مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 المسلمون في الغرب
المسلمون في سويسر


في سويسرا يندمج المسلمون داخل مجتمعهم بصورة اكبر من إندماج المسلمين في مجتمعات غربية أخرى. ويؤكد بعض المسلمين في سويسرا أنهم يتمتعون بحقوق لايحلمون بها في أوطانهم الأصلية. بينما يقول آخرون أن أغنياء العرب الذين يقصدون سويسرا يلاقون معاملة تختلف عن تلك التي يواجهها الفقراء من أبناء بلدتهم، الذين قصدوا هذا البلد لا للبحث عن حسابات مصرفية بل جرياً وراء لقمة العيش أو للعمل أو هرباً من نظام جائر.
المسلمون في سويسرا يستغلون ظروف الحرية المتاحة ليطالبوا بالاعتراف بدينهم رسمياً وتسهيل إعطائهم الجنسة السويسرية، وهذا مالايستطيعون المطالبة به في العديد من الدول العربية والاسلامية.
يعيش نحو نصف مليون مسلم في سويسرا منذ عقدين من الزمن أو أكثر. ويذهب غالبيتهم الى أن حالهم أفضل من حال المسلمين في بلدان غربية أخرى. أما الأسباب فلعل أولها أن سويسرا لم تكن يوماً ما دولة استعمارية.
يقول إبراهيم صلاح من إتحاد الجمعيات الاسلامية في سويسرا: لايستطيع مسلم في سويسرا أن يشكو من شيء، فنحن نتمتع هنا بحقوق وحرية وعدالة، لانتمتع بها في أيّ بلد من بلداننا الأصلية.
وتتعامل السلطات السويسرية مع الجالية المسلمة بتسامح وتساهل وبكثير من المساواة.
يقول جوزيف دايس وزير الخارجية السويسري: لا أعتقد أن لنا مشكلة مع المهاجرين لأننا بلد يدافع عن الحريات، لاسيما الدينية منها، وليس هنالك أي مجال للتمييز أو التفرقة في حق أي من الديانات.
ويقول أحمد زناد من حركة النهضة التونسية واللاجىء الى سويسرا: من الاشياء التي تواجه اللاجىء السياسي الى سويسرا هو معنى الدولة، فمعناها ليس أبداً الإستبداد، كما إنها ليست بالدولة المائعة أو المفقودة، الدولة موجودة بقانونها وبجملة حريات تعطيها للمواطن وأعتقد أن مساحة الحريات وتقنين الحريات سبق وجود المسلمين هنا، وحتى التقييدات التي وجدت سبقت وجود المسلمين في سويسرا.
وبخلاف بعض الحكومات الغربية، لاتحمل السلطات السويسرية المسلمين وزر أخطاء البعض منهم وما يرتكبونه من مخالفات أو جرائم.
يقول كريستيان دوك من قسم مكافحة الأرهاب في الداخلية السويسرية: الاسلام كدين لايسبب لنا بأي حالٍ من الأحوال أية مشكلة أمنية، ولكن يمكن أن يكون بعض المسلمين أو غير مسلمين مهاجرين كانوا أو من ذوي الأصول السويسرية يشكلون خطراً أمنياً كأفراد مستقلين بغض النظر عن ديانتهم.
وتقول المسلمة الفرنسية كاترين الشولي: هنالك إختلافات منها أن المسلمين في سويسرا أقرب الى السلطات فهم يمارسون نشاطاتهم وشعائرهم بشكل عادي دون أية مشكلة، على عكس مايحصل في فرنسا حيث هناك تحفّظات على المسلمين وأنشطتهم وكما تعرفون فإن ماضي سويسرا يختلف عن ماضي فرنسا، فكل ما هو ديني يذكر بصراعات قديمة في تاريخ فرنسا، لاسيما تلك التي حصلت في العصور الوسطى بين العلمانيين والكنيسة.
تشهد سويسرا تناقضاً كبيراً طرفاه مسلمون، فلهذه البلاد يحج الكثير من أغنياء العرب والمسلمين ليودعوا مصارفها أموالهم، وفي المقابل هناك مئات الألوف من الفقراء واللاجئين من المسلمين في نفس البلد.
تقول أورسولا راتف الكاتبة والصحفية السويسرية: إننا لانبحث هذا الأمر علناً، ولكن الأمر واضح ومعاملتنا للناس واضحة، إننا نرحب بالأغنياء ونحاول إبقاء الفقراء بعيداً عن بلدنا.
هذا التناقض يؤثر ولايؤثر على تعامل السويسريين مع طرفي المعادلة، فالمصرية فوزية العشماوي الاستاذة في جامعة جنيف تقول: المعاملة لاثرياء الخليج غير معاملة فقراء البوسنة والهرسك والشيشان وكوسوفو، ولكن يمكن القول أنهم يحترمون القيمة الانسانية للإنسان، بغض النظر عن كونه فقيراً أو غنياً.
ومن العناصر الايجابية التي حسّنت صورة المسلمين في سويسرا ودفعت عملهم التنظيمي الى الامام، تدفق أعداد غير قليلة من اللاجئين السياسيين ذوي الثقافة العالية والوعي المعمق.
يقول أحمد زناد حول هذه النقطة: قدوم عدد من اللاجئين السياسين الى هذا البلد أثّر على نوعية العمل الاسلامي وعلى اهتمام السويسريين بالمسلمين، فهناك ملتقيات، هناك ندوات وهناك نشاطات في المساجد تطورت بقدوم هؤلاء، كذلك هنالك طرح جديد في التعامل مع المجتمع الذي نعيش فيه والانتقال من حالة الهامشية والعزلة التي كان يمثّلها العمال، وهم عمّال قليلي الثقافة وقليلي الإمكانيات في التعامل عادة، الى حالة التواصل والتفاهم، فصار لدينا اليوم حوار ديني مع السويسريين، وأنشط من يقوم بهذا الحوار هم اللاجئون السياسيون.
من العناصر الايجابية الاخرى التي يتمتع بها المسلمون في سويسرا هو الاستقرار، فبعد أن كانوا يفكرون بعقلية السائح أو ابن السبيل باتوا الآن يفكرون بعقلية المواطن.
حول هذا الجانب يقول ابراهيم يوسف إمام المركز الاسلامي في زيوريخ: من قبل كنّا نقول أن إقامتنا في هذه البلاد مؤقتة وأننا سنعود، أعتقد أن هذه المقولة قد انتهت وولت فنحن في هذه البلاد منذ أكثر من 17 سنة والمعتقد الذي نشعر به ونلمسه الآن عن كثير من أخواننا هو أنهم سيستوطنوا هذه الديار.
هذه الصورة الوردية لاتخفي العديد من السلبيات والنواقص التي تشوب حياة المسلمين في سويسرا فتسامح الناس في المجتمع مازال أقل من تسامح الحكومة والسلطات.
تقول المسلمة السويسرية ليلى لاريزيه: عندما لانستشف من الشكل الخارجي أن هذا الشخص مسلم أو عندما لايعلن أنه مسلم فلا تكون هناك مشكلة، عندما لايصلي هذا الشخص أو لاترتدي الحجاب فليس هنالك من مشكلة أيضاً، ولكن ما أن يتبيّن بأننا مسلمون من خلال انشطتنا أو عندما نريد أن نعبّر عن إسلامنا فإن الأمر يكون مخيفاً.
وتقول اورسولاراتف: بشكل عام يحمل الناس فكرة تضارب الحضارات أو صراع الحضارات لذلك فإن العنصر الاساسي هنا هو التطرف الاسلامي، وهذا ما يأخذه الناس من وسائل الاعلام.
والعلاقة مع الحكومة والسلطات وإن كانت حسنة نسبياً فإنها لم تصل بعد الى المستوى المثالي لتقصيرٍ من الجانبين.
يقول ابراهيم اليوسف إمام المركز الاسلامي في زيوريخ: العلاقة بين المسلمين والحكومة السويسرية الى الآن لم تأخذ العمق اللازم، لاننا لم نعرف الى الآن كيف نستغل ما تمنحه لنا قوانين هذه البلاد ودساتيرها، وحسن المعاملة التي نجدها في هذه البلاد.
مطالب المسلمين الاساسية تتلخص أولاً بالاعتراف بالاسلام كدين رسمي وهو مايعني تمويل التعليم الاسلامي خاصة وثانياً تسهيل حصول المسلمين على الجنسية السويسرية.
يقول ابراهيم صلاح: الجالية الاسلامية لازالت فقيرة، وليس عندها الإمكانية لكي تصرف على مدارس ومؤسسات ومراكز ومساجد وغيرها، ثم إنها تطالب بالتجنيس لأن عدم التجنيس يورث القلق دائماً فالتجنيس واجب لأننا نريد أن يشارك أولادنا في الاحزاب السياسية.
هل يتحول المسلمون في سويسرا من عدد كبير الى قوة مؤثرة في المجتمع؟ هناك بشائر لهذا التحول لكنها مازالت بحاجة للكثير من الجهد والتنظيم وغير قليل من الوقت.
---------------------------------
المصدر : فضائية الجزيرة
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة