مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

نظرة الغربيين للاسلام
"الموسوعة الإسلاميّة الميسرة"
فؤاد كاظم المقدادي


"الموسوعة الاسلامية الميسّرة" خلاصة لدائرة المعارف الإسلامية، وقد اُعدّت تحت إشراف اثنين من كبار المستشرقين هما: الانجليزي "جب"(1) والهولندي "كريمرز" (2)، وقد كتبت باللغة الإنجليزية، وتقع في مجلّد واحد، وترجمت إلى اللّغة العربيّة بإشراف الدكتور راشد البراوي، وطبعتها مكتبة "الانجلو" في القاهرة وصدرت في مجلّدين بـ 1256 صفحة من القطع الكبير.
وفي معرض بيان اتّجاه وطبيعة هذه الموسوعة يقول الدكتور سالم اليافعي: "إنّ الموسوعة الإسلاميّة الميسّرة هي خلاصة الفكر الغربي خلال القرون الأربعة الأخيرة، وإنّ الذين اشتركوا في إعدادها تصل قائمة اسمائهم إلى أربعمائة اسم"، وفي مهرجان طبّي كبير في تركيا قام الدكتور اليافعي بحرق غلاف الموسوعة الإسلاميّة الميسّرة إعلاناً منه بأنّ الامّة الإسلاميّة قد وصلت على حدّ تعبيره إلى مرحلة (انفصام) العقل العربي الإسلامي عن (لبان) الحضارة النصرانيّة اليهوديّة والعقل الاستشراقي الغربي، وهي في نفس الوقت دعوة للعودة إلى المنابع الإسلاميّة ممثّلة في القرآن الكريم وعلومه الإنسانية الكبرى وتراثنا الحضاري الشامخ من علم وطبّ وتاريخ وفقه وسياسة واقتصاد.
ويمكننا القول: إن هذه الموسوعة تمثّل عصارة الجهد الاستشراقي في النيل من الإسلام والغضّ من شأنه من خلال ما يقارب ألف كتاب اعتمدت كمصادر لها، كانت قد ألّفت خلال أكثر من أربعمائة عام.
أمّا مفردات الدسّ والتشويه التي حوتها هذه الموسوعة فلا تنحصر بزاوية واحدة، بل إنّها ضمن مناقشتها للقضايا الأساسيّة تشمل الجوانب المتّصلة بالعقيدة، كالرسول (ص) والقرآن الكريم والسنّة الشريفة، وكذلك ما هو متّصل بأركان وفروع التشريع الاسلامي، كالصلاة والحجّ وغيرها، هذا إضافةً إلى تناولها لجوانب من التاريخ الإسلامي وسيرة كبار رجال الإسلام وقادته. وبملاحظة نقديّة أوليّة نستجلي ما دُفن فيها من تحريف وتشويه، وتزكم أنوفنا رائحة السموم التي دُسّت في موادّها بأيدي مستشرقين يهود ونصارى بهدف تشويه معالم الفكر الإسلامي الأصيل وإثارة الشبهات حول تاريخه الناصع وشخصياته القياديّة... ويمكننا سوق نماذج عن ذلك كالآتي:
1_ في جانب السيرة النبويّة نجد مادتي (محمّد) _ص _ (قرآن) مليئتين بالدسّ اليهودي والتحريف النصراني والشبهات المفتعلة حول أحداث السيرة الشريفة وحقيقة القرآن الكريم، كما نجدهما قد كُتبتا بطريقة نكراء تثير الاستغراب وتفتقر إلى المنهج العلمي السليم والأمانة التاريخيّة المطلوبة، ويزول منّا هذا الاستغراب إذا عرفنا أن كاتبهما هو المستشرق الشهير (بوهل) الذي امتلأت مؤلّفاته بإثارة الشبهات والدسّ والتشويه، والذي يعدّ من أكثر المستشرقين حقداً على الإسلام وعلى نبيّه الكريم محمد (ص).
ففي مادّة "سيرة" مثلاً عند بيان أصل السيرة وطبيعتها يدرك القارىء لها مدى الغمز _وفي مواضع متعدّدة _ بأخلاق الرسول (ص) وما عرف عنه من أمانة وصدق سواءٌ في سلوكه الخاص أو في دعوته لرسالته، كما في المقاطع التالية من هذه المادّة: "إن فكرة جمع قصة حياة النبي من مولده إلى وفاته في رواية متتابعة محكمة ليست فكرة قديمة في الجماعة الإسلاميّة ولا هي بالفكرة التي جاءت عفو الخاطر... هذا الاهتمام أبعد ما يكون عن طبيعة التاريخ بالمعنى الذي نفهمه من هذه الكلمة، وإنما انصرف إلى تخليد ذكر المغازي على غرار ما كان يفعل العرب في الجاهليّة، تلك المغازي التي اشترك فيها المسلمون تحت راية قائدهم الذي كان جلّ أتباعه ينظرون إليه نظرتهم إلى أمير... وإن كان النبي (ص) لايختلف في خُلقه اختلافاً مشهوداً عن اُمراء الجاهليّة. وقد كان الحافز الاوّل إلى هذا الاهتمام هو الذي دفع القوم، كما نعلم، إلى إقامة السُنّة في تلك الصورة المأثورة من الحديث المروي... فليست هذه المغازي إلاّ استمراراً أو تطوّر لأيّام العرب... هذه السيرة يرجع أصلها إلى التحوّل الذي طرأ على شخصيّة محمد في ضمير المسلمين الديني... وإلى شيء آخر فوق هذا كلّه، وهو أنّ احتكاك المسلمين باليهوديّة والمسيحيّة ورغبتهم في أن يضعوا مُنشىء الإسلام في كفّة مُنشئي هذين الدّينين قد شجعهم على وضع تلك القصص التي أحاطوا بها شخص النبي والتي أحدثت هذا التحوّل الشامل في طبيعة شخصيّته من مولده (بل قبل مولده) إلى وفاته".
2_ في جانب التاريخ الإسلامي وسيرة الشخصيّات البارزة فيه قُلبت الكثير من الحقائق ودُسّت الكثير من السموم والشبهات. حتّى لكأنّك تقرأ تاريخاً وسيرةً اُخرى لا تمتّ للإسلام والمسلمين بصلة. ومن الشخصيات التي طالتها الشبهات ودُسّت في سيرتها السموم بعض صحابة الرسول (ص) كحمزة بن عبد المطلب والعباس بن عبد المطلب، وبلال الحبشي، ومصعب بن عمير، وكذلك بعض اُمّهات المؤمنين. بل طالت أيضاً بعض الأنبياء السابقين الّذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم كنبي الله صالح (ع) ونبي الله شعيب (ع).
فمثلاً من صور التشويه لسيرة حمزة بن عبد المطلب عمّ النبي والحطّ من شخصيّته ومصداقيّة انتمائه المبدئي للإسلام ما يقوله المستشرق "لامنس" في مادّة "حمزة" من أنّه: "عمّ النبي"، وتزيد الروايات أنّه أخوه في الرضاعة سعياً منها إلى تمجيد هذا البطل من أبطال الإسلام في عهده الاوّل، ولا نعرف عن حمزة فيما عدا ذلك إلاّ القليل، ويزعم الجهّال من مادحيه أيضاً انه اشترك في حرب الفجار... وفي أوّل الأمر وقف حمزة من الدّين الجديد موقف العداء شأنه في ذلك شأن سائر بني هاشم، على أن لجاج أبي جهل في خصومة النبي استثاره، ومن ثم يُقال انه دخل في الإسلام بعد نزول الوحي على محمد بسنتين، أو بست في روايات اُخرى. ثم هاجر معه إلى المدينة وعاش فيها أول الامر عيشة المغمور البائس حتّى لقد بلغ من أمره أن خرج عن وعيه في يوم من الأيّام تحت تأثير الإفراط من الشراب وحمل بسيفه على جمالٍ لعلي".
3_ في جانب آخر من التاريخ الإسلامي أبرزت الموسوعة اهتماماً كبيراً بأصنام العرب قبل الإسلام، وما أسمته بطقوس الحجّ التي حاولت أن تخلط فيها بين طقوس الحجّ قبل الإسلام وما شرّعه الإسلام من فرائض عبادة الحجّ.
هذه إلمامة إجماليّة سريعة عن مفردات الدسّ والتشويه الذي تضمنته هذه الموسوعة، ومن المؤسف أن نجد أن الأهداف الخبيثة التي استهدفتها وأمثالها أثمرت انخداع الكثير من أبناء الإسلام بها، خصوصاً أبناء الجيل الحديث من مثقفي وخرّيجي المدارس والجامعات العربيّة، حيث جعلوها مصدر إلهامهم الرئيسي لمعرفة دينهم وحضارتهم وتاريخهم الإسلامي. ونتيجة للخطر الذي استشعره بعض الكتّاب والمتتبعين لخطط المستشرقين في تشويه معالم الدين الإسلامي وتاريخه وحضارته من خلال هذه الموسوعات عمدوا إلى تقديم البديل عنها، وتوجيه أبناء الإسلام لاستقاء معارف دينهم وتاريخهم وحضارتهم منها، ومن هؤلاء الكتّاب الاُستاذ أحمد عطية الله الذي قام بتأليف "القاموس الإسلامي" بدلاً عن الموسوعة الإسلاميّة الميسّرة، الذي حرص فيه على تصحيح جميع ما فيها من أخطاء، إلاّ أنّه توفّي قبل أن يتمّه. كما قامت جامعة البنجاب في الهند بمحاولة اُخرى في مجال تقديم البديل، فعمدت إلى رفع جميع الموادّ المحرّفة والمشبوهة التي وردت في دائرة المعارف الإسلاميّة وخلاصتها المتمثّلة بالموسوعة الإسلاميّة الميسّرة، وقدّمت البديل الإسلامي عنها بأقلام علماء مسلمين، ثم ترجمت هذه الدائرة بشكلها المصحّح إلى لغة الاُردو. وقامت مؤسّسة مكتب التربية العربي لدول الخليج بإصدار كتاب في مجلّدين ضمّ أكثر من 30 بحثاً بالردّ على بعض الكتب الاستشراقيّة المشهورة الطافحة بالتشويه والمليئة بالدسّ والسموم.
ـــــــــــــــ
1_ جب، هاملتون ألكسندر روسكين Gibb, Hamilton Alexander Rosskeen (1895م) مستشرق انجليزي عُني بدراسة التراث الإسلامي وتعريف الغربيين به. من أشهر آثاره: دراسات في حضارة الإسلام (عام 1962م)، وقد نقله إلى اللغة العربيّة الدكاترة إحسان عباس ومحمد يوسف نجم ومحمود زيد. "عن موسوعة المورد ج 4".
2_ ج _ ه‍ كريمرز J.H Kramers : مستشرق هولندي كثير الطعن في الإسلام وصاحب ميول تبشيريّة سافرة.
----------------------------------------------
المصدر : "الاسلام وشبهات المستشرقين"

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة