سياستنا تجاه القضاء وتعيين القضاة / أسعد تركي

(( القضاء في نظر الإسلام لونٌ خاص من الحكم ، لأنه رعاية لشؤون الأمة لدى وقوع المخاصمة ولكن السائد في لسان الشريعة هو التعبير عنه بالقضاء وعَمَّن يباشره بالقاضي لا بالحكم والحاكم ، غير أنَّ حق القضاء لا يثبت للحاكم بمجرد كونه حاكماً ، بل يثبت لمن نَصَّت عليه الشريعة نَصَّاً خاصّاً كالقضاة الذين كان يعيّنهم المعصوم ( ع ) في زمانه أو نَصّاًَ عاماً كما هو الحال في المجتهد العادل بصورة عامة ، فكل مجتهد عادل يتمتع بحق ممارسة القضاء ويستمد القاضي في المجتمع الإسلامي هذا الحق من نصوص الشريعة التي دلَّت على جعل هذا الحق لكل مجتهد عادل وليس من جهاز الحكم ومما يتصل بذلك :
ا – لا يجوز للدولة أن تمنح حق القضاء لغير المجتهد العادل الذي ثبت له هذا الحق في الإسلام ، كما لا يجوز لها أن تمنع مجتهداً من ممارسة هذا الحق ، بل يجب عليها إمضاء قضائه وتنفيذه .
ب – يجب على الدولة توفير المجتهدين العدول لممارسة القضاء بالدرجة التي تسدُّ إحتياج الأمة في قضاياها وخصوماتها ، لأن ذلك يندرج ضمن الرعاية الواجبة لشؤون الأمة .
ج – إذا تعدد المجتهدون العدول وقع الإختلاف في أقضيتهم ، فلذلك صورتان إحداهما : أن يكون مرد الإختلاف بينهم إلى الإختلاف في إستنباط الأحكام الشرعية ، والصورة الثانية : أن يكون الإختلاف بسبب التطبيق ،
فإن كان إختلاف الأقضية بسبب إختلاف الإجتهاد وكانت مصلحة الأمة تتطلب إقامة القضاء على حكم شرعي معيّن كان على الحاكم أن يتبنّى إجتهاداً معيّناً ويفرض على جميع المجتهدين العدول أن يقضوا على أساس ذلك الإجتهاد ، فمن كان منهم مصوّباً لذلك الإجتهاد قضى طبقاً لرأيه ومن كان منهم مخالفاً قضى بالوكالة عن المجتهد الذي يَرتئي نفس الإجتهاد المتبنى للدولة ، وهذا التبنّي يكون واجباً على الحاكم لأنه من شؤون الرعاية الواجبة للأمة ، أما إذا كان إختلاف الأقضية لا يضرّ بنظام المجتمع و إستقراره فيجب أن يُعطى لكل مجتهد حرية القضاء طبقاً لإجتهاده ،
وإن كان إختلاف الأقضية بسبب إختلاف المجتهدين في تطبيق الحكم الشرعي مع وحدة الرأي فيه أساساً ، كما إذا كان هذا القاضي يرى شهادة زيد وعمر بيّنة شرعية ولايراها القاضي الآخر بيّنة لإعتقاده بفسقهما ، فإنَّ هذا الإختلاف لا يولّد مشكلة تستوجب تدخّل الحكومة فيجب أن يسمح لكلّ منهما بممارسة حقّه في القضاء وأن يباشر القضاء حسب رأيه ، وإذا قضيا في مسألة واحدة بقضائين تُنفّذ الحكومة القضاء الأسبق زماناً منهما وتفصيل الكلام في بحوث القضاء في الفقه )) ( المنهاج 6 – ص/ 327 ) وعليه فإنني أرى بأنَّ القضاة يجب أن يتم تعيينهم من قبل المرجعية الدينية مباشرة أو ترشحهم المرجعية الدينية ليتم بعد ذلك إختيارهم من قبل ممثلي الشعب وبشرطي بلوغ مرتبة الإجتهاد والعدالة .