موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
علم الحديث

د. ابراهيم بن علي آل كليب
أقسام الخبر باعتبار وصوله إلينا

ينقسم الخبر باعتبار وصوله إلينا إلى قسمين، وذلك أن الخبر لا يخلو من حالين:
أ ـ إما أن يكون له طرق أكثر من ثلاثة بلا حصر في عدد معين، فهو المتواتر.
ب ـ وإما أن يكون له طرق محصورة بعدد معين، ولا تبلغ حد التواتر، فهو الآحاد.
وفيما يلي تعريف بكل منهما:
أولاً: المتواتر:
أ ـ تعريفه:
1 ـ المتواتر في اللغة: اسم فاعل مشتق من التواتر، وهو التتابع، يقال: تواتر المطر، أي: تتابع نزوله.
2 ـ وأما الخبر المتواتر في الاصطلاح فهو: ما رواه جمع كثير تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، واستندوا في أخبارهم إلى الحس.
وهذا التعريف يقتضي أن صفة التواتر لا يتحقق في الخبر إلا بالشروط التالية:
أ ـ أن يرويه عدد كثير، وقد اختلف في أقل الكثرة، والراجح عند بعض المحققين أنه ليس هناك عدد محدد لحصول التواتر، فحيث حصل عدد مع توفر بقية الشروط تحقق وصف التواتر.
ب ـ أن تحصل هذه الكثرة من العدد في جميع طبقات السند.
ج ـ أن يحكم العقل عادة باستحالة اتفاق الرواة على اختلاق هذا الخبر.
د ـ أن يكون مستند خبرهم الحس بأن يقولوا: سمعنا، أو رأينا، أو لمسنا، أو شممنا، وليس مجرد العقل، كالقول بحدوث الخلق.
ب ـ أنواعه:
1 ـ اشتهر تقسيم المتواتر إلى قسمين:
الأول: المتواتر اللفظي: وهو ما توافقت روايته على لفظ واحد، يرويه به كل الرواة، كحديث: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار).
الثاني: المتواتر المعنوي: وهو أن ينقل جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب وقائع مختلفة تشترك كلها في أمر معين، فيكون هذا الأمر متواتراً، مثل: رفع اليدين في الدعاء.
ويدخل في ذلك التواتر العملي، وهو ما علم بالضرورة من الدين، وتواتر عند المسلمين أن النبي (ص) فعله و أمر به أو نهى عنه، أو غير ذلك، وهو الذي ينطبق عليه تعريف الإجماع انطباقاً صحيحاً، مثل: مواقيت الصلاة، وأعداد ركعاتها، وصلاة الجنازة، والعيدين، وغير ذلك.
ولا فرق بين المتواتر اللفظي والمتواتر المعنوي إلا أن المتن المنقول يتطابق لفظه في المتواتر اللفظي، ويتوافق في معنى معين تشتمل عليه المتون الكثيرة في المتواتر المعنوي.
2 ـ زاد بعض العلماء أقساماً أخرى للمتواتر، منها:
ـ توافر الطبقة، كتواتر القرآن، تلقاه جيل عن جيل، وهو لا يحتاج إلى إسناد.
ج ـ حكمه:
الحديث المتواتر يفيد العلم، ولم يخالف في ذلك إلا من لا يعتد بقولهم، كالبراهمة من الهند، حيث قالوا: إنه يفيد الظن، لأن كل واحد من العدد المتواتر يجوز عليه الصدق والكذب، فإذا انضم بعضهم إلى بعض لم يتغير حالهم بالخبر، فوجب إلا يقع العلم بخبرهم.
ويرد عليهم بأنه إذا جاز على كل واحد منهم إذا انفرد، فلا يجوز عليهم عند اجتماعهم، ألا ترى أن كل واحد من الجماعة إذا انفرد يجوز أن يعجز عن حمل الشيء الثقيل، ثم لا يعجز عن حمله إذا اجتمعوا، كذلك أخبار الأمم الماضية والبلدان النائية التي يعلمها الإنسان من الأخبار المتواترة، فإنه يعلمها علماً لا يمكنه نفيه بالشك والشبهة، فصار بمنزله العلم الواقع بالحواس.
1 ـ والمراد بالعلم الذي يفيده المتواتر هو العلم اليقيني ـ أي الاعتقاد الجازم المطابق ـ لأن الإنسان يضطر إليه بحيث لا يمكنه دفعه، وإلى ذلك ذهب الجمهور، وهو الصواب كما سبق.
2 ـ وذهب بعض الأصوليين كبعض المعتزلة والدقاق من الشافعية إلى أنه يفيد العلم النظري.
3 ـ ومنهم من قال بالتوقف.
د ـ صلته بعلم مصطلح الحديث:
نظراً لأن المتواتر لا يشترط في رواته ما يشترط في رواة خبر الآحاد، من الصحيح والحسن لذاتهما من العدالة والضبط، قرر المحدثون أن المتواتر ليس من صناعة علوم الإسناد، لأنه يفيد العلم اليقيني، ولا يحتاج إلى النظر في إسناده، حيث إن العمدة فيه على كثرة ناقليه، بحيث يحصل بذلك الاعتقاد الجازم بصحة متعلقة لكل من سمعه دون حاجة إلى بحث أو نظر، وهو أمر فطري ضروري، وبذلك تكون صلة المتواتر بمصطلح الحديث مقتصرة على تناوله من حيث التعريف به وبيان أقسامه، وحكمه.
ثانياً: خبر الآحاد:
أ ـ تعريف:
1 ـ لغة: جمع أحد، بمعنى الواحد.
2 ـ اصطلاحاً: ما لم يجمع شروط المتواتر، أي أنه خبر الواحد والاثنين والثلاثة فما زاد، بشرط ألا يصل إلى حد التواتر.
ب ـ حجيته والعمل به عامة:
العمل بخبر الآحاد واجب عند علماء الأمة، ولم يخالف في هذا إلا فئة قليلة كالمعتزلة.
وحجة الموجبين العمل به عدد كبير من الأدلة، يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما دل عليه الكتاب والسنة من وجوب اتباع النبي (ص) وطاعته، وتنفيذ ما يصل إلينا عنه على سبيل العموم، دون تفريق بين متواتر وآحاد.
أ ـ فمن الأدلة في الكتاب العزيز ما يلي:
1 ـ قوله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً).
2 ـ قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم).
قيل: إن هذا من باب الكناية عن التقدم بقول أو فعل أ أمر بين يدي الله ورسوله، أي: لا تقولوا حتى يقول، ولا تأمروا حتى يأمر، ولا تفتوا حتى يفتي، ولا تقطعوا أمراً حتى يقطع الله فيه، ثم عطف عليه رسوله، أي: لا تقدموا بين يدي رسول الله (ص) أيضاً، والمعطوف يأخذ حكم المعطوف عليه، فإذا كان كذلك فهي تدل على وجوب الأخذ بالسنة عموماً، متواترها وآحادها من غير تفريق.
3 ـ قوله تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا، قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).
فبين الله أن المخالفة للنبي (ص) في شيء من أوامره أو نواهيه ستوقع المخالف في الفتنة في الدنيا، وهي الشرك أو العذاب الأليم في الآخرة، ولم يفرق بين متواتر ولا آحاد، فيجب العمل بالآحاد كما يجب بالمتواتر.
4 ـ قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا).
فحيث كرر لفظ (أطيعوا) للرسولن ولم يكررها لأولى الأمر دل على وجوب طاعة الرسول (ص) استقلالاً، دون عرض على كتاب الله، وسنة رسوله (ص)، وليس هنا تفريق بين متواتر وآحاد، مما يدل على أن الحكم فيهما سواء، فيجب العمل بهما جميعاً.
ب ـ ومن أدلة وجوب اتباع النبي (ص) وتنفيذ أمره، من السنة النبوية، من غير تفريق بين متواتر وآحاد:
1 ـ حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي (ص) قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، فقالوا: يا رسول ا لله، ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى).
والوعيد بالنار لمن عصى أمره، والوعد بالجنة لمن أطاعه فيه دليل على وجوب طاعته.
2 ـ حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: (أتت الملائكة والنبي نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة، والقلب يقظان، فقالوا: إن مثله كمثل رجل بنى داراً وجعل فيها مأدبة، وأرسل داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار، وأكل المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أولوها يفهما، قالوا فالدار الجنة، والداعي محمد (ص).
فدل هذا الحديث على وجوب العمل بسنة الرسول، سواء كانت متواترة أو غير متواترة.
3 ـ حديث المقدام بن معديكرب، قال: قال رسول الله (ص): (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإنما حرم رسول الله كما حرم الله).
القسم الثاني من أدلة وجوب العمل بخبر الآحاد:
إجماع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ على قبول خبر الواحد في وقائع لا تنحصر إن لم يتواتر آحادها حصل العلم بمجموعها، منها ما يلي:
1 ـ ما أخرجه أبو داود، عن قبيصة بن أبي ذؤيب، قال: (جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ تسأل ميراثها، فقال: ما لك شيء، وما علمت لك في سنة نبي الله (ص) شيء فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس)، فقال المغيرة بن شعبة: (حضرت رسول الله (ص) قد أعطاها السدس)، فقال أبو بكر: (هل معك غيرك؟) فقام محمد بن مسلمة، فقال مثلما قال المغيرة بن شعبة، فأنفذ لها أبو بكر (رض)، ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب تسأله ميراثها، فقال: (ما لك في كتاب الله شيء، وما كان القضاء الذي قضى به إلا لغيرك، وما أنا بزائد في الفرائض، ولكن هو ذلك السدس، فإن اجتمعتا فيه فهو بينكما، وأيتكما خلت به فهو لها).
وأخرج البخاري من حديث أنس بن مالك، قال: كنت أسقي أبا عبيدة، وأبا طلحة، وأبي بن كعب من فضيخ زهو وتمر، فجاءهم آت، فقال: إن الخمر قد حرمت، فقال أبو طلحة: قم يا أنس فأهرقها، فأهرقتها.
القسم الثالث من أدلة وجوب العمل بخبر الآحاد:
وهو ما تواتر واشتهر من إرسال رسول الله (ص) الواحد والاثنين من أصحابه إلى البلدان والأقطار للدعوة، وتعليم الناس، وجباية الأموال، وتبليغ الرسائل ونحو ذلك.
ومن المعلوم أن النبي (ص) كان مكلفاً بالتبليغ بطريق يحصل بها العلم، وتلزم الحجة، ولو لم يكن خبر الآحاد مفيداً لذلك لما اكتفى (ص) بإرسال الواحد والاثنين من أصحابه، كما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن، وكذا أبا موسى، وعلي بن أبي طالب، وكذا رسله إلى هرقل، وملك الحبشة، وإلى بعض قبائل العرب، وغير ذلك.
ج ـ إفادته العلم:
إن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له وعملاً به أفاد العلم عند جمهور العلماء من السلف والخلف، كما ذكر جمهور المصنفين كالسرخسي وغيره من الحنفية، والقاضي عبدالوهاب وغيره من المالكية، وكأبي حامد الأسفراييني، والقاضي أبي الطيب الطبري، وأبي إسحاق الشيرازي وغيرهم ممن صنف في أصول فقه الشافعية، وكأبي عبدالله بن حامد، وأبي يعلى، وأبي الخطاب وغيرهم من الحنابلة وهو قول كثير من أهل الكلام من الأشاعرة وغيرهم كأبي إسحاق الأسفراييني، وابن فورك، والجبائي، وغيرهم، وهو مذهب أهل الحديث قاطبة كما سيأتي توضيحه عند الكلام على الحديث الصحيح.
---------------------------------
المصدر: مهمات علوم الحديث
 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم    || موسوعة علم الحديث