مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 شرفات غربية
تصورات فنان عن تعاليم الديانة المسيحية


وضع الرسام الفرنسي ايتين دينيه (1861-1931) عدة كتب بعد أن اعتنق الدين الإسلامي يشرح فيها تصوراته حول هذا الدين ويتطرق فيها لتعاليم الإسلام مؤشراً على قيمتها التربوية العالية.
فيقول مثلاً: "عقيدة التوحيد الإلهية العليا، تملك المبادئ السامية التي تقوم عليها تلك العقيدة (أشعة خاصة بنور الإسلام).
وهو مقتنع أشد الاقتناع بأن هذا الدين متميّز بعقيدته، متميّز بالتالي بمبادئه، فليس هناك شبه أو استمداد من أديان أخرى، بل على العكس، إنه يجابه منذ اللحظة الأولى انحرافاتها ويدينها، فيرفض الوساطة بين العبد وربه فيقول: "إنه شئ مهم هذا الذي وجدته العقول العملية في الإسلام، ذلك هو انتفاء الوساطة بين العبد وربه، لخُلُوه من الأسرار وعبادة القديسين ولا حاجة به إلى الهياكل والمعابد، لأن الأرض كلها مسجد لله" (محمد رسول الله).
ثم يضيف قائلاً: "وبإلغاء الإسلام للوساطة وجّه ضربة قاصمة لنظام القداسة البشرية وهي من تلك الانحرافات الضارة والمعتقدات الفاسدة" (أشعة خاصة بنور الإسلام).
وامتداداً لهذه الرؤية التوحيدية الواضحة يعلن دينيه: "إن الدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي لم يتخذ فيه الإله شكلاً بشرياً، أو ما إلى ذلك من الأشكال".
وعن المساواة في الإسلام يقول: "لقد حقق الإسلام نظرية المساواة بين القبائل والشعوب وهي النظرية التي لم تأت أخيراً إلاّ على يد الثورة الفرنسية".
ومع المساواة هناك خصيصة الإيجابية التي تنبثق عن المنظور الإسلامي للقضاء والقدر، على العكس من هجوم خصوم الإسلام له، فيقول:
"كيف نقول أن عقيدة القضاء والقدر تشل كل عمل عند المسلمين والرسول (ص) كان أنشط وأكثرهم مثابرة وجهاداً، والإسلام هو دين التوحيد الذي جاء عقب نشأته بالفتوح الواسعة العجيبة، والحضارة السامية العظيمة؟
إن كلمة "إسلام" تعنى الرضا بأوامر عز وجل، أي بما لا يمكن لأي قوة إنسانية أن تحول دونه، ولكن ليس من معانيها الخضوع للأمور التي يبدو أنها يمكن أن يغير مجراها العمل والإقدام... فهذه العقيدة إذن بعيدة كل البعد عن أن تكون مصدر ضعف، إنها ـ على العكس من ذلك ـ مصدر قوة نفسية لا تضارع بالنسبة إلى المسلم، تعينه على احتمال المحن والشدائد" (محمد رسول الله).
ويرى "دينيه" أن الإسلام دين علم وإقناع ومنطق، ينكر البدع والخرافات، وإلى جانب ذلك هو دين مَرِنٌ شامل، صالح لكل زمان ومكان، قادر على التأثير، والتعامل مع شتى الطبائع والاهتمامات، فيقول:
"... فكما أن الإسلام قد صلح منذ نشأته لجميع الشعوب والأجناس، فهو صالح كذلك لكل أنواع العقليات، وجميع درجات المدنيات... وبينما تجد الإسلام يهيج من نفس الرجل العملي، حيث مبدأ القوم "الوقت من ذهب"، إذ هو يأخذ بلب ذلك الفيلسوف الروحاني، كما يتقبله عن رضا ذلك الشرقي ذو التأملات، كذا يهواه ذلك الغربي الذي أفناه الفن وتملكه الشعر" أشعة خاصة بنور الإسلام).
ثم أردف يقول:
"من أهم ميزات الإسلام الأصلية ملاءمته لجميع الأجناس البشرية، فلم يكن العرب وحدهم هم الذين اتبعوا الإسلام.. لقد أكد هذا الدين من الساعة الأولى لظهوره أنه دين عام، صالح لكل زمان ومكان، وإذا كان صالحاً بالضرورة لكل جنس كان صالحاً بالضرورة لكل عقل، إذ هو دين الفطرة، والفطرة لا تختلف في إنسان عن آخر، وهو لكل هذا صالح لكل درجة من درجات الحضارة" (محمد رسول الله).
ويقف "دينيه" مندهشاً مبهوراً إزاء العبادة الإسلامية، فيتحدث عن الصلاة، فيجد كيف أن الإسلام متميز منذ اللحظة الأولى، لحظة الدعوة إليها، وتذكير المؤمنين بأن ميعادها قد حان... حتى إذا ما بدأت الصلاة لحظ "دينية" كيف أن الحركة والإشارات التي تتضمنها هي ذات بساطة ولطافة ونبل لم يسبق لها مثيل من نوعها في صلاة غيرها، كما أنها لا تدعو الوجوه بالتظاهر والتكلف، ولا العيون بالشخوص إلى السماء واستنزال الدموع.. حقاً إن الصلاة الإسلامية خالية من تلك الأمور الشائنة التي خصتها النصارى بالصور النصرانية، مما جعلها في غير جمال ولا جلال ولا وقار.. في حين يجد الأقوال والحركات في الصلاة الإسلامية ذات دلالة على الرزانة والهدوء والاطمئنان، وهي خالية من مبالغات وتكلفات الخضوع والتظاهر بذلك، لأن الله تعالى عليم بما في الصدور وهو الغنى العزيز.
ثم يتحدث عن حكمة الوضوء الذي يسبق الصلوات، فيرى فيه انتعاشاً وصحة، ونظافة للبدن، لأن النظافة من الإيمان.
أما فريضة "الصيام" فقد كانت نتيجتها ـ كما يقول عنها دينيه ـ "الخير الكثير، ذلك أن الإنسان مجبول على الإنسانية وبرياضة الصيام الروحية تتقوى أواصر الأُخُوة بين المسلمين، فيصبحون أكثر استعداداً وأوثق تعاوناً لمجابهة أشد أعدائهم مراساً من بني البشر، فضلاً على أنه يقوى الأجسام".
وأما الحج فيقول دينيه في شعور فياض بعظمته:
"إن احتشاد الناس في "عرفات" موقف الحشر حقاً، إن جميع أجناس الإنس ـ على تباينها تحتشد في ذلك المكان الذي اعتاد الإقفار... ولن ترى في العالم في غير هذا المكان جمعاً اجتمع يعرض في آن واحد كل تلك الوجوه الآدمية المختلفة الشبه، وكل تلك اللهجات واللغات المتباينة... لقد تآخى هؤلاء جميعاً في تلك الساعة العظيمة، تآخوا لغةً وقلباً، ونسوا فروق الأجناس والدرجات والطبقات، ونسوا أحقادهم، مذهبية كانت أم سياسية... في عرفات يرجع الإسلام إلى اتحاده الشامل وحماسته القوية كما كان في أيامه الأولى".
ويخلص دينيه إلى القول:
"كما أن الإسلام قد صلح منذ نشأته لجميع الشعوب والأجناس، فهو صالح كذلك لكل أنواع العقليات، فكما يتقبله ـ عن رضا ـ ذلك الشرقي ذو التأملات والخيال.. يهواه ذلك الغربي الذي أفناه الفن، وتملكه مبدأ الوقت من ذهب" (أشعة خاصة بنور الإسلام).
ويؤكد هذا المعنى في موضع آخر من كتبه قائلاً:
"لو كان الإسلام الحقيقي معروفاً في أوربُا لكان من المحتمل أن ينال ـ أكثر من أي دين آخر ـ من العطف والتأييد، من جراء روح التدين الموجودة في النفس.. فإنه ـ والحق يقال ـ يلائم جميع ميول معتنقيه على اختلاف مشاربهم، فهو ببساطته المتناهية يهدي علماء أوربا وآسيا وأفريقيا إلى الطريق المستقيم، ويجدون فيه تعزية وسلوى، من غير أن يحول بينهم وبين حريتهم التامة في آرائهم وأفكارهم.. إن الإسلام دين عام خالد" (الحج إلى بيت الله الحرام).
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة