سياستنا تجاه الدستور / أسعد تركي

إختلف الفلاسفة والمفكرون في تعريف مفهوم السياسة فوجدوا لها عدة تعاريف بحسب ما يتبنون من عقائد ومبادئ ورؤى وتصورات تجاه الكون والحياة والإنسان والمبدأ والمصير فلقد عرفها سقراط بأنها (( فن الحكم ))(النظم السياسية – ثروت بدوي- ص/ 45) وقد عرفها افلاطون بأنها (( فن حكم الأفراد برضاهم )) ( النظم السياسية – ثروت بدوي – ص/69) بينما عرفها ميكافيلي بأنها (( فن الإبقاء على السلطة وتوحيدها في قبضة الحكام بصرف النظر عن الوسيلة التي تحقق ذلك ))(الثورة والحياة اليومية – ليون تروتسكي – ص/13 ) وأنظر إلى تعريف دزرائيلي الذي عرفها بأنها (( فن حكم البشر عن طريق خداعهم ))(الحركة الإسلامية – كليم صدقي – ص/47 ) أما فيلسوف القرن العشرين المفكر الإسلامي الكبير محمد باقر الصدر سلام الله عليه فلقد عرفها بأنها (( رعاية شؤون الأمة طبقاً للشريعة الإسلامية ))(الأسس الإسلامية للدستور – المنهاج -6 – ص/319 ) كما يجب أن يتضح للجميع وجود الفارق بين علم السياسة وبين المذهب السياسي فعلم السياسة هو (( دراسة ما كان و ما هو كائن )) أما المذهب السياسي فهو (( دراسة ما ينبغي أن يكون ))وكذلك حصل إختلاف في تحديد مفهوم السياسة ، هل أنها علم أم فن ؟
ونحن نرى بأن السياسة اليوم و بالرغم من أنها تمتلك من المبادئ والأسس والأصول العلمية التي تم إستنباطها من خلال الإستقرائات المتكررة للحوادث السياسية عبر التأريخ القديم والمعاصر إلا أنني أصنف السياسة على أنها فن من الفنون وأوضح دليل على ذلك هو أن أشهر سياسي العالم لم يكونوا من الدارسين والمختصين في الأكاديميات السياسية ، ونحن كإسلاميين نعتقد بأن السياسة هي واجب كفائي بحسب تعبير الفقهاء وذلك لقوله تعالى (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون))(آل عمران /104 ) ولقد كنت ولا زلت اعتقد بأنه ينبغي للإسلاميين أن يتجنبوا بقدر المستطاع قيادة الجهات التنفيذية في السلطة ومفاصل الدولة الإدارية الأخرى التي تكون باحتكاك مباشر مع الجماهير إلا في حالة تحول هذا الأمر إلى وجوب كفائي بحسب تعبير الفقهاء ، أي إلا إذا تصدى لهذا الأمر العدد الكافي والمؤتمن , وإنني أتبنى هذه الرؤية ابتداءً وذلك لأننا كأتباع لأمير المؤمنين (ع) وبالخصوص الشيعة الإمامية الإثنى عشرية نتحرك على ضوء الأطروحة الإسلامية المهدوية العادلة المقترن تجسيدها مع ظهور القائد المعصوم المنقذ المنتظر (عج) ولأنني أرى بأنَّ إحدى أهم الفلسفات لغياب الإمام المهدي القائم من آل محمد (عج) هو أنَّ الإنسانية يجب أنْ تجرٍٍَِّب كل الأطروحات الوضعية من رأسمالية وماركسية وغيرها من النظريات المتداخلة والتي حكمت في العديد من الشعوب والبلدان ولم تستطع أن تلبي وتحقق طموحات وآمال الجماهير إلى أن تصل هذه المجتمعات إلى حالة من العجز والإدراك والقناعة التامة بأنه لا ملجأ ولا ملاذ ولا عاصم لها إلا الإسلام المحمدي الحقيقي الأصيل والذي لم تكن قد جربت الإنسانية تحكيم نظامه المتكامل ، وهذا المفهوم استقيته من حديث الإمام الصادق (ع) إذ يقول (( ما يكون هذا الأمر حتى لا يبقى صنف من الناس إلا وقد ولوّا من الناس حتى لا يقول قائل: إنا لو ولّينا لَعدلنا ثم يقوم القائم بالحق والعدل)) (الغيبة/ ص146) ، (تاريخ ما بعد الظهور/ص335)، فإذا حكم الإسلاميون في إحدى بقاع الأرض سيؤثر ذلك سلباً على فلسفة غياب الإمام المنقذ المهدي المنتظر (عج) وذلك لان الإسلاميين في هذه الحالة لا يستطيعون تقديم الصورة الواقعية للنظام الإسلامي الشامل العادل بتمام مفاهيمه ومختلف جوانبه ومفاصله واتجاهاته ومجالاته وذلك لسببين:
1- الضغط الدولي الذي تمارسه الدوائر الغربية الإستكبارية على هكذا نوع من الحكومات الإسلامية وتحت ذرائع شتى كحقوق الإنسان والأقليات وحماية الديمقراطية وحقوق المرأة فتسلط الأضواء بعد أن تشوه الحقائق لتضليل الرأي العام المحلي والإقليمي والعالمي فتصور هذه الحكومات على أنها طائفية وعرقية ودكتاتورية فتمارس كل تلك الضغوط عليها حتى تفشلها وبالتالي تكون قد أفشلت الأطروحة الإسلامية بنظر الإنسانية أو تفرغها من محتواها وتجردها من مبادئها إلى الحد الذي يجعل هذه الحكومات تتناغم مع المصالح الغربية وتخضع لإرادة الدوائر الإستكبارية بعد أن تحول القائمين على هذه الحكومات إلى براغماتيين.

2- ضغط الفرقاء والشركاء في العملية السياسية على اعتبار أن عملية التغيير للطاغية المقبور لم تحصل بأيدي إسلامية بثورة من الداخل بل حدثت بمؤثرات خارجية وتحرك دولي مما أعطى لهذه الدوائر الغربية الصلاحيات الواسعة في تحديد ورسم ملامح العملية السياسية محاولين تحديد الأوزان السياسية وتوزيعها بشكل يجعل جميع الكتل السياسية متقاربة وبالتالي محتاجة إلى دعم وتأييد هذه الدوائر الغربية، وبما أن هؤلاء الفرقاء والشركاء الآخرين في العملية السياسية والذين ينحون مناحي شتى كالاتجاه الليبرالي والاتجاه القومي والاتجاه الماركسي والإتجاه الراديكالي والإتجاه التكفيري المتطرف وهذا ما سيضيَّق بشدة على حرية حركة الإسلاميين في هكذا أجواء غالباً ما تتحول فيها قبة البرلمان إلى ساحة للجدل العقيم ،
ولأن الإسلام ونظامه الإلهي الشامل العادل لا يمكن أن يعطي كل ثماره المرجوة إلا إذا كان يتحرك ضمن منظومة إسلامية متكاملة لكافة مفاصل ومجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما ذكر فيلسوف القرن العشرين ،المفكر الإسلامي العملاق ، حسين الثمانينات والأب الكبير للعراق الحديث آية الله العظمى السيد الشهيد محمد باقر الصدر سلام الله عليه حينما قال في كتابه (اقتصادنا) (( إن الاقتصاد الإسلامي جزء من كل )) وأنا أضيف فأقول أن النظام الإسلامي وإن طُبق كمنظومة إسلامية متكاملة اقتصادياً واجتماعياً في بلد ما أو إقليم معين أو دولة واحدة فقط فإنه لا يمكن للنظام الإسلامي أن يعطي كل الثمار المرجوة منه وذلك لأن هذا النظام قد صمَّمه الخالق عز وجل على أن يطبق على الأرض بأجمعها وعلى الإنسانية جمعاء ودفعة واحدة وليس معنى ذلك أننا لا نستطيع إقامة الأطروحة الإسلامية في بلد واحد ويجب الانتظار لتحقيق العدل الكامل دفعة واحدة فليس ذلك منطقياً بطبيعة الحال على اعتبار أن ارتقاء وتكامل الفرد والمجتمع يتم بشكل تدريجي فتتكامل الأجيال بعد إنجاز المقدمات لتحقيق تلك الأطروحة الإلهية المهدوية العادلة، ولكنني قصدت أن التجزئة والتبعيض في تحكيم الأطروحة الإسلامية يجعلها غير قادرة على إعطاء كل النتائج المرجوة منها على اعتبار أن الثروات والموارد البشرية والمادية موزعة بشكل غير متساوي بحيث يكون فيه كل بلد وشعب يحتاج إلى البلدان والشعوب الأخرى وهذا مما يدعوا إلى التعاون والتوحد والتكامل بين المجتمعات الإنسانية بأجمعها فلا وجود لبلد قادر على الاستغناء تماماً عن البلدان الأخرى وإن استطاع الاستغناء في جهة معينة سيؤثر سلباً على جهات أخرى لنفس الإقليم وهذه إحدى الفلسفات الإلهية التي تهيئ الأجواء النفسية والفكرية والأرض الخصبة لِتَقَبُّل أطروحة انضواء المجتمعات الإنسانية تحت لواء قيادة موحدة تحترم خصوصية كل مجتمع وتحكم بينهم بالقسط وهذه هي الأطروحة الإسلامية الخالدة التي سيجسدها المنقذ المنتظر ،
فلذلك ومن كل ما تقدم أقول ابتداءً وبقدر المستطاع ينبغي للإسلاميين تجنب استلام زمام الحكومات كجهات تنفيذية وبقدر المستطاع عليها أن تكون أصوات برلمانية تمثل الصوت الصادح الذي يطالب بحقوق الشعوب المضطهدة والمستضعفين في الأرض ولثلاثة أسباب هي :
1- إنه لطالما كانت هناك ملازمة بين الحكومات وبين مشاهد الظلم التي ترسخت في نفوس المجتمعات نتيجة للقمع الذي كانت تمارسه الحكومات الظالمة طيلة كل تلك العصور ، إلا ما ندر، ولذلك فإننا نرى بوضوح وجود الحساسية المفرطة في العلاقة بين الشعوب والحكومات وبالتالي فإن تولى الإسلاميون زمام الحكومات ستنعكس هذه الحساسية المفرطة على العلاقة بين الجماهير والإسلام وليس بين الجماهير وبين من تولى من الإسلاميين كأشخاص لان المجتمع يرى في هؤلاء مصداقاً لمفاهيم الإسلام ولذلك علينا تثقيف الأمة والمجتمعات الإنسانية عموماً حتى يرسخ في أذهان الجميع أننا كإسلاميين نمتلك أفضل وأروع بضاعة ولكننا أحياناً نكون تجاراً فاشلين لا نعرف كيف نروج لبضاعتنا وهي الفكر الإسلامي المشرق وعلى الإنسانية أن تفهم أننا ندافع عن أعظم وأروع واعدل وانجح قضية ولكننا نكون أحيانا محامين فاشلين لأسباب ذاتية أو ظروف موضوعية وضغوط دولية .
2- لأن النظام الذي يطبق هو نظام غير إسلامي بالمعنى الواقعي فسيكون هنالك الكثير من المظالم والسلبيات والتي ستلصق حتماً بالآيديولوجية التي يتبناها القائمون على تلك الحكومات فإنْ كان القائمون على تلك الحكومات إسلاميون فسيقال أن هذا هو حكم الإسلام الذي لم يتمكن تحقيق طموحات الجماهير وفشل كغيره من الأنظمة والأطروحات وسيركز الإعلام الغربي على ذلك بشدة لإبعاد الجماهير عن الأطروحة المهدوية الإسلامية المرتقب تحقيقها ولن يقال بأن الإسلاميين هم من قصروا أو إنهم لم يكونوا يتحركون على ضوء آيديولوجية الإسلام هذا فضلاً عن أن إرضاء الناس غاية لا تدرك .
3- إن انضواء الإسلاميون تحت قبة البرلمان كجهات تشريعية وجهات مراقبة ومحاسبة للحكومات سوف يصوّر الإسلاميين على أنهم الصوت الحقيقي المُعَبِّر عن مظالم الشعوب والمطالب بحقوقهم الشرعية مما يُنشئ علاقة وطيدة وألفة حميمة بين الإسلاميين كقيادات وبين شعوبهم فتنعكس بشكل ايجابي واضح وكبير في تعاطف وتلاحم والتفاف الجماهير حول الأطروحة الإسلامية العادلة المرتقبة وهذا ما سيجعلها تعيش في حالة ترقب واشتياق دائم لذلك المنقذ المنتظر (عج).
ولكن لا يُفهم مما تقدم بأننا ننأى بأنفسنا كإسلاميين عن استلام زمام قيادة الشعوب لأننا نتبنى نظرية (( إن كل حكومة ما قبل ظهور الإمام لا يمكن أن تنتصر)) فهذه النظرية الجبانة المتخاذلة المهزوزة المتزلزلة قد حطمها والى الأبد السيد روح الله الموسوي الخميني ( قدس) ثم أن قيادة الشعوب من وجهة نظر شيعية إمامية إثنى عشرية هي قيادة قائمة سواء باستلام زمام السلطة أو بغيرها كقيادة دينية فكرية وروحية امتداداً لحديث رسول الله (ص) (( الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا )) والمرجعية الدينية هي الامتداد الطبيعي للإمامة في عصر الغيبة من وجهة نظرنا ،
ثم إنني أسلفت في بادئ المقدمة بأننا بقدر المستطاع ومع شرط وجود العدد الكافي والمؤتمن على حياة ومقدرات الشعوب نفضل الابتعاد عن السلطة التنفيذية والإدارية فقط وليس الابتعاد كلياً بل يجب الإمساك بزمام السلطة التشريعية التي تقوم بالمراقبة والمحاسبة والتشريع.
وقبل كل ذلك فإن المسلمين يجب عليهم الانضواء في العملية السياسية والتصدي لتحمل مسؤولياتهم القيادية الشرعية تجاه شعوبهم في عصر الغيبة ونستدل على هذا الوجوب بخمسة أدلة :
1- دليل آية الشورى (( وأمرهم شورى بينهم )).
2- دليل رواية التوقيع (( وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حُجَّة الله )) .
3- دليل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فريضة واجبة يصعب بل يكاد أن يكون مستحيل تحقيقه من دون استلام سلطات معينة خصوصاً إذا كان الحكام على الشعوب من حكام الجور.
4- دليل الدعوة إلى الإسلام الذي هو واجب على المسلمين والذي لا يمكن تحقيقه بشكل واقعي وملموس و مؤثر من دون توفير المستلزمات لذلك، ومن هذه المستلزمات هو التحرك بحرية وبشكل رسمي وعلني من الناحية الفكرية ومن دون ضغوطات أو ممارسات قمع تمارس من قبل السلطات فيما لو كانت غير إسلامية لأن ذلك سيتعارض حتماً مع مصالحها بل مع أصل وجودها وبقائها ومن مستلزمات الدعوة كذلك هو توفير الوسائل والإمكانات الإعلامية والمادية التي يتم من خلالها الدعوة إلى الإسلام بشكل عصري يواكب التطور الإعلامي والتقني ،
5- دليل وجوب الحفاظ على عقائد المسلمين بل وحياتهم من حكام الجور ومما أكد ذلك هو أننا نرى في العصور المتأخرة بل وحتى السابقة وفي أهم البلدان الإسلامية أن القمع والاضطهاد والاستكبار الذي مارسه الطغاة من الحكام وأتباعهم بلغ مستوى من الخطورة بحيث أن من يظهر عليه أبسط مظاهر الإلتزام بالدين الإسلامي فأنه سيعرض حياته وأسرته إلى الموت ناهيك عن سلب الأموال وانتهاك الأعراض والحرمات بأيدي السلطات الجائرة التي تسلطت على رقاب الشعوب قسراً وقهراً وبدعم من قبل الدوائر الغربية والدول الإستكبارية،


وبعد هذا الموجز لرؤيتنا الإسلامية تجاه العملية السياسية عموماً أقول:
بما أن العدد الكافي والمؤتمن على حياة ومقدرات الشعب العراقي ليس متوافراً بل يكاد يكون منعدم في الحكومات السابقة فلذلك أصبح لزاماً علينا كوجوب كفائي على أقل التقادير استلام زمام الأمور بأجمعها ومنها السلطات التنفيذية لتحقيق أمور منها :
1- الحفاظ على حياة المسلمين وعقائدهم ومقدراتهم من السلطات الجائرة .
2- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للقضاء على الظواهر المنحرفة والارتقاء بالمجتمع .
3- الدعوة إلى الإسلام دعوة علنية وعالمية .
4- رفع المستوى الاقتصادي و المعاشي للمسلمين والذي سينعكس بدوره وبشكل ايجابي على المستوى الفكري والاجتماعي ،
ولكن استلام زمام السلطة التنفيذية يجب أن يرافقه تكثيف إعلامي مركز على المستوى المحلي والإقليمي والدولي وحتى يتضح للجميع بأننا لا نحكم بآيديولوجية النظام الإسلامي المتكاملة ولكننا نتحرك بقوانين يكون أغلبها قوانين وضعية بسبب الضغط الدولي من جهة وبسبب وجود الفرقاء والشركاء الآخرين في العملية السياسية والذين لا يؤمنون بالنظام الإسلامي من جهة أخرى، وبالتالي يجب أن يتضح للعالم اجمع بأننا قد اضطررنا لاستلام زمام القيادة لإنقاذ الشعب بقدر المستطاع والخروج به بأقل الخسائر والتضحيات. ولأن العملية السياسية متلازمة تلازم منطقي ومتداخلة تداخل آيديولوجي مع كل من الملف الأمني والملف الاقتصادي ولأن الملف الأمني تحديداً يمثل العمود الفقري لإقامة هيكل أجهزة الدولة وإنشاء مؤسساتها وبالتالي تهيأة الأرض الخصبة والأجواء المناسبة لتفعيل الملف الاقتصادي فلذلك كان لا بد من أن تتضافر كل الجهود لدعم وتسديد القائمين على هذه الملفات الشائكة والخطيرة وسنبدأ من الدستور .
سياستنا تجاه الدستور /

بحسب مفاهيم الفكر الغربي الرأسمالي الديمقراطي وأساسه الفلسفي القائم على نظرية ( العقد الاجتماعي ) والتي نظّرَ لها كل من جان جاك روسو وجون لوك وتوماس هوبز، فأن البرلمان أو كما يعبر عنه في العراق بالجمعية الوطنية المنتخبة تمثل الجهة التشريعية والى حد هذه النقطة لا إشكال لنا على هذا المفهوم ولكننا نكون على مفترق طرق مع الفكر الغربي الرأسمالي الديمقراطي حينما يجعل هذه الجهة التشريعية هي مصدر التشريع وليس مشرفاً على التشريع الإلهي الخالد المتمثل برسالة الإسلام العظيمة بحسب مفاهيم الفكر الإسلامي وتحديداً في عصر غيبة القائد المعصوم (ع) ولكننا وللظروف والتداعيات المحلية والإقليمية والدولية التي تقدم ذكرها وكذلك إيماناً منا بالوعي الإسلامي المتجذر في عقيدة شعبنا فلذلك ألزمنا الآخرين بما ألزموا به أنفسهم فخاض الإسلاميون الانتخابات وتربعوا على نصف مقاعد البرلمان ولقد كان بالإمكان أحسن مما كان لولا بعض الرؤى والتوجهات والمباني السياسية المبدئية أحياناً والخاطئة أحياناً أخرى التي تبنتها بعض القيادات الإسلامية والتي أدت إلى إضعاف شوكة الاتجاه الإسلامي في البرلمان وحدّت من حرية خياراته وحركته، ولتلافي كل تلك العثرات والمطبات فعليه يجب أن يكون واضحاً جداً لكل أعضاء الجمعية الوطنية المنتخبة في العراق بأنهم اليوم أمام مسؤولية تاريخية وشرعية خطيرة وأنهم ألان يتقلدون في رقابهم المظلومية التي وقعت على الإسلام طيلة أربعة عشر قرناً أي ألف وأربعمائة عام من الظلم والاضطهاد والتقتيل والتنكيل والسلب والنهب وانتهاك الأعراض والمقدسات, ولذلك عليهم أن يكونوا شجعاناً ومضحين بمستوى شجاعة وتضحيات ناخبيهم الذين تحدوا الموت وذهبوا ليدلوا بأصواتهم إلى الإسلام والى تاريخ هذه القيادات المناضلة والمجاهدة ولكن على أعضاء الجمعية المنتخبة وتحديداً القيادات الإسلامية منها بأن يعلموا يقيناً بأن الجماهير التي صوتت لهم في هذه الدورة الانتخابية المؤقتة إنما اعتمدت في تقييمها على التاريخ الجهادي المُشَرِّف لتلك القيادات ولكن في الدورات الانتخابية القادمة سيكون المعيار هو مستوى كفاءة وإخلاص وتضحيات ونزاهة هذه القيادات ومستوى الخدمة التي يقدمونها لجماهيرهم وليس غير ذلك ،
وعليه فانه على جميع المخلصين من أعضاء الجمعية الوطنية المنتخبة الآن أن يفهموا بوضوح ويتحركوا على أساس أنهم يمثلون الآن الجهة التشريعية الوحيدة والتي باستطاعتها أن تلغي كل التشريعات السابقة بما فيها قانون إدارة الدولة المؤقت وخصوصاً فيما يتعلق بالمواد والفقرات التي تتضمن وتمثل مطبات حقيقية بل وتمثل ألغاما موقوتة يمكن لها أن تهدم كل ما سبق، مثل فقرة حق النقض (الفيتو) لثلثي ثلاث محافظات وهذا يخالف ويناقض تماماً مفهوم الديمقراطية بل إن هذه الفقرة تسلط الأقلية على الأغلبية وتجعلها تتحكم بمصيرها وبمستقبل أجيالها وأنها الديكتاتورية بعينها مع إنني اعلم أن هذه المادة وضعت ضمن معاهدات سياسية بين الكتل البرلمانية الرئيسة وأنها وضعت بضغط من الأكراد من جهة وبضغط من الأميركان من جهة أخرى فأما بالنسبة للأكراد فلأنهم يسيطرون جغرافياً و ديمغرافياً على ثلاث محافظات وهذا يجعلهم يتحكمون في مسار الدستور لصالحهم وأما فيما يخص الأميركان فان هذه المادة القانونية تعرقل سير العملية السياسية بل قد تجعلها تدور في حلقة مفرغة وهذا ما يخدم مصالح وتوجهات احد مراكز القوى في الولايات المتحدة وليس كل أجنحة السلطة لأننا نعلم أنه هنالك أربعة مراكز قوى رئيسة في الولايات المتحدة وهي كل من :
1- وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).
2- وزارة الخارجية الأميركية.
3- الأمن القومي.
4- وكالة المخابرات الأميركية(C.I.A).
فتختلف الرؤى والتوجهات والآليات في التحرك فيما بينها وإن كان الجميع يدور إما في صالح أميركا أو في صالح إسرائيل أو في صالحهما معاً وذلك بسبب سيطرة اللوبي الصهيوني على مصادر القرار الرسمي في أميركا ،
وبالتالي فإن هذه المادة القانونية تخالف مفهوم الديمقراطية جملةً وتفصيلاً، فالديمقراطية هي اصطلاح إغريقي الأصل متكون من شقين هما (ديموس - كراتوس) والتي تعني سلطة الأغلبية أو حكم الشعب، بينما نرى نحن أن هذه المادة وضعت خصيصاً لحرمان الإسلاميين الحقيقيين من حقوقهم وبالتالي استمرار عملية إقصائهم عن مصادر القرار الرسمي على اعتبار أنهم يمثلون الأغلبية، ونحن نطرح هذا الطرح مع ما لنا من مؤاخذات على مفهوم حكم الأغلبية لأننا نعتقد بأن الولاية بالأصل لله جلّ وعلا والله سبحانه وتعالى قد وضع التشريعات المناسبة للكون بأسره وأرسلها بواسطة الأنبياء والمرسلين لهداية الخلق أجمعين ، أما الغالبية التي يتحدث عنها الغرب ويطلق عليها اسم الديمقراطية فإنها تصح في زوايا معينة حينما لا يكون هناك حكم الهي في الموضوع وبتعبير أدق يصح ذلك في المباحات و لإختيار أحد البدائل من الإجتهادات المشروعة التي تحتاجها الإنسانية في المستحدثات الداخلة ضمن منطقة الفراغ التشريعي ، وإلا فحقيقة الأمر أن الله تعالى يرى أن هذه الأغلبية لا تصلح لقيادة البشرية وذلك لقوله تعالى ((ولكِنَّ أكثر الناس لا يَعْلَمون)) وهذا النَصّ القُرآني مُتَكَرِّر في عشرة آيات وهي كُلٌّ مِنْ(يوسف/21)،(يوسف/40)،(يوسف/68)،(النحل/38)،(الروم/6)،(الروم/3)،(سبأ/28)،(سبأ/36) (غافر/57)،(الجاثية/26) ،
وفي قَوْلهِ تعالى((ولكِنَّ أكثرهم لا يَعْلَمون)) وقد تَكَرَّرَ هذا النَصّ القُرْآني في تسع آيات وهُنَّ(القصص/13)،(القصص/57)،(الزمر/49)،(الدخان/39)،(الطور/47)،(الأنعام/37)،(الأعراف/131)،(الأنفال/34)،(يونس/55) وآيات أُخَر تُؤكِّدُ صِفَة الجَهْل على غالبيَّة المُجْتَمَع وذلك بِقَوْله تعالى((بَلْ أَكْثَرهم لا يَعْلَمون)) وهذا النَصّ القُرْآني مُتَكَرِّرٌ في ست آيات وهي كُلٌّ مِنَ:(النمل/61)،(لقمان/25)،(الزمر/29)،(النحل/75)،(النحل101)،(الأنبياء/24) ،
ومِنَ الآيات الأخرى التي تُشير إلى صِفَة الجَهْل عند الغالبيَّة العُظْمى مِنَ الناس هي قَوْله تعالى(( ولكِنَّ أَكْثَرهم يَجْهَلون))(الأنعام/111) ،
وكقوله تعالى (( وأكثرهم لا يَعْقِلون))(المائدة/103) ،
وكقوله تعالى ((أَمْ تََحسْب أَنَّ أَكْثَرهم يَسْمَعون أو يَعْقِلون)) (الفرقان/44) ،
وفي قوله تعالى((بَلْ أَكْثَرهم لا يَعْقِلون))(العنكبوت/63) ،
وإنَّ هذه الغالبيَّة العُظْمى مِنَ الناس حتى ولو عَلِمَت الحَقّ تَعامَتْ وتَغافَلَتْ عنه لأنَّهُ رانَ على قُلوبهم وقد أشارَ سبحانه وتعالى إلى هذا المَضْمون في آيات كثيرة منها قوله تعالى(( وما كان أَكْثَرهم مُؤمنين)) وهذا النَصّ القُرْآني الكريم قد تَكَرَّر في سورة الشعراء في ثمان آيات وهي (الشعراء/8-67-103-121-139-158-174-190) ،
وفي قوله تعالى ((لقد حَقَّ القَوْلُ على أَكْثَرهم فَهُمْ لا يُؤمنون))(يس/7)
وفي قوله تعالى((ولكِنَّ أَكْثَر الناس لا يُؤمنون))(غافر/59)(الرعد/1)
وفي قوله تعالى(( وما أَكْثَر الناس وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤمنين))(يوسف/103) ،
وفي قوله تعالى(( بَلْ أَكْثَرهم لا يُؤمنون))(البقرة/100) ،
وفي قوله تعالى ((وما يُؤمِنُ أَكْثَرهم بالله إلا وَهُمْ مُشْرِكون))(يوسف/106) ،
هذا فَضْلاً عَنِ النعوت الأخرى التي يُؤَكِّدُها سبحانه وتعالى ويَصِفُ بها غالبيَّة المُجْتمعات كَنُعوت الكُفْرِ والإشْراك والكذب والجحود والفِسْق وغيرها مِنَ الأوْصاف وذلك بقَوْله تعالى((كانَ أَكْثَرهم مُشْركين))(الروم/42) ،
وفي قوله تعالى((فأَبى أَكثر الناس إلا كُفورا))(الإسراء/89)(الفرقان/5)
وفي قوله تعالى((وأَكْثَرهُمُ الكافِرون))(النحل/83) ،
وكقوله تعالى((وإن أَكْثَركُمْ فاسِقون))(المائدة/59) ،
وكقوله تعالى((مِنْهُمُ المُؤمنون وأَكْثَرُهم الفاسِقون))(آل عمران/110) ،
وكقوله تعالى((وإنْ وَجَدْنا أَكْثَرهُم لَفاسِقين))(الأعراف/102) ،
وكقوله تعالى((وأَكْثَرهم فاسِقون))(التوبة/8) ،
وفي قوله تعالى((ولا تَجِدُ أَكْثَرهم شاكِرين))(الأعراف/17) ،
وفي قوله تعالى((ولكِنَّ أَكْثَرهم لا يَشْكرون))(يونس/60)(النمل/73) ،
وفي قوله تعالى((ولكِنَّ أَكْثَر الناس لا يَشْكُرون))(يونس/38)(غافر/61) ، وفي قوله تعالى((ولكِنََّ أَكْثَركُمْ لِلْحَقِّ كارِهون))(الزخرف/78)
وفي قوله تعالى((وأَكْثَرهُمْ لِلْحقِّ كارِهون))(المؤمنون/70) ،
أو كقوله تعالى((وأَكْثَرهُمْ كاذِبون))(الشعراء/223) ،
أو في قوله تعالى((ولقد ظَلَّ قَبْلَهَمُ أَكْثَر الأَوَّلين))(الصافات/71) ،
وفي قوله تعالى((وإنْ تُطِعْ أَكْثَر مَنْ في الأَرْضِ يُضِلّوك عَنْ سبيل الله))(الأنعام/116) ،

إذَنْ ومِمّا تَقَدَّمَ ذِكْره مِنَ الآياتِ الكريمة أصْبَحَ مِنَ الواضح جِدّاً بأَنَّ هذه الكثْرة الكاثِرة مِنَ البشريَّة عُموماً لا يُمْكِنُ أنْ تُمَثِّلَ المِعْيار الأقْوَم فهذه الآيات الكريمة تنعت غالبية الناس بالجهل مما يجعلها غير قادرة على اختيار القرار الأنسب لها و الأصوب ً، والله تعالى خالق الخلق هو أعلم بصنعته ،
ولكننا تعاملنا مع مفهوم الديمقراطية إيمانا منا بشعبنا المسلم والذي عبر عن اعتزازه بهويته الإسلامية في أكثر من مناسبة ، هذه الهوية التي أوضح معالمها الشهيدان الصدران الخالدان سلام الله عليهما هذا من جهة ومن جهة أخرى تعاملنا مع الدول التي أزاحت الطاغية المقبور بإذنه تعالى بحسب قاعدة الإلزام والتي تعني إجمالا (أن ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم) ولكننا نرى واقعاً مريراً وهو أن مفهوم الديمقراطية عندما أضحى يصب في صالح الإتجاه الإسلامي وجدنا الكثير من الأصوات الماكرة والخبيثة بدأت تتعالى من قبل الغرب وعملائه من الناصبين العداء للإسلام المحمدي الأصيل ، يحاولون تبعيض مفهوم الديمقراطية بالشكل الذي يهمش دور الإسلاميين ويحرمهم من حقوقهم التاريخية السليبة وبسبب الأحقاد التاريخية الدفينة المعروف منشأها ويكون هذا التبعيض بحجج واهية كذريعة حماية الأقليات من ظلم الأغلبية وغيرها ولا أعرف أين كانت هذه الفلسفات الماكرة عندما ظلمت هذه الأغلبية من قبل الأقلية العميلة للغرب فسحقاً لهذه الازدواجية وللكيل بمكيالين ،
ولذلك يجب أن تُوثَّق عرى التواصل بين الجماهير وممثليهم ويجب أن يكون التعامل مع القواعد الشعبية بوضوح تام وبشفافية كاملة لتتمكن الجماهير من معرفة ما يدور في أروقة ودهاليز الساسة وما يحاك من تآمر على مصير هذه الشعوب والأجيال القادمة وان هذا التعامل الواضح مع الجماهير سيوفر الزخم الشعبي للساسة والقادة المخلصين من ممثلي الشعب ليساعدهم في الضغط على الدوائر الإستكبارية في الغرب من جهة وعلى الفرقاء الآخرين الذين يتبنون الاتجاه العلماني من جهة أخرى ولا ننسى ما قاله محمد باقر الصدر سلام الله عليه ((إن الجماهير دائما أقوى من الطغاة مهما تفرعن الطغاة )) ،
وعليه يجب استثمار كافة الوسائل الإعلامية لإرشاد الجماهير فيما يدور حولهم وتحديدا في مسألة صياغة الدستور ويكون ذلك بالندوات الجماهيرية المباشرة أو الإعلام المسموع والمطبوع والمرئي وابتداءً يجب شرح أشكال وأصناف أنظمة الحكم القائمة ويجب ان يكون واضحاً لدى الجماهير وقياداتها بأنه لا يتوجب عليهم اقتباس واستنساخ تجربة سياسية معينة في بلد ما لتكون هي الحاكم في بلدنا هذا أو غيره فلكل شعب تقاليده وأعرافه ومزاياه ومكوناته العرقية والقومية والدينية والمذهبية والجغرافية وكل هذه العوامل تلعب دوراً أساسياً في تحديد ملامح العملية السياسية ولذلك يجب ابتداءً شرح أشكال أنظمة الحكم للشعوب ثم بعد ذلك يجب الاستفتاء على شكل نظام الحكم كأن يكون (برلماني – رئاسي – جمهوري – ملكي – إسلامي – جمهوري إسلامي…………) وغيرها من الأشكال المتداخلة والمستحدثة لأن تحديد شكل نظام الحكم يلقي بضلاله على أغلب مواد الدستور بل ويحدد الملامح الرئيسية والأساسية للدستور مما يسهل على القائمين والمتخصصين في صياغة الدستور ويساعدهم في تحديد الخيارات والصيغ الدستورية من جهة ومن جهة أخرى سيساعد القيادات الإسلامية ويوفر لها الغطاء السياسي الذي سيتوفر من الدعم الشعبي الذي ستقدمه الجماهير المسلمة والتي ستختار شكل النظام الجمهوري الإسلامي يقيناً على اعتبار أن ذلك يمثل هوية الغالبية العظمى للشعب العراقي ،
فيتم عرض شكل النظام الجمهوري الإسلامي كأحد الأشكال المقترحة ثم يبدأ الاستفتاء الجماهيري المباشر عليه، ويجب أن يحدد بأن الشكل الفائز هو الذي يحصل على ثلثي أصوات الناخبين كما هو معمول به في كافة أنحاء العالم وليس كما هو مطروح في قانون إدارة الدولة المؤقت والذي يجعل عملية إكمال صياغة الدستور عملية عسيرة لأنها تعطي حق النقض (الفيتو) لثلثي ثلاث محافظات وهذا خلاف كل ما موجود في الأنظمة الدولية هذا فضلاً عن المعيار الآخر و الذي لا يقل ظلماً عن معيار إستفتاء الدستور وهو تحديد الكتلة البرلمانية التي يحق لها تشكيل الحكومة بأنها يجب أن تحصل على ثلثي المقاعد البرلمانية بينما ما موجود في اغلب دول العالم هو أن الكتلة التي يحق لها تشكيل الحكومة يجب أن تحصل على أغلبية بسيطة أو النصف زائداً مقعد ، فكل ذلك يجب أن يتم تغييره وهذا الأمر يدخل في صلاحيات الجمعية المنتخبة الآن ،
وأنا على يقين بأن البرلمان المؤقت المنتخب الحالي في هذه الدورة الانتقالية وتحديداً القيادات الإسلامية إذا نجحت في تغيير هذين المعيارين واعني بهما معيار المصادقة على استفتاء الدستور ومعيار الكتلة البرلمانية التي يحق لها تشكيل الحكومة فإن ذلك سيوفر مساحة كبيرة جداً للقيادات الإسلامية في تحديد كل مسارات العملية السياسية والحكومات القادمة في المراحل المقبلة هذا فضلا عن فيما لو نجحوا في تجسيد المقترح الذي تقدمت به قبل قليل وهو الاستفتاء ابتداءً على شكل نظام الحكم في البلاد وتحديداً الاستفتاء على شكل النظام الإسلامي الجمهوري كأحد الأشكال المقترحة ،هذا فضلا عن فيما لو نجحت الحكومة العراقية الحالية التي غالبيتها من الإسلاميين لان ذلك سيكون له الأثر البالغ في تغيير وجهة نظر الناخب العراقي وبالتالي تغيير الموازين في الكتل البرلمانية خصوصاً إذا أثبتت هذه الحكومة بأنها قادرة على حفظ الأمن وتحسين الخدمات الأساسية والتي يشعر بها المواطن بشكل مباشر وسريع و تحديداً زيادة منتوج الطاقة الكهربائية والمستوى المعيشي كزيادة رواتب المتقاعدين والموظفين ورعاية عوائل الشهداء والمضطهدين من ضحايا اللانظام المقبور فإني أجزم قاطعاً بأن المقاعد التي حصل عليها الإتجاه العلماني عن طريق تسييس الوزارات التي سُلِّمَت إليهم حسب رؤية وتوجّه سياسي محدد تبنَّته الولايات المتحدة الأميركية بما يتناغم مع مصالحها، وعليه فاني اجزم قاطعاً بان هذه المقاعد ستذهب بأجمعها في الانتخابات المقبلة لتنصهر وتنضم إلى كتلة الإتجاه الإسلامي وبالتالي سيصبح هناك أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان هذا فضلا عن الأصوات الكبيرة والتي لم تنخرط في الانتخابات السابقة لمواقف سياسية وإسلامية مبدئية اتخذتها في حينها مما سيوفر لنا الحرية الكاملة لتحديد الملامح الرئيسية للعملية السياسية في المرحلة المقبلة ولذلك فان هذه الحكومة وهذا البرلمان الانتقالي أمام مسؤولية تاريخية كبيرة أمام البارئ عز وجل وأمام أهل البيت (ع) والتاريخ والشعب العراقي المظلوم ،
أما فيما يخص كيفية صياغة الدستور فيكاد يكون كل دساتير الدول العربية والإسلامية نجد فيها وتحديداً في ديباجة تلك الدساتير عبارة (الإسلام هو مصدر رئيسي في تشريع الدستور) أو ( الإسلام هو المصدر الوحيد في التشريع) ولكننا نرى على ارض الواقع بأن ما يجري في دساتير وقوانين هذه البلدان لا يمت بصلة إلى أحكام الإسلام الواقعية وكأنه وضعت هذه العبارات كبروتوكول سياسي يحفظ ماء وجوه الحكام أمام شعوبها المسلمة وليس أكثر من ذلك لان الحكام يتبنون اتجاها علمانيا في الحكم وإنهم وصلوا إلى سدة الحكم إما بالانقلاب العسكري أو بالوراثة باستثناء دستور الجمهورية الإسلامية في إيران ولذلك أرى بما أننا لا نستطيع إقامة نظام إسلامي شامل في العراق بسبب الضغوط الدولية من جهة وضغوط الفرقاء والشركاء الآخرين في العملية السياسية من جهة أخرى وبالتالي لا يمكن إنْ يعطي النظام الإسلامي الجزئي كل الثمار المرجوة من آيديولوجية الإسلام وهذا ما سيكون له الأثر السلبي على فلسفة غياب القائد المعصوم المنقذ المنتظر (عج) كما طرحتُ آنفاً ولذلك أرى ابتداءً بأنه يجب استلهام واستحضار كل المفاهيم والمضامين التي كتبها السيد الشهيد محمد باقر الصدر سلام الله عليه في الأسس التسعة لأصول الدستور الإسلامي وكذلك استلهام اللمحة الفقهية لمشروع الدستور الإسلامي للجمهورية الإسلامية في إيران بل استلهام كل ما ورد في فكر محمد باقر الصدر(قدس الله روحه) وخصوصاً كتاب (الإسلام يقود الحياة) و(اقتصادنا) ومن ثم بعد ذلك يجب استثمار فن المصطلح لتمرير هذه المفاهيم والمبادئ عبر آليات وصيغ دستورية ليتم تقنينها فيما بعد
وابتداءً اقترح بأن لا تكتب عبارة ( الإسلام هو المصدر الوحيد أو الرئيسي للتشريع) لان ذلك سيكون مجرد حبر على ورق بطبيعة الحال وهذا ما سينعكس سلباً على سمعة النظام الإسلامي وبالتالي سينعكس سلباً على الأطروحة الإلهية المهدوية العادلة المرتقبة والمقترن تجسيدها مع ظهور الإمام المنقذ المنتظر (عج) ، ولكن و لحماية وتعزيز الهوية الإسلامية للشعب العراقي اقترح استبدال هذه العبارة بنص دستوري يمكن أن يكتب في ديباجة الدستور أو كمادة دستورية أولية بحيث يقول هذا النص (كل نص دستوري أو قانوني يتعارض مع مفاهيم أو مبادئ وقيم وأعراف الإسلام يعتبر باطلاً (لاغياً) وليس له أي صفة تشريعية أو قانونية) ،
وبهذا نكون قد مرَّرنا كل المفاهيم الإسلامية وأعطيناها الحرية الكاملة في الحركة من دون أن نصطدم سياسياً مع الآخرين أو من دون التعرض لضغوط الدوائر الإمبريالية ولا ننسى بأنه لدينا شعب يؤمن بهويته الإسلامية ويستطيع قلب الطاولة على الآخرين في أية لحظة يشعر بها بأنَّ إسلامه في خطر وهذا ما سيعطينا غطاءً شعبياً يساعدنا في الضغط على الجميع ،
وكما فعل السيد الخميني (قدس الله روحه) فانه بعد استلام زمام القيادة وانتصار إرادة الجماهير أجرى استفتاءً على شكل نظام الحكم مع قدرته على عدم إجراء هذا الاستفتاء ولكنه كان يؤمن بفكر وإرادة الجماهير التي عبرت عن هويتها الإسلامية في أكثر من مناسبة ورسمتها بدمائها الزكية وبعد تشكيل الدستور ابتعد السيد الخميني عن الحكم في الجهات التنفيذية ليبقى يمثل عين الإسلام التي تراقب الحكومات التي تخدم الشعب الإيراني ليبقى بذلك يمثل الملجأ الآمن والملاذ العاصم الذي تلتجىء إليه الجماهير في حالة انحراف الحكومات وبالتالي تبقى الجماهير تدور في فلك الإسلام لا غير ، أما فيما لو حكم السيد الخميني كرئيس للجمهورية أو رئيس للوزراء مثلاً فبطبيعة الحال سيحصل هناك قصور وتقصير في المفاصل الإدارية و لأية دولة مهما كانت درجة كفائتها ونزاهة القائمين على إدارتها نتيجة لجهل وانحراف البعض فعند ذلك ستثور الجماهير ولكن هذه المرة ستثور على الإسلام الذي يمثله السيد الخميني رضوان الله عليه ولكني اعتقد بأن السيد الخميني قد التفت إلى ذلك وأدار دفَّة البلاد بسداد وتوفيق.