مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية

القضاء الإسلامي
وأثره في حركة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة
  محمّد جواد الطريحي


 حين نحاول معرفة النتائج التي يمكن من خلالها أن نستشعر مكانة القضاء الإسلامي وهو يعيش هذا الخضم الزاخر من تشعب الآراء واختلاف الاتجاهات يبرز دوره في توظيف أحكامه لأداء دور تقريبي بين هذا التضارب والنزاع حيث يجسد عمليا إحالة القاعدة القانونية إلى مبدأ يتبناه، بل إنه يبعث في هذه القاعدة المستندة إلى فقه مذهبي الحياة والحركة ويضعها حيث محلها المناسب للفاعلية والأثر.
إنّ  هذا الدور الذي يؤديه القضاء في مسيرته وحركته التي يسعى إلى غاياتها هو الذي ساهم في جعل "الشريعة الإسلاميّة حية صالحة للتطور ومسايرة للمدنية
الحديثة وأنها لذلك جديرة بأن تشغل مكانة ممتازة بين مصادر القانون المقارن وأنها تحمل العناصر التي تجعلها صالحة للتطور مع حاجات الزمن والمدنية(1).
إنّ  ما يستلزمه البحث هنا ضرورة التمازج والتلاقح بين الأفكار التي قد تتوفر متكاملة ناضجة في مذاهب فعل البيئات الإسلاميّة واختلافها مما تحتاجه مذاهب أخرى لها تتصف بالنمو والتطور في موضوعات معينة وهذه الضرورة هي من مقومات تكامل المذاهب الفقهية التي ينظر إليها القضاء الإسلامي في حركته داخل مجاله التطبيقي ولذلك وجدنا أن فقهاء المسلمين كانوا حريصين على جمع الأقضية منذ عصر الرسالة وما بعدها فيما حصل من تطبيقات قضائية من الصحابة والتابعين لأن في معرفتها ضمانا لقضاياهم من أن تحيد عن المبادئ الإسلاميّة خاصة بعد أن توسع المجال العملي الذي كان يمارس من خلاله القاضي صلاحياته كما في المسائل الإدارية والعسكرية التي أوكلت به وهكذا بالنسبة إلى شؤون الحسبة ومراقبة الحركة التجارية والاضطلاع بمهمات السلطة التنفيذية والأشراف عليها وكثيراً ما كان يحاج القضاة بعضهم بعضاً حتّى في الآراء الفقهية بما عرف عن السلف الصالح من قضاء وآراء في الدعاوى(2).
ومؤدى ما يفتح نافذة التقريب بين المذاهب المختلفة التي يوحدها نفاذ حكم القاضي في حقها هو تقرير "إنّ  الله تعالى جعل للحكام أن يحكموا في مسائل الاجتهاد بأحد القولين، فإذا حكموا بأحدهما كان ذلك حكماً من الله تعالى في تلك الواقعة، وأخبار الحاكم بأنه حكم فيها كنص من الله ورد خاص بتلك الواقعة معارض لدليل المخالف لما حكم به الحاكم في تلك الواقعة"(3).
أن عملية الانصهار والذوبان التي يمارسها القضاء عملياً بالنسبة إلى الآراء والاتجاهات المختلفة الموضوعة أمام الموضوعة أمام القاضي كحلول ناجعة نتجت من اجتهاد المجتهدين، وصاغتها العقلية الفقهية في مجالها الافتراضي بلوغاً إلى ما يحسم
النزاع أن هذا بحد ذاته من مؤشرات التقريب بين وجهات النظر المتباينة، وأن الممارسة العملية لواقع الفكر الفقهي في الشريعة الإسلاميّة يسمو بالفقه إلى تحقيق غايته السامية في رعاية العدالة وإقرارها وبناء المجتمع الصالح الذي طمحت إلى تأسيسه الرسالة المقدسة وبذلك، فأن الفقه الإسلامي ليس إلاّ وجهاً من وجوه الفهم والتفسير والبيان لنصوص الشريعة وأحكامها وتطبيقاً لمبادئها وقواعدها على جزئيات الوقائع والأحداث حسب الأزمنة ومصالح الناس (4).
أن مجموعة الأصول الفنية التي امتازت بها صياغة الأحكام في كلّ وجهة اجتهادية للمذاهب الفقهية الإسلاميّة هي التي اصطبغت بها رصانة الحكم القضائي ومتانة الأسلوب الذي اتصفت به مدونات القضاء الإسلامي، والقضايا التي استعرضتها الكتب الخاصة التي درست القضاء الإسلامي باعتباره علماً له معياره، وفنا له أصوله، وأسلوباً يعكس الخبرة التطبيقية.
إنّ  أهمية القضاء الإسلامي تبرز في أثره على مسيرة التقريب من خلال دراسة أسلوب الحركة للمسار العملي الذي سلكته نظرية القضاء في الشريعة الإسلاميّة. ملامح المنهج التقريبي في القضاء
إنّ  المبادئ الإسلاميّة التي تجسدت في نظرية القضاء وترسخت لترسم الصورة المثلى التي تعكس معطيات النظرية القضائية اجتمعت في التراث التشريعي لدى الصحابة والتابعين بقدر محدود لم يبرز فيه أثر الاختلاف لقربهم من عصر الرسالة إلاّ أن الفترة اللاحقة كانت مصطبغة بجوانب اتضحت منها الأفكار وهي في مخاض صعب ورؤية لا تعكس واقع الشريعة الإسلاميّة بوضوح ومن هنا كان لابد
من السعي لاستقراء هذه المسيرة الفقهية لمعرفة المدى الذي امتازت فيه نظرية القضاء في جانبها الحركي وأثر ذلك في حياة الأمة المسلمة، وما أنتجته من معطيات رائدة في أسلوبها الذي وحدت فيه الصفوف اتجاه الهدف، وجعلت من الاتجاهات والنزعات اتباع المنهج الموحد.
إنّ  نظرية التوازن الذي ولدت على يد القضاء الإسلامي كانت تمتاز بأهمية كبيرة برزت في ملامح المنهج التقريبي الذي يمكن أن نستنتجه في الوجوه التالية كنتائج لبحثنا الموسوم (نظرية القضاء الإسلامي وأثرها في مسيرة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة): الوجه الأول ـ شخصية القضاء والقاضي:
1 ـ أساس القضاء بين الناس هو وجود الخصومة التي لابد من وجودها في كلّ مجتمع إنساني، ولذلك فقد اعتبرت الشريعة السلطة القضائية موجودة بالضرورة وقد وضعت لها ما يكفل حسن سيرها وكفلت احترامها من الكافة دون تمييز عنصري أو مذهبي، وأن لكل ذي حق حقه في تقديم الدعوى ضد خصمه، وأن على القاضي أن يستقبل هذه الدعوى وينظرها دون لحاظ معين بالذات، فالناس سواسية أمام القضاء لا فرق بين مسلم ومسلم وقد كان لهذه الفكرة تطبيقاتها الواسعة التي مست شخصية الصحابة الكرام بالذات ووقف الكثير منهم أمام ساحة القضاء وبمستوى عادل من خصومهم وصدرت الأحكام بحقهم في ضوء أحكام القضاء في الشريعة.
2 ـ يخضع اختيار القاضي لمواصفات حددها الفقهاء في موسوعاتهم ووضعوا فيها الشرائط الواجب توفرها في القاضي حيث تضمنت أحكاماً مفصلة بذلك إلاّ أن المعيار في الاختيار لم يخرج عن ضوابط التقوى والاجتهاد. وفيما
يهمنا بهذا البحث أن تنصيب القاضي لم تؤثر في إجراءاته وطبيعة ظروفه النزعات الفقهية والمذهبية، وفرضت الشريعة صفة الإلزام لأحكامه التي يصدرها لا فرق في تطبيقها أو قبولها من قبل كافة المسلمين.
3 ـ وضع الإسلام وسائل لكفالة حقوق الدفاع فأوجب على القاضي أن يمكن أي طرف من ألج طلبه لتحضير وسائل الدفاع كما أوجب على القاضي أن يعرض حجج كلّ طرف على الطرف الآخر وألا يحكم إلاّ بعد الأعذار للمحكوم عليه. الوجه الثاني ـ المتقاضيان:
1 ـ أوجب الإسلام التسوية بين الخصوم في كلّ شيء حتّى في النظرة وطريقة الكلام وتقديم كلّ طرف من الدعوى ما بحوزته من أدلة.
2 ـ ندب الإسلام إلى تطبيق نظرية الصلح قبل إجراء ختم الجلسات لأن طبيعة الصلح تنازل من الطرفين معاً يحقق توازناً أكثر في موقف المحكمة من قرارها الحاسم.
3 ـ جمع الإسلام في الأسلوب المتبع لسير التقاضي بين تقييد الإثبات وحريته فحدد قيمة الإقرار والشهادة واليمين وبعض القرائن الشرعية وترك في نفس الوقت للقاضي حق تقدير وسائل أخرى كالقرائن القضائية حتّى لا يضيع حق يثبت المنطق أن مدعيه محق وحتى لا يلزم أي شخص بحق لم يدل مدعيه بالحجج الكافية. الوجه الثالث ـ الإجراءات:
1 ـ تم رسم إجراءات الترافع وفق المقياس العام لفكرة النظرة التوحيدية،
في ضوء منهج يحقق المساواة بين الجميع وقد كفلت سلامة هذه الإجراءات مبادئ مهمة تقرها الشريعة الإسلاميّة، في مقدمتها مبادئ استقلال القضاء ومجانيته، وحياد القاضي، وعلنية الجلسات، ودرء الحدود بالشبهات، وعدم اعتبار الإقرار المأخوذ بالإكراه.
2 ـ شدد الإسلام على الإثبات في الميدان الجنائي فجعل نصاب الإثبات في الزنا مثلاً أربعة من الشهود يشهدون بمعاينة تنفيذ الجريمة وجعل الشبهة ذات دور فعال لصالح المتهم، فإذا رجع الشاهد عن شهادته مثلاً كان ذلك دليل البراءة من الجريمة فقد روي عن الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ "ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام إنّ  يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة"(5).
3 ـ إنّ  المبدأ العام المتبع في تسيير دفة الإجراءات ينتهج فكرة العدالة التي تعتبر مقياساً لتحقيق نظرية التوازن الإسلامي في الفكر والنظام والآداب استناداً إلى الآية الكريمة "إنّ  الله يأمر بالعدل والإحسان"(6).بعض النتائج:
1 ـ إنّ  من ملامح التقريب في القضاء الإسلامي هو العمل بقاعدة عدم إلزام القضاة بالسير على مذهب معين فقد كانت قاعدة عامة على مرّ العصور، وهذه القاعدة وأن كانت تحتاج في توثيقها إلى مصاديق نظراً لأن فترة استقلال القضاء الإسلامي مرت بمرحلتين:
الأولى: مرحلة الاجتهاد المطلق.
الثانية: مرحلة الالتزام بمذهب معين دون غيره يتوسطهما مرحلة متوسطة بين الاستقلال وبين الإتباع، ولكن صياغة بعض الفقهاء لقواعد استقلال القاضي
في قضائه وتحرره مما يفرض عليه في عقد توليته كان سبباً أساسياً في زعزعة الثقة بشرعية الدولة التي لا يتوفر فيمن يتولى الولاية العامة فيها شروط الإمامة، كما أن هذا الاتجاه جعل من إتباع مذهب بعينه إلزام مقلديه بالتقاضي لدى فقهاء مذهبهم وقد بقي الفقه يؤكد عنصر الاستقلال في الاجتهاد محاولاً مقاومة السياسة الرامية إلى تكريس تقليد مذاهب دون غيره في العمل القضائي، وفي هذا يقول الماوردي: إنّ  شرط الامام المولى على المولى في عقد التقليد شرطاً عاماً بتقليد مذهب بعينه دون غيره "كان هذا الشرط باطلاً سواء كان موافقاً لمذاهب المولى أو مخالفاً لأنه قد منعه من الاجتهاد فيما يجب فيه الاجتهاد"(7).
2 ـ حيث كان للقضاء دوره في حماية العدالة الإسلاميّة وصيانة حقوق الإنسان وإلزام الدولة بحكم الشرع فقد كانت ولاية القضاء شاملة للكافة ابتداء من الخليفة إلى الأفراد العاديين، ونظراً للمثل العليا المنوطة بالقاضي فقد سجل المؤرخون سلوكية القضاة الشخصية والمهنية وأشادوا بعدالة من كان صلب العود في الحق، أ، تقدير القضاء الإسلامي يثير قضية استقلاله والضمانات المتكفلة بذلك الاستقلال وقد وجدنا أن ولاية القضاء كانت جزءاً من الولاية العامة فكان لولي الأمر من خليفة أو سلطان أن يقلد القضاة ويعزلهم وان يقيد عملهم بما يراه من القيود الزمانية والمكانية، ومن حيث الموضوع، ومع ذلك فإن مبدأ اجتهاد القاضي كان أكبر ضمانة تتكفل باستقلاله فقد كان للقاضي أن يجتهد ولا يتبع مذهب من قلده ولم يعز الفقهاء أهمية لاشتراط تقليد مذهب بعينه، وحين خضعت بعض الأقاليم الإسلاميّة لدول غير مسلمة بعد غزوات المغول شرط الفقه على من يتولى القضاء أن يشترط على مقلده القضاء عدم التدخل في عمله القضائي كما كان بعض القضاة يشترطون على من يقلدهم العمل أن يطلق لهم حرية القضاء على حاشية الأمير وبطانته فكان ذلك يضمن لهم تحقيق مبدأ المساواة ومن معرفتنا لشروط
ولاية القضاة هنا نستكشف وجوه القوة في قرارات القضاء حين تبنيهم لرأي اجتهادي معين، كما أن هذه الصفة بولاية القاضي مكنت من ديمومة النزعات الفقهية وحيويتها ودفعت بالرأي الذي اتخذه الحكم القضائي نحو إقراره في الحياة العملية كما أبرزت دوره الفاعل في المجتمع.
ومن آثار تمازج هذه الأفكار وأسلوب عرضها على منصة القضاء اتضح "أن مذاهب الصحابة والتابعين هي الموارد الفعالة والعناصر القوية التي تكونت منها مذاهب المذهبية، ومع هذا فقد بقيت متميزة محفوظة في كتب الآثار وفي كتب اختلاف الفقهاء وفي كتب التفسير الأولى وشروح الحديث الموسعة ونقلت إلينا نقلاً صحيحاً وهي الذخيرة الأولى الباقية وهي الضياء الهادي"(8).
وتبدو أهمية البحث في الآراء المختلف فيها لاستخلاص رأي جامع يوفق بينها من خلال ما يذكره العلماء المحققون في باب علم الخلاف (9) حيث ذكروا أن الخلافي أما مجيب يحفظ وضعاً شرعياً أو سائل يهدم ذلك، وجهات الالتقاء بينهما إنّما  هي في عرض آراء الفقهاء والموازنة بينها وأن كان يفترقان في قربهما من الموضوعية في البحث وبعدهما عنها.
ومن الواضح هنا أن الفقه المقارن الذي تضطلع به مهمة القاضي في جزء هام منه إنّما  تتم في استيعابه للآراء المطروحة على اختلافها باعتبار أن كلا منها يمثل حالة من صور المعالجات المقترحة للقضية ولم تكن وظيفته جدلية لا يهمها الواقع بقدر ما يهمها الانتصار في مقام المجادلة والخصومة كوظيفة المحامي الذي يضع نفسه طرفاً في الدعوى للدفاع عمن يتوكل عنه ذلك لأن وظيفة القاضي الحاكم تتجسد أهميتها هنا باعتباره يتحمل مسؤولية فحص جميع الوثائق وتقييمها، والتماس أقربها للواقع تمهيداً لإصدار حكمه ولا يهمه أن يلتقي ما
ينتهي إليه مع ما لديه من مسبقات فقهية وربما عمد إلى تصحيح آرائه السابقة على ضوء ما ينتهي إليه(10).
وبهذا نشعر بواقع الفقه الإسلامي في محاولة جادة مهمتها القضاء على مختلف النزعات العاطفية حيث نصل إلى تقريب شقة الخلاف بين المسلمين والحد من تأثير العوامل المفرقة التي كان من أهمها وأقواها جهل علماء بعض المذاهب بأسس وركائز البعض الآخر مما ترك المجال مفتوحاً أمام تسرب الدعوات المغرضة في تشويه مفاهيم بعضهم والتقول عليهم بما لا يؤمنون به.
3 ـ يمكن اعتماد القضاء الإسلامي وجهاً مهماً من وجوه التقريب بين المذاهب من خلال مكانته التي يحتلها في نفوس المسلمين والمتخاصمين منهم على الأخص حين يعتبر من مصادر الإقناع ذلك لأن المتقاضين كثيراً ما يستعينون بأحكام المحاكم لدعم ادعائهم وكثيراً ما يقتنع القضاة بما استشهدوا به من أحكام فيحكمون بمقتضاها في القضايا المماثلة، وإذا كانت هذه الأحكام غير ملزمة للقاضي ولا تعد من مصادر الإلزام، إلاّ أن القاضي كثيراً ما يقتنع بها إذا كانت صادرة عن تسبيب سديد أو بما يتفق مع سير العدالة في حسم الخصومة وإنهاء النزاع.
وهنا تبدو أهمية مدونات أحكام القضاء لما تحتويه من قواعد قانونية واجبة التطبيق، ويتضح جلياً أن القضاء يعتبر مصدراً مادياً للفقه والقانون بما يعرضه من تطبيقات شتى لقواعد الفقه لما تستجيب فيه لحاجات الحياة الاجتماعية من أوضاع وبما يقرره القضاء من مبادئ قانونية لحكم مسائل قد يكون حكم الفقه فيها محل خلاف وقد لا ترد في شأنها قواعد تفي بالغرض فتسهم هذه الأحكام القضائية في تعديل أو تكوين القواعد بالصفة التي تساير تطور المجتمع وتمده بما تتطلب مقتضيات الحياة من القواعد.
إنّ  هذا الإسهام من القضاء الإسلامي قد برز على ساحة الواقع ولكن تجليته تحتاج إلى دراسة موسعة بأمانة وحياد وموضوعية تستلزمها المرحلة الراهنة التي هي أوفق ما تكون مجدية ومنتجة في سبيل دراسة المنهج التقريبي الذي قدمه القضاء الإسلامي خلال التجربة التي عاشها من بعد عصر التدوين الفقهي الذي نوهنا عنه في المبحث الأول.
ولا أدل على مبررات دراسة هذا الوجه التقريبي من إقرار كافة الاتجاهات المذهبية للأسلوب الإجرائي الذي لا يزال معمولاً به في قوانين المرافعات المدنية والمحاكمات الجزائية خاصة في بلدان العالم الإسلامي "على الأقل في متونها وبعض تطبيقاتها" كما هو المتبع في أساليب ونظم الإجراءات الواجب اتخاذها عند الالتجاء إلى القضاء، ووسائل الدفاع، وطرق الإثبات، وكيفية الفصل في المنازعات، والقواعد التي ترتب وتنظم السلطة القضائية، وتوزيع الاختصاص بين جهات القضاء المختلفة، وكذلك الإجماع على قواعد إجراءات التقاضي وقد تضمنت هذه القواعد والإجراءات ما يغني مسيرة التقريب بين المذاهب بحكم ما يمتاز به التشريع الإسلامي أساس القضاء من هدف إشاعة الطمأنينة في نفوس أصحاب الحقوق، ويعزز ثقتهم بالجهاز القضائي ويشعرهم بجدوى اللجوء إليه.
وهناك نتائج مهمة أخرى يمكن أن تستخلص من خلال القراءة الواعية لنظرية الدعوى وإجراءات التقاضي في ضوء القضاء الإسلامي.
وخشية من الإطالة فقد اقتصر هذا البحث على ما توصلنا إليه من نتائجه المعروضة سلفا، في الوقت الذي نعلن حاجة الدارسين إلى التقصي التام والإحاطة الموسوعية بجزئيات هذا الموضوع وفق منهج علمي رصين ملتزم عسى أن يوفق الله العاملين لما يحبه، وأن يسدد خطانا على نهج ما يرضاه، وأن يجمع كلمة الأمة الإسلاميّة على خير حال إنه ولي التوفيق والحمد لله رب العالمين.

 ___________________
1  ـ التشريع الإسلامي مصادره واطواره د. شعبان محمّد إسماعيل.
2  ـ أخبار القضاة للقاضي وكيع ج 1 ص7.
3  ـ كتاب الأحكام لشهاب الدين القرافي السؤال السادس عشر...
4  ـ المدخل لدراسة الشريعة الإسلاميّة د. عبد الكريم زيدان ص 67.
5  ـ النظرية العامة للقضاء والاثبات في الشريعة الإسلاميّة. د. محمّد الحبيب التجريكاني ص 19.
6  ـ سورة النحل الآية 90.
7  ـ ادب القاضي للماوردي 1 ـ 187.
8  ـ موسوعة جمال عبد الناصر الفقهية ـ الدكتور السنهوري ـ المقدمة.
9  ـ عرفه صاحب تسهيل الوصول إلى علم الأصول بأنه "علم يقتدر به على حفظ الأحكام الفرعية المختلف فيها بين الأئمة أو هدمها بتقرير الحجج الشرعية وقوادح الأدلة" نقلا عن الأصول العامة للفقه المقارن للعلامة السيد محمّد تقي الحكيم ص 13.
10  ـ المصدر السابق ص 14. 
 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية