موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة علم السياسة

جعفر الموسوي
الصحوة الإسلامية في الدراسات الغربية


شكلت الصحوة الإسلامية المعاصرة التي اكتسحت مساحات واسعة من الخارطة العالمية فزعاً حقيقياً لدى دوائر الاستكبار الغربية والعالمية، ظل يؤرق ولحد هذا اليوم مراكز القرار العليا في تلك الدوائر لما لتلك الصحوة من تأثيرات واسعة على مسار السياسة الاستكبارية، حيث ترى وجهات النظر الغربى ان تلك الصحو تشكل تهديداً مباشراً على مصالحها التي يجب ضمان استقرارها الدائم في تلك البقع التي ينشط فيها «التيار الاصولي» على حد قولهم، وذلك وفق الخط المرسوم والمعد سلفاً من قبل مراكز القرار تلك، التي ترى كذلك ضرورة مواجهة هذا التيار «الاصولي الاسلامي» عبر اساليب متعددة، تتنوع على التغلغل المخابراتي في تلك البلاد ودعم حكوماتها بكل ما تملك من وسائل القمع والارهاب، بالاضافة إلى شن حرب اعلامية مكثفة ضد جماهير الصحوة الإسلامية من اجل الحد من اتساع هذا التيار وامتداد تاثيراته، وتتنوع تلك الحرب الاعلامية في تشويه الحقائق مرة واخرى على اثارة الحرب النفسية عبر تقارير وكالاتها، حيث يبدو هذا اللون واضحاً عليها من خلال متابعة دقيقة لمحتوى تلك التقارير ومصطلحاتها التي تروج لها من اجل لصق الطابع الارهابي على تلك التيارات الإسلامية التي تتبنى ضرورة تطبيق الإسلام منهجاً ونظاماً وفق الشريعة الإسلامية.
ولطالما شكلت «الاصولية الإسلامية» عنواناً عريضاً لدراسات طويلة اضطلع بها كتّاب غربيون سلطوا الضوء خلالها على تنامي وبروز ظاهرة الاحياء الاسلامي وفق ما يتوافق مع منطلقاتهم ونزعاتهم وايديولوجياتهم، فأغلب ما يكتب في الغرب عن الإسلام والاسلاميين لم ينطلق من باب البحث العلمي النزيه، وانما هو عمل مخطط توجهه وتدعمه الحكومات والشركات والمؤسسات الغربية طبقاً لمصالحها، وكثير من الباحثين مجندون لتحقيق هذه الغايات، وفي هذا الصدد يقول «نورمان دانييل»: «رغم المحاولات المخلصة التي بذلها بعض الباحثين في العصور الحديثة للتحرر من المواقف التقليدية للكتّاب المسيحيين من الإسلام فأنهم لم يتمكنوا ان يتجردوا كلياً عنها كما قد يتوهمون».
مصطلح الاصولية:
لم يبرز مصطلح الاصولية في المعاجم والموسوعات الغربية الا حديثاً، فهو لم يظهر في معجم روبير الكبير سنة 1966، ولم يظهر في الموسوعة العالمية في 1968 سوى ما ورد في قاموس لاروس الصغير سنة 1966 وبكيفية عامة جداً حيث يقول «ان الاصولية هي موقف اولئك الذين يرفضون تكييف عقيدة مع الظروف الجديدة».
وفي قاموس لاروس الجيب الصادر في 1979 اقتصر المفهوم على الكاثوليكية وحدها حيث ورد «انها استعداد فكري لدى بعض الكاثوليكيين الذين يكرهون التكيف مع ظروف الحياة الحديثة».
اما هربرد كمجيان (استاذ العلوم السياسية في جامعة نيويورك) فيرجع اصل الاصولية إلى فرقة من البروتستانت التي تؤمن بالعصمة الحرفية لكل كلمة في «الكتاب المقدس» ويدعي افرادها التلقي المباشر عن الله بالاضافـة إلى معاداتهم للتفكير العلمي وميولهم إلى استخـدام العنف والقوة لغرض فرض معتقداتهم.
وفي عام 1984 ظهر معجم لاروس الكبير في(12) جزءاً وعرفها على انها موقف جمود وتصلب مارض لكل نمو
أو تطور، وهكذا يذهب غارودي في كتابه «الاصوليات المعاصرة، اسبابها ومظاهرها» إلى ان المكونات الاساسية للاصولية هي: «رفض التكيف، جمود معارض لكل نمو، عودة إلى الماضي، انتساب إلى التراث والجذور، المحافظة، وعدم التسامح، التحجر المذهبي، تصلب، كفاح، عناد».
ومنذ السبعينات وعلى اثر تنامي ظاهرة الاحياء الاسلامي وازدياد عمقها في المجتعات الإسلامية وازدياد ظهور الحركات الإسلامية في العالم، ذهبت الدوائر الغربية إلى التحري عن الايديولوجيا والمفهوم الذي تقوم على اساسه تلك الظاهرة المتنامية، بالاضاف إلى الدراسة التي تقتضي مجابهة هذا التيار الاسلامي بطرق ووسائل متعدة، وهكذا نعتت ظاهرة الاحياء الاسلامي بالاصولية الإسلامية في الكتابات الغربية، حيث يأتي استخدام مثل هذا المفهوم الذي لا يرتبط بخصائص الحركة الإسلامية وسماتها الذاتية محملاً بأنحيازات ايديولوجية واضحة، فغالباً ما تؤكد الدراسات الغربية على ان الجماعات الاصولية الإسلامية تدعو إلى التشدد والتمسك بالقديم وترفض ـ بل تعادي ـ العلم والحداثة!، ولا شك ان هذا الاستخدام يتضمن نظرة تشويهية للحركة الإسلامية الاحيائية، بل للاسلام عموماً.
وفي هذا الصدد يقول العلامة السيد محمد حسين فضل الله: «ان الاصولية مفهوم غربي ينطلق من خلال الاصولية المسيحية التي كانت تتحرك على اساس الغاء الآخر، اننا لا نتبنى مصطلح الاصولية لان الإسلام ليس حركة عنف ضد الآخرين، وانما العنف يمثل محورا يتحرك فيه المسلمون في مواجهة القوى التي تريد ان تقهرهم أو تلغي حريتهم، وهكذا فان الإسلام لا يلغي الآخر ولكنه يحاور الآخر، وعندما نريد ان نقرأ القرون نجد انّه حاور المشركين والملحدين وحاور اهل الكتاب والمنافقين، وجعل الحوار عنوان كل حركته في الدعوة إلى الله وساحة الصراع، ولكن التخطيط السياسي الغربي حاول ان يضع هذه الكلمة كعنوان للحركة الإسلامية وخاصة الحركة الإسلامية المنطلقة في الدائرة الشيعية، ولكنه اضفاها فيما بعد على الحركات الإسلامية (السنية والشيعية) حتى يعزل الرأي العام عن التعاطف مع هذه الحركة ليعتبرها حركة عنف وارهاب والغاء للآخر وتجميداً له، باعتبار ان هؤلاء يريدون ان يعيدوا التاريخ للوراء ليفرضوا على الواقع المعاصر ما كان يعيشه الناس في عصر الجمل وما إلى ذلك من التعابير والكلمات، وهكذا فان اعطاء الاصولية عنواناً للحركة الإسلامية ينطلق من اساس محاصرة كل حركة وانتفاضة».
بماذا وصفوا الصحوة؟
مصطلحات ومفاهيم عديدة اطلقتها الدراسات الغربية وهي تمضي في دراسة الظاهرة الإسلامية المتنامية، وقد تنوعت تلك المصطلحات في نعت كل ما يتصل بهذه الظاهرة، فهم حينما يتعرضون إلى وصف الإسلام الذي يحمل مبادئه الاسلاميون، تتعدد المفاهيم والمصطلحات في وصف الإسلام ومن تلك المفاهيم والمصطلحات:
«الإسلام السياسي، الإسلام التقدمي، الإسلام الراديكالي، الإسلام الشعبي، اسلام الجماهير، الإسلام من اعلى، الإسلام من اسفل، الإسلام التحديثي العنف الاسلامي، الإسلام المسلح النضالي، اسلام الشرق الاوسط».
هكذا تصنف الكتابات الغربية في ثنائيات طبقاً لمعايير لا تنبع من داخله بل هي خارج اطاره، فبالنسبة لموقف بعض القوى والتيارات الإسلامية من عملية التحديث، هناك الإسلام التحديثي والإسلام التقليدي، وبالنسبة لقضية التغيير واساليبها هناك الإسلام الراديكالي أو الثوري وهناك الإسلام المحافظ أو التقليدي، وبالنسبة للقوى الاجتماعية
المرتبطة بالاسلام هناك اسلام النخبة أو الإسلام الرسمي أو الإسلام من اعلى، واسلام الجماهير أو الإسلام الشعبي أو الإسلام من اسفل.
اما فيما يخص المفاهيم التي استخدمت لوصف الظاهرة الإسلامية وهي تتغلغل في اوساط الاُمّة لتزحف بكل الاتجاهات شرقاً وغرباً، فانهم استخدموا عدة تعابير، ومنها: «الاصولية الإسلامية، الغضب الاسلامي، الهبة الإسلامية الهياج الديني»، وهناك من نظر اليها باعتبارها ظاهرة سياسية اسلامية، في حين التبس الامر على بعض الباحثين الغربيين فتساءلوا هل هي صحوة اسلامية ام نبوءة جديدة يدعيها بعض عناصر النخبة؟، هذا في الوقت الذي وصمها البعض بالارهابية، وما اكثر من عزفوا على هذا الوتر من اجل خلط الاوراق.
وبالاضافة إلى تلك المفاهيم والمصطلحات، هناك مفاهيم ومصطلحات اخرى كانت تصف جماهير الصحوة الإسلامية واعضاء الحركات الإسلامية ومنها على سبيل المثال: «التقليديون، المتطرفون، السلفيون، الارهابيون، الراديكاليون...».
كما ميزت اغلب الدراسات الغربية بين المسلم والاسلامي، فالاول هو الذي يعتنق الدين الاسلامي ولديه هوية اسلامية، بينما الثاني هو الذي يجعل من بين اهداف حركته بناء دولة اسلامية.
وهكذا قدم الكتّاب الغربيون الصحوة الإسلامية من خلال مجموعة من المصطلحات التي ولدت في بيئة الغرب وحملّت بمعان ومفاهيم متأثرة بتجارب الغرب وقيمه ونظرته للحياة والدين، في حين ان الإسلام منهج حياة وعقيدة راسخة وهذا ما يسلم به حتى الذين هم خارج الدائرة الإسلامية.
تحذيرات مستمرة ومواجهة مطلوبة:
لم تغفل الدراسات الغربية في كل المحاور التي تحدثت بها عن «الاصولية الإسلامية إلى ان تضمن تلك الدراسات تحذيرات مستمرة إلى مراكز القرار في الادارات الغربية السياسية، تطلب فيها ضرورة الوقوف بوجه «المد الاصولي» الزاحف من بلاد الإسلام بل تعلنها وبصراحة في ضرورة وحتمية المواجهة مع امتدادات هذا الزحف من اجل اجتثاث جذوره.
صحيفة التايمز البريطانية وفي اعقاب محاولة الاغتيال التي تعرض لها وزير الداخلية المصري (الالفي) في آب 1993، حرصت كل الحرص على تهويل خطر الاسلاميين عبر افتتاحيتها، حيث قالت: «ان الاصولية الإسلامية تسعى حالياً إلى تنفيذ ثورة عالمية لا تستهدف الحكومات الإسلامية المعتدلة بل تتعدى ذلك إلى العالم الغربي، لذا يتوجب على الغرب الوقوف بوجه هذه الظاهرة الخطيرة»!.
تلك دعوة واضحة إلى الحيطة والحذر والترصد لكل اشكال الصحوة الإسلامية في العالم الاسلامي، حيث ان الحسابات الغربية ترى بأن الاسلاميين إذا ما احرزوا اي انتصار فان المصالح الغربية ليس في منطقة الشرق الاوسط فحسب، بل وحتى في القارة الافريقية وآسيا الجنوبية وما تعداهما سوف تكون عرضة للخطر.
وتختتم التايمز مقالها الافتتاحي بالقول «ان الاصوليين يشربون حالياً نخب الصراع الذي كان داباً بين المعسكر الشيوعي والرأسمالي ولذا يترتب على الغرب ان يأخذ هذا التهديد على محمل الجدية ويقدم دعمه اللامحدود للعناصر
الإسلامية التي لا تهدد المصالح الغربية في العالم».
بينما يذهب «غارودي» إلى ان الحلول الحقيقية للمسائل التي تطرحها السرطانات الاصولية من كل حدب وصوب تستلزم انقلاباً جذرياً في السياسة تجاه العالم الثالث واوروبا وتجاه البطالة ومجمل السياسة الاجتماعية، تجاه الثقافات، ثقافات الآخرين وثقافتنا.
لقد سعت الدراسات الغربية إلى تشويه صورة الظاهرة الإسلامية المتنامية بشتى الوسائل، كالاتهام بالعمالة والتطرف والعنف والجمود والرجعية والتعصب والحكم على معتقداتها ومناهجها بمقاييس تجربة الغرب المرة مع الكنيسة أو بمقاييس المذهبية العلمانية الرافضة للدين، ثم الخلط بين الجماعات المخلصة وسواها من الجماعات أو الادعاءات الزائفة، كما سعت إلى تخويف الغرب حكومات وشعوباً من الإسلام والاسلاميين ومن دعوة العودة إلى الحكم الاسلامي، وتخويف حكومات البلاد الإسلامية والاقليات غير الإسلامية والتكتلات المناهضة للاسلام، من الظاهرة الإسلامية هذا بالاضافة إلى تحسينها صور التيارات والحركات والدعوة المذهبية المعادية للاسلام كالقومية العرقية والعلمانية الدنيوية أو اللادينية والوطنية الضيقة، ثم دعمها وتزكيتها لدى الانظمة الحاكمة لتكون اداة لضرب الصحوة. وما تزال الدعوات المحمومة تتوارد من اجل وأد وإبادة الصحوة الإسلامية وهذا ما دعا احد الدبلوماسيين الغربيين إلى الكشف عن جهود حثيثة تقوم بها السياسة الغربية من اجل عقد مؤتمر غربي لمواجهة الصحوة الاسلامية، والبحث حول تنامي الاصولية الإسلامية الذي يعتبرون امر نموها هو هزة ارضية.
شهادات من الغرب:
لم يستطع الباحثون الغربيون ان يتجاوزوا العديد من الامور التي ترتبط بصميم المفاهيم الإسلامية خاضعين بذلك إلى منطق الامر الواقع والتسليم بما هو مفروغ منه على طاولة الحوار والتحليل، والى ذلك يذهب العديد منهم وهم يقدمون دراساتهم أو عند القاء محاضراتهم وبحوثهم، أو عندما تكون هناك صيغة وفكرة الحوار.
غارودي، ذلك الفيلسوف الفرنسي الذي عرف عنه بأسهابه المفرط في تحليل الظاهرة «الاصولية الإسلامية» من عدة زوايا بالاضافة إلى ممارسته النقدية لعديد من المفاهيم التي ترتبط بالواقع الاسلامي، غارودي هذا وفي كتابه «الإسلام في الغرب» يناقض اغلب كتاباته ويعطي ادلة على عالمية الرسالة الإسلامية وانفتاحها حيث يقول: «ان الاُمّة الإسلامية هي منفتحة ـ بلا تمييز للاصل أو العنصر ـ على كل من يعترف بوحدانية الله وتنزيهه للرسالة الشاملة لكل الانبياء». ويضيف: «ان جدال المسلمين مع اليهود ليس موجهاً ضد رسالة موسى ورسالة الانبياء، بل ضد تأويلاتها المتعصبة، وكذلك فأن جدل المسلمين مع المسيحيين ليس موجهاً ضد رسالة عيسى ولكن ضد الشرك». ثم ينتهي غارودي إلى القول: «وبما ان الإسلام قد تجلى هكذا ـ كما جاء في القرآن ـ بشموليته دون ان يكون مرتبطاً بتقاليد معينة لشعب ما، فقد عرف تألقاً معجزاً، لان اعتناقه لم يكن يعني بالنسبة لرجل مؤمن، قطيعة
ولا كفرا: فكل شخص يجد فيه الرسالة التي تلقاها عن انبيائه، بشكلها الاكثر بساطة والاكثر شعبية، وتطبيقها في جميع ميادين الحياة يجعل الله حاضراً في كل امرء وفي جيمع العلاقات الاجتماعية: اقتصادية، سياسية، ثقافية».
والباحثون الغربيون يلحظون تأثيرات الصحوة الإسلامية على واقع المسلمين والعالم اجمع، حيث يمدون ابصارهم نحو المستقبل لكي يشيروا إلى ما يمكن ان يفعله الإسلام يومها دون ان تأسرهم اللحظة الموقوتة فتميل بهم صوب رؤية تشاؤمية ازاء موقف الإسلام في العالم، فالباحث الغربي «بوازار» مثلاً يشير إلى احتمال قيام نهضة مستقبلية في عالم الإسلام تستمد قوتها من طابع الرسالة الإسلامية الاجمالي واثره الحاسم في وجدان المؤمنين.
ومما يزيد اسلامية الصياغة المستقبلية للنهضة المنشودة، فان «بوازار» يلحظ ان الاضطراب النفساني الذي تعانيه الحضارة الصناعية والمادية واضح تماماً، والاسلاميون في طريقهم للحصول على ضمانة ذاتية تسهل لهم اكتشاف اشكال سياسية واقتصادية اصيلة متوافقة مع روح التنزيل بشأن الجماعة، ويكون تطبيقها بالتالي ايسر على صعيد الممارسة العملية.
«ارنولد تويبني يستقرىء ايضاً ما يمكن ان يقوله التاريخ بصدد مستقبل الإسلام ثم يصدر حكمه «فاذا كان للسوابق التاريخية اي معنى عندنا وهي اشعاعات الضوء الوحيدة التي يمكن ان يقليها على الظلمات التي تكتنف مستقبلنا فانها تنذر بأن الإسلام قادر على التأثير في المستقبل بأساليب عدة تسمو على فهمنا وادراكنا».
ولقد جعلت الصحوة الإسلامية المزيد من رجال السياسة الغربية إلى ان يبحثوا ويراجعوا اوليات وعوامل انبثاق الصحوة، وهذا ما حدا بسفير المانيا في المغرب «ويلفريد هوفمان» ان يعد كتاباً تحت عنوان «الإسلام هو البديل» يطرح فيه الإسلام المنهج الصالح والامثل لانقاذ البشرية من عذاباتها، ورغم ان الامر يدخل في اطار حرية العقيدة التي يتغنى الغرب بالدفاع عنها، فان «فرانك ايليه» مدير ادارة التخطيط السياسي بوزارة الخارجية في بون رفع تقريراً إلى وزارة الخارجية يصف فيه ان الامر في غاية الخطورة ويتنافى مع الدور اذي يمكن ان يلعبه سفير دولة ديمراطية غربية في دولة اسلامية.ومثلما ذهبت وجهات نظر غربية عديدة كانت ترى اندفاع الاسلاميين وجرأتهم نحو تنفيذ
العمليات الاستشهادية ارهاباً دموياً في قمة الارهاب، نرى اقلاماً اخرى من الدائرة الغربية ذاتها ترى في تلك العمليات شرفاً وبطولة وخلوداً، فتلك «روبن رايت» في كتابها «الغضب المقدس» تقول «ان الشهادة كانت الاشرف والافضل لهؤلاء، فالهجومات على الخصوم كانت بطولية، ولم تكن اعمال يأس أو ارهاب متعطش للدم» ثم تمضي لتربط الشهادة بالحقائق التاريخية فتقول «ان الحسين ترك تراثاً لاقصى احتجاج فهو صاحب حركة تمحورت حول الثورة».
اما «بورغا» في كتابه «الاسلام السياسي.. صوت الجنوب» فهو يدعو علانية إلى التعامل بواقعية مع الاسلاميين فهو يقول في اشارة واضحة إلى الاسلاميين: «ان هذه اللحى وهذه الحجب لا تخفى وراءها كائنات هابطة الينا من المريخ، بل اننا لا نستطيع ان نلصق بهؤلاء صفة «التعصب أو التطرف»، انهم اللاعبون الجدد في حلبة السياسة وسنضطر يوماً للاعتراف بذلك».
تصورات خاطئة:
عدم التركيز والتعامل مع الامور بسطحية تخضع لتصورات ومنطلقات ضيقة تحدد ابعادها ضمن الدائرة التي ينتمي اليها الباحث، تلك هي ابرز المفاهيم الخاطئة التي استندت على ضوئها العديد من الدراسات الغربية، فالباحث الحقيقي يجب ان يجردقلمه عن المنطق العاطفي ولا يخضعه لتأثيرات جو معين ويتبع اسلوب المنهج العلمي الدقيق في رصد الظواهر، ومثلما يورد السلبيات يجب ان يتعرض إلى الايجابيات في المادة التي جعلها محوراً لبحثه ودراسته.
فمن ضمن التصورات الخاطئة التي تعج بها الدراسات الغربية في تفسيرها «للاصولية الإسلامية، ما يذهب إليه «هرير دكمجيان»في محاولته لتحليل ظاهرة «الاصولية الشيعية في العراق» حيث يعتبر ان ما يطرحه حزب الدعوة الإسلامية هو انحيازاً للشعارات الايرانية الإسلامية التي رفعتها من قبل في زمن انتصار الثورة الإسلامية في ايران، هكذا يحلو لدكمجيان ان يفسر ويحل ما تطرحه الاحزاب الإسلامية من مبادىء وافكار ثم ينعتها بأي صفة كانت، وهو بتفسيره هذا انما يريد ان يعمق من مفهوم التبعية إلى ايران لدى القارىء، متناسياً ان الذي يطرحه حزب الدعوة الإسلامية والثورة الإسلامية في ايران هو نابع من مصدر واحد (الإسلام) فهما بالتأكيد سوف يلتقيان في طرح المفاهيم والشعارات، فان العنوان العريض الذي يجمع كل رؤاهم هو الإسلام.
ومن باب الرصد التاريخي فان حزب الدعوة الإسلامية قد تأسس في عام 1957 وطرح افكاره وادبياته وشعاراته منذ ذلك الوقت، بينما جاءت الثورة الإسلامية في ايران وانتصرت في 1979، وهذا ما يؤكد ان الحزب لم يتبع حالة الترديد للشعارات التي ذكرها الباحث الاميركي حيث سبق لحزب الدعوة الإسلامية ان طرح افكاره وشعارته قبل اكثر من عشرين عاماً من قيام الثورة الإسلامية في ايران.
تساؤلات ودهشة:
عندما يكون منطق التحدي الاسلامي قوياً، وعندما يمر الباحث الغربي على مواقف استماتة الاسلاميين من اجل
القيم والمبادىء التي يحملونها سرعان ما تمتلك هذه الاقلام التساؤلات والدهشة والذهول امام تلك العطاءات التي يقدمها «الاصوليون»، ثم سرعان ما يخرج هذا الباحث من دائرة الدهشة ليسجل ملاحظة مفادها ان تلك الاستماتة وهذه الفدائية لا شك ان من سيجني ثمار دمائها فيما بعد «الاصوليون» الذين مضوا في طريق التضحيات دون تردد. الكاتب البريطاني «بيرغرين دورستورن» اشار في دراسته عن الاصولية بالقول «ان مجرد الاكتفاء بمراقبة الانتفاضة الإسلامية في دول الشرق الاوسط لن يفيدنا شيء، وإذا لم نبادر إلى مقابلة هذه الانتفاضة بعنف عسكري يفوق عنفها الديني، فاننا نكون قد حكما على العالم النصراني بمصير مهين، يجلبه على نفسه إذا استمر تهاوننا في مواجهة المسلمين المتطرفين.
وهذا القول الذي ينطوي على تحذير يقدمه «دورستورن» إلى العالم النصراني لم يتأتى إلاّ بعد ان وقف على امتدادات الصحوة الإسلامية في الشرق الاوسط، وما رآه هناك من صور عديدة من الاندفاع لدى الاسلاميين في تحقيق اهدافهم.
من الطبيعي ان يكون هذا الانبهار حول تلك المواقف، لان الذي يدون تلك المواقف هو لا يعرف معنى الاستشهاد، وان عرّفه فهو غير مستعد لقبوله من الناحية العقائدية.
في خدمة من تلك الدراسات؟
ان موضوع «دراسات الشرق الاوسط» في الغرب هو ابرز العناوين التي تتم تحتها عملية الرصد والدرس والتحليل للعالم الاسلامي عامة والعربي خاصة من كافة الجوانب، من العقيدة إلى فن زراعة البساتين، وقد تطورت وتوسعت بشكل هائل منذ الحرب العالمية الثانية وخاصة في الولايات المتحدة الاميركية.لم يقف الامر عند هذا الحد، بل حرصت دول الغرب، خاصة امريكا، على ان تنشىء مؤخراً عشرات المراكز في داخل البلاد الإسلامية ـ تحت مسميات مختلفة ـ لتتولى مهمة الرصد والفحص وجمع المعلومات المباشرة لتصب هناك في مراكز التخطيط والقرار، هذا فضلاً عن المؤسسات التقليدية القديمة من جامعات ومدارس اجنبية تسهم كذلك في المهمة نفسها.
وعندما شهد العقد الاخير زيادة الوعي الاسلامي وعمقه في المجتمعات الإسلامية في كل انحاء العالم كثفت الدوائر الغربية من نشاطها الدراساتي حول مناطق الصحوة الإسلامية في العالم، وهذا «دكمجيان» يكشف في مقدمة كتابه «الاصولية في العالم العربي» ان دراسته تلك اعدت خصيصاً للحكومة الاميركية، ولقد اعتمدت دراسته على كثير من المنشورات السرية والرسائل والنشرات الخاصة بالحركات الإسلامية في العالم العربي ويقدم تحليلاً لعمل وتحرك حركة وجماعة اسلامية، وقد ساعده كما يذكر في جمع المادة العاملون في مركز هيئة البحث والتنمية في اميركا!
اذاً، بطريقة أو بأخرى فان تلك الدراسات سوف تكون مراجع اساسية تستند عليها المخابرات الدولية بما فيها الـ (C. I. A) الاميركية وغيرها من مراكز المخابرات والاستخبارات في العالم، حيث ان اجهزة المخابرات وعملائها سوف لا تتعب كثيراً في التشخيص والنزول باتجاه التفاصيل. فالدراسات التي اعدت قد سهلت كثيراً من مهامهم. وعلى اثر تلك الدراسات وما تبعها من نتاجات متلاحقة، فان دوائر المخابرات قد شرعت بالمزيد من عملياتها ومخططاتها، فكان للاسلاميين مساحة واسعة من اهتمامات تلك الدوائر المخابراتية.
ان عيون تلك المخابرات التي انتشرت في كل مكان نراها حاضرة لتسجل وبدقة كل المؤشرات التي من شأنها ان تقلب الموازين في اخارطة العالمية لترتب على اثرها واقعاً عملياً ملموساً تتخذه القوى الاستكبارية فيما بعد، والاسلاميون هم يحتلون الصدارة فيمن يستهدفه تحرك تلك المخابرات والوقائع تشهد بذلك.
معركة فكرية واضحة:
يبدو ان الصدمة الغربية على عنفها وشراستها وما تضمنته من بطانة مذهبية وبعد حضاري لم تطو الإسلام أو
عالمه، وبعبارة ادق، لم تدفعه إلى الانحناء أو الاستسلام، بل اننا قد نجد ما هو نقيض هذا تماماً: التجدد والانبعاث والقدرة.
ان مدرسة الإسلام الفكرية تواجه بشمولية واسعة لكل جوانب الحياة الإنسانيّة ما تطرحه المدارس الفكرية غير الإسلامية فالنصرانية قد تقبل قسمة الحياة والإنسان شطرين، شطر للدين، وشطر للدولة، أو بتعبير الانجيل: شطر لله وشطر لقيصر، فتعطي ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، اما الإسلام فيرى الحياة وحدة لا تتجزأ، ويرى الإنسان كياناً واحداً لا ينفصم، ويواجه الحياة كلها بأحكامه ووصاياه وهو يأبى إلاّ ان يصبغها بصبغته، وهي صبغة الله (ومن أحسن من الله صبغة) ويضفي على الحياة من روحه الصافية، وهي ربانية الغاية، اخلاقية المنزع، انسانية المضمون.
وفي اغلب الدراسات الإسلامية التي تناولت الظاهرة الإسلامية المتنامية فان هناك جدلاً فكرياً واضحاً يطفح من بين سطور تلك الدراسات، فنرى الباحث الغربي مهما بلغت درجة انصافه لكثير من الحقائق التي لايمكن ان يلغيها، وهو يدون ما للظاهرة الإسلامية وما عليها، فانه سرعان ما يعاود الكتابة بما تمليه عليه النوازع الداخلية والمعتقد الذي ينتمي إليه وسرعام ما يستحضر كل مخلفات افكاره ليضعها قبالة فكر الإسلام ثم تبدأ عملية المناقشة التي ترفض ان تتخلص من مخلقاتها، بل ترفض كل نقطة ضعف تثار حول العلمانية التي يتبناها الغرب، فاذا كان الغرب يؤمن بالعلمانية بسبب ظروفه الخاصة، فليس هذا مبرراً لاعلان الحرب ضد من لا يؤمن بها، لان من معاني العلمانية حرية العقول والشعوب في الاختيار وتقرير مصائرها.
ان التعمق في فهم حقيقة التشابكات والتداخلات بين الدين والسياسة في الغرب وفي مجتمعات اوربا بالذات من شأنه اثارة العديد من علامات الاستفهام حول أعمدة الفكر الرئيسية في الفكر الغربي وهو الخاص بالعلمانية بمعنى الفصل بين الدولة والدولة، آخذاً بنظر الاعتبار بأن للاسلام خصوصية بأن هذه القضية فهو لم يعرف وجود سلطة كهنوتية دينية كما كان سائداً في الغرب في العصور الوسطى، وفي اطار بروز الدور السياسي للدين في بعض المجتمعات الغربية ولو من خلال توظيف الدين في عملية التنافس السياسي الانتخابي، أو في اتون الصراع الاجتماعي والسياسي، يهتز احد المنطلقات الاساسية التي يطرحها الفكر الغربي كأساس للتقدم والحداثة وهو الخاص بالفصل بين الدين والدولة.
رؤية تشاؤمية:
اكدت اغلب الدراسات الغربية على الرؤية التشاؤمية لمستقبل ظاهرة الاحياء الاسلامي، فأشارت إلى انّه حتى لو تمكنت بعض الجماعات الإسلامية للوصول إلى السلطة في هذه الدولة أو تلك فانها لن تنجح في معالجة المشكلات القائمة انطلاقاً من ارضية الإسلام وركزت تلك الدراسات على نغمة ان الجماعات والتنظيمات الإسلامية ستشكل مصدراً لعدم الاستقرار السياسي في الدول الإسلامية باعتبار ان ممارسة العنف جزء من التكوين العقيدي والاجتماعي لتلك الجماعات.

 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة علم السياسة