشاذ الساقط من الروايات والمصادر.
الجانب الثاني: عدم انطلاقها في تناول الموضوعات وتنظيم المعلومات من حاجة الكتّاب والباحثين الإسلاميين، لعدم اعتنائها بوجهة النظر الإسلاميّة.
ومن الأمثلة الواضحة على وجود هذين الجانبين السلبيين في منهجها ومادّتها ما يلي:
1_ تنكّرها وإسقاطها للسنة الهجريّة والتاريخ الهجري في كلّ ما تتناوله من موادّ ومفردات خصوصاً ما يتعلّق منها بعصر النبي (ص) وما بعده من العصور.
2_ طريقة ومستوى عرضها للمواد والمفردات الإسلاميّة جاء ضعيفاً للغاية، حيث نجده بسيطاً عاديّاً إلى أبعد الحدود، فاقداً للدقة والسعة والعمق المطلوب في تلك المواد والمفردات، مما يسلبها الحيويّة الموضوعية والقيمة العلميّة. ففي عرضهم للموادّ الخاصة بالإسلام نجدهم يصوّرونها بشكل مدرسي بدائي، وبمستوى سطحي ساذج وغير دقيق لا يخرج القارىء منه بنتيجة ذات قيمة علميّة وإحاطة واقعيّة، كما في مادة "صلاة" ومادّة "صوم" ومادّة "شريعة"، حيث اقتصر في الأخيرة مثلاً على ثلاثة أسطر مقتضبة جاء فيها: "اطلقت قديماً على كل ما يشتمل عليه الإسلام من عقائد وأحكام عملية، وخصصت الآن بمجموعة الأحكام الشرعيّة العمليّة المستنبطة من الكتاب والسنّة أو الرأي والإجماع". وفي مادّة "الإسلام" نجده يخلط كثيراً ويتجاوز الواقع والحقائق، فمثلاً يقرر فيها ان المذاهب الإسلاميّة لم يبق منها اليوم إلاّ أربعة ويعزو سبب ذلك إلى القصور العلمي للمسلمين، فقد جاء في احد مقاطع المادّة ما نصّه: "... وما هو إلاّ قليل حتى ظهرت المذاهب التي تعدّ بالعشرات في الفقه الإسلامي واُصوله، وإذا كان قد بقي منها أربعة، فما ذلك إلاّ لكثرة اتباعها وانتشار زعمائها في أرجاء الأرض، وكذلك لتقصير المسلمين في النظر وقصورهم عن اللحاق بشأو الأقدمين في العلم". وفي مواطن اُخرى من نفس المادّة يحاول بشكل أو آخر أن يعطي للبعد القومي الدور الأساسي في الفتوحات الإسلاميّة، وما انتشار الإسلام إلاّ أثر عرضي لها، كما في المقاطع التالية: "... وفي موجة تالية زحفت الجيوش العربية إلى جنوب فرنسا (غاليا)، ولكن توقفت الفتوح عند مدينة تور _ پواتيه.. صاحب هذا التوسع العربي السريع ظاهرة انتشار الإسلام في الأقطار المفتوحة، وانتقال اللغة العربية إليها.. وفي الوقت الذي كان فيه العرب ينسحبون من الاندلس، استولى العثمانيون (بعد تأسيس دولتهم القويّة بآسيا الصغرى) على ملك البيزنطيين في أوربا... وفي أثناء الحكم العثماني للبلدان الاوربية التي سقطت بأيديهم، اعتنق كثير من السكان الدين الإسلامي...".
هذا في حين نجده في موادّ ومفردات عامّة اُخرى يتوسّع ويتعمّق بشكل متميّز ومتكلّف أحياناً. فلو قارنّا بين مادة (مسجد) ذات الخصوصيّة الإسلامية ومادّة (مسرح) كمادّة عامّة، نجد أنّ مادّة (مسجد) قد كتب عنها خمسة عشر سطراً فقط، أمّا مادّة (مسرح) فكتب عنها مائة وسبعين سطراً.
أمّا لو كانت المواد والمفردات مما تخدم اغراضهم وأهدافهم الخاصّة فيبذلون عناية فائقة في إبراز وجهات نظرهم بها، وإن خالفت حقائق ثابتة يقول بها غيرهم، كما في الموادّ التي تتعلّق بفلسطين وتاريخ الأديان، حيث جاءت تفصيلاتها مفعمة بوجهة النظر اليهوديّة والتبشيريّة.
3_ تعرض الموسوعة، وبكلّ صراحة، وجهة نظر اليهود في مختلف المسائل والموادّ خصوصاً في تلك التي تتميّز بالطبيعة الدينيّة الحسّاسة، بل نجدها تحمّل القارىء فيها وجهات نظرهم تلك دون أن تعرض إلى جانبها وجهات النظر الأخرى، كما في المسائل والمواد التي تتعلّق بفلسطين، فهي تفرض فيها مفاهيم خطيرة لا تتّفق والحقائق التاريخيّة، فمثلاً تُصوّر أن عصور ازدهار فلسطين، وحريّة الحجّ المسيحي لها إنّما كان في ظلّ سيطرة الصليبيين، فيقول في مقطع من مادّة فلسطين: " ولما اعتلى قسطنطين الأوّل العرش صارت فلسطين كعبة يحج إليها المسيحيّون، وازدهرت البلاد في عهد يوستنيان". وفي مواضع أخرى من نفس المادّة تضع العرب والأتراك كأقوام وليس كمسلمين قبال المسيحيين واليهود، وتنسب المواقف والأحداث إليهم بعنوانهم القومي لا الإسلامي، ومن نافلة القول بيان الهدف السياسي من وراء ذلك، ومن أمثلة ذلك ما جاء في المقاطع التالية: " وفي القرن السابع دخلت في حكم العرب، وفي القرن التاسع امتلكها الفاطميّون... خلّص العرب الاماكن المقدسة من أيدي الصليبيين، وحكموا فلسطين حتى 1516م حينما وقعت في قبضة سليم الأوّل سلطان تركيا... وفي 1920م استولى البريطانيون _ الذين كانت فلسطين قد وقعت في قبضتهم في الحرب العالميّة الاُولى_ على البلاد، وأعلنوا عزمهم على تخصيصها لإقامة وطن قومي لليهود. فجرت اشتباكات بين العرب واليهود في الفترة (1920_1939م) من جرّاء مقاومة الوطنيين العرب لسيطرة اليهود على بلادهم، وشرائهم أراضيهم" وهكذا في مقاطع اُخرى. والشيء نفسه نجده في مادّة "يهود" و "يهوديّة" حيث تعتمد هذه الموسوعة في بيان هذه المادّة وعرضها على الإسرائيليات والروايات التي توردها المصادر غير المعتمدة والكتب غير العلميّة.
4_ ومن عجائب هذه الموسوعة أن باب الأديان والعقائد المليء بالخلط والتزوير، تمّ تحريره تحت إشراف أسماء كتّاب وباحثين عرب، كالدكتور إبراهيم مدكور والدكتور أحمد فؤاد الأهواني وغيرهما، إمعاناً في التشويش على القارىء، في حين نجد كتّاباً مسلمين وعرباً حرّروا فصولاً اُخرى من الموسوعة لم تُذكر أسماؤهم في المقدّمة.
وفي ختام هذا الاستعراض الإجمالي السريع للأخطاء والتشويش الذي احتوته هذه الموسوعة نشير إلى أن الاستاذ علي جواد الطاهر قد أحصى على موادّها (370) خطأً تاريخياً، يجده مفصّلاً من اراد التوسعة في بحث شامل نشره في مجلّة المجمع العلمي بدمشق عام 1969م.
-----------------------------
المصدر : "الاسلام وشبهات المسشرقين"
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة