مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 التحديات الجديدة
من أجل سلام دائم .. على الولايات المتحدة أن تنبذ تحيزها لـ( اسرائيل)
الكاتب الأمريكي: ديفيد سكربين


إن الأحداث المأساوية في 11 سبتمبر قد تركت الأمريكيين فاقدي الإحساس وفي حالة صدمة. ونحن نبكي النفوس البريئة التي فقدناها. إن قلوبنا لتتمزق حزناً على من ماتوا وعلى الكثيرين من أصدقاء الضحايا وأقربائهم الذين لا يزالون يستشعرون آلام هذه الكارثة. إن ردود الفعل الفورية في عمليات الإنقاذ واستعادة الأوضاع قد انتهت، وبدأنا نركز على الأمن والوقاية والعقاب.
ورغم الصدمة التي أعقبت أحداثاً من هذا المستوى، فإن هناك معنى يجب ألا نفاجأ به. إن أفعال الولايات المتحدة وسياساتها، لسنوات عديدة مضت، قد أظهرت كراهية واضحة تجاه الشعوب العربية وتجاه الإسلام بوجه عام. ومن هنا كان متوقعاً أن يحدث رد فعل من قبل جماعة من المتشددين.
إننا بحاجة، إلى جانب جهودنا في الإصلاح والعدالة، لأن نتفكر بدقة ونبحث عن أسباب كراهية هذه المجموعات لأمريكا كل هذه الكراهية. إن هذا يجعلنا نصل إلى جذور المشكلة. لا شك أن هناك عدداً من العوامل، من بينها السيطرة الأمريكية على السياسة العالمية، لكن ثمة عامل آخر مهم، هو توجه أمريكا العدائي تجاه الإسلام والشعوب العربية، وهو توجه قوّاه دعمنا المتطرف وغير المسوّغ ل‍ "إسرائيل".
إن تحيز أمريكا ل‍ "إسرائيل" وضد المسلمين يظهر بشكل متكرر على الساحة العالمية. فالولايات المتحدة تصوت بشكل روتيني لصالح "إسرائيل" في الأمم المتحدة، وكثيراً ما تنفرد بهذا التأييد، وكثراً ما تستخدم قوة "الفيتو" لمنع أي تحرك ضد "إسرائيل". حتى ذلك العمل البسيط والواضح، وهو إقامة قوة مراقبة في الشرق الأوسط تابعة للأمم المتحدة، قد باءت بالفشل نتيجة عدم دعم الولايات المتحدة لها.
"إسرائيل" دائماً هي إحدى دولتين أو ثلاث تتمتع بالقدر الأكبر من كل أنواع المساعدات الخارجية من الولايات المتحدة. وأجهزة الإعلام الأمريكية تقدم "إسرائيل" دائماً في صورة إيجابية،بينما يغلب عليها أن تصور الشعوب الإسلامية بصورة شريرة. ولقد كان واضحاً أننا خضنا حرب الخليج دفاعاً عن الكويت، ومن أجل "تأمين مصادر النفط". لكن الهدف الأمريكي الواضح أيضاً كان تدمير القوة العسكرية العراقية التي كانت تهدد "إسرائيل". إن هجومنا على العراق، والحصار الذي تلاه لمدة عشرة سنوات، قد أديا إلى خسائر فادحة في الأرواح البريئة. نحن في النهاية، مسؤولون عن موت الآلاف من المدنيين العراقيين، فهل نبكي لهؤلاء أيضاً؟!
إن ثمة أسباباً أربعة على الأقل، أدت إلى هذا التحيز ل‍ "إسرائيل" وضد المسلمين:
الأول: بعد انتهاء الحرب الباردة، ظهرت لدى المؤسسة العسكرية الأمريكية حاجة ماسة إلى عدو، وكان الصراع بين اليهود والمسلمين هو هذا العدو.
الثاني: يمارس اللوبي اليهودي نفوذاً واسعاً في واشنطن، سواء من خلال المناصب العليا والكثيرة التي يتولاها، أو من خلال الدعم المالي القوي.
الثالث: كثيراً ما أخفقت وسائل الإعلام المتعاطفة في رسم الصورة المتوازنة، وبالتالي حالت دون أي رد فعل جماهيري محتمل تجاه الأفعال الأمريكية التي لا مسوّغ لها.
الرابع: هنالك دعم قوي ثابت، لكنه في غير محله، بذلناه لليهود نتيجة لقراءة أصولية للكتاب المقدس. فسِفْر الرومانيين يعلن أن الله سوف يحمي أصدقاء "إسرائيل"، وكثيراً ما صور الكتاب المقدس العرب على أنهم شعب لا أصل له ولا وزن له يمثل عقبة في طريق مصير "إسرائيل" الواضح.
إن أية حسابات مبنية على التعقل تقول إن على الولايات المتحدة أن تقف مع المسلمين. فالواضح الجلي، بمنطق الجغرافيا والسياسة، أن المسلمين يجب أن يكونوا حلفاءنا لا أعداءنا. فالمسلمون يزيد عددهم على مجموع اليهود في كل العالم مئة مرة. والشعوب العربية والإسلامية لديها البترول والموارد الطبيعية التي تحتاج إليها أمريكا بشدة. كما أن لديهم مناطق استراتيجية في كل أرجاء العالم، ونفوذ لدى كل من روسيا والصين.
أما "إسرائيل" فليس لها من قيمة تذكر استراتيجياً أو اقتصادياً. إن أي معنى للعدالة والديمقراطية والمساواة العالمية يملي علينا معاملة أفضل مع الشعوب الإسلامية.
من المؤكد أن ثمة مجموعات إسلامية صغيرة متطرفة، لكن أعمالها جاءت انعكاساً لأشكال المعاناة التي لا توصف والتي أنزلتها بالمسلمين الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش. والمسيحيون، مثل المسلمين، يتحملون إثم استمرار العنف.
إننا على مقربة من أن نصبح، مثل "إسرائيل" وروسيا، محبوسين مع الإسلام في دائرة من العنف المدمر. وآخر ما يمكن أن نتصور فعله، هو أن نتورط في "حرب" ضد متطرفين مسلمين لا نعرف عنهم شيئاً. ننشد العدالة؟ حقاً، ولكن يجب أن تكون عدالة متحضرة.
لنتعامل مع الأسباب الأساسية لهذه الأزمة الراهنة؛ علينا أن ننبذ تحيّزنا الذي لا مسوغ له ل‍ "إسرائيل" وأن نعامل الشعوب الإسلامية في العالم بكل لطف واحترام. هذه هي الطريق الوحيد إلى السلام الدائم.
الهامش
ـــــــــــ
(*) نشرت في جريدة ديترويت نيوز، 26 سبتمبر 2001م.
المصدر : مجلة العربي الكويتية / العدد 1472-2001/10/13
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة