مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

تأثيرات المسلمين في الحضارة الغربية
الشاعر الأوربي شامسو وإستقاء من "ألف ليلة وليلة"
عبد الرحمن بدوي


من الذين نقلوا عن "ألف ليلة وليلة" أولبرت فون شامسو، الشاعر القصصي الجامع بين الروح الفرنسية التي ينحدر منها، والروح الألمانية التي اعتنقها: فأسرته فرنسية هاجرت بسبب الثورة الفرنسية من مقرها بونكرر (في مقاطعة المارن بفرنسا) إلى بافاريا، وانضم أولبرت إلى الجيش البروسى في سنة 1798 (ولد في 30 يناير سنة 1781)، ولما سمح نابليون لها بالعودة، عادت الأسرة، بينما بقى أولبرت في وطنه الجديد، ألمانيا، حتى توفى في 21 أغسطس سنة 1838. ومن أشهر مؤلفاته قصته العظيمة التي ترجمت إلى كل اللغات الحديثة، "بيتر اشليميل" أو قصة الرجل الذي فقد ظله، بأن باعه للشيطان في مقابل كيس لا ينفد من المال، وراح نشوان بهذه الصفقة العظيمة، وظن أن المشتري لابد مجنون، إذا اشترى شيئاً خيالياً هو الظل بثمن باهظ.. وحسب أنه هو الخادع، مع أنه هو المخدوع، إذ سخر منه الجميع، وحتى المرأة التي أحبته، فقضى أيامه ولياليه في عذاب ووحشة، يستهلكه الألم رغم كنوزه من الذهب، ويحاول أن يسترد ظله بأي ثمن، ولكن محاولاته تخفق، واضطر إلى معاناة كل النتائج القاتلة لهذه الغلطة، وهذه الرذيلة، رذيلة الغرور والطمع، لكنه لحسن حظه يعثر على نعال تقطع سبعة فراسخ، فاستعملها ليذرع الدنيا.. ومنذ ذلك الحين عاش بعيداً عن الناس، مشغولاً بالبحث العلمي، مستمتعاً بمناظر الطبيعة، ناشداً فيها السلوى والعزاء والطمأنينة.
اهتم شامسو بالشرق وأساطيره وقصصه شأنه شأن أصحابه الرومنتيك الذين راحوا يبحثون كما قال تيك Tieck "عن الليلة الجنية التي يضيئها القمر، والتي تأسر الحواس، وعن العام الخرافي الحافل بالعجائب، ليبعثوه إلى روائه القديم".
ومن بين ما أخذه شامسو عن القصص المصنفة على النتاجات الإسلامية، قصة عبد الله والدرويش إحدى قصص "ألف ليلة وليلة"، وقد عرفها ترجمة جالاند الفرنسية، فيما يظهر، وقد ترجمها جالاند تحت عنوان: حكاية "الأعمى بابا عبد الله".
صاغها شامسو شعراً مكوناً من مقطوعات رباعية عدتها خمس وأربعون (أي 180 بيتاً)، ويتابع فيها القصة بكل دقة. غير أن القصة الإسلامية وردت على لسان بابا عبد الله نفسه وهو يحكيها لهارون الرشيد، أما عند شامسو فتحكى في صيغة الغائب، ويبدأها هكذا:
"أقام عبد الله راضياً عند الينبوع في الصحراء ليستريح، ومن حوله كانت إبله ترعى، وعدتها ثمانون بعيراً، وهي كل ما كان يملك وكان قد وصل في سلام إلى البصرة حاملاً عليها سلع التجار وأراد العود الآن إلى بغداد، والرحلة سهلة عليه.
"هنالك وصل إلى نفس الينبوع درويش كان يمشي على قدميه ومعه عصاه، وكان قادماً من بغداد، فسلم كلاهما على الآخر، وجلسا معاً يتناولان الطعام، ويمتدحان ماء الينبوع، ويحمدان الله".
"وسأل كل منهما صاحبه عن وجهته في سفره، فأفضى له الآخر عن طيب خاطر بما يريد السؤال عنه، وتحدثاً عن هذا المكان وذاك الموضع، ثم قال الدرويش في النهاية كلاماً خطيراً:
"أعرف هنا في هذه المنطقة كنزاً لا ينفد، وأعرف مكانه وأستطيع أن أقودك إليه، ولو حمل الإنسان ثمانين بل ألف بعير ذهباً وجواهر منه، لما بدا أنه أخذ منه شئ.
"فأصغى عبد الله بشغف بالغ، وأعماه بريق الذهب، وسرت الرعدة في فرائصه وعروقه، وملأ الجشع نفسه كلها، وقال: أسمع يا أخي، قدني إلى هناك في الحال! إن الكنز لا يفيدك، وأنت بهذا تسعدني وتجعلني ثرياً.
"ودعنا نحمل الثمانين بعيراً بالذهب، ثمانين حمل بعير فقط، ولن يؤثر هذا في الكنز. وأنا أعدك، يا أخي، جزاء عن هذه الخدمة، بأن أعطيك أحسن البعير وأقواها، محملاً بالذهب.
"فقال الدرويش: يا أخي، لقد قصدت إلى شئ آخر، وهو أن تأخذ أربعين بعيراً، وأنا أربعين فهذا ما يقضى به العدل، وثمن الدواب الأربعين ستتقاضاه أنت مليون مرة، ولو أنني صمت عن ذكر ذلك يا أخي، إذن تأمل وفكر يا أخي فكر..".
ثم تستمر الحكاية كما في النص العربي تماماً: يتفقان على المناصفة، حتى إذ بلغا الكنز أو القصر المليء بالذهب والماس واليواقيت والزمرد، وحملاً الجمال الثمانين، دب الطمع في نفس بابا عبد الله، وراح يطالب الدرويش بالتنازل له عن عشرة جمال من نصيبه، ثم عشرة ، إلى أن اقتضاها كلها، والدرويش يوافقه على مطالبه، ولم يبق عند هذا الأخير غير حق من المرهم، حرص على البحث عنه في القصر وأخذه، وظن عبد الله أن له خواص عجيبة، فسأل الدرويش عن حقيقته، فقال أنه إذا وضع منه على عينه اليسرى أبصرت ما في الأرض من كنوز، وإن وضع منه على عينه اليمنى فقدت كلتا العينين البصر. فطلب من الدرويش أن يمسح علي عينه اليسرى، فأبصر تحت الأرض ذهباً وماساً وزمرداً ويواقيت ومعادن وأحجار كريمة. وحاك في صدره الشك فيما يقوله الدرويش عن تأثيره على العين اليمنى، وظن أن الدرويش يخفى عنه الحقيقة، واعتقد أنه إذا ما وضع منه على عينه اليمنى فسيمتلك هذه المعادن النفيسة. ولهذا طلب من الدرويش أن يضع منه على عينه اليمنى. فحذره الدرويش من مغبة ذلك. ولكن عبد الله أصر، فلم يكن أمام الدرويش إلا أن يجيبه إلى طلبه، ووضع من المرهم على عين عبد الله اليمنى، فضاع بصره من كلتا العينين وصدق ما قاله الدرويش. هنالك صاح عبد الله.
"أيها الدرويش اللعين، لقد صدقت وقلت الحق، فعالج الآن المصيبة التي أحدثتها، وأنت الرجل العليم، (فقال الدرويش): لم أتسبب في ضررك بل أنت الذي أردته، وأنت الآن بين يدي الله، وهو الذي يغفر الذنوب.
"وتوسل عبد الله وصاح عبثاً وتقلب في التراب وأصم الدرويش أذنيه عن شكاته، وجمع الثمانين بعيراً، وساقها إلى البصرة، بينما بقى عبد الله يائساً عند الينبوع في الصحراء.
"والشمس تجري لمستقر لها، وهو لا يراها، وكان صباح جديد، وصباح ثالث، وعبد الله قائم هناك يتلوى في عذاب، وأخيراً جاء أحد التجار وأدركته عليه شفقة فأخذه معه إلى بغداد، هذا الشحاذ الأعمى".
------------------------------
المصدر : "دور العرب في تكوين الفكر الأوربي"
rm0pqlxlrm0pqlxn garbi1

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة