موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة علم السياسة

قراءة نقدية لفكر وممارسات الليبراليين العرب

 

لن نستطيع أن نتقدم خطوات عديدة للأمام مادام هناك عدم اتفاق وتعاون بين مختلف تيارات مجتمعنا المعاصر ، حيث يلزم الاعتراف بها وبوجودها سواء أكانت كثيرة أم قليلة فاعلة أم غير فاعلة ، لأن ذلك إنصاف لها وللحقيقة ، وهذا لا يعني الاتفاق معها في كل شيء تراه وأن ليس هناك تحفظ على بعض ما تطرحه أو أنه لا يوجد اتفاق معها في شيء بحيث لا يكون هناك رابط مع أخوتنا في الدين والمجتمع . ما دام أن هناك عدم تعاون أو اتفاق على بعض القضايا فبالتأكيد أن هناك أطراف مستفيدة من ذلك ولاسيما ونحن نعاني من ممارسات وتسلط النظم الحاكمة التي تمارس قمعاً واضحاً لكل من يعارضها في ذلك على سبيل المثال .
سوف يكون حديثاً على التيار الليبرالي في المجتمع العربي المعاصر لأن هذا التيار يتوافق فكرياً مع ما تطرحه المرجعية الليبرالية العالمية في عدد من النقاط منها :
1
الليبرالية " مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في الميدانيين الاقتصادي والسياسي . ففي الميدان السياسي وعلى النطاق الفردي يؤكد هذا المذهب على القبول بأفكار الغير وأفعاله حتى ولو كانت متعارضة مع أفكار المذهب وأفعاله شرط المعاملة بالمثل وعلى النطاق الجماعي فإن الليبرالية هي النظام السياسي المبني على التعددية الأيديولوجية والتنظيمية الحزبية والنقابية التي لا يضمنها ، حسب ذلك المذهب ، سوى النظام البرلماني الديمقراطي الذي يفصل بين السلطات الثلاث : التشريعية والتنفيذية والقضائية ، ويُؤمن الحريات الشخصية والعامة بما في ذلك حرية المعتقد الديني " ( موسوعة السياسة ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ج 5 ، ص 566 ) .
هناك خمسة محددات لليبرالية وهي الفردية والحرية والتعددية والرأسمالية والعقلانية ، ومرت الليبرالية بثلاث مراحل الأولى مرحلة الليبرالية التقليدية التي امتدت من منتصف القرن الثامن عشر إلى أزمة الكساد العالمي عام 1929 ، والثانية مرحلة الليبرالية المنظمة التي بدأت من عام 1929 حتى بداية السبعينات من القرن العشرين ، والثالثة التي تسمى بالليبرالية الجديدة وكان محور هذه المراحل هو تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية ( تطور الفكر السياسي ، د. عدنان السيد حسين ، 145-152 ) .
الفكر الليبرالي فكر مرتبط بشدة إن لم يكن مكمل للفكر الرأسمالي الذي هو فكر اقتصادي بالأساس ، ومن هنا يتركز نشاط الليبراليون العرب على عدد من القضايا التي يتبنها الفكر الليبرالي بوضوح ، وهي المطالبة بإقامة تعددية حزبية وديمقراطية ليبرالية والتأكيد على حقوق الإنسان والحرية الفردية هذا في الجانب السياسي . والمطالبة بالسوق المفتوح والمنافسة الحرة فيه وبالملكية الفردية في جانبها الاقتصادي حيث أن . ويمكن اعتبار أن الفكر الرأسمالي جسد والفكر الليبرالي الجناحين الذي يطير بهما .
2
التيار الليبرالي تيار قديم وليس تيار جديد على الساحة العربية ، فله وجود منذ منتصف القرن التاسع عشر ، ومعلوم أن فترة النصف الأول من القرن العشرين شهدت حقبة ليبرالية في عدد من الدول العربية اختلفت صورها في العراق وسوريا ولبنان ومصر ولعل أبرزها التجربة المصرية التي صدر فيها دستور مصر عام 1923 حيث كانت تعتبر من الدول ذات التأثير البالغ على الأوضاع العربية ، وإن كان هناك من يرى أن مصر لم تدخل النادي العربي إلا مع ثورة يوليو 52 مع الرئيس جمال عبد الناصر ، ولكن الشعب المصري كان مع القضايا العربية وخير دليل موقفه من القضية الفلسطينية وجمال عبد الناصر الذي كان قومياً معروفاً ، وكان في مصر آنذاك حزب الوفد ذا التوجه الليبرالي المعروف والذي حكم ست سنوات خلال الفترة من 1924 - 1952 قبل ثورة الضباط الأحرار عام 1952 وإن لم يستطع أن يحقق الأهداف التي رسمها لنفسه وللمجتمع ، وكان حزب الوفد يسعى لإقامة ديمقراطية في مصر وفق النموذج الغربي . ويوجد الآن الحزب الوطني الحاكم الديمقراطي الذي يرأس الحكومة المصرية والتجربة المصرية الحالية تجربة ليبرالية وهي امتداد لتجربة السادات مع تغير بعض السياسات ، الذي انفتح على الغرب عمل إتفاقية كامب ديفيد ، وبدأ في فتح باب التعددية السياسية ، والتوجه الحالي للحكومة المصرية يطبق تقريباً نفس توجه حكومة السادات والتي أبرزها الانفتاح السياسي والاقتصادي على الغرب . وكذلك تجربة الحكومة التونسية الحالية التي يرأسها زين العابدين بن علي فهي تجربة تنفتح على الغرب ، وإن كان هناك تجاوزات للفكر الليبرالي من حيث وجود الكثير من قمع للحريات ووجود دولة مخابرات وعدم إتاحة للقوى السياسية من التعبير والممارسة السياسية التي تفترضها المبادئ الليبرالية . وهناك حزب الاستقلال المغربي .
ولكن رغم ذلك لا يمكن لنا أن نقول أن هناك انسجام بين الأحزاب الليبرالية في العالم العربي فمثلاً في مصر نجد أن الحزب الوطني الحاكم الديمقراطي وحزب الوفد كلاهما حزباً ليبرالياً ولكنهما يتصارعان ونستطيع القول أنه لا يوجد هناك تنافس بينهما ففي حين يسيطر الحزب الوطني الحاكم في مصر على البرلمان المصري لا نجد أن لحزب الوفد تمثيل قوي ، صحيح أنه يلزم عدم إغفال المشاكل التي تصاحب الانتخابات المصرية حيث تعترض القوى السياسية في مصر من تغول الحزب الحاكم فيها .
2
ومطالبة الليبراليون بإقامة التعددية الحزبية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والحرية الفردية مطالب مشروعة من جهتين الأولى وهي المهمة أن لكل تيار الحق في التأكيد على مطالب معينة يرى أنها هي التي تستحق أن تأخذ الأولوية دون غيرها ، والثانية وهي أن هناك ضغط من السلطات الحاكمة التي مرت على المجتمعات العربية دأبت على عدم منح الشعوب حقها في السياسة والاقتصاد والاجتماع ومن ثم يلزم أن تأخذ الشعوب العربية حقوقها من هذه الحكومات التي لم ترى سوى مصالحها فقط ، ونحن نرى أن هذا مطلب مهم وندعو التيار الليبرالي أن يقدم الجهود الحثيثة كما على غيره أن يقوم بها ومن ثم على التيارات الأخرى أن تتحالف مع هذا تيار يرى أهمية تحقيق هذه المطالب .
لا يعادي الفكر الليبرالي الدين كما هو موجود تحديداً في الفكر الشيوعي ، فرغم وجود علمانيين متطرفين ضمن التيار الليبرالي ولكن هناك علمانيين خلاف ذلك لا يعتبرون العلمانية عقيدة ، وأيضاً لا يمكن أن نلغي منهم الناس المتدينين تديناً عاماً ، ومن ثم لا يشكل التيار الليبرالي نوعاً من التطرف في تعامله مع الإسلام باعتبار أن هذا الدين مكون مهم لأغلب الشعوب العربية والذي يؤثر في مجرى حياتهم . وتحضر هنا ما ناقشه د. وحيد عبد المجيد قبل عدة سنوات في صحيفة الحياة اللندنية حول الصراع الموجود في الكويت بين الإسلاميين والليبراليين على خلفيات عدة مسائل برلمانية وقضائية من أنه هناك قاسمان مشتركان مهمان بين التيار الإسلامي والتيار الليبرالي في الكويت هذان القاسمان هو أن مرجعية التيار الإسلامي تهتم بالدين الذي هو مصدر مهم في حياة الإنسان المسلم لا يمكن أن يتنكر لها وأن الحرية مدعومة دينياً تقف ضد الإستبداد ، وأن الليبراليين يرتكزون في فكرهم على مبدأ الحرية وأنهم لا يعانون من مشاكل مع الدين بصورة عامة ، وبالتالي فهناك مجال واسع لكي يحدث عمل مشترك بينهما بدلاً من الصراع والنزاع في البرلمان والقضاء .
قدم الليبراليون مجهوداً جيداً نظرياً في مجال التنظير والبحث في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والحرية وهذه الجهود نتمنى أن تستمر لأنه في هذا المجال يمكن للإنسان العربي الاستفادة من هذا العطاء وبالتالي يساعد على تقريب المسافة من الديمقراطية .
ويطالب الليبراليون بعدد من الأفكار التي تخضع تحت المطالب الجوهرية ويدافعون عنها باستماتة ونستطيع ذكر عدد منها :
1 - رفض نظرية المؤامرة
دائماً نرى الليبراليين يقفون موقفاً صارماً من نظرية المؤامرة التي يستخدمها أغلب القوميون واليساريون والإسلاميون عند الحديث عما يحيط بهذه الأمة من مخاطر ، رغم أن نظرية المؤامرة كما يدافع عنها أصحابها يرون أن أحياناً حدث سوء استخدام لها من قبل البعثيون والناصريون أو أن من يتتبع الأحداث ولا يأخذ إلا بالأحداث الآنية لا يرى أن هناك مؤامرة ، بينما يرى الليبراليون أن نظرية المؤامرة أصبحت شماعة تعلق عليها كل الأخطاء التي وقع فيها العرب والمسلمون في العصر الحديث وما ورثوه من عصور سابقة ، والسبب الذي يجعل الليبراليون يرفضون نظرية المؤامرة قد يكون في إعطاءهم الآخر وضعاً خاصاً في النظرية في أهمية تكوين الذات ، وكذلك أن نظرية المؤامرة تريح من يتبناها من عناء البحث عن الأسباب واستقصاء الأفكار والمعلومات والتعقيدات التي تحيط بالقضية موضع الحديث ، وأنها تعطي الذات ما يزيد عن حقيقتها ، وطبعاً دائماً يضع الليبراليون المصالح مكان المؤامرات ، فمثلاً عند حديثهم عن أميركا وما تقوم به من أعمال في هذا العالم ولا سيما في منطقتنا نجدهم يرون أن ما يحرك أميركا هو المصالح الأميركية ومن الطبيعي أن تدافع أميركا عن مصالحها في هذه المنطقة الحساسة من العالم ولا سيما في منطقة الخليج ، بينما القوميون يرون أن هناك نوع من المؤامرة . إن الرافضين لنظرية المؤامرة في لحظة أهمية التعاون مع الآخر يكون لديه القدرة على الفعل وإننا يمكننا أن نستفيد منه ، وفي لحظة التصادم معه لا يكون لديه القدرة على الفعل وإنه ضعيف ، ومن هنا يركز المؤيدون لنظرية المؤامرة أن هناك آخر قوي يتم نفي أثر القوة التي لديه في الصراع معه .
2 - جلد الذات والانفتاح الكبير على الآخر
يرى الليبراليون أن كثير من المصاب الذي نعيشه في مجتمعاتنا هو نتاج ذواتنا وليس ناتج من الآخر الذي يُصب عليه كل أخطائنا ، فالإرهاب والتخلف والاستبداد والعنف هي نتاج ممارسات هذا المجتمع لم يتسبب مجتمع آخر في هذه الإخفاقات التي نعانيها ، في هذا الوقت الذي يتم الانفتاح على الآخر ونصوره وكأنه هو الخير المطلق وإنه لا يمكن أن ينتج منه إلا الخير لهذه المجتمعات لابد من التعلم والانفتاح عليه لأنه مصدر الحضارة والحداثة والتقدم وإنك لكي تصل إلى مرحلة أفضل مما أنت فيه يلزمك أن تخطو الخطوات التي خطاها الغرب ويخطوها ، وأنه لا يوجد هناك ما يسمى بالخصوصية ، فالديمقراطية وحقوق الإنسان قيم عالمية لا تخص العالم المتقدم وأن العولمة قادرة على انتشالنا مما نحن فيه من فقر وتخلف . ويصل أحياناً بالليبراليين وهذه نقطة ضعف لديهم قيامهم بجلد الذات واحتقارها في الوقت ذاته نجدهم يحترمون الآخر الذي لا تنتج منه شرور وإنما الشرور دائماً من الذات ، صحيح أن الذات تعاني من كثير من المشاكل ولكن لا نتصور أن هذه الذات إلى هذه الدرجة من عدم القدرة من على الإنتاج والتقدم ، وأمر مهم إن جلد الذات لا يمكن أن يتقدم بالذات .
3 - الموقف من حركات التحرر العربية
هذه الحركات المتمثلة في التيارات الماركسية والقومية والإسلامية أضرت العالم العربي أكثر مما أفادته ، ونجد ذلك بوضوح مثلاً في النقد الحاد الذي يوجهه الليبراليون لعبد الناصر فهو من أسس الثورات في العالم العربي وهو من قمع الإنسان العربي وأسس دولة مخابرات في مصر ووقف في وجه الديمقراطية وهو من كرس الديكتاتورية باسم الشعب والقومية العربية ، فهو لم يستطع أن يتعامل مع القوى الكبرى مما فوت على الشعوب العربية الحصول على كثير من التنمية في مختلف أوجه ولا سيما موقف عبد الناصر من أميركا وعلاقته السلبية معها ولا ننسى أن لعبد الناصر مواقف مع عدد من أنظمة الحكم العربية كما هو معروف موقفه من السعودية والعراق حيث أن لبعض الليبراليين ارتباط بأنظمة الحكم في الدول العربية بتأييد سياساتها وإن كان هناك بعض المواقف من الليبراليين الذين يشكلون معارضة لأنظمة الحكم العربية لا سيما في ممارستها القمعية والتسلطية ، ولعل ذلك واضح من خلال مواقف حركات التحرر العربية التي لها مشاريع تتناقض مع وجهات نظر الليبراليين العرب .
4 - الموقف من شكل الدولة العربية
الإسلاميون والقوميون لديهم وجهات نظر واضحة من الدولة القطرية بصورتها الحالية ، فهي عند الإسلاميين ضد الدولة الإسلامية الواحدة ولا سيما عند من يرون أن هناك دولة إسلامية واحدة فقط والتي تتقابل مع وجهة النظر الأخرى التي ترى أنه يمكن أن تكون هناك أكثر من دولة إسلامية واحدة التي تتفق في القضايا المهمة المشتركة والمتعلقة بالسياسات الخارجية لهذه الدول ويكون هناك اختلاف حول السياسات الداخلية لهذه الدول ، وهي عند القوميون دولة عربية تحتضن العرب الذين هم قومية واحدة ذات تاريخ مشترك ومصير مشترك وثقافة مشتركة ، حيث أن الدول القطرية في العالم العربي هي من صنيعة الاستعمار وهي تخدم التجزئة والتي هي ضد قيام الدولة القومية ومعروف موقف القوميين من الاستعمار الذي يلقون عليه جانب مهم من المشاكل التي تقع على الدول العربية وأن هذا الاستعمار لا زال موجود في اللحظة الراهنة حيث يسمى بالاستعمار الجديد والتي لا تختلف أهدافه الحالية عن أهدافه السابقة من قبيل الحصول على مقدرات الأمة وأنه لبس لبوس آخر . ومن ثم فهي عند الإسلاميين والقوميين تتعارض مع طموحات الإسلاميون والقوميون إذا ما بقيت على مصالحها القطرية فقط ، فنجد أن الليبراليين واقعاً يكرسون المصلحة القطرية على ما عداها ، ومن ثم يدافعون عن ذلك بقوة ونجد دفاعهم واضح في أهمية إبقاء العلاقات مع أميركا بصورة جيدة كما هو الحال في الكويت والسعودية والأردن واليمن ومصر بل تصل لدى بعضهم أن تكون ضرورية حتى أن هناك من يرى أن الولايات الأميركية خدمت بعض الأنظمة العربية من السقوط ويضرب مثل بدعم الولايات المتحدة للسعودية ضد التهديد الشيوعي والإيراني والعراقي على المستوى الخارجي ومن الشيعة على المستوى الداخلي ( راجع مجدي خليل ، الجزيرة نت ) وإن كنا نرى أن أي نظام يمكن أن يستفيد من إبقاء العلاقات متوترة مع جزء مهم من شعبه ولا سيما إذا كان هذا الشعب تقع تحت أراضيه ثروات نفطية تتعيش عليها البلاد ، وكذلك إبقاء العلاقة جيدة مع دول بعيدة على حساب علاقة سيئة مع دول جارة وقريبة والسبب في ذلك اختلاف في الأيديولوجية التي تحكم هذه الدول ، ولا سيما أن بعض الدول الخليجية مثلاً أن النفط التي تمتلكه يجب أن يخدمها فقط حيث وظف النفط في خدمة سياسية داخلية أو خارجية لهذه الدول على حساب تنمية حقيقة داخلية .
لا يولي الليبراليين العرب أهمية للوحدة كهدف قومي أو إسلامي أو للعدالة الاجتماعية ولا يطالب بالاستقلال كما تراه التيارات الأخرى حيث ترى هذه التيارات أهمية حضور الوحدة العربية كما في التيار القومي وأغلب التيار الإسلامي وجزء من التيار اليساري فهي عند الأول ضرورة للأمة العربية وهي عند أغلب التيار الإسلامي ضرورة من جهة للأمة العربية وباعتبارها مقدمة للوحدة الإسلامية ، وهي بالنسبة لبعض التيار الثالث باعتبار وجود علاقة جيدة مع التيار القومي واشتراكه في بعض التصورات الخاصة بالعالم العربي . وأما موضوع العدالة الاجتماعية فهي مطلب مهم للتيار الاشتراكي وللتيار الإسلامي ومهم للتيار القومي فهي لدى التيار الاشتراكي باعتبار أن العدالة الاجتماعية ستساعد على إزالة الطبقية التي ينادي الفكر الاشتراكي بأهمية القضاء عليها ، وهي لدى التيار الإسلامي باعتبار أن الدين الإسلامي جاء من أجل العدل وأحد تجليات العدل هو العدالة الاجتماعية ، وينضم لتيار القومي إما للوجهة التي يراها التيار الاشتراكي أو التيار الإسلامي .
5 - رفض الشعارات
ولعل هذا راجع إلى ما طرحته القومية العربية من شعارات ولاسيما في الحقبة الناصرية وفي فترة المد القومي واليساري من شعار الوحدة العربية ، التحرير العربي ، وموقف الليبراليين من الوحدة والتحرر كما يطرحها الخطاب القومي مناقض للفكر الليبرالي كما أشرنا من قبل . ونحن نرى أن المشكل ليس في طرح الشعار فالكل لديهم شعارات ولكن المشكل في إذا كان هذا الشعار غير واقعي أو لا يطبق ، ألا يطرح الليبراليون مسألة الاختلاف والدفاع عن الآخر والحريات وحقوق الإنسان ، ألا يرددون ذلك بدون ملل أو كلل ألا يعتبر ذلك شعارات ، ولكن المشكل هو هل يطبق الليبراليون هذه الشعارات التي تطرح أم أن المسألة صراع أيديولوجي بين تيارات فكرية مختلفة في مجتمع واحد .
6 - استخدام العقلانية
الخطاب الليبرالي العربي دائم الحديث عن أهمية استخدام العقل لأنه عدم استخدامه جرنا وسيجرنا إن استمر تغييبه إلى خسائر فادحة ، فهو ينصح القوى التي لديها وجهات نظر تخالف حكوماتها التي تربطها بالغرب علاقات وطيدة أن تستخدم العقل وإلا تغرر بالشعوب العربية لأن ما تقوم به هذه القوى المعارضة سيؤدي بهذه المجتمعات إلى كوارث ، أو مثلاً في الصراع بين العرب وإسرائيل فهم دائماً يطالبون العرب والفلسطينيين المعارضون باستخدام العقل لكي يستطيعوا الخروج من الاحتلال الإسرائيلي ، وبالتالي ما يقوم به الليبراليون العرب هو إصباغ صفة عدم العقلانية على القوى التي تختلف معها في التوجهات وإنها تحتكر العقلانية لنفسها .
ولكن لم يقدم لنا الخطاب الليبرالي باعتماده على العقل نتائج ملموسة فالحكومات التي لها علاقات مع الغرب لم يتحسن أداءها ولا سيما وأن الفقر والتدهور في أوضاع المجتمعات العربية يزدادان يوماً بعد يوم ، ولا الاحتلال الإسرائيلي قد ارتدع من القيام بالمجازر رغم مهادنة كل من السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية التي لم تقم بأي مبادرة تضر بالكيان الإسرائيلي . وأيضاً ما هي العقلانية التي يحدثنا بها الليبراليون العرب ، فلا نجد أي توضيح لهذه العقلانية سوى أن نستسلم أو أن لا نقاوم ولا نحاول أن نتقدم ولا نجد غير ذلك في هذا الخطاب الذي ينادي بالعقلانية .
3
مما سبق يتبين لنا أن الفكر الليبرالي ومن ثم الليبراليون العرب ليست لديهم برامج سوى في الجانب السياسي والاقتصادي وهذا راجع كما قلنا إلى ارتباط الليبرالية بالرأسمالية فالفكر الليبرالي فكر سياسي بالدرجة الأولى والرأسمالية اقتصادي بالدرجة الأولى . ومن ثم لا نرى أن أفكار تخص الجانب الاجتماعي ، فهي ليست فكر شمولي كما يوجد لدى الفكر الإسلامي ، فالإسلاميون يرون كثيراً أن فكرهم شمولي أي بمعنى شامل لجميع مناحي الحياة ليست فقط جانب دون آخر . وهنا يستوقفنا ما قاله المفكر العربي السيد يس من أن الليبراليين ليس لديهم برنامج حقيقي يستطيعون تقديمه سوى موقفهم من الحريات الفكرية .
4
يمكن للإنسان أحياناً أن يخرج عن مرتكزاته الفكرية النظرية عندما يمارس أو تصبح له مواقف مرتبطة بهذه المرتكزات ، فيمكن لليبرالي أن يخرج عن الليبرالية كفكر لسبب مصلحي أو شخصي أو سياسي ، وهنا يحضر لنا د. وحيد عبد المجيد مرة أخرى الذي تحدث عن ذلك في مسألتين مهمتين الأولى عندما تحدث عن الأوضاع التي نتجت عن أحداث 11 سبتمبر ففي مقال له في صحيفة الحياة اللندنية بعد عام على الأحداث من أن الليبراليين الحقيقيين الذين يدافعون عن قيم الليبرالية أصبحوا مهمشين في الإدارة الأميركية ، بدأ هذا التهميش عندما قدموا انتقادات للإدارة الأميركية بدأ من حرب فتنام إلى ما بعد أحداث 11 سبتمبر حيث يرى هؤلاء أن هناك انتهاكات لحقوق الإنسان والحريات العامة . والثانية في تعليق له على قضية د. سعد الدين إبراهيم حول محاكمته في قضية " الإساءة إلى سمعة مصر وتلقي تمويل خارجي من دون الحصول على ترخيص بذلك " فهو ينتقد د. سعد الدين إبراهيم ويصفه بأنه ليس ليبرالياً وأن د. سعد الدين إبراهيم لا يمثل سوى نفسه ومصالحه .
وفي نفس السياق نجد أن حقوق الإنسان والديمقراطية بما تتضمن من متطلبات لكي تتحقق تمارس نظرياً على صفحات الكتب ولا تطبق عملياً ، فنجد أن بعض الليبراليين أيدوا قمع الأنظمة العربية للمعارضة كما حدث مثلاً في الجزائر حيث لم تقبل الحكومة الجزائرية بنتائج انتخابات 91 ، بمحاولة الالتفاف على مبدأ تداول السلطة بأن هؤلاء الإسلاميون متى ما وصلوا للسلطة فسيقضون على الديمقراطية وإن هذه الانتخابات ستكون آخر انتخابات أو أن هذا سوف يقضي على الدولة الجزائرية . وبالتالي لم يكن موقفهم مشرف في هذه القضية . وكذلك لدينا مسألة حديثة جداً هي قضية د. سعد الدين إبراهيم الذي حكم عليه القضاء المصري بتأكيد الحكم الأول عليه بالسجن سبع سنوات بعد أن برأته محكمة الاستئناف ، فتراهم يدافعون عن د. سعد الدين إبراهيم كثيراً ولهم الحق في ذلك بل قد يتحول أحياناً إلى واجب عليهم تجاه د. سعد الدين إبراهيم لعدد من الاعتبارات منها مكانته ولكونه على نفس التوجه الليبرالي وله دور مهم في ذلك ، ولكن في نفس الوقت لا نرى منهم نفس الموقف مما يحصل لجماعة الإخوان المسلمين أفراد وجماعات وتنظيم ، فتجد هناك العديد من قيادات الإخوان المسلمين يسجنون في قضايا سياسية في الدرجة الأولى وتكون محاكماتهم في المحاكم العسكرية ولا نجد أي دعم من الليبراليين العرب والمصريين خاصة . وكذلك ما حدث في الكويت حيث حدث هناك تجاوز من د. أحمد البغدادي الذي حكم عليه القضاء بالسجن مدة سنة كاملة بسبب رأي له في الرسول ( ص ) حيث أخلي سبيله بعد ثلاثة عشر يوم بينما نجد أن صحيفة تبدي رأي حول أمير البلاد فتمنع الصحيفة أو يغلق مكتب قناة فضائية لأن أحد المتصلين في برنامج حواري مباشر أساء إلي أمير الكويت .
وكذلك قيام بعض الليبراليين بتأييد سياسات أنظمة الحكم في بلدانهم في قضايا استبداد أو مواجهة مع بعض التيارات التي لا تعارض هذه الأنظمة فمثلاً في الكويت نجد أن بعض الليبراليين حرضوا الدولة ضد الإسلاميين ومن يقرأ الصحف الكويتية يجد هذا واضح ، وقيام الحكومة السعودية بإعطاء المجال صحافياً أمام بعض الليبراليين السعوديين في توجيه سهام النقد للسلفيين وتم ذلك خلال فترتين عاشت فيها الحكومة السعودية الأولى في بداية التسعينيات بعد غزو الكويت تقدم بعض علماء الدين السنة في السعودية بمذكرة المطالب ومذكرة النصيحة للملك فهد وما صاحب ذلك من قيام بعض السلفيين في السعودية من نقد الحكومة السعودية من جلب " الكفار في أرض الحرمين الشرفيين " فأطلقت الحكومة السعودية العنان لليبراليين لنقد فكر وممارسات السلفيين التي لم تكن الحكومة راضية عن موقفهم ، وتكرر هذا الحدث بعد أحداث 11 سبتمبر حيث عاد الحديث من جديد قيام الليبراليون السعوديون بنقد فكر وممارسات السلفيين السعوديون وهذه المرة من خلال دعمهم لتنظيم القاعدة وما قامت به . وكذلك ما حدث في مصر في قضية د. سعد الدين إبراهيم حيث أعطي فسحة في التلفزيون المصري في نقد الناصريين واليساريين والإسلاميين الذين كانت لهم مواقف معارضة للنظام الحاكم .
نحن لا نرى أن يتوقف الليبراليون عن الحديث والنقد ، فمن الطبيعي أن يكون في حديثهم ونقدهم جانب من الصواب ، أو أن لا يكون هناك تقاطع في أفكارهم مع الحكومات والأنظمة ، ولكن نقول أنه لا يمكن التنقل من معارضة الحكومة إلى مناصرتها بسبب فقط أن هناك تيار أو فكرة يعتقدون أنها خطر عليهم أكثر من خطر الحكومة ، فمثلاً يرون أن يقفوا مع الأنظمة الحاكمة حتى لو كانت مستبدة على أن يأتي الإسلاميون للسلطة حتى لو كان ذلك على حساب الديمقراطية أو حقوق الإنسان .
فلا يمكن تجزئة الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان فتعطى لشخص دون آخر من دون أن يكون هناك أسباب موضوعية إن كان هناك سبب موضوعي يجعل شخص ما يتمتع بالحرية أو الديمقراطية وحقوق الإنسان دون غيره .
5
الموقف من أميركا
معلوم أن أميركا قائمة على دعامة الفكر الاقتصادي الرأسمالي والفكر السياسي الليبرالي ، وبالتالي فهناك ما يشترك بين الليبراليين العرب وأميركا ، وحيث أن أميركا حاضرة معنا في ما نحن نعيشه من مشاكل ومحن أقربها القضية الفلسطينية التي تعتبر من المحاور المهمة فيما نعيشه حالياً والتي تمارس أميركا دور فيه أقله دعمها لإسرائيل المغتصبة للأرض الفلسطينية فضلاً عن تدخلها في المفاوضات التي تجري بين السلطة الفلسطينية والعدو الصهيوني ، وغير ذلك مما يتعلق من علاقات بين أميركا ودول المنطقة من إيران ودول الخليج والعراق واليمن والأردن ومصر سواء كانت هذه العلاقات سلبية أم إيجابية ، ولكن هذا لا يعني أن يكون كل ليبرالي عربي محسوب على أميركا أو مدافع عنها وحتى من يدافع عنها لا نصفه بالعميل لها ، ولكن ما نجده من بعض الليبراليين عندما يتعاطون مع بعض القضايا العربية - الأميركية في عالمنا العربي دائماً يرون أن أميركا لها مصالح في المنطقة وأنه لا يمكن التنكر لذلك وإن مصالح هذه الدول تتقاطع بالضرورة مع المصالح الأميركية بل أن بعضهم يرى أن العرب ولاسيما مصر والأردن ودول الخليج العربي استفادت من أميركا أكثر مما استفادت أميركا منها ، ونحن نتفق من أن لأميركا لها مصالح في هذه المنطقة وأنه من الطبيعي أن تعمل لتحقيقها ولكن ليس صحيحاً أن مصالح أميركا تتقاطع مع مصالحنا ، والخبرة السياسية والأحداث الأخيرة تبين لنا أن أميركا بدأت بالضغط على السعودية ومصر أكبر حليفتين لها في المنطقة العربية ، وكذلك يدافع بعض الليبراليين العرب من أن أميركا ليس لها علاقة بالتحول الديمقراطي في المنطقة العربية بل أن ذلك شأن عربي فعندما تريد الدول العربية التحول إلى الديمقراطية فأميركا لا تستطيع منع ذلك ، ويدافعون كذلك من أن استخدام النفط كسلاح سيضر الدول العربية ولا سيما النفطية منها أكثر من أميركا وينطبق هذا أيضاً مع سحب الاستثمارات من البنوك الأميركية حدث هذا مع الانتفاضة الباسلة الفلسطينية حيث دعت بعض النخب السياسية بقطع النفط ولو جزئياً ، ويدافعون عن التواجد الأميركي في المنطقة ، ونحن نرى أن ما يدعو لها هؤلاء الليبراليون لا يعبر بصدق عن ما نحن بحاجة إليه والذي أراه أننا بحاجة إلى علاقات طبيعية مع أميركا خالية من التبعية لها ومن استقلالها لنا .
6
ما نريد أن ننهي به هذه المقالة ملاحظة مهمة وهي إذا لم يستطع الليبراليون العرب من تطبيق ما تراه المرجعية الليبرالية من قيم تتوجه للديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات والتعددية والخ ، وفي الوقت الذي تنادي التيارات الفكرية الأخرى به هذه القيم ومتى كان لها القدرة على تمثل هذه القيم أكثر من التيار الليبرالي ، فما القيمة أو الميزة التي تبقى للتيار الليبرالي .
زكي طاهر العليو

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة علم السياسة