مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 التحديات الجديدة
النظرة الأميركية والغربية الحالية للعالم العربي والإسلامي بعد تفجيرات 11سبتمبر 


في أحد برامج فضائية الجزيرة سأل مرا سلها غسان بن جدو السيدة فليس أوكلي مساعدة وزير الخارجية الامريكي سابقا: ينبغي أن نوجِّه العزاء والمواساة لك وللشعب الأميركي على ما أصابكم من ألم من جراء التفجيرات الإرهابية، ولكن هذا لا يمنعني من السؤال بشكل صريح، وننطلق من نبض الشارع العربي. الشارع العربي الآن الذي تعاطف كثيراً مع الشعب الأميركي في تفجيرات نيويورك وواشنطن، ولكنه جزء كبير منهم بل لعله بشكل عام مستاء الآن من هذه الشعارات المرفوعة في الولايات المتحدة الأميركية، وما يتم التعامل به من قبل جزء من الشارع هناك مع العرب والمسلمين، ولذا هو يشعر بأن الواقع الآن الموجود في الولايات المتحدة الأميركية شعاره الأساسي -حتى وإن لم يذكر- هو شعار الصدام مع الآخر، الصدام مع العرب والمسلمين، الصدام مع الحضارات، كيف يمكن أن توضحي لنا هذه النقطة؟
فليس أوكلي: أنا أتفق مع الذين يقولون بأن صدام الحضارات لا يمكن تجنبه، ونحن نعرف من الجهة الأخرى بأن هناك ربما بعض نقاط الخلاف أو الاحتكاك بين الثقافات المتعددة، وأعتقد لذلك بأن ما علينا أن ندركه هو ممكن أن تكون هناك فترات عصيبة، ولكن علينا أن نحافظ على الحوار، وأعتقد إن ذلك هو مفتاح الحل، أما أحد المتحدثين تحدث عن الأميركيين الذين يقولون بأن العالم تغير، وأنا ممكن أن أرى ذلك من وجهة نظر أخرى، أو أن ذلك قد يبدو استكباراً واستعلاءً من قبل الأميركيين، وربما خلال السنوات الأخرى .
كانت أميركا.. ذات كبرياء عالي ومستعلية، ليس فقط في العالم العربي، أو الإسلامي، أو في الشرق الأوسط، ولكن في العالم كله، ولذلك أعتقد أن علينا أن نتعامل مع هذه القضية نحن، وأعتقد بأن أفضل وصف هو أن نقول بأن العالم قد تغير بالنسبة للأميركيين، فنحن وبسبب موقعنا الجغرافي بين محيطين كنا دائماً محصنين ضد الكثير من العمليات الإرهابية الكبيرة والحروب الضخمة والتي أثرت على دول أخرى، ولذلك أعتقد بأن علينا أن نأخذ بالاعتبار كيف يرى الآخرون مثل هذه التعبيرات. نحن نشعر الآن بالضعف، وهذه هي النقطة الحاسمة.
غسان بن جدو: أود أن أفهم منك هذه القضية الأخيرة ما الذي تعنينه بالتحديد من " أننا نحن الأميركيين الآن نشعر بالضعف"؟ أي ضعف تقصدين ؟
فليس أوكلي: نحن لم يكن لدينا الكثير من الأعمال الإرهابية، لقد كنا ننظر إلى الدول الأخرى التي تعاني من الإرهاب فرنسا، وبريطانيا، والعنف والاغتيالات في دول أخرى، ورغم تفجير (أوكلاهوما) ومحاولات الاعتداء على مركز التجارة العالمي، لم يكن لدينا أي شيء مثل هذا الذي حدث في السابق. أعتقد بأن ذلك دفع بالأميركيين أولاً إلى الاستغراب، وبعد ذلك إلى الغضب، والآن التفكير، وهذا التفكير حول كيفية تعاملنا مع الآخرين، وكيفية ملاحقة الإرهابيين، وكذلك تفكير حول مكاننا في العالم وكيف نتعامل مع الآخرين.
غسان بن جدو: هذه نقطة مهمة جداً سيدة أوكلي، خاصة فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الآخرين، وأود أن أناقش بأكثر تفصيل هذه القضية مع الدكتور قاسم محمد جعفر الخبير السياسي الاستراتيجي.
ما قاله رئيس الوزراء الإيطالي الملياردير سيلفيو برلسكوني، ماذا قال بالتحديد هذا الرجل والذي أثار حفيظة عدد كبير من الشارع العربي ومن المسؤولين العرب. نستمع إليه سوية إذا سمحتم.
سيلفيو برلسكوني (رئيس وزراء إيطاليا): يجب أن نعي بأفضلية حضارتنا، فالشرق سيستمر في التوجه نحو حضارة الغرب، وسيزداد هذا التوجه، لقد حدث ذلك في العالم الشيوعي، وحدث أيضاً في أجزاء من العالم الإسلامي.
غسان بن جدو: طبعاً للأمانة السيد برلسكوني تحدث بعدئذٍ في البرلمان وتحدث بلغة لامست الأسف، ولكنه لم يقدم اعتذاراً حتى الآن بشكل واضح، لكن ينبغي أن نقول بأن معظم الزعماء الأوروبيين اختلفوا وأعلنوا صراحة اختلافهم مع رئيس الوزراء الإيطالي.
رئيس الاتحاد الأوروبي حالياً أو الذي ترأس بلده الاتحاد الأوروبي حالياً -بلجيكا- وزير خارجيتها لويس ميشل تحدث بهذه الطريقة وقال:
لويس ميشل(وزير خارجية بلجيكا): إذا تحدث رئيس وزراء دولة عضو في الاتحاد الأوروبي بهذا المنطق، فإن ذلك مرفوض تماماً، فاعتبار أن حضارة ما أفضل أو أن لها مكانة أرقى من الحضارات الأخرى يعد تعارضاً مع القيم الأوروبية التي نؤمن بها جميعاً.
غسان بن جدو: أما عنا نحن العرب، فلعلنا نختار أمين عام جامعة الدول العربية السيد عمرو موسى الذي أعتقد ونعتقد جميعاً بأنه تحدث بنبض الشارع العربي، وأجاب برلسكوني على النحو التالي:
عمرو موسى (الأمين العام لجامعة الدول العربية): أعتبر ما قاله السيد برلسكوني من قبيل العنصرية، وبهذا يكون قد تجاوز حدود المنطق وحدود اللياقة. وأشكر وزير خارجية بلجيكا الذي يرأس حالياً المجلس الوزاري للاتحاد الأوروبي، أشكره لرفضه وإدانته، فهذا المنطق لا يفيد، فنحن لا نؤمن بأن هناك حضارة أفضل، وإذا ظن السيد برلسكوني ذلك فهو مخطئ تماماً، وأعتقد أن عليه أن يعلم نفسه، عليه أن يقرأ عن الحضارة الإسلامية، وإلا فإنه سيضع نفسه ودولته إيطاليا في موقف حرج أمام دول حوض البحر الأبيض المتوسط، والدول العربية، والدول الإسلامية.
غسان بن جدو: دكتور قاسم محمد جعفر، دكتور غسان سلامة وزير الثقافة اللبناني في بداية البرنامج أشار إلى حديث سيليفو برلسكوني، وقال إن هذا الرجل تحدث بصفته رئيساً لوزراء إيطاليا، يعني هي دولة لا أكثر ولا أقل، ولكن أنا ما أود أن أسألك بصفتك يعني عشت فترة طويلة في الغرب، هل أن ما يحصل الآن في الغرب بشكل أساسي، سواء في أوروبا أو في الولايات المتحدة الأميركية من رد فعل الشارع الغربي إجمالاً، هل تستطيع أن تقول إنه يعبر عن كمون في الثقافة الغربية، ولكنها ظهرت إلى السطح الآن من خلال فورة الغضب، أم لأ هي مجرد فورة انفعالية سرعان ما تعود إلى وضعها الطبيعي الهادئ؟
د. قاسم جعفر: أعتقد أن علينا أن ننظر إلى هذه المسألة من عدة زوايا وليس من زاوية واحدة، فمثلاً كلام برلسكوني أعتقد كما تفضل السيد عمرو موسى عليه أن يدرس ويثقف نفسه، ويا حبَّذا لو ظل رجل أعمال وتفرَّغ لإدارة مؤسساته المالية والإعلامية لكان وفَّر علينا هذا الوقت والجهد، لا يعبر كلام برلسكوني عن رأي أحد إلا نفسه وإلا شريحة ضيقة ومحدودة من العنصريين في أوروبا وفي أميركا، وهي شريحة طالما كانت موجودة وستظل موجودة، هذه الشريحة من العنصرية تتخذ أشكالاً مختلفة، هناك عنصريين يهاجمون الآسيويين ويهاجمون السود في شوارع المدن البريطانية، سواء كان هناك صراع في منطقة الشرق الأوسط أو في المحيط الهندي أو لم يكن، هناك عنصريون (كوكلس كلان) في الولايات المتحدة منذ عشرات ومئات السنين أو على الأقل منذ مائتي سنة، وهم يهاجمون السود ويحرقونهم، ويشنقونهم في الولايات الجنوبية، وخاضت الولايات المتحدة حرباً أهلية دامية كانت من أعنف الحروب في تاريخها من أجل إعتاق السود وإعطائهم حقوقهم السياسية، ودفع رئيسها (إبراهام لنكولن) ثمناً لذلك، ولا يزال هناك حتى الآن من يناهض الحقوق المدنية للسود في الولايات المتحدة، وهناك المجموعات التي تكافح من أجل الحقوق المدنية، وكما نسمع بأسماء مثل (جيسي جاكسون) وغيرهم، هناك مجموعات في الولايات المتحدة ممن تقول -حتى هذه اللحظة- أن الحقوق المدنية للسود لم تعط بالشكل الكافي، وبالتالي علينا أن نتابع الجهاد أو الكفاح من أجل ذلك، فهذه..
غسان بن جدو:المسلمون يشعرون ببعض الضيق، فالمسلم مثلا لا يسمح له بأن يركب الطائرة.
طلبة جامعيون سمعنا بأنهم يودون العودة إلى بلدانهم فلا يستطيعون, هذا الأمر ليس فقط في أميركا، حتى في أوروبا.
د. قاسم جعفر: صحيح، هذا جزء من الأزمة الراهنة، وعلينا أن نتذكر أيضاً أنه خلال الحرب العالمية الثانية اعتُقل آلاف من اليابانيين.. الأميركيين من أصل ياباني، ووضعوا في معتقلات داخل الولايات المتحدة، رغم أنهم كانوا مواطنين أميركيين،واستغرق الأمر نصف قرن قبل أن تعتذر الحكومة الأميركية رسمياً لهم لمجرد الاشتباه بأصولهم أنهم كانوا من أصل ياباني عندما حدثت مسألة (بيرل هاربر) واشتبكت الولايات المتحدة واليابان في الحرب العالمية الثانية.
في بريطانيا البلاد التي تعتز بتراثها الديمقراطي وبتحررها الاجتماعي والسياسي وبالحقوق التي تعطى للأقليات فيها، خلال الحرب العالمية الثانية قُبض على المئات بل والآلاف من الألمان ومن البريطانيين من أصول ألمانية، ومن أصول أوروبية وُسطى وشرقية ممن كان يشتبه بأنهم قد يكونوا من المؤيدين للنازية خلال الحرب العالمية الثانية. ما يحدث في أوقات الأزمات وفي أوقات الصراع من قبل أقليات معينة، من قبل فئات فاشية، من قبل فئات عنصرية تجاه الهدف الأسهل الذي تجده أمامها، الذي يتمثل في عرق مختلف، أو في لون مختلف، أو في ديانة مختلفة، لا يجب أن يشكل لنا بالضرورة معياراً على ذلك المجتمع وعلى قيمه ومثله، ما يجب أن يشكل لدينا المعيار، وهنا ما يجب أن نركز عليه، ليس كلاماً صادراً عن برلسكوني وأمثاله، وليس تصرفاً صادراً عن رجل عنصري أو مجموعة من العنصريين ممن يلقون حجارة هنا أو يهاجموا مسجداً هناك. ما يجب أن نركز عليه هو المؤسسات وطريقة تعامل المؤسسات الحكومية والسياسية في تلك البلدان مع أقلياتها العربية والمسلمة.
هل تغير القوانين؟ هل تغير الحقوق؟ هل تقلص قدرة المواطنين على التمتع بحقوقهم وواجباتهم فقط لأنهم من أصول عربية أو إسلامية؟ إذا ما حدث ذلك نكون قد دخلنا مرحلة الخطر، أما إذا ظلت المؤسسات والقوانين تعطي المساواة لجميع مواطنيها، واقتصر الأمر على هذه الأقليات العنصرية، فإن هذه الأقليات العنصرية لا يجب أن تشكل بالنسبة لنا.. انعكاساً أو تعبيراً عن المجتمع الذي تعيش فيه.
غسان بن جدو: نعم، وهذا ما يدفعني إلى التوجه من جديد إلى واشنطن مع السيدة أوكلي إضافة لما قاله الدكتور قاسم محمد جعفر، ربما تشاهدين قناة (الجزيرة) ونحن في الحقيقة لدينا هنا اتصالات عبر الجزيرة نت، يعني من.. كل المشاركات تقريباً، المشاركات بدون استثناء التي وردت إلى الجزيرة نت حتى الآن كلها أسئلة وملاحظات موجهة لك شخصياً وإلى الولايات المتحدة الأميركية، ملخصها أن الشعب العربي يقول لك ولكم هناك في الولايات المتحدة الأميركية: تعاطفنا معكم كشعب، ونددنا بشكل كبير بهذه التفجيرات، لكن ما حصل بعدئذٍ أساء لنا.. أساء لنا كثيراً، وخاصة.. خاصة أن هناك منطقاً جديداً يبدو أنه موجود الآن، ليس فقط لدى شخص الرئيس الأميركي، وليس فقط لدى شريحة عنصرية -كما تفضل الضيف قبل قليل- ولكن هناك خوف من أن القوانين والمؤسسات في الولايات المتحدة الأميركية تصبح تعمل بطريقة أخرى تناقض فيها كل الحقوق وكل القوانين.
أنا أود أن أسألك ، غداة تفجيرات 11 سبتمبر وزير الخارجية الأسبق (هنري كيسنجر) كتب في "الواشنطن بوست" يقول في عنوان: "الثأر ليس رداً كافياً" حتى لا أطيل عليك في هذا المقال لعلك قرأتيه، ما لفت انتباهنا أن كيسنجر يقول: من الضروري ما حصل مواجهته بهجوم على النظام الذي أنتج هذا التهديد، ثم يحيل إلى ما حصل في (بيرل هاربر)، حتى يقول: "إن ما حصل وقتذاك انتهى فيها الهجوم على (بيرل هاربر) أي تدمير النظام الذي كان مسؤولاً عن ذلك"، وأنت تعلمين جيداً بأن نظام الحكم في طوكيو لم يسقط، لكن الذي حصل أن أميركا ضربت هيروشيما، ونجازاكي، وقتلت الآلاف بالقنبلة النووية، هذا السؤال الآن.. هل أن الولايات المتحدة الأميركية ستغير قوانينها وتغير طريقة تعاطي مؤسساتها، سواء في الداخل مع مجتمعها، أو مع الخارج نحن العالم الخارجي بشكل عام، بمنطق: "إما معي أو أنك ضدي"، تماماً كما قال السيد جورج بوش: إما مع الإرهاب أو معنا؟
فليس أوكلي: أعتقد بأن هناك قضيتين منفصلتين، وأود أن أقول شيئاً عن كل منهما، كل أولئك الذين لديهم أصدقاء من العرب كانوا قلقين عن التقارير التي تتحدث عن المضايقات والشتائم التي يتعرض لها العرب والأطفال في المدارس، وقد سنحت لي الفرصة لأن أتحدث مع صديقي (جيمس زغبي) الذي تحدث عن ذلك، وتعرض لها، وما كان يقلقه هو أن هناك أعدادا كبيرة من هذه الحوادث التي جعلت من العرب والأميركيين.. العرب الأميركيين يشعرون بأنهم ليسوا في بلدهم، كما أن السلطات الأميركية تركز كثيراً على كل المجموعات التي تمارس التمييز بهذا الشكل، فالمواطنين يجب عليهم أن يتصلوا بمنظمات حقوق الإنسان ومع السلطات، وكما فهمت أيضاً أمس كان هناك ثلاثة أشخاص قد تم تقديمهم للقضاء بسبب اعتداءهم على العرب الأميركيين، وأنا أعترف بأن ذلك موجود وسيستمر، ولكننا سنتخطى هذه الفترة العصيبة وأن نعود إلى ما كنا عليه. أعتقد إنه من الصعب جداً أن نناقش الانتقام وما يحدث بعده، أنا سمعت أحد المتحدثين يناقش ذلك ويقول: بأن الانتقام لا ينفع، وما يقصد بذلك هو أن عليك أن تفكر بذلك، وبالنسبة للعديد من الذين اختبروا العالم وعاشوا في الشرق الأوسط، وقد عشت في لبنان، وفي باكستان، وتزوجت في القاهرة، ما يقلقنا نحن هو أن أفعالنا لا تساهم بحل المشاكل التي تعترضنا، ولكن بعد ما قلت ذلك أعتقد بأن عليكم أن تفهموا بأن الأميركيين أصيبوا بجراح، وهم يعتقدون بأن أعداءهم يركزون عليهم، ليس بسبب الخلافات السياسية، فهذه ليست حرب تقليدية، أو حكومة تعلن الحرب، أو تتصرف بطريقة حضارية ووفقاً لقوانين الحرب، ولكن ما حدث هو إرهاب وشر ابتلينا به.
----------------------------------------
المصدر : فضائية الجزيرة

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة