مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 شرفات غربية
الكيد للاسلام في نشاط المستشرق الامريكي موئيل زويمر Samuel Zwemer (1867 _ 1952م)
فؤاد كاظم المقدادي


زويمر من ابرز المستشرقين الأميركيين الذين خاضوا عملهم ميدانياً في منطقة الشرق الأوسط خصوصاً جنوب العراق ودول الخليج العربية، وهو المحرر للمجلة الإنجليزية الاستشراقية الشهيرة (عالم الاسلام) وقد اشتهر بدوره التبشيري وعدائه الشديد للإسلام. له مؤلفات عديدة عن الإسلام في العالم، وعن العلاقات بين المسيحية والإسلام، منها كتاب "يسوع في إحياء الغزالي" وكتاب "الإسلام تحدٍ لعقيدة" صدر سنة 1908م. وكتاب "الإسلام" وهو مجموعة مقالات قدّمت للمؤتمر التبشيري الثاني سنة 1911م بمدينة "لكناو" في الهند. ويعتبر زويمر من أكثر المستشرقين توجّهاً نحو التنصير، وتقديراً لجهوده التبشيرية أنشأ الأميركيون وقفاً باسمه على دراسة اللاهوت وإعداد المبشرين.
وكانت اُولى أعماله الميدانية اخيتاره عضواً في الإرسالية الأميركية العربية عام 1889م، وهي إرسالية أميركية بروتستانتية ذات أهداف تبشيرية في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية (الحجاز). وقد كانت المهمة الرئيسيّة للإرسالية هي التبشير والتعليم الديني وتقديم الخدمات الطبية والصحية من خلال الواجهة التبشيرية. وكانت عملياتهم اليومية تدار من قبل لجان مشكّلة لهذا الغرض محلياً، وذلك وفق خطة عمل الإرسالية من أجل تحويل أهالي الجزيرة العربية الى الديانة المسيحيّة حيث تقول "آن هاريسون": لقد اُرسلنا لتحويل الناس الى المسيحيّة والدعوة الى قدرة الله.
وهكذا فإنّ هدف صموئيل زويمر _الذي كان من أبرز رفاقه في الإرسالية نشاطاً واندفاعاً (الدكتور لانسننج) _ دفع جميع بني الإنسانية ليصبحوا أتباعاً للسيد المسيح (ع)، وكانت خطة الإرسالية تجسيداً لهذه الأفكار. وقد عمل "زويمر" وصحبه كل ما بوسعهم لإرساء دعائم هذه الإرسالية.
ولمعرفة طريقة ومنهج تفكير وعمل زويمر يُطرح السؤال التالي: لماذا اختاروا اسم "الإرسالية العربية" لهذه المنظمة التبشيرية؟ وجوابه نجده في متن الخطة التي وضعها زويمر ورفاقه وهي:
1_ إنّ الهدف الأساسي لهذه المنظمة كان العمل التبشيري في البلاد العربية، وبشكل أساسي شبه الجزيرة العربية، التي هي موطن العرب والدين الإسلامي.
2_ إنّهم أرادوا أن تكون هذه الإرسالية مختلفة ومميزة عن غيرها من الإرساليات المسيحية لكي تستطيع أن تلفت الانتباه لهذا الميدان الجديد الذي كانوا يعتقدون أنّه مهيّأ لاستقبال أمثال هذه الدعوة.
3_ إنّ اختيار الاسلام يهدف الى التغلّب على الشكوك التي يحملها العرب نحو أنشطة الأجانب. وهذه الشكوك كانت طبيعية جداً، خصوصاً في ذلك الوقت عندما كان الصر اع الأجنبي على أشدّه في منطقة الخليج العربية بشكل خاص. وقد وضعت الاُصول العامة لنشاط الإرسالية في المرحلة المقبلة واختيرت الجزيرة العربية هدفاً لها.
وعن الأسباب التي دعت لاختيار الجزيرة العربية هدفاً للارساليّة يقول صموئيل زويمر: إنّ من بين الدوافع للعمل في الجزيرة العربية أولاً: الأسباب التاريخيّة. إنّ للمسيح حقاً في استرجاع الجزيرة العربية، وقد أكّدت الدلائل التي تجمعت لدينا في الخمسين سنة الأخيرة على أنّ المسيحية كانت منتشرة في هذه البلاد في بداية عهدها. وهناك دلائل أثرية واضحة على وجود الكنيسة المسيحية هناك، ولهذا فإنّ من واجبنا أن نعيد هذه المنطقة الى أحضان المسيحية.
والسبب الثاني هو أنّ النجاح المسيحي في الجزيرة العربية سيكون نقطة تحوّل في العمل التبشيري المسيحي، وهذه الفكرة كانت تفترض أن نجاحهم سيكون منطلقاً لفتح أبواب المنطقة بأكملها أمام التبشير المسيحي، إنّ أهمّ ما قامت به الإرسالية أنّها قدّمت للمبشرين الأميركيين مساعدات قيمة، وأهم هذه المساعدات ما يتعلّق بتقديم المعلومات عن أحوال المنطقة وخصوصاً الجغرافية والاجتماعية والدينيّة، بالاضافة الى هذا، فإن الإرسالية العربية حصلت على تعاون المنظّمات المشابهة في العراق كالإرسالية المتحدة في العراق، والمجلس المسيحي للشرق الأوسط، وجمعية الكنيسة التبشيرية. وكانت اُولى محطات العمل الميداني لهذه الإرسالية هي البصرة التي أصبحت فيما بعد مركزاً وقاعدة لعملياتهم في منطقة الخليج، وهي من بين المناطق الهامة التي كانوا يخططون لاحتلالها.
وكان الرائد الأوّل للعمل في هذه المحطة هو المستشرق "صموئيل زويمر" الذي كان يحظى بحماية القنصلية الأميركية في ا لبصرة من ردود فعل المواطنين وقياداتهم الدينيّة التي كان يواجههما بالإضافة الى سلطات الدولة العثمانية.
ومن البصرة بدأ عمل الإرسالية بقيادة "زويمر" لتغطية معظم أراضي الخليج وبعض أجزاء شبه الجزيرة العربية ممهّدين لذلك برحلات استكشافية لدراسة الأوضاع الجغرافية والسياسية بشكل مباشر، ثمّ على ضوئها يتم التخطيط للامتداد في المناطق المناسبة، ويبدأ العمل تدريجياً حتى تثبت أقدامهم في تلك المناطق. وقد استطاعوا أن يستقرّوا في البحرين ثمّ في مسقط وهكذا في الكويت وقطر، ثمّ تلتها المحطات الفرعية كالعمارة والناصرية في العراق، وميناء مطرح في مسقط.
وقد اشتهر "زويمر" هذا بأنّه كان يلقّب نفسه بـ "ضيف الله" عند تردّده بين البصرة والبحرين والاحساء، وكان عملياً جداً بحيث أنّ أول أعماله ضمن الإرسالية الأميركية العربية فتحه حانوتاً في السوق لبيع الكتب المختلفة، ثمّ تخصص بالتدريج في بيع الكتب التي تفرّق بين الأديان ثمّ باشر بنفسه تأسيس مدرسة ومستشفى صغير للتنصير. ثمّ استقدم عدداً من المراسلين والدعاة للتنصير من النساء والرجال الأميركيين الىدول الخليج، وخصوصاً البحرين، وقد عرف بجرأته حتى أنّه استطاع أن يقتحم الأزهر ويوزّع منشوره المعروف تحت عنوان "ارجع الى القبلة القديمة" ولعلّ هذا أحد قرائن ولائه الصهيوني الذي عُرف عنه.
لقد رأس زويمر عدداً من مؤتمرات التنصير العالمية التي عقدت في القاهرة والهند والقدس وأدلى فيها بتقارير ضافية عن الخطوات التي حققتها محاولته في (تنصير المسلمين). وقد كشف هذا المستشرق في أخطر مؤتمراته عن فشل مغامرة التنصير خلال ربع قرن، وتراجع عن دعوته فقال: إنّه لا يدعو لإدخال المسلم في النصرانية، وإنّما يدعو الى إخراجه من الإسلام ويقول: لقد صرفنا من الوقت شيئاً كثيراً وأنفقنا من الذهب قناطير مقنطرة، وألّفنا ما استطعنا أن نؤلّف وخطبنا، ومع ذلك كله فإننا لم ننقل من الإسلام إلاّ عاشقاً بنى دينه الجديد على أساس الهوى، فالذي نحاوله من نقل المسلمين من دينهم هو باللعب أشبه منه بالجد... وعندي أننا يجب أن نعمل حتى يصبح المسلمون غير مسلمين. إنّ عملية الهدم أسهل من البناء في كل شيء إلاّ في موضوعنا هذا، لأنّ الهدم للإسلام في نفس المسلم معناه هدم الدين على العموم. وقد دعا زويمر الى توسيع نطاق التعليم التنصيري تحت أسماء أُخرى لخداع المسلمين، ودعا الى توحيد هيئات التنصير.
لقد كان زويمر متطرّفاً شديد التعصّب ضد الإسلام والمسلمين، وقد بلغ به الأمر الى أن يحذّر من أي تقارب وتوافق مع المسلمين "فقد هاله أن يرى نفراً من النصارى يدعون الى مصادقة المسلمين في الصين، لأنّ هذه الصداقة في نظره تخلق في نفس النصارى جبناً عن التبشير".
ونلاحظ من خلال ما تقدّم عن هذا المستشرق المبشّر أن جوهر عمله هو تحقيق غاية الدول الغربية الطامحة الى السيطرة والاستعمار، ولم يكن يخفي في نفسه ذلك، بل إنّه يعتبر أن دوره ودور نظرائه لا ينتهي عند حد استعمار الشرق، بل لابدّ أن يستمر لاستدامة هذا الاستعمار وتركيز أرضيّته، فيقول في المؤتمر التبشيري الذي عقد عام 1911م في لكناو بالهند: إنّ خمسة وتسعين مليوناً على أقلّ تقدير من أتباع نبي مكّة يتمتّعون اليوم بنعمة الحكم البريطاني وكذلك يؤكّد ما قلناه عنه من رأيه الصريح الذي يفصح عنه بقوله: إنّ الأبواب المفتوحة التي تؤدّي فعلاً الى الإسلام انّما هي المستعمرات التي يعيش فيها المسلمون تحت حكم مسيحي أو حكم وثني أيضاً (في إفريقيا والهند مثلاً) ويقصد بذلك انّ عملهم يجب أن يبدأ بمرحلته الثانية عندما يستعمرون هذه البلاد ولا يتركون للإسلام فرصة حياة في واقع المسلمين.
وعندما أخذ المؤتمرون في مؤتمر "لكناو" بالهند يتدارسون الأحوال السياسية في العالم الإسلامي، خطب زويمر قائلاً: إنّ الانقسام السياسي الحاضر في العالم الإسلامي دليل بالغ على عمل يد الله في التاريخ، واستثارة للديانة المسيحية (لكي تقوم بعمل) إذ إنّ ذلك يشير الى كثرة الأبواب التي أصبحت مفتّحة في العالم الإسلامي على مصاريعها. إنّ ثلاثة أرباع العالم الإسلامي يجب أن تعتبر الآن سهلة الاقتحام على الإرساليات التبشيرية. إنّ في الإمبراطورية العثمانية اليوم وفي غربي جزيرة العرب وفي ايران والتركستان والأفغان وطرابلس الغرب ومراكش سدوداً في وجه التبشير، ولكن هناك مائة وأربعون مليوناً من المسلمين في الهند وجاوة والصين ومصر وتونس والجزائر يمكن أن يصل إليهم التبشير المسيحي بشيء من السهولة.
وهكذا نجد زويمر يقوم بدوره الميداني ممهّداً ومنظّراً لحركة الاستعمار في الشرق، حتى وصل به الأمر أن ينصح بريطانيا العظمى أن تبدّل سياستها المهادنة في مصر تبديلاً أساسياً، وأن تشعر المصريين بقوة بريطانيا وبنعمها عليهم، وهذا بكلمة اخرى ترسيخ الاستعمار بالقوة والقهر.
ولم يهمل زويمر اُسلوب الإغراء مستفيداً مما يعتبر أحد الأساليب الناجعة التي مارسها المسلمون لكسب الناس الى الدين الإسلامي، فقد كتب في المجلّة الاستشراقية التي يحررها "العالم الإسلامي" مقالاً عنوانه "استخدام الصدقات لاكتساب الصابئين" الذي يبحث فيه كيف أنّ الإسلام على عهد الرسول (ص) أجاز إعطاء الزكاة للمؤلّفة قلوبهم، أي اولئك الذين دخلوا في الإسلام وكانوا ذوي حاجة وذوي اتجاه مادي. ويقصد بذلك أنّ استخدام الإحسان المادي من الأساليب المؤثّرة في طريق التبشير المسيحي وتحويل الناس نحو النصرانيّة.
وهكذا وفي خاتمة الحديث عن هذا المستشرق الفعّال يمكننا القول: إن ما وضعه من خطط وبرامج تبشيرية واستعمارية ما يزال العمل بها سارياً حتى اليوم، خصوصاً من خلال مناهج التعليم والتربية والثقافة في أغلب البلاد الإسلامية.
----------------------------------------------------
المصدر : الاسلام وشبهات المستشرقين

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة