مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 قصة إسلامهم
جوزيف كليمنس أعتنق الإسلام وجاهد مع عبد الكريم الخطابي ودفع الثمن باهض


في عام 1912م رحل الشاب الألماني "جوزيف كليمنس" من موطنه "دوسلدرف" إلى المغرب هرباً من زيف الحضارة الأوربية الحديثة التي تَتَّسِم ـ كما وصفها ـ بالخداع والتضليل.
ولما كان شغوفاً بالحياة العسكرية، وحب المغامرة، ومواجهة الأخطار، فقد انخرط في سلك الفرقة الفرنسية التي كانت تعمل على تدعيم الاحتلال الفرنسي وقمع الثورات المحلية.. .. غير أنه في النهاية ـ وبرغم حظوته بإعجاب رؤسائه من القادة الفرنسيين ـ بدأ يشعر بالضيق وعدم الرضا عن نفسه، وعن الجريمة الإنسانية التي يشارك في أدائها في تلك البلاد، في إحكام قبضتهم على رقاب أصحاب البلاد الشرعيين، وإخماد أي صوت يرتفع مطالباً بأبسط حقوق الإنسان... وبدأ إعجابه بالمجاهدين المسلمين يتزايد يوماً بعد يوم، وقد بهره بصفة خاصة استبسالهم في الدفاع عن وطنهم، وتهافتهم على الظفر بالاستشهاد، ومواجهة الموت بكل شجاعة وثبات، مع التمسك بكل صلابة بالقيم الأخلاقية والمثل العليا، حتى في أحرج الظروف.
وفي ذات يوم، تسلل من معسكره تحت جنح الظلام، إلى حيث انضم إلى معسكر إحدى القبائل الثائرة في جبال أطلس، وأعلن لقائدها رغبته في الانضواء تحت لوائه وإشهار إسلامه، فقابله بالترحاب، وتسمى باسم "محمد" وارتدى الزي العربي، وتشبه بالعرب في كل عاداتهم وسلوكياتهم... واشترك معهم في أكثر من غارة على المعسكرات الفرنسية، فأظهر إخلاصاً وبسالة نادرة.
ثم اجتذبته أنباء الانتصارات الرائعة، التي كان يحققها المجاهدون المسلمون، تحت لواء الأمير عبد الكريم الخطابي في منطقة "الريف"، فتوجه إلى معسكره، حيث انضم إليه في عام 1921، وأصبح من أخلص رجاله المقربين، وأهدى عبد الكريم حصاناً، واعتمد عليه في رسم الخرائط، وتصوير مواقع الأعداء، كما كلفه بترجمة الرسائل التي كانت ترد إليه من بعض الجماعات السياسية الأوربية التي كانت تعطف على حركته وتؤازرها، وخاصة من فرنسا وإنجلترا.
وعندما جاء مراسل صحيفة "الديلى نيوز" إلى منطقة الريف التقى "بجوزيف كليمنس"، والذي كان يطلق عليه في ذلك الوقت "الحاج محمد الألماني"، وأعجب به هو وكثيرون من الصحفيين بشجاعته وإخلاصه للمجاهدين المسلمين الذين تشبه بهم في كل شئ، حتى في اللباس الوطني المؤلَّف من طربوش وجلباب من الصوف.
وتناقلت الصحف ووكالات الأنباء ـ حينئذ ـ الروايات التي كانت تشبه الأساطير في غرابتها عنه، وأصدرت بعض دور النشر كُتباً عن شخصيته التي استرعت انتباه المؤلفين والمحققين.
ومما يذكر عن "جوزيف كليمنس" أو "الحاج محمد الألماني" إعجابه المطلق بمبادئ الإسلام وتعاليمه التي تدعو إلى الذود عن الحق والحرية والكرامة بكل سلاح مشروع، وتنهى عن الخنوع والرضا بالقهر والهوان.. .. وفي الوقت نفسه تأمر بالعفو عند المقدرة، وحماية الضعفاء، والإحسان إلى النساء، والحنو على اليتامى والمساكين... كان يرى أنها ترضى نزعات الرجولة في النفس.. .. كما أبدى إعجابه بالمجتمع الإسلامي الذي يتسم بهذه المبادئ ولا يبتعد عنها.
وتدور الأحداث، ويقع "جوزيف كليمنس" في أَسْر القوات الفرنسية بعد سقوط الأمير عبد الكريم الخطابي في نضال مرير اكتسب إعجاب الرأي العام العالمي، وقُدِّمَ "كليمنس" للمحاكمة العسكرية باعتباره هارباً من الجندية، فحكم عليه بالإعدام الذي خفُف فيما بعد إلى الأشغال الشاقة المؤبدة في معسكر يسمى "جزيرة الشيطان"، الذي يتميز بسوء العذاب لمن يُرَحَّلُ إليه.
والغريب في الأمر أن أحد الصحفيين الأوربيين التقى به قبل ترحيله، فوجده رابط الجأش، قوي الإيمان، غير آبِهٍ بالمصير الذي ينتظره.
وأمضى "كليمنس" سنوات طويلة قاسية في معسكرات التعذيب في صبر، وأمل، وشجاعة، حتى توفى عام 1963.
وطُويت بذلك صفحة حافلة بأروع مواقف البطولة والشجاعة والكفاح، لبطلٍ آمن بالإسلام، فاعتنقه، ونَاضَلَ من أجله حتى الموت.
-----------------------------------------------------------------------
المصدر : الجانب الخفي وراء اسلام هؤلاء

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة