مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 المؤسسات الإسلامية في الغرب
المراكز الإسلامية في الغرب.. الإنبثاق والظرف الراهن


نشأ الوجود الإسلامي في الغرب عفوياً ولم يأخذ شكله الحالي إلاّ بعد عقود من التجارب والتطورات. في البداية كان المهاجرون المسلمون من دول عربية وإسلامية مبعثرين في المدن الأوربية والأمريكية لا تربطهم سوى اللغة وذكريات الوطن الأم. ثم سرعان ما استيقظت الهوية الثقافية الإسلامية في مجتمع غربي لم يستطع أن يصهرهم في بوتقته أو يذيبهم في نسيجه الثقافي. وألحت الأشواق الروحية والثقافية على المهاجرين الجزائريين في فرنسا، فأنشأوا مسجد باريس الذي قد يكون المعقل الأول للإسلام في أوربا. إن لم يكن في الغرب كله. ويمكن رصد عدة مراكز أخرى أنشأت في الخمسينات والستينات على يد دعاة وجدوا في أوربا منجماً ثرّاً من مناجم الهداية وحوّلوا هذه المراكز إلى منارات إشعاع ثقافي تقدم الثقافة الإسلامية لغرب يجهل الإسلام، وينظر إليه بكثير من الخوف والريبة. كما استقطبت هذه المراكز أعداداً من المهاجرين المسلمين أو الدارسين لينخرطوا في حركة واعدة هدفها تنظيم الوجود الإسلامي في الغرب وتوظيفه. على أن تنامي الصحوة الإسلامية في الشرق الإسلامي في الستينات والسبعينات من القرن العشرين كان عاملاً مهماً في تلك الفترة التي شهدتها الدعوة الإسلامية في الغرب. إذا وصلت إلى أوربا وأمريكا أعداد متزايدة من الطلبة والدارسين المتحمسين المنتمين إلى تيارات إسلامية مختلفة، فأنشأوا المراكز الإسلامية بإمكانيات بسيطة واستقطبوا من خلالها المسلمين الآخرين من طلبة وعمال ومهاجرين، وبدأوا يطوّرون وجودهم الإسلامي بتوفير مناخ ملائم يلوذ به المسلم المغترب ويجد فيه ذاته ويلتقي بأخوة له يبصرونه بأمور دينه ومفاهيم عقيدته ويشحنون روحه المتعبة في مجتمع مادي بارد بشحنات الإيمان والصبر على ظروف الغربة المزدوجة.
لقد كانت المراكز الإسلامية في معظمها مثالاً واضحاً لما يفعله الإخلاص عندما تشح الإمكانيات وتقصّر ذات اليد. إذ استطاعت هذه المراكز على تواضع شكلها وحجمها ومرافقها أن تتحول إلى منارات للدعوة لم تستقطب المسلمين فحسب بل استقطب الغربيين أنفسهم لتجيب على أسألتهم حول هذا الدين الجديد القديم الذي ينتشر بين ربوعهم ويتحدث عن عظمته رجال مخلصون ونساء مخلصات يترجمن الإسلام من خلال سلوك متميز وشخصية مسلمة تجمع بين الدين والدنيا وتزاوج بين المادة والروح، ومن خلال فكر ناضج قادر على الحوار واثق مما لديه، يعرف ما يريد.
إن الخدمات التي تقدمها المراكز الإسلامية في الغرب لم تتوقف عند حدود الدعوة والتواصل الإسلامي . بل تعدته لفتح باب الحوار بين ثقافتين وحضارتين. وتعاطف غربيون كثيرون مع هذه الثقافة الوافدة. وحاولوا الاقتراب من هذه المراكز ليتعرفوا على ثقافة وحضارة تناولتها وسائل الإعلام الغربية بسوء الفهم أحياناً ومغالطات التاريخ أحياناً، وبالتشويه والتزوير أحياناً أخرى.
لقد أثارت المراكز الإسلامية فضول الكثير من الغربيين لدراسة اللغة العربية والتعرف من خلالها على الثقافة العربية الإسلامية. وهكذا نحد أن بعض المراكز الإسلامية انتبهت إلى هذه الناحية ووفرت للطلبة والمهتمين دورات في تعليم اللغة العربية فضلاً عن تعليمها للمسلمين الأوربيين ممن هداهم الله حتى يستطيعوا التعمق في معاني الدين الجديد.
إن المسلمين في البلاد العربية والإسلامية مطالبون أكثر من أي وقت مضى بدعم هذه المراكز مادياً ومعنوياً ليشاركوا في الصحوة الإسلامية المتنامية في الغرب وتوفير بنية تحتية تليق بدعوة الإسلام وحضارة الإسلام من مساجد ومرافق ومكتبات ومعلومات توفر للمسلمين العاملين في تلك البلاد الإمكانات اللازمة التي تسمح لهم بحركة مثمرة يُرجى لها أن تزدهر.
-------------------------------------
المصدر : فضائية "إقرأ"

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة