مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 المؤسسات الإسلامية في الغرب
تطور المؤسسات الإسلامية في البلدان الأوربية 


كانت هجرة المسلمين إلى الغرب في بداياتها لا تشكل ظاهرة ملحوظة، فقد كان المسلمون يهاجرون فرادى وبإعداد قليلة، ولكن سرعان ما تزايدت الأعداد باستقدام الزوجات والعوائل وتوافد أعداد اكبر منهم إلى الغرب وظهور أجيال جديدة منهم. ولاشك أن هذا التواجد المتزايد فرض حاجات متنوعة ومتعددة كان لابد للمسلمين في الغرب أن يعملوا لتوفيرها. ولعل من أهم هذه الحاجات المراكز الإسلامية التي كان للطلبة الذين مثّلوا طلائع المهاجرين المسلمين إلى الغرب قصب السبق في تأسيسها ورعايتها وإن كانت بسيطة في بدايتها. فراح هؤلاء الطلبة يستأجرون أماكن وقاعات داخل الجامعات أو خارجها لينشأوا فيها مراكزهم الدينية التي يجتمعون فيها للعبادة والتداول في شؤونهم وتجاذب أطراف الحديث في الأمور المختلفة التي تهمهم وتدبير أمورهم. بيد أن هذه المراكز الصغيرة لم تعد كافية فيما بعد حينما ازدادت أعداد المسلمين المقيمين في بلدان غربية وتنوعت الأعمار والاهتمامات وتطورت الهموم والأهداف.
وهكذا وجد المسلمون هناك أنه لابد من شراء أماكن خاصة تسع أنشطتهم وتلمَّ شملهم وتكون ملاذهم للعبادة والتعليم والتثقيف وترتفع بمستواها المتطور إلى مستوى احتياجاتهم كجالية كبيرة العدد وفي تنامٍ مضطرد.
يقول البروفيسور محمد الهواري المقيم في أوربا منذ 1958 ومقرر مجلس التعاون الإسلامي في أوربا: من بعد ما شيّد مسجد باريس المعروف تم تأسيس المركز الإسلامي في جنيف، ثم المركز الإسلامي في آخم سنة 1964، تلاه المركز الإسلامي في مونيخ عام 1965، وبعد ذلك توالت حركة تأسيس المساجد والمراكز الإسلامية في البلدان الأوربية حتى بلغت عدداً كبيراً شكل ظاهرة بارزة. في مدينة بروكسل مثلاً هناك 114 مسجداً، وهذا ما يجعلنا نتوهمها أحياناً مدينة إسلامية. وفي بلجيكا كلها ثمة 350 مسجداً، وفي هولندا 350 مسجداً، أما ألمانيا ففيها اكثر من 2000 مكان لعبادة المسلمين ما عدا المراكز الإسلامية الكبيرة.
وحول المبنى الذي يقام فيه المراكز الإسلامي يقول الهواري: لابد أن يكون المبنى مهيئاً بالكامل ومستوعباً للأنشطة المتنوعة، وحاوياً للحد الأدنى من المستلزمات المكانية كقاعدة المحاضرات وأقسام خاصة لدورات الرجال وأخرى للنساء، وهذا ما يستلزمه التطور الكمي والكيفي للمسلمين في الغرب، وهو من ناحية أخرى الشرط اللازم لتطورهم اكثر وتفجّر طاقاتهم ومواهبهم.
ويتابع: ثم لابد من الإلتفات إلى تنوع الاحتياجات فالمسلمون لم يعودوا بحاجة فقط إلى أماكن للعبادة، وإنما تنامت حاجاتهم وصار لهم اليوم قضاياهم الاجتماعية وقضاياهم الثقافية، ثم أنهم بأس الحاجة إلى وسائل لتبليغ الإسلام وكل هذه الشؤون والاحتياجات تجتمع في المراكز والمؤسسات الإسلامية فإما أن ترفع هناك، أو يُتداول بشأنها وتقترح الحلول لها.
ومن الظواهر التي تحتم تحسين حال المراكز الإسلامية شكلاً ونشاطاً الزيارات التي يقوم لها الغربيون كأفراد أو مؤسسات لها. وهذه المسألة بحد ذاتها تعكس اهتمام الغربيين بالدين الحنيف لأنهم بدأوا يدركون أهمية الجالية المسلمة في بلدانهم وضرورة التواصل معها.
وهنا يتخطّر البروفيسور الهواري هذه الحادثة فيقول: أذكر أن أحد الكتاب البلجيكيين وضع كتاباً بعنوان "الإسلام المغروس" وكان يقصد أن الإسلام جاء إلى الغرب غريباً عنه، وشبّه ذلك بأننا نزرع الإسلام في جسم الغرب، وقال بأن هذا الجسم القوي الذي يقصد به الجسم الغربي لا يمكن أن يتقبل الجسم الإسلامي الغريب في داخله لأن الإسلام ضعيف في أوربا ولابد من لفظه وإقصائه. لكنني حضرت لهذا الأستاذ محاضرة بمناسبة مؤتمر عقده المجلس الأوربي في ستراسبورغ وسمعته يقول: لقد كتبت عام 1982 كتاباً وكان موضوعه كذا، ولو أعدتُ النظر اليوم في كتابة هذا الكتاب، لما أمكنني أن أضمّنه ما جاء فيه عن الإسلام، لأن هذا الدين ومعتنقيه أصبحوا اليوم حقيقة راسخة في البلاد الغربية.
ويتابع الهواري: أقول أن على المؤسسات الغربية أن تتعامل مع الإسلام كقوة وظاهرة متجذرة، فالغرب لم يعد قادراً على لفظ هذا الإسلام لأنه صار جزءاً منه ولا يمكن الفصل أو التمييز.
وأخيراً يشير الهواري تدعيماً لكلامه إلى إحصائيات أنجزها باحث إسلامي عن ألبانيا تفيد أن عدد المسلمين في أوربا الآن يزيد على 33 مليون نسمة، الأمر الذي يجعلهم جزءاً لا يتجزأ من العالم الغربي، ولن يكون ببعيد ذلك اليوم الذي تعترف فيه جميع البلدان الغربية بالإسلام كدين رسمي وتلتزم بما يترتب على هذا الاعتراف من دعم مادي ومعنوي.
---------------------------
المصدر : عن فضائية الجزيرة

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة