مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية

الحديث الحسن
دراسة مقارنة في المصطلح
ماجد الغرباوي


اختلف علماء الدراية في تعريف "الحديث الحسن"، كما تجاوز بعضهم الأصول المنطقية للتعريف الصحيح، فتسبب ذلك في تداخله مع غيره من الأنواع الأخرى، مما حدا بابن الصلاح (ت 643 هـ) إلى أن يقول تعقيباً على تعريف أبي سليمان الخطابي وأبي عيسى الترمذي وغيرهم:
"كلّ هذا مستبهم لا يشفي الغليل، وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن من الصحيح" (1).
وكل الخطابي قد عرف الحديث الحسن بأنه: ما عرف مخرجه واشتهر رجاله قال: وعليه مدار اكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله الفقهاء.
وأما الترمذي فقد قال: أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون حديثاً شاذاً، ويروى من غير وجه نحو ذلك.
وقال آخرون (وقد نسب إلى ابن الجوزي في كتاب الموضوعات):
الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل هو الحديث الحسن، ويصلح للعمل به(2). وما يرد على التعريف الأول صدقه على الحديث الصحيح، فيدخل في حدّه، وهذا خلاف شرائط التعريف بالحدّ التام (منطقياً)، إذ ينبغي أن يكون التعريف جامعاً مانعاً، أي مانعاً من دخول الأغيار، وهو ليس كذلك.
إضافة إلى أن الحديث الحسن لا يشكل النسبة الغالبة في الأحاديث، وليس بالضرورة أن يقبله أكثر العلماء فما اعتبره المعرف من قيود في حد الحديث الحسن ليست من مقوماته الذاتية ولا من عوارضه، كما أنها ليست قيوداً صالحة لتخصيصه.
أما ما يمكن أن يسجل على التعريف الثاني فهو:
1 ـ أنّه  لم يشترط الاتصال في التعريف، فيصدق حينئذٍ على الحديث المنقطع والمرسل.
2 ـ إنّ  قيد (من لم يتهم بالكذب) الوارد في التعريف يشمل بإطلاقه مجهول الحال، المسكوت عنه، مع أن جهالة حال الراوي من موجبات ضعف الرواية سقوطها عن الاعتبار، فتدخل في قسم الضعيف لا الحسن.
والتعريف الثالث يفتقر إلى الدقة الكافية التي تميزه على غيره من أنواع الحديث، إضافة إلى عدم اشتراط الاتصال.
التعريف المختار عند المدرسة الأولى:
قسم ابن الصلاح (3) الحديث الحسن ـ على ضوء أقوال من سبقه ـ إلى قسمين، ثم عمد إلى تعريف وتوضيح كلّ منهما وسوف نوجز ما جاء عنه بالنقاط التالية:
القسم الأول من أقسام الحديث الحسن:
1 ـ لا يخلو رجال سنده من مستور: أي يكون أحد رجال السند أو أكثر مستوراً، مجهول الحال، لم يوثق أو يعدل.
2 ـ لم تتحقق أهليته لرواية الحديث.
3 ـ ليس مغفلاً أو كثير الخطأ فيما يرويه: ويعرف ذلك بمقارنة ما يرويه بغيره.
4 ـ غير متهم بالكذب: أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث.
5 ـ أن يعرف حديثه: كأن يروي مثله أو نحوه من وجه آخر، أو أكثر.
6 ـ ليس ما يرويه شاذاً ولا منكراً.
القسم الثاني:
1 ـ أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة.
2 ـ لم يبلغ راويه درجة الصحيح في الحفظ والإتقان لكن لا يعد حديثه منكراً.
3 ـ عدم الشذوذ.
4 ـ عدم الإعلال.
5 ـ أن لا يكون منكراً.
ويلاحظ على تعريفي ابن الصلاح للحديث الحسن.
ألف ـ أنّه  لم يعتبر قيد الاتصال، فيدخل في التعريف الأول (الضعيف
والمرسل والمنقطع الذي في رجاله مستور، وروي مثله أو نحوه من وجه آخر، وعلى الثاني المرسل الذي اشتهر راويه بما ذكر، فإنه كذلك وليس بحسن في الاصطلاح) (4).
ب ـ إنّ  توافر الحديث على قرائن الاعتبار (بأي درجة كانت) لا تخرجه عن دائرة اصطلاحه، وإن تغير حكمه فالحديث المرسل (مثلاً) إذا توافر على قرائن تدل على اعتباره أو صحته، لا يخرج عن كونه مرسلاً اصطلاحاً، وإن صار معتبراً أو صحيحاً حكماً.
فمصطلح الحديث الحسن كذلك. وهنا ابن الصلاح لم يضع ضابطة تحدد مصطلح لحديث بدقة، ولم يعتمد تعريفاً جامعاً مانعاً له، وأن ما ذكره يمكن أن يُعد بمثابة قرائن لتصحيح عددٍ من أنواع الحديث، وليس الأمر مقتصراً على الحديث الحسن، لاسيما التعريف الأول الذي يصدق عليه (الحسن لغيره).
وقد تبع ابن الصلاح في تعريفه للحديث الحسن عدد من علماء الدراية، منهم الحافظ ابن كثير في كتابه "اختصار علوم الحديث"(5).والنواوي في كتابه "التقريب"(6)، وغيرهما.
ولعل افضل من عرف الحديث الحسن هو ابن حجر في شرح النخبة، عندما حدّ الحديث الصحيح لذاته بقوله: ما نقله عدل تام الضبط متصل الإسناد غير معلل ولاشاذ، ثم قال: "فإن خف الضبط فهو الحسن لذاته"(7).
 وقد رجح بعضهم هذا التعريف على غيره، وأعاد صياغته بعبارة موجزة، منهم الدكتور صبحي الصالح، قال: "الحديث الحسن: هو ما اتصل سنده بنقل عدل خفيف الضبط، وسلم من الشذوذ والعلة"(8).
ومنهم الدكتور نور الدين عتر، قال: "الحديث الحسن: هو الحديث الذي اتصل سنده بنقل عدل خف ضبطه غير شاذ ولا معلل"(9).
والمراد بالحسن لذاته: أي الذي بلغ درجة الحسن بذاته لا للقرائن الخارجية.
ويعتبر التعريف الأول لابن الصلاح هو تعريف للحديث الحسن لغيره، والتعريف الثاني هو تعريف للحديث الحسن لذاته.
وعلى ضوء تعريف ابن حجر يطابق الحديث الحسن الحديث الصحيح في جميع الشرائط عدا درجة الإتقان والضبط.
الحديث الحسن عند مدرسة أهل البيت:
لم يكن علماء الدراية، في مدرسة أهل البيت، أوفر حظاً من أصحابهم أتباع المدرسة الأولى في الاتفاق على تعريف موحد للحديث الحسن، وإنّما  وقع الخلاف بينهم على ذلك.
وفي ما يلي استعراض لأهم آرائهم:
الرأي الأول: للشهيد الأول، قال: "ما رواه الممدوح من غير نص على عدالته"(10).
ويسجل على هذا التعريف أنّه  ليس جامعاً مانعاً، وذلك:
1 ـ لم يعتبر فيه قيد الاتصال، فيدخل في حده المرسل والمنقطع، مع أنهما ليس منه جزماً، بل مصطلح آخر لنوع آخر من أنواع الحديث.
2 ـ لم يقيد الممدوح بكونه إمامياً مع أنّه  مراد(11).
3 ـ قولـه: "ما رواه الممدوح" يقتضي شموله إلى ما كان في طريقه ممدوح واحد وإن كان الباقي ضعيفاً، مع أن الحديث يتبع أخس ما فيه من صفات حينما تتعدد فينبغي أن يعد ضمن قسم الحديث الضعيف حينئذٍ(12).
الرأي الثاني: للشهيد الثاني، قال:
"ما اتصل سنده إلى المعصوم بإمامي ممدوح (بلا معارضة ذم مقبول) (13).
من غير نص على عدالته، مع تحقق ذلك في جميع مراتبه أو في بعضها مع كون الباقي من رجال الصحيح"(14).
وقد تبع الشهيد الثاني في تعريفه للحديث الحسن عدد من العلماء، منهم صاحب الرواشح (15).
ومن المتاخرين السيد الغريفي في كتابه قواعد الحديث(16).
ولعل هذا التعريف أجودها لشموله على جميع الشرائط وعلى ضوئه تكون شرائط الحديث الحسن:
1 ـ اتصال السند: أي أن يكون كلّ واحد من الرواة قد تلقاه ممن فوقه من الرواة إلى أن يبلغ منتهاه، هو المعصوم عليه السلام (النبي أو الإمام) وبذلك خرج المرسل والمنقطع بأي نوع من أنواع الانقطاع.
2 ـ أن يكون جميع الرواة أماميين: وبذلك خرج الموثق، الذي يكون رجال سنده أو بعضهم منصوص على وثاقته لكن من غير الإمامية، وأن كان من أحد الفرق الشيعية الأخرى.
3 ـ أن يكون جميع رواته ممدوحين مدحاً معتداً به، أو بعضهم كذلك ـ ولو واحداً ـ على أن يكون الباقي من رجال الصحيح وبذلك خرج الحديث الضعيف لأنه دونه في الصفة.
الرأي الثالث: للشيخ حسن بن عبد الصمد، قال:
"ما رواه الممدوح مدحاً يقرب من التعديل، ولم يصرح بعدالته ولا ضعفه مع صحة عقيدته" (17).
ويسجل على هذا التعريف:
1 ـ لم يعتبر قيد الاتصال.
2 ـ لم يقيد التعريف (كون باقي رجال السند أما ممدوحون أو من رجال الصحيح) وإلا فالحديث يلحق بالمرتبة الدنيا، فلو كان أحد رجاله ضعيفاً سيكون الحديث ضعيفاً، لأنه يتبع أخس ما فيه من الصفات حينما تتعدد.
الرأي الرابع: ما ذكره الشيخ المامقاني في مقباس الهداية، قال: "ما اتصل سنده إلى المعصوم ـ عليه السلام ـ  بإمامي ممدوح مدحاً مقبولاً معتداً به،غير معارض بذم، من غير نص على عدالته، مع تحقق ذلك في جميع مراتب رواة طريقه أو في بعضها، بأن كان فيهم واحد أمامي ممدوح غير موثق مع كون الباقي من الطريق من رجال الصحيح"(18)، وهذا التعريف مبتلى بالإطالة والتفصيل الزائد.
مصطلح الحديث الحسن بين المدرستين:
عندما نقارن مصطلح الحديث الحسن بين المدرستين نجد أن هناك قيوداً متفق عليها في التعريف، وأخرى مختلف فيها فلو قارنا بين تعريف ابن حجر الوارد في النخبة من جهة والتعريف الرابع للشهيد الثاني من جهة أخرى فسنجد أن قيداً واحداً متفق عليه وهو:
اتصال السند من رواية إلى منتهاه.
نقاط الاختلاف:
1 ـ عدالة الرواة مع خفة الضبط على مباني المدرسة الأولى.
أما المدرسة الثانية فلم تشترط العدالة باعتبارها من قيود الصحيح، ولا الضبط باعتباره ملازماً لها، لكنها اشترطت أن يكون الراوي ممدوحاً مدحاً معتداً به لاخراج الضعيف.
2 ـ أن يكون الراوي إمامياً على مباني المدرسة الثانية، للاحتراز بهذا القيد عن الموثق.
3 ـ عدم الشذوذ والاعلال على مباني المدرسة الأولى. وقد مر (19). أن عدم الشذوذ وعدم الاعلال شرط في اعتبار الخبر، لا في إطلاق التسمية عليه.
إذا ستكون خفة الضبط هي المائز بين الصحيح والحسن على مباني المدرسة الأولى أما المائز بينهما على مباني المدرسة الثانية فهي العدالة: أي عدالة جميع رجال سند الصحيح، واخترام هذا الشرط ولو في واحد من رجال سند الحسن، شرط أن يكون الباقي ممدوحين مدحاً معتداً به.
وعندما ندقق في المائز الذي اعتبر بين الحديثين الصحيح والحسن نجد العدالة مائزاً حقيقياً واحداً فاصلاً بينهما أما خفة الضبط فليس كذلك لعدم اتفاقهم على شرطيتها في الصحيح، فالبعض اعتبرها داخلة في العدالة وليست شرطاً مستقلاً، والبعض الآخر قد نفى شرطيتها أما العدالة فالكل متفق على شرطيتها في الصحيح، وعدم أخذها قيداً في الحسن يضع مائزاً حقيقياً بين المصطلحين.
فتعريف المدرسة الثانية للحديث الحسن أكثر دقة ومتانة.
ولو قارنا تعريف الحديث الحسن بين المدرسة الثانية من جهة وتعريف ابن الصلاح من جهة ثانية نجد انه يشترط في التعريف الأول (الحسن لغيره):
1 ـ أن يكون أحد رجال السند مستوراً، لم تتحقق أهليته، لكن ليس مغفلاً أو كثير الخطأ فيما يرويه ولا متهماً بالكذب.
وهذا يقابل الممدوح (تقريباً)، لكن ليس مدحاً معتداً به.
2 ـ أن يروي متن الحديث من وجه آخر أو أكثر ليخرج عن كونه شاذا أو منكراً، أي لابد أن تعضده قرينة خارجية تثبت عدم ضعفه.
وأما ما يفترق به فهو عدم اعتباره الاتصال. وقد تبين أن عدم أخذه قيد
الاتصال في التعريف سوف يكون مصطلح الحديث الحسن شاملاً للحديث المرسل والمنقطع والضعيف.
نقاط الاتفاق في التعريف الثاني (الحسن لذاته):
أن يكون الراوي من المشهورين بالصدق والأمانة غير أنّه  لم يبلغ درجة رجال الصحيح لكونه يقصر عنهم في الحفظ والاتقان.
وهذا يقابل الممدوح (كما في تعريف المدرسة الثانية) مدحاً معتداً به.
غير أن أشكال عدم أخذ قيد الاتصال يبقى وارداً على التعريف.
لكن هنالك عبارة لابن الصلاح يشم منها اعتباره قيد الاتصال حيث قال:
"الحسن يتقاصر عن الصحيح في أن الصحيح من شرطه أن يكون جميع رواته قد ثبتت عدالتهم وضبطهم واتقانهم" إلى أن قال: "وذلك غير مشروط في الحسن..." (20).
فقولـه: "الحسن يتقاصر عن الصحيح" إذا دل على تطابق الحسن مع الصحيح فيما عدا العداة والاتقان، فسوف يتطابق هذا التعريف مع تعريف المدرسة الثانية إلاّ في قيد أما مية الراوي الذي قلنا أنّه  قيد لإخراج الموثق وبذلك سوف يكون مصطلح الحديث الحسن من المصطلحات المتفق عليها تقريباً وإذا لم يدل على ذلك فسوف تبقى الاشكالات السابقة مسجلة على التعريف.
حكم الحديث الحسن:
كما وقع الاختلاف بين علماء الدراية من كلا المدرستين في الحديث الحسن وقع الاختلاف بينهم في حكمه فمنهم من عمل به مطلقاً، ومنهم من رده
مطلقاً، وأخر فصل فيه وسنذكر أهم الأقوال الواردة في حكمه عندهما:
المدرسة الأولى:
أدرج بعضهم الحديث الحسن في الصحيح، لاندراجه في أنواع ما يحتج به.
منهم الحاكم النيسابوري، كما نقل ذلك في المقدمة (21). خلافا لابن الصلاح الذي اعتبر الحسن يتقاصر عن الصحيح (22). إلاّ إذا كان راوي الحديث المتأخر عن درجة أهل الحفظ والإتقان مشهوراً بالصدق والستر، وروي حديثه مع ذلك من غير وجه قال: "وذلك يرقى حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح"2.
لكن يرد على ابن الصلاح، كما تقدم، أن القرائن تصير الحسن كالصحيح حكماً لا اصطلاحاً أي صالحاً للاحتجاج به، ولا تخرجه عن كونه حسناً اصطلاحاً.
وقد اعتبر النووي الحسن كالصحيح في الاحتجاج  به وان كان دونه في القوة كما نسب السيوطي ذلك إلى ابن حبان وابن خزيمة وغيرهم (24).
وأكد الدكتور نور الدين عتر أن "الحديث الحسن مقبول عند الفقهاء كلهم في الاحتجاج والعمل به وعليه معظم المحدثين والأصوليين"(25).
هذا بالنسبة إلى الحسن بذاته أما الحسن لغيره فقد قال في حكمه:
"الحديث الحسن حجة يعمل به أيضاً عند جماهير العلماء من المحدثين والأصوليين وغيرهم، لأنه وإن كان في الأصل ضعيفاً لكنه قد انجبر وتقوى بوروده من طريق آخر"(26).
ويرد على هذا ما ورد على ابن الصلاح، لأن حجيته ليست ذاتية وإنّما  مكتسبة من القرائن الخارجية الجابرة لضعفة.
فالمتحصل من مجموع كلامهم أن الحسن كالصحيح، صالح للاحتجاج به في مقام العمل.
المدرسة الثانية:
افترق علماء المدرسة الثانية بشأن حجية الحديث الحسن في مقام العمل به إلى ثلاث طوائف:
1 ـ العمل به مطلقاً:
نسبه الشهيد الثاني إلى الشيخ الطوسي (460هـ)، والى كلّ من اكتفى في العدالة بظاهر الإسلام ولم يشترط ظهورها (27).
وذهب السيد الغريفي إلى حجية الحديث الحسن، ونسب ذلك إلى المشهور، وأدعى قيام السيرة العقلائية على قبول كلّ خبر كان المخبر به موثوقاً به في نقله، أو حسن الظاهر ممدوحاً، كما لم يرد ردع عن هذه السيرة من قبل الشارع(28).
2 ـ الرد مطلقاً:
وقد نسب الشهيد الثاني هذا القول إلى الأكثر، حيث اشترطوا قبول الرواية الإيمان والعدالة منهم العلامة الحلي(29).
3 ـ التفصيل:
فقبلوا الخبر الحسن الذي اشتهر العمل بمضمونه بين الأصحاب، وردوا غيره منهم: المحقق الحلي في المعتبر، والشهيد الأول في الذكرى(30).
إذن القائلون بالتفصيل يصنفون الحديث الحسن في قسم الضعيف، إلاّ إذا اشتهر العمل به بين الأصحاب فينجبر ضعفه حينئذٍ، لذلك لا يكون الحسن حجة بذاته، وإنّما  يكتسب اعتباره وحجيته من اشتهار العمل به.
وقد أكد هذا التقسيم كلّ من جاء بعد الشهيد الثاني، الشيخ حسين بن عبد الصمد،(31) وولده الشيخ البهائي، (32) وغيرهما (33).
وأكثر الفقهاء من المتأخرين يعملون بالأحاديث الحسان إذا كان المجهول ممدوحاً مدحاً معتداً به ولم يرد فيه ذم مثل إبراهيم ابن هاشم إذا وقع في سندٍ رواته إماميون عدول عداه.
مصطلح آخر للحسن عند المدرسة الثانية:
توصف بعض الأحاديث بالحسن رغم أنها غير مستوفية لبعض الشروط، كان يطرأ إرسال أو انقطاع أو ضعف على حديث حسن متصل الإسناد أي "كون رواته متصفين بوصف الحسن إلى واحد معين، ثم يصير بعد ذلك ضعيفاً، أو مقطوعاً أو مرسلاً"(34).
وهذه الموارد وغيرها خارجة عن تعريف الحديث الحسن اصطلاحاً، وإنّما  أرادوا حكم الحسن دون المصطلح(35).
الحكم بالحسن على السند:
قد يقال: (هذا حديث حسن الإسناد)، أو (حسن السند)، دون (حديث حسن)، والسبب في ذلك يعود إلى حسن السند دون المتن لعلة أو شذوذ فيه، فيقتصر الحكم على السند دونه.
جمع الحسن مع غيره:
إذا قال: حسن صحيح، حسن غريب قال ابن الصلاح: "أن ذلك راجع إلى
الإسناد، فإذا روي الحديث الواحد باسنادين أحدهما إسناد حسن، والآخر إسناد صحيح استقام أن يقال فيه أنّه  حديث حسن صحيح، أي أنّه  حسن بالنسبة إلى إسناد، صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر"  (36).
وقال الشيخ حسين بن عبد الصمد: فيغلب في التسمية الأقوى منهما ويكون الآخر شاهداً ومقوياً ثم قال: "وقد يحكم بعض علمائنا بصحة حديث والآخر بحسنه أو توثيقه أو ضعفه، إما لأنه رواه بطريق صحيح لم يقف عليه الآخر، وإما لاعتقاده ثقة الراوي وعدم اعتقاد الآخر ذلك، فيحكم كلّ واحد بحسب ما وصل إليه"(37).
مصادر الحديث الحسن:
أهم مصادر الحديث الحسن عند المدرسة الأولى هو كتاب: الجامع لأبي عيسى الترمذي.
ومن مظانه أيضاً سنن أبي داود السجستاني، بل السنن الأربعة ومسند أحمد...
أما عند المدرسة الثانية فالأحاديث الحسان منبثة في الكتب الأربعة: الكافي، الفقيه، التهذيب، الاستبصار.
المصادر والهوامش
___________________
 1 ـ ابن الصلاح، أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري، علوم الحديث (المشهور بمقدمة ابن الصلاح)، تحقيق الدكتور نور الدين عتر، دمشق، دار الفكر، ص 30.
2 ـ علوم الحديث، المصدر السابق، ص 30.
3 ـ علوم الحديث، المصدر السابق، ص 31.
4 ـ ما بين القوسين مناقشة ابن جماعة لتعريف ابن الصلاح، إلاّ أنها مناقشة ناقصة لان علة دخول هذه الأنواع في التعريف عدم أخذ قيد الاتصال فيه ولم ينبه على ذلك، انظر: الشيوطي، جلال الدين، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، تحقيق الدكتور أحمد عمر هاشم، بيروت، دار الكتاب العربي، ط 1989، ج 1، ص 127.
5 ـ أنظر: الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، أحمد شاكر، القاهرة، ط 2، ص 42.
6 ـ انظر التقريب ضمن كتاب (تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي)، مصدر سابق، ج 1، ص 126.
7 ـ ابن حجر، نخبة الفكر، ص 11.
8 ـ الصالح، الدكتور صبحي، علوم الحديث ومصطلحة.. عرض ودراسة، قم، دار الكتاب الإسلامي، ص 157.
9 ـ عتر، الدكتور نور الدين، منهج النقد في علوم الحديث، دمشق، دار الفكر، ط 3، 1985 م، ص 364.
10 ـ الشهيد الأول، الذكرى، طبعة قم، ص 4.
10 ـ الشهيد الثاني، شرح البداية في علم الدراية، ضبط نصه السيد محمّد رضا الجلالي، قم، منشورات الفيروز آبادي، 1414 هـ، ص 24.
11 ـ ن. م.
12 ـ هذا القيد في التعريف لم يذكره الشهيد الثاني في تعريفه للحديث الحسن، وإنّما  ذكر ذلك في الموثق، قال:
"ولو فرض كونه قد مدح وذم، كما اتفق لكثير، ورد على تعريف الحسن أيضاً.
والأولى أن يطلب ـ حينئذٍ ـ الترجيح، ويعمل بمقتضاه، فان تحقق التعارض لم يكن حسناً.
وعلى هذا فينبغي زيادة تعريف الحسن يكون المدح مقبولاً، فيقال: ما اتصل سنده بامامي ممدوح مدحاً مقبولاً، أو غير معارض بذم". انظر شرح البداية ص 25 ـ 26.
14 ـ شرح البداية، المصدر السابق ص 23.
15 ـ المير داماد، الرواشح، طبعة قم، ص 41 قال: "الحسن: وهو المتصل السند إلى المعصوم بامامي ممدوح في كلّ طبقة، غير منصوص على عدالته بالتوثيق ولو في طبقة ما فقط".
16 ـ الغريفي، محي الدين الموسوي، قواعد الحديث، قم، منشورات مكتبة المفيد، ط 1، ص 24.
17 ـ العاملي، الشيخ حسين بن عبد الصمد، وصول الأخيار إلى أصول الأخبار، تحقيق السيد عبد اللطيف الكوهكمري، قم، مجمع الذخائر الإسلاميّة، ص 95 ـ 96.
18 ـ المامقاني، الشيخ عبدالله، مقياس الهداية في علم الدراية، تحقيق الشيخ محمّد رضا المامقاني، قم، مؤسسة آل البيت لأحياء التراث، ط 1، 1411 هـ ج 1، ص 160.
19 ـ انظر: العدد 5 من مجلة رسالة التقريب، الحديث الصحيح، ماجد الغرباوي.
20 ـ علوم الحديث، مصدر سابق، ص 32.
21 ـ م.ن.ص 40.
22 ـ م.ن.ص32.
23 ـ م.ن.ص 34.
24 ـ تدريب الراوي، مصدر سابق، ح 1، ص 128.
25 ـ منهج النقد، مصدر سابق، ص 266.
26 ـ م.ن.ص271.
27 ـ شرح البداية، مصدر سابق، ص 27.
28 ـ قواعد الحديث، مصدر سابق، ص 27 ـ 28.
29 ـ شرح البداية، مصدر سابق، ص 27.
30 ـ م.ن.ص 28.
31 ـ وصول الأخيار، مصدر سابق، ص 97.
32 ـ انظر: الوجيزة، تحقيق ماجد الغرباوي، مجلة تراثنا، العدد: 32، 33، ص 423.
33 ـ السيد حسن الصدر في نهاية الدراية، والشيخ المامقاني في المقباس، والسيد الغريفي في قواعد الحديث.
34 ـ شرح البداية، مصدر سابق، ص 24.
35 ـ مثلوا لذلك بحكم العلامة على طريق الشيخ الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه إلى منذر بن جفير وإدريس بن زيد وسماعة بن مهران بأنه حسن، علماً أن الأوليين مجهولين ولم يرد فيهما مدح، والثالث واقفي.
36 ـ علوم الحديث، مصدر سابق، ص 39.
37 ـ وصول الأخيار، مصدر سابق، ص 97.
 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية