مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 شرفات غربية
الأذان والقبلة من منظار كتّاب "دائرة المعارف الإسلامية" 
فؤاد كاظم المقدادي


يحاول بعض المستشرقين من كتّاب دائرة المعارف الاسلامية اختلاق ودعم شبهة أن شعائر الاسلام جاءت من خلال إبداعات خاصة أو تأثيرات متنوعة: "كالصحابة، الجاهلية، اليهودية، النصرانية، الفارسية، و...".
ومن نماذج الدسّ والتشويه في صيغة هذه الشبهة ما جاء تحت مادة "أذان" التي يقول فيها جوينبل "وتقول الرواية الاسلامية ان النبي تشاور مع أصحابه بعد دخوله المدينة مباشرة في العام الأول أو الثاني للهجرة في خير الطرق لتنبيه المؤمنين إلى وقت الصلاة، فاقترح بعضهم أن يوقدوا لذلك ناراً أو ينفخوا في بوق أو يدقّوا ناقوساً (مثل قطعة طويلة من الخشب تضرب بقطعة اخرى وكان يستعمله المسيحيون في الشرق للتنبيه إلى الصلاة) .
ولكن واحداً من المسلمين هو عبد الله بن زيد أخبر أنه رأى في المنام رجلاً يدعو المسلمين إلى الصلاة من سقف المسجد، وامتدح عمر هذه الطريقة في الدعوة إلى الصلاة، ولما اتفق رأي الجماعة على هذا الأذان أمر النبي باتباعه، ومن ذلك الوقت أخذ بلال ينادي المؤمنين إلى الصلاة بهذا الأذان الذي يستعمله العالم الإسلامي إلى وقتنا هذا".
وتحت باب "بلال" يقول الدنماركي بوهل: "وأدخل النبي الأذان بعد أن أبدى شيئاً من التردّد (انظر مادة أذان) وجعل بلالاً مؤذناً له".
ويسفّ كاستر اكثر فيقول عن "القبلة" تحت باب "السامرة": "وقد ورد في الإنصرة أيضاً كلمة القبلة، أي التوجّه في الصلاة إلى الجبل المقدّس. والحق في أن الاتجاه إلى المعبد معروف أيضاً عند اليهود... ويجوز أن محمداً أخذ هذه الشعيرة من السامرة. وقد صبغها مثلهم بصبغة دينية خاصة أقوى وأشدّ مما يفعل اليهود، وكذلك غيّر محمد وجهة الصلاة عندما اختلف مع اليهود، وبذلك أفصح عن الأهمية التي كان ينسبها إلى القبلة".
ومما يرد على قول "جوينبل" تحت مادة "أذان" وقول "بول" تحت مادة "بلال" ان مثل هذه الرواية التي ادّعاها "جوينبل" ولم يذكر لنا مصدرها لاشك انها من المختلقات الاسرائيلية التي اشتهر أمرها وحذّر العلماء وأهل الحديث والرواية منها. أما الروايات الصحيحة التي وردت عن أئمة أهل بيت النبوة والعصمة(عليهم السلام) فهي على خلاف ذلك، حيث تنصّ على أن الاذان كان من الله بواسطة الوحي "جبرئيل"، بل ان بعضاً منها تضمّن استنكاراً وزجراً ولعناً لمن زعموا أن النبي (ص) أخذ الأذان عن عبد الله بن زيد.
ومن هذه الروايات ما عن محمد بن يعقوب عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) قال: "لمّا هبط جبرئيل (ع) بالأذان على رسول الله (ص) كان رأسه في حجر علي (ع) فأذّن جبرئيل وأقام، فلمّا انتبه رسول الله (ص) قال: يا علي، سمعت؟ قال: نعم، قال: حفظت؟ قال: نعم، قال: ادع بلالاً فعلّمه، فدعا علي (ع) بلالاً فعلّمه".
ورواه الصدوق باسناده عن منصور بن حازم. وروى الشيخ بإسناده عن علي بن ابراهيم مثله.
وعن محمد بن مكي الشهيد في الذكرى: عن ابن ابي عقيل عن الصادق(ع) أنّه "لعن قوماً زعموا أن النبي (ص) أخذ الأذان من عبد الله بن زيد، فقال: ينزل الوحي على نبيّكم فتزعمون أنه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد؟!".
ب_ قول "كاستر" فيما يتعلق بالقبلة تحت باب (السامرة) فيه: ما أوردناه على قول "هيك" تحت مادة "سحر" وقول "ر.پاريه" تحت مادة "أمة" من أن الديانات السماوية ذات مصدر غيبي واحد، وهي مما يكمل اللاحق السابق فتبقى بطبيعة الحال عناصر من الديانات السالفة في الدين الخاتم لا يعني بحال من الأحوال إقتباس شخصي عمد اليه الرسول محمد (ص) من تلك الديانات، كما أراد المستشرقون الإيحاء به.
على ان قضية القبلة لم تكن بالشكل الذي عرضه "كاستر" هذا من أن الرسول (ص) غيّر القبلة عندما اختلف مع اليهود، بل كان أمراً إلهيا للرد على دعوى اليهود التي رددها "كاستر" في قوله السالف من تبعية الاسلام ورسوله الكريم(ص) لهم بدليل اتخاذه "بيت المقدس" التي هي قبلة اليهود قبلة للمسلمين، وبهذا الأمر الإلهي تميّز المسلمون عن اليهود بجعل الكعبة المشرّفة قبلتهم دون سواهم.
وفي بيان هذه الحقيقة روى علي بن ابراهيم باسناده عن الامام الصادق(ع) قال: "تحوّلت القبلة الى الكعبة بعدما صلى النبي (ص) بمكة ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدس وبعد مهاجرته الى المدينة صلى إلى بيت المقدس سبعة أشهر، قال: ثم وجهه الله إلى الكعبة، وذلك أن اليهود كانوا يعيّرون رسول الله (ص) ويقولون له: أنت تابع لنا، تصلي إلى قبلتنا، فاغتمَّ رسول الله (ص) من ذلك غمّاً شديداً، وخرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء، ينتظر من الله تعالى في ذلك أمراً فلما أصبح وحضر وقت صلاة الظهر كان في مسجد بني سالم قد صلّى من الظهر ركعتين، فنزل جبرئيل (ع) فأخذ بعضديه وحوّله إلى الكعبة، وأنزل عليه: (قد نرى تقلّبَ وجهك في السماء فلنولينّك قبلةً ترضاها فَولِّ وجهك شطر المسجد الحرام) وكان صلّى ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة، فقالت اليهود والسفهاء: (ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها).
------------------------------------------------------------------
المصدر : كتاب "الاسلام وشبهات المستشرقين"
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة