مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 شرفات غربية
المحاولات الاستشراقية لرد الخطاب الاسلامي الى أصول نصرانية ويهودية
عبد الجبار الرفاعي


حرص الكثير من المستشرقين على الزعم بأن النبي الامين تلقى ما أتى به من منابع نصرانية ويهودية، فمثلا يقول أحدهم:
"والسر الكبير في ثقافة محمد الكتابية والانجيلية، وجود العالم المسيحي ورقة بن نوفل من بني أسد ابن عم السيدة خديجة، في جوار النبي، وهو الذي، زوجه ابنة عمه، فقد أجمعت الآثار على أن ورقة تنصّر، وكان يترجم التوراة والانجيل الى العربية، فهو إذن عالِم مسيحي كبير، وقد عاش محمد في جواره خمسة عشر عاماً قبل مبعثه، ألا تكفي هذه المدة لنابغة العرب محمد بن عبد الله لكي يأخذ عنه شيئاً من علوم التوراة والانجيل؟... وعلى أن الوحي فتر لما توّفي ورقة، وحاول محمد الانتحار مراراً لفقده وفتوره، ونجد بالمدنية في معية النبي حاشية مسيحية ويهودية قد أسلمت أو سايرت الأسلام، نجد بلالاً الحبشي مؤذن النبي، وصهيباً الرومي المسيحي الثري، وسلمان الفارسي المسيحي الاصل، وعبد الله بن سلام اليهودي الوحيد الذي أسلم في المدينة مع كعب الاحبار، وهل كان حديث هذه الحاشية الكريمة سوى التوراة والانجيل؟ إن ذلك حجة قاطعة على أن بيئة النبي والقرآن كانت كتابية من كل نواحيها، وان ثقافة محمد والقرآن كتابية في كل مظاهرها، وذلك بمعزل عن الوحي والتنزيل".
إن محاولة بعض المستشرقين إرجاع الوحي والتنزيل وتراث النبوة الى التوراة والانجيل نشأ عن كون "معظم المستشرقين النصارى، هم من طبقة رجال الدين، أو من المتخرجين من كليات (اللاهوت)، وانهم إن تطرقوا الى الموضوعات الحساسة من الإسلام، حاولوا جهد إمكانهم ردّها الى أصل نصراني، وطائفة المستشرقين من يهود، وخاصة بعد تأسيس (اسرائيل)، وتحكّم الصهيونية في غالبيتهم، يجهدون أنفسهم لرد كل ما هو إسلامي وعربي الى أصل يهودي، وكلتا الطائفتين في هذا الباب تبع لسلطان العواطف والاهواء".
وكان المستشرق السويدي (تور اندريه Tor andrac) صاحب كتاب: (محمد، حياته وعقيدته)، قد عارض هذه الطريقة العقيمة التي سلكها بعض المستشرقين في البحث، مبيناً أن جوهر النبوة، لايمكن تحليله الى مجموعة من آلاف العناصر الجزئية، ومهمة الباحث في رأيه أن يدرك في نظرة موضوعية: كيف تتألف من العناصر والمؤثرات المختلفة وحدة جديدة أصيلة تنبض بالحياة، فالإسلام لاينكر صلاته بالديانة اليهودية والمسيحية وعقيدة الحنيفية، وتقاليد العرب، ولكن ذلك لايعني أنه مجرد مجموعة من هذه العناصر.
كما ان الدكتور موريس بوكاي، كان قد درس "القرآن الكريم والتوراة والانجيل" دراسة مقارنة تحليلية دقيقة استمرت سنوات عديدة، فانتهى الى ان ما أشتمل عليه القرآن الكريم بالنسبة الى التوراة والانجيل قد أثار دهشته حيث قال:
"لقد أثارت دهشتي هذه الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن، والتي كانت مطابقة تماماً للمعارف العلمية الحديثة، ولقد درست هذه النصوص بروح متحرزة من كل حكم سابق، وبموضوعية تامّة بيد أني لا أنكر تأثير التعاليم التي تلقيتها في شبابي، حيث لم تكن الأغلبية تتحدث عن الاسلام، وانما عن المحمديين لتأكيد الاشارة الى أن هذا الدين أسسه رجل، وبالتالي فهو ليس بدين سماوي، فلا قيمة له عند الله، وكان يمكن أن أظل محتفظاً كالكثيرين بتلك الافكار الخاطئة عن الاسلام، وهي شديدة الانتشار، ولما تحدثت مع بعض المستنيرين من غير المتخصصين، عرفت اني كنت جاهلاً قبل أن تعطى لي عن الاسلام صورة تختلف عن تلك التي تلقيتها في الغرب، وكان هدفي الأول هو قراءة القرآن، ودراسة نصه آية آية مستعيناً بمختلف التعليقات اللازمة للدراسة النقدية، وانتبهت بشكل خاص الى دقة بعض الاشارات الخاصة بالظواهر الطبيعية، ومطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم عن هذه الظواهر نفسها والتي لم تكن لأي إنسان في عصر محمد (ص) أن يكّون عنها أدنى فكرة، ثم قرأت إثر ذلك مؤلفات كثيرة خصصها كتّاب مسلمون للجوانب العلمية في القرآن، وعلى حين نجد في التوراة أخطاء علمية فادحة، فإنّا لانجد في القرآن أي خطأ، وقد دفعني ذلك الى أن أتسائل:
لو كان مؤلف القرآن إنساناً، فكيف إستطاع في القرن السابع من العصر المسيحي أن يكتب ما إتضح أنه يتفق اليوم مع العلوم الحديثة؟
ليس هنالك أي مجال للشك، فنص القرآن الذي نملك اليوم، هو النص الاول نفسه، ومن ذا الذي كان في عصر نزوله يستطيع أن يملك ثقافة علمية تسبق بحوالي عشرة قرون ثقافتنا العلمية؟
حقاً إن في إشارات القرآن قضايا ذات صبغة علمية تثير الدهشة...".
----------------------------------------
المصدر : متابعات ثقافية

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة