موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة علم السياسة

د0 جميل قاسم
السياسة / المصلحة


في مجال السياسة, أعتبرت المعتزلة العقل مناط التكليف, وأوجبت بناء على صحة المعرفة العقلية في سائر العقليات - الإمامة بالعقل0 وقد رفضت الجبرية السياسية مثلما رفضت الجبرية الكوسمولوجية, والجبرية الطبيعية والإناسية, وبنت موقفها من الإمامة على قاعدة الإختيار, رافضة مبايعة الإمام الجائر بحجة درء الفتنة, وهو موقف الجبرية السياسية0 كما عارضت أن يكون النسب والعصبية أو الوصية كأساس للإمامة والحاكمية, وآثرت بالمقابل الاختيار والبيعة القائمة على التطور الزماني والمكاني, إذ يقوم التكليف السياسي على الاختيار وذلك وذلك مما يتغير ويختلف ويتطور مع الأوقات والأزمنة مع مقتضيات ومعايير العقل عينه0 وقد قبلت المعتزلة ولاية المفضول الذي قد يختص بمميزات المعرفة والاختصاص السياسي, مقابل " الأفضل " الذي قد يختص بمميزات التقوى الدينية أو الحسب والنسب , وفقاً لما يعود على الكافة من المصلحة أو كمايقول القاضي عبد الجبار " ما يعود الصلاح فيه على الكافة "0
بهذا تكون المعتزلة قد لامست أصول الفصل بين السلطات الدارج والسائد في النظام السياسي الحديث0
درجت الدراسات التاريخية الفكرية على اعتبار المعتزلة ذوي نزعة " واقعية " , أي ذوي نزعة تنسب للصفات وجوداً واقعياً مطابقاً للذات , وذلك بالنظر إلى مبحث الصفات الذي حرصت المعتزلة فيه على أعتبار صفات الله عين ذاته, وذلك تفادياً للتناقض وإسباغ التعدد والكثرة على الذات الإلهية0 غير أن الذي يغيب عن البال في هذا الصدد أن تأكيد المعتزلة على التعالي المطلق, أو التجريد لايعني التعطيل وإنما الشفافية والحضور الإلهي المحايث في الوجود0 وقد تميزت البروتستانية الكالفينية بالمسافة الشاسعة التي تقيمها بين الله العلي وبين الإنسان الذي يتحصل على الخلاص بواسطة العمل بما هو مباشرة للنظام العقلاني الإلهي المحايث في العالم الطبيعي والاجتماعي0 وهذا التشابه بين المعتزلة والكالفينية هو الذي جعل المستشرقين يطلقون عليها أسم " بروتستانت الإسلام "0
كما يغيب عن البال أن إسمية المعتزلة أي النزعة الإسمية عندها قد تجلت بامتياز في مسائل عدة, كمسألة خلق القرآن, والتأكيد على أولوية العقل على السمع, والمحسوس على المعقول, والوجود على الماهية0 وبصدد الموقف من ماهية الكلام اعتبرت المعتزلة أن الكلام هو اللفظ, وتبنت مقولة خلق القرآن مقابل مقولة قدم القرآن التي تبنتها اللأشعرية, باعتبار أن القرآن من وجهة النظر الإعتزالية محدث, وكل محدث مخلوق, ومن هنا الصلة بين خلق القرآن وبشرية (أي أسمية) لغته وحروفه وكتابته0
كما أن النظرية الأنطولوجية تتبدى في التأكيد على أسبقية المعرفة العقلية على كل معرفة, وعلى هوية العلم الذاتية, أو بتعبية القاضي عبد الجبار الدلالة بالشئ على ما هو به0
-----------------------------------------
المصدر : مقدمة في نقد الفكر العربي المعاصر (من الماهية الى الوجود)
 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة علم السياسة