مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 نظرة الغربيين للاسلام
المستشرقون واسقاط الرؤية العلمانية، والتأثيرات البيئية على الوقائع التاريخية.
عبد الجبار الرفاعي


يؤكد (اتيين دينيه) أنه من المتعذّر بل من المستحيل "أن يتحرر المستشرقون عن عواطفهم وبيئتهم ونزعاتهم المختلفة، وانهم _لذلك_ قد بلغ تحريفهم لسيرة النبي والصحابة مبلغاً يغشى على صورتها الحقيقية من شدة التحريف فيها، وبرغم ما يزعمون من اتباعهم لاساليب النقد البريئة، ولقوانين البحث العلمي الجاد، فانا نجد من خلال كتاباتهم محمداً يتحدث بلهجة ألمانية اذا كان المؤلف ألمانياً، وبلهجة ايطالية اذا كان الكاتب ايطالياً وهكذا تتغير صورة محمد بتغير جنسية الكاتب، وإذا بحثنا في هذه السيرة عن الصورة الصحيحة، فإنا لانكاد نجد لها من أثر.
ان المستشرقين يقدمون لنا صوراً خيالية هي أبعد ما تكون عن الحقيقة، انها أبعد عن الحقيقة من أشخاص القصص التاريخية، التي يؤلفها أمثال (وولترسكوت)، و (اسكندر ديماس)، وذلك إن هؤلاء يصورون أشخاصاً من أبناء قومهم، فليس عليهم إلاّ أن يحسبوا حساب إختلاف الازمنة، أما المستشرقون فلم يمكنهم أن يلبسوا الصورة الحقيقية لأشخاص السيرة، فصوروهم حسب منطقهم الغربي وخيالهم العصري... _ثم يذكر دينييه هذا المثال فيقول:
ما رأي الاوربيين في عالم من أقصى الصين يتناول المتناقضات التي تكثر عند مؤرخي الفرنسيين ويمحصها بمنطقه الشرقي البعيد، ثم يهدم قصة (الكاردينال ريشليو) كما نعرفها، ليعيد إلينا (ريشليو) آخر، له عقلية كاهن من كهنة بكين، وسماته وطبعه؟!.
ان مستشرقي العصر الحاضر قد انتهوا الى مثل هذه النتيجة فيما يتعلق برسمهم الحديث لسيرة الرسول (ص)، ويخيل إلينا أننا نسمع محمداً يتحدث في مؤلفاتهم أما باللهجة الألمانية أو الانكليزية أو الفرنسية، ولا نتمثله قط، بهذه العقلية والطباع التي إلصقت به، يحدّث عرباً باللغة العربية.."
وذهب العلامة المؤرخ جواد علي الى أن المستشرق (كيتاني) "وضع رأيه في السيرة قبل الشروع في تدوينها، فلمّا شرع بها، إستعان بكل خبر من الأخبار ظفر به، ضعيفها وقويّها، وتمسك بها كلها، ولا سيما ما يلائم رأيه، لم يبال بالخبر الضعيف، بل قوّاه وسنده وعدّه حجة، وبنى حكمه عليه، ومن يدري؟ فلعله كان يعلم بسلاسل الكذب المشهورة المعروفة عند العلماء ولكنه عفا عنها، وغض نظره عن أقوال أولئك العلماء فيها، لأنه صاحب فكرة يريد إثباتها بأية طريقة كانت، وكيف يتمكن من اثباتها واظهارها وتدوينها إن ترك تلك الروايات، وعالجها معالجة نقد وجرح وتعديل"، وبناء على منهجه هذا زعم بأن "الرسول ووالده عبد الله، لم يكونا من أهل مكة في الاصل، بل كانا من أهل يثرب أي المدينة، ثم حاول أن يجد مطعناً في النسب، بابعاده عن قريش، وبابعاد العدنانين عموماً عن العرب، بل ذهب الى احتمال وجود نسب له بالاسرائيليين... مع العلم أن محمداً لم يولد باجماع الرواة إلاّ في مكة، وفيها نشأ وعاش أكثر عمره الى الهجرة، ولم يرد غير ذلك في أي خبر من الاخبار التي ذكرها الاخباريون.
وغاية (كيتاني) من هذا الزعم، الغمز والهمز للرسول، لاظهار أن ما جاء به كان بوحي من يهود يثرب وتعلمّه منهم، وبدس من عرق يهودي كان في دم رسول الله...".
------------------------------------------
المصدر : متابعات ثقافية

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة