مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

مسؤولية المرأة عن دعم كيان الأسرة في النظام الاسلامي
أ.د. محمد الدسوقي

الأسرة والمجتمع إن علماء الاجتماع على تباين مشاربهم ومذاهبهم يجمعون على أن الأسرة عماد المجتمع، وقاعدة الحياة البشرية، وأنها إذا قامت على أسس قويمة سليمة استقرت أحوال المجتمع، وتوطدت أركانه. فإذا وهنت قواعد الأسرة، والأسس التي تقوم عليها ولم يتحقق لها أسباب القوة على اختلافها اضطربت أحوال المجتمع واختل توا زنه .إن الأسرة هي النموذج الأساس لتكوين الشخصية ، بل هي المهندس الأول الذي يضع تصميم هذا التكوين (1)ولأهمية الأسرة وأثرها في المجتمع وجهت الرسالات الإلهية نحوها قسطاً كبيراً من العناية والرعاية . (110)وجاءت الرسالة الخاتمة التي بعث بها محمد (ص) بالتشريعات التي تحفظ على الأسرة قوتها والقيام برسالتها كما ينبغي أن تكون، لتظل دائماً خلية صالحة في جسم المجتمع، وبنية نقية من شوائب الضعف ، تدرأ عنه عوامل التخلف والانحلال .
أساس بناء الأسرة الزواج الشرعي هو أساس بناء الأسرة، وبدون هذا الزواج لا يمكن أن تقوم أسرة، فهو الوسيلة الاجتماعية التي تكسب الأسرة طابعها الشرعي وطابعها الإنساني .وقد عنى الإسلام بالزواج عناية خاصة تفوق عنايته بأية علاقة إنسانية أخرى ، ومن شواهد هذه العناية أن لعقد الزواج منزلة خاصة من حيث موضوعه ووجوب إشهاره والاحتفاء به، وأن الأصل فيه التنجيز والتأييد .إن موضوع عقد الزواج هو الإنسان ، والإنسان أكرم المخلوقات فكان عقد الزواج أكرم العقود؛ لأنه يمثل ارتباطاً مشروعاً بين الرجل والمرأة، ارتباط سماه القرآن ميثاقاً غليظاً، ولأن الإسلام جعل له مقدمات، يأتي على رأسها حسن الاختيار والرغبة المشتركة، حتى يظل هذا الميثاق حياً قوياً يعبر عن علاقة الامتزاج الكامل بين الزوجين فهما به أصبحا كفرد واحد .
منزلة المرأة في الأسرةإن المرأة هي العمود الفقري للأسرة أو هي في الأسرة كربان السفينة في البحر اللجي لا يغفل عن حمايتها من جميع الأخطار، ومن ثم لا يغمض لها جفن ولا يهدأ لها بال إذا ألمت بمملكتها نازلة من النوازل، وتبذل كل جهودها لوقاية أسرتها ما قد يهدد أمنها وسعادتها، فلا غرو أن كان حظها من الإحسان إليها وحسن صحبتها ثلاثة أمثال حظ الرجل. (111)إن مقولة أن كل عظيم وراءه امرأة مقولة صحيحة، لأن المرأة هي التي تهيئ لحياة الأسرة كل أسباب النجاح والفلاح والتفوق والتجديد وتدرأ عنها كل عوامل الإخفاق والتخلف والتقليد. ولذلك كانت بنص الحديث الشريف في بيتها راعية ومسؤولة عن رعيتها، وهذه الرعاية لها جانبان: مادي ومعنوي، ويتمثل الجانب المادي في إعداد ما تقوم به الحياة لكل أفراد الأسرة من نظافة ملبس ومأكل ومشرب ومسكن، وأما الجانب المعنوي فإنه يتمثل في حسن تبعل المرأة لزوجها فإنه يعدل الجهاد(2) ثم رعاية الأبناء رعاية حب وتوجيه ، والإحسان إلى الوالدين وصلة الأرحام بالمودة وتفقد الأحوال.وهذه المسؤولية بشطريها المادي والمعنوي متكاملة، وبها يكون الترابط الأسري متيناُ، كما أنها تقوم بدور مهم في الضبط الاجتماعي، وتؤكد روابط التعاون والتكامل في محيط الأسرة.ولمسؤولية المرأة في الأسرة كرمها الإسلام أعظم تكريم، وجعل لها شخصيتها ومكانتها، وانتشلها من الهوان الذي تحدر إليها من أعماق التاريخ، لقد منحها كل خير، وصانها عن كل شر، منحها حق اختيار الزوج، وحق التملك، وحق إبداء الرأي والمشاورة وجعل لها نصيباً من الميراث، بعد أن كانت العرب لا تورث إلا من يحمل السلاح من الرجال دون النساء والأطفال، وصانها عن التبرج والخضوع بالقول، والبعد عن مواطن الشبهات وكل ما يسيء إلى عفتها وإحصانها.أن المرأة شقيقة الرجل أو نصف المجتمع، وراعية النصف الآخر، ولهذا كان دورها في الأسرة يفوق دور الأب. بحكم صلتها القوية، واتصالها الطويل بالأبناء وبحكم تأثيرها القوي على شخصياتهم، وقدرتها على توجيههم الوجهة التي تريد، وتلقينهم المبادئ التي تؤمن بها، وبخاصة في مرحلة الطفولة، وقديما قيل : المرأة التي تحرك سرير الرضيع بيمناها، تستطيع أن تحرك العالم بيسراها . (112)
إعداد المرأة لحماية الأسرةومادام للمرأة في الأسرة تلك المنزلة والأهمية ، وأن هذا يؤكد مسؤوليتها عن حماية الأسرة من كل ما يتهددها، فإن إعدادها للقيام بهذه المسئولية ضرورة إسلامية، وهذا الإعداد يتطلب أولاً أن يعاد للمرآة المسلمة ثقتها في عظم مسؤوليتها ، وتتحرر من الوهم الذي جعلها تؤمن بأنها إن لم تعمل خارج البيت عاملة فهي أدنى مرتبة بالنسبة لغيرها من النساء العاملات، ينبغي أن تدرك عن يقين بأنها في داخل البيت تؤدي عملاً جليلاً لا يمكن لغيرها أن تقوم به، وأن تقصيرها في هذا العمل وتحمل مسؤوليتها لا يضر بأسرتها فحسب ، وإنما يلحق الضرر المجتمع بأسره.وإذا كانت المرأة هي المدرسة الأولى التي يتلقى فيها الطفل الدروس الابتدائية في تعامله مع الحياة ، وإذا كان ما تغرسه في نفوس الأبناء من قيم في السنوات الأولى يلازمهم طوال حياتهم مهما تراكم عليها عوامل الإفساد ، كان لابد أن تتسلح بثقافة دينية أساسية تكون لها هادياً لتلقين الأبناء القيم الإسلامية السليمة.ولا يراد بهذه الثقافة الدينية أن تكون المرأة متبحرة في علوم الشريعة، وإنما يكفي أن تكون على إلمام بأهم خصائص التصور الإسلامي، وأن تحصل على قدر معقول من القرآن حفظاً وتفسيراً، وأن تطلع على سيرة السلف الصالح من الرجال والنساء. وما قدموه للإسلام من تضحيات تكون مادة لقصص تحكيها لأطفالها، ومثالا تقتدي به في سلوكها أمامهم، وأن تكون على علم بالحلال والحرام في كل ما يختص بشؤون حياة أبنائها اليومية في البيت والشارع، لتردعهم إذا انحرفوا وتبين لهم الخطأ إذا أخطأوا، وتكافئهم إن أحسنوا.والمرأة إلى جانب ثقافتها الدينية في حاجتها الملحّة إلى حد أدنى من العلوم التربوية تساعدهاعلى أن تجتاز بأبنائها مرحلة طفولتهم في أمان.أن الأمر يقتضي أن تكون المرأة على وعي مقبول بوسائل معالجة مشكلات (113) كل مرحلة من مراحل طفولة أبنائها حتى تنمو مداركهم العقلية والنفسية نموها الطبيعي، وبذلك تجنبهم خطر ما قد يتعرضون له من عقد نفسية، وانحرافات سلوكية قد تلازم الطفل حتى آخر مرحلة من عمره.وإذا كانت التربية الصحية أصبحت علماً قائماً بذاته له أصوله وقواعده، فإنه يتعين على المرأة المسلمة أن تلم بقسط من التربية الغذائية، فتعرف مكونات الغذاء الكامل ، وأثر غياب بعضها على النمو السليم، كما تعرف كيف تعد لبيتها غذاء متكاملاً متوازناً بأقل التكاليف، وتساهم بذلك في البناء الاقتصادي للأسرة، بالإضافة إلى ما يوفره الغذاء الكامل من سلامة البدن، وبالتالي سلامة العقل ، فالعقل السليم في الجسم السليم .إن المرأة مع مراعاتها لقواعد الصحة الضرورية عليها أن تربي أولادها على الالتزام بقواعد النظافة في كل شيء ، فالإسلام دين الطهارة والنظافة ، طهارة الظاهر والباطن معاً . وطوعاً لهذا يكون المسلم دائماً شامة بين الناس يرى فيه الجميع صورة مشرقة للنظافة المادية والمعنوية على السواء.وعلى المرأة بالإضافة إلى ما سبق أن تنشئ أولادها على النظام، وأن تحرص على أن يكون البيت جميلاً منسقاً والجمال ليس علماً يلقن، ولكنه إحساس وثقافة تؤصل في الإنسان منذ نعومة أظفاره، حتى تصير جزءاً من شخصيته. والمرأة المسلمة أولى الناس أن تكتسب هذه الثقافة وتربي عليها أطفالها ليشبوا على حب الجمال وتقديره، فالله جميل يحب الجمال.أن المرأة بلا مراء مدرسة لا تقل أهمية وأثراً عن المدارس النظامية التي تلقى كل اهتمام من حيث التطوير، على حين أن الأولى الاهتمام بإعداد المرأة، فهي خير ضمان لنجاح المسيرة الحضارية، وما أومأت إليه حول هذا الإعداد يعتبر الحد الأدنى مما يجب أن تعدُّ له المرأة المسلمة حتى تقوم بمهمتها على خير وجه، مما يستوجب صياغة جديدة للبرامج التعليمية تفصل بين ما يقدم للإناث وما يقدم للذكور، وتراعي تخصصات كل من الجنسين (3)، وأن تكون هذه البرامج مطعمة بما يؤدي إلى تفجير طاقات الفكر الإسلامي الصامد (114) أمام التيارات الهدامة، والأفكار المسمومة.ولا يعني الاهتمام بإعداد المرأة وتسليحها وبما يهيئها لحماية الأسرة، وإعداد جيل طيب الأعراق، طاهر الاردان. أن دور الرجل هامشي في الأسرة، وأن هذا الدور لا يتجاوز توفير الضرورات المادية لأهله وأولاده، فالرجل مكمل للمرأة في مرحلتي المراهقة والشباب، فهما شريكان في رعاية الأسرة، وقد يكون دور الرجل أهم من دور المرأة، فهو أقدر منها على الرعاية والتوجيه في هاتين المرحلتين، ولأمر ما كانت حضانة المرأة للأبناء منذ الولادة حتى مشارف مرحلة المراهقة، ثم تنتقل الحضانة للرجل، ومن ثم كان في حاجة إلى أن يتسلح بوعي ديني وتربوي معقول؛ حتى يكون لأبنائه راعياً واعياً، ومربياً حكيماً، ويكمل بهذا ما قامت به المرأة في مرحلة الطفولة .إن رحلة الأسرة في بحر الحياة أشبه ما تكون بزورق يعبر المحيط، وفي يد كل من المرأة والرجل مجداف لقيادة الزورق حتى يصل إلى شط الأمان، فإذا تخلى أحدهما عن استعمال مجدافه فإن الزورق يضل طريقه وقد يبتلعه الماء ويغرق كل من فيه، وهكذا تقع على المرأة والرجل المسؤولية المشتركة لحياة الأسرة وحمياتها من الأعاصير المدمرة.يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله : إن صرح الإسلام قام على تضحيات ثقال قامت بها أسر شجاعة، تواصى رجالها ونساؤها بالحق والصبر (4) ، وما أحوج الأمة اليوم إلى أسر مؤمنة شجاعة تفقه رسالتها وتضحي في سبيلها، ويتواصى الجميع على حمايتها لتظل قوة تذود عن الأمة، وتصنع لها حاضراً مشرقا ومستقبلاً مجيداً .
التحديات التي تهدد الأسرة المعاصرةتواجه الأسرة المسلمة في المجتمع المعاصر تحديات خطيرة تقف من ورائها بطريقة منظمة – قوى التغريب والصليبية والصهيونية من أجل تقويضها، لأن (115) هذه القوى تدرك أن خلخلة بناء الأسرة المسلمة هو المنطلق لإنهيار البناء الذاتي للمجتمع، والقضاء على مصدر مقاومته لسياسة البغي والعدوان التي خططت منذ أمد بعيد لزحزحة الأمة الإسلامية شيئاً فشيئاً عن دينها وأصالة هويتها، فلا غرو أن عانت الأسرة المسلمة في حاضرها من تحديات - ومازالت تعاني – خطيرة تهدد استقرارها واستمرارها.يقول المستشرق برناردلويس: إن الغرب يراهن على ثلاثة عوامل من أجل إحداث التغيير الكامل تجاه الأمركة والتحديث في الشرق الأوسط وهي: إسرائيل وتركيا والمرأة (5). إن الغرب مازال يصر على أن يستخدم المرأة كسلاح رئيس في إفساد المجتمع، وذلك بنشر الإباحية والدعوة إلى الاختلاط، وفرض حق تعليم الفتاة في المؤسسات التعليمية المختلطة وترويج الأزياء وأساليب الزينة الغربية، وتشجيع تيارات الأدب المكشوف وفنون الإثارة، وإخراج المرأة من بيتها إلى العمل لا يتفق مع طبيعتها وفطرتها الأمر الذي نشأت عنه ظاهرة الحيرة والتمزق التي تواجه الأسرة المسلمة بصفة عامة والفتاة الملتزمة بصفة خاصة (6).
المؤتمرات الدوليةإذا كان العالم الإسلامي بعد أن تخلص من الاستعمار العسكري بدأ حياة مستقلة إلى حد ما، وظهرت في هذا العالم إرهاصات الصحوة الإسلامية وانحياز جماهير الأمة إلى قادة هذه الصحوة وآثرتهم لتكون أزمّة الأمور بأيديهم – فإن الغرب شعر بصدمة عنيفة، لأنة يدرك أن الخطر العالمي الوحيد الذي يهدد مصالحه هو الإسلام، فما سواه من المعتقدات ليس بخطر يخشى منه أو يؤبه له. وكانت المؤتمرات الدولية من أهم وسائل الجولة الجديدة في الصراع بين الإسلام والقوى المضادة، لأنها اتسمت بطابع العالمية، وكأنها تعكس اتفاقاً (116)دولياً لإنقاذ البشرية مما تتعرض له من مشكلات، وليست من ثم موجهة إلى عقيدة من العقائد أو دين من الأديان، وفي هذا إشارة إلى أن الذين يعارضون هذه المؤتمرات هم الخارجون على النظام العالمي الجديد، ويريدون الحياة في دائرة الإقليمية الضيقة، ولا يفقهون التطور المعاصر لتعاون الدول على درء المخاطر. لقد بدأت المؤتمرات الدولية منذ عام: 1975 بمؤتمر مكسيكو، ثم مؤتمر كلورادو سنة 1978م، لتنصير المسلمين عن طريق اختراقهم من الداخل، ومؤتمر كوبنهاجن سنة 1980م، ومؤتمر نيروبي 1985م، وما عرف بقمة الأرض في ريودي جانيرو في البرازيل 1992م ومؤتمر حقوق الإنسان في فيينا عام 1993م، والمؤتمر العالمي للحد من الكوارث الطبيعية في يوكوهاما في اليابان عام 1994م، ومؤتمر السكان والتنمية الذي عقد بالقاهرة عام 1994م، ومؤتمر القمة العالمية للتنمية الاجتماعية في كوبنهاجن عام 1995م والمؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين عام 1995م ومؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية الذي عقد في اسطنبول عام 1995م(7). وأحدث هذه المؤتمرات، المؤتمر الدولي حول تحديات الدراسات النسوية في القرن الحادي والعشرين، وقد عقد في صنعاء سنة 1999م بمشاركة 24 دولة، وكان أغلب المشاركين فيها من المعروفين باتجاهاتهم الفكرية العلمانية المعادية للإسلام(8).وهذه المؤتمرات على تنوع طروحاتها وتعدد أساليبها ترمي إلى ابتداع أنماط وأشكال جديدة من الحياة الاجتماعية؛ تحطم الحواجز الأخلاقية وتعارض القيم الدينية، وتنشر الإباحية بأسم الحرية، وتشجع على التحلل باسم التحرر، حيث لم يكتف واضعوا البرامج لهذه المؤتمرات عند حد التشكيك في اعتبار الأسرة هي الوحدة الأساسية للمجتمع، ومطالبة الوالدين بالتغاضي عن النشاط الجنسي للمراهقين عن غير طريق الزواج، واعتبار ذلك من الشؤون الشخصية، أو من الحرية الشخصية التي لا يحق لأحد التدخل فيها، ولكنهم قفزوا فوق الكثير من الضوابط والقيم الدينية الأخرى أيضاً، ليقرروا بأن مفهوم الأسرة (117)  بالمعنى الذي يشرعه الدين ليس إلا مفهوماً عقيماً، وقيداً على الحرية الشخصية، لأنه لا يتقبل العلاقات الجنسية الحرة بين مختلف الأعمار، ويشترط أن تكون بين الذكر والأنثى فقط، وضمن الإطار الشرعي، ولأنه لا يمنح الشواذ حقهم في تكوين أسر بينهم ويتمسك بالأدوار النمطية للأبوة والأمومة والعلاقات الزوجية ضمن الأسرة، معتبرين أن ذلك مجرد أدوار وأشكال لا تخرج عن كونها مما اعتاد الناس ودرجوا عليه وألفوه، حتى دخل في طور التقاليد المتوارثة، لذلك حاولوا الترويج والإقرار لأنماط بشرية بديلة، دون اعتبار للنواحي الشرعية والقانونية والأخلاقية، مثل زواج الجنس الواحد، والمعاشرة بدون زواج، وإعطاء الجميع حقوقاً متساوية، ووضع سياسات وقوانين تقدم دعماً تأخذ في الأعتبار تعددية أشكال الأسر. إضافة إلى الدعوة إلى تحديد النسل باسم تنظيم النسل، وتشجيع موانع الحمل، وتيسير سبل الإجهاض.ويلاحظ أن هذه المؤتمرات قد تحول إنعقادها إلى عواصم بلاد المسلمين في القاهرة واسطنبول وصنعاء، وطرحها الكثير من المفاهيم التي كانت تبدو مستغربة ومنكرة، ولكن هذه المؤتمرات تمارس شيئا فشيئا عملية التطبيع والقبول لمفاهيمها وطروحاتها، فمجرد الطرح في المرحلة الأولى يعتبر مكسباً ثقافيا على الرغم من الادعاء بأنة غير ملزم للدول المشاركة بهدف تمريره، ورصد ردود الفعل ومن ثم دراسة ردود الفعل بدقة، ورسم طريقة للتعامل معها للانتقال إلى المرحلة التالية.وهكذا يتقدم الشر تدريجياً، ويحتل كل يوم موقعاً في الذهنية الإسلامية المستهدفة، ويروج لها من قبل المسكونين بالحضارة والثقافة الغربية في العالم الإسلامي.إن هذه المؤتمرات تعد تحدياً خطيراً للأسرة المسلمة، فهذه الأسرة من أواخر الحصون الإسلامية التي لما تسقط بعد سواء على المستوى الثقافي أو الاجتماعي أو القانوني، لذلك لابد من إسقاطها وإغراقها في الفلسفات والممارسات التي (118) سقطت فيها الأسرة في الحضارة الغربية، وعند ذلك يتم السيطرة على الحصن الأخير.(9) ومادامت الأسرة هي المحضن الأساس الذي ينتقل الدين من خلاله من جيل إلى جيل.ولدور المرأة المتميز في حماية هذا المحضن اهتمت تلك المؤتمرات بالمرأة، وسعت لإخراجها من دورها الأسري أولا، ثم من دورها كمربية ثانيا ودفعها إلى سوق العمل من أجل صرف نظرها عن الإنجاب ثالثا، وأخيرا تحريفها من كل ما يمكن أن تحمله من قيم عبر إشاعة الحرية الفردية، وإخراجها بعد ذلك من دائرة الدين عبر إحلال قيم ما بعد الحداثة الأنثوية وهي : موت الرجل ، موت التاريخ ، موت الغيبيات، وكل هذا يعنى أن المرأة كانت هي الهدف الذي حاولت تلك المؤتمرات أن تخترقه، لأن في ذلك اختراقا للأسرة المسلمة وقضاء على قيمها الشرعية. وهناك إلى جانب التحديات الوافدة التي أومأت إليها تحديات داخلية تتمثل في الأمية الدينية، والثنائية الثقافية وتخلف المناهج التعليمية، والتفكك الأسري بالإضافة إلى صحافة الأسرة التي لا تختلف جوهرياً عن صحافة الأسرة في الغرب، وكذلك البث الإعلامي وبخاصة المرئي منه فهو بوجه عام يترسم خطوات البث الإعلامي الأجنبي. وجملة القول أن كل التحديات التي تهدد الأمة هي في جوهرها موجهة إلى المرأة بنتاً أو أختاً أو أما، لأن في غزوها غزواً للأسرة وتدميراً لها.
كيف تقاوم المرأة التحديات التي تهدد الأسرة؟إن تلك التحديات إذا كانت قد حققت بعض ما خطط له في غياب المناعة الذاتية للمجتمع الإسلامي فإنها لم تحقق كل مآربها، فلا زالت جذور الخير وبذور الفطرة السليمة تَهبُ أبناء العالم الإسلامي من أسلحة المقاومة ما يحول (119) دون انتشار أوبئة الحضارة المادية في جسد الأمة الإسلامية، حيث لازال عالمنا الإسلامي عصياً متماسكاً لم يفتك به الإيدز، ولم تحل عرى تماسكه الاجتماعي مخاطر الإباحية، ولم تنسف قيمه الخيرة رياح التحلل التي اجتاحت العالم كله. ومع هذا فالخطر قائم ويزداد في كل يوم تفاقماً وتهديداً للهوية الإسلامية، ويجمع كل المهتمين بهذه المشكلة على أن سبيل التصدي لها ومقاومتها هو التحصين العقدي لأن ضعف العقيدة بين المسلمين هو علة العلل في تخلفهم، ونجاح غيرهم فيما يمكرون به ضدهم.وعلاج ضعف العقيدة عماده نشر الوعي الإسلامي الصحيح، وتحصين الأمة ضد فيروسات تلك التحديات، فهو يحمي من الأمية الدينية وآثارها، ويعالج كل المشكلات الداخلية التي تحول دون التربية الإسلامية والنهوض الحضاري الإنساني، ويقف سوراً منيعاً أمام كل القوى المضادة؛ فلا تستطيع اقتحامه لأنة ليس مادياً يمكن لمعاول الهدم أن تزلزل قواعده، وتأتي على بنيانه، ولكنه سور معنوي آوت إليه القلوب والعقول وانعقدت عليه المشاعر والآمال، ومهماً تتكالب عليه قوى الشر والعدوان فلن تبوء إلا بالفشل والخسران.وإذا كانت التحديات الخارجية التي تهدد الأسرة تركز على المرأة، لأن في إفسادها إفساداً لكل أفراد الأسرة، ولذلك كانت هذه التحديات تصب نحو غاية واحدة، وهي دفع المرأة المسلمة نحو التحلل من الالتزام بقيمها ومفاهيمها وعاداتها، لتتبنى المفاهيم والأعراف الأجنبية حتى يتضعضع السور – سور الأسرة المسلمة – الذي يحمي المجتمع الإسلامي من ذوبان هويته وضياع أصالته، وانهيار كيانه، ومن ثم ينبغي أن يبدأ بث الوعي الإسلامي للأسرة من المرأة، وذلك عن طريق إعادة تأهيلها، كما سبق أن ذكرت في فقرة إعداد المرأة لحماية الأسرة، وأيضاً إعداد قيادات نسائية فقهية مستوعبة للإسلام يتحقق فيهن الانتماء والالتزام، قادرات على الحضور الإسلامي في كل المواقع الفكرية والاجتماعية، ومحاولة الخروج من النفق والخارطة الفكرية التي (120)فرضت علينا لأكثر من قرن، وما نزال نتحرك ضمن حدودها، قضية الحجاب وتعدد الزوجات، والطلاق .... الخ مع أن هذه القضايا أصبحت محسومة لإبراز دور المرأة في الحياة الإسلامية (10). إن المرأة بثقافتها الإسلامية ووعيها الصحيح بمشكلات مجتمعها وتتمتع مع هذا بإيمان صادق بمسؤوليتها نحو أسرتها وأمتها، والإخلاص في القيام بهذه المسؤولية تستطيع أن تنتصر على تلك التحديات، وبخاصة ما يتعلق منها بالجوانب التي تهدد القيم الأخلاقية وتفسح المجال للحرية الفردية دون قيد ما، وتدعو إلى انتكاس الفطرة وإلغاء الأسرة، وإطلاق العنان للشهوة الجنسية، وأباحتها مؤتمرات طبية غربية تدعو إليها، كما أقرتها بعض القوانين في أكثر من دولة أوروبية، وأعلنتها كظاهرة طبيعية وحالة اجتماعية عادية لا يجب مقاومتها أو التعرض لها (11).على أن مسؤولية المرأة في دعم كيان الأسرة لا ينحصر في مواجهة التحديات الخارجية ومقاومتها، وإنما تشمل أيضاً هذه المسؤولية التحديات الداخلية، ويمكن للمرأة المسلمة بوعيها وثقافتها وإيمانها برسالتها أن تتصدى لهذه التحديات، فتحمي أبناءها من مهازل ومساخر ما تقدمه الأجهزة الإعلامية المرئية بأسلوب علمي هادئ كأن تخاطب الأم أولادها بقولها لهم: هل ترضون لأمكم أو أختكم أن تبدو متبرجة أمام الرجال، أو أن تقول مثلاً: إذا أكلتم طعاماً طيباً انتفع به جسدكم، وإذا أكلتم طعاماً فاسداً جر عليكم المرض، ونحو ذلك من العبارات التي تشعر الأطفال بأن كل ما تعرضه الأجهزة المرئية ليس نافعاً، ويجب التمييز بين الصالح والطالح منه، وبالموالاة والمتابعة تتكون لدى الأطفال ملكة التفريق بين النافع والضار فيما يشاهدون. والمرأة أيضاً تستطيع أن تعالج ظاهرة طغيان النظرة المادية وما تمخض عنها من تحد للأسرة تمثل في القضاء على مفهوم التيسير في الزواج، فأخذ الناس يتفاخرون بما يقدمون من صداق وما ينفقون في ولائم الأعراس وما يستوردون من أثاث، وما إلى ذلك، ونجم عن هذا عزوف كثير من الشباب عن (121)الزواج، لأنهم لا يملكون ما يطلب منهم، ولجأ بعض هؤلاء إلى الاقتران بامرأة كتابية أو أجنبية فكان هذا الزواج تحدياً آخر للأسرة المسلمة والمجتمع الإسلامي، وكان من عوامل انتشار العادات والقيم غير الإسلامية بين المسلمين، كما كان من عوامل ظاهرة العنوسة التي تعد تحديا للأسرة المعاصرة (12). ومعالجة هذه الظاهرة المادية من قبل المرأة يكون بغرس قيمة التضحية والمحبة والتعاون والإيثار في نفوس الأبناء منذ الصغر، ويأتي دور الرجل في هذا مكملاً لدور المرأة، وهما معاً قدوة لأبنائهم بالتضحية من أجلهم، وبالمساواة في المعاملة بينهم فالتفريق في المعاملة يورث في النفوس الكراهية والأنانية والسلبية، وما ينشأ عن هذا مما يسمى بالجزر المنعزلة داخل الأسرة، فكل فرد فيها يعيش في جفاء عاطفي، ولا يعرف الإخلاص والوفاء، والحب، والعطاء. وإذا كانت ظاهرة التفكك الأسري من الظواهر المعاصرة التي تهدد حياة الأسرة، لأنها تورث الاضطراب والقلق والتمزق والنشأة غير السوية للأبناء فإن المرأة بتجربتها في معالجة كل التحديات يمكنها أن تكون حمامة سلام في داخل الأسرة، وأن تتجاوز عن بعض الهفوات التي لا يسلم منها إنسان حتى تظل علاقتها بزوجها وأبنائها حميمة ومحققة لمعاني المودة والرحمة والسكن، فهذه العلاقة بمعانيها الإنسانية تكفل لحياة الأسرة جوا نقياً من الصراع والخلاف أو التمرد، ويسود هذه الحياة السلام والمحبة والتعاطف والترابط الوثيق، والأسرة بهذا تقدم للمجتمع الأجيال الصالحة للقيادة والعطاء الطيب في مختلف مجالات الحياة. وحتى تنجح المرأة في القيام بمسؤوليتها في دعم كيان الأسرة فإن هذا النجاح يحتاج إلى مناخ عام يساعد على أن يؤتي جهاد المرأة ثمراته النافعة وآثاره الحميدة، فإذا كان هذا المناخ لا يدعم جهاد المرأة في تصديها لكل ألوان التحديات التي تهدد الأسرة، فإن هذا الجهاد لن يحقق رسالته كاملة، لأن ما (122)تنفقه المرأة من عمل الصالح في جو فاسد، وبيئة ملوثة بشتى الأمراض لن يبلغ غايته في الإصلاح والشاعر يقول: متى يبلغ البنيان يوماً تمامه ........... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم. وجملة القول أن التحديات التي تواجه الأسرة عديدة ومقاومتها ليس أمراً هينا، ويحتاج إلى جهاد متواصل، وعمل دأوب، والمرأة تستطيع بوعيها وثقافتها الإسلامية أن تنهض بدورها في دعم قيام الأسرة على الرغم من العقبات التي تعرقل المسيرة، لأنها بمشاعرها الفياضة نحو الأسرة ستواصل السعي لحماية مملكتها، والدفاع عنها ضد كل الأخطار والإضرار.
مفهوم العبادة إن المرأة إذا كانت مكلفة شرعاً بعبادة الله وحده فإن مفهوم العبادة في الإسلام ليس مقصوراً على ما كتبه الله على عباده من صلاة وصيام وزكاة وحج لمن استطاع إليه سبيلا، لأن للعبادة في الإسلام مفهوماً شاملاً ينسحب على كل تصرفات الإنسان ما جل منها أو هان مادامت نية التقريب إلى الله مهيمنة عليها. إن الإنسان خليفة الله في الأرض مهمته أن ينفذ أمره، ويقيم حدوده ويعلي كلمته، ويقوم بواجب العبودية له تعالى، ومن ثم تصطبغ كل أعماله بصبغة ربانية، ويكون ما يصدر عنه من أقوال وأفعال وحركات وسكنات عبادة الله رب العالمين(13). ومادامت المرأة مكلفة شرعاً فإن دعمها لكيان الأسرة ليس مجرد مسؤولية ينبغي أن تحملها، ولكنها إلى هذا عبادة وتكليف شرعي بالمفهوم العام للعبادة في الإسلام، فضلاً عن أن بين المؤمنين والمؤمنات في التشريع موالاة، يقول الله تعالى: " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك (123) سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم " (14). فهذه الآية تبين أن الولاية تعني النصرة، والمودة والتكافل والتضامن في تحقيق الخير ودفع الشر وهي أخص خصائص الأمة المؤمنة برجالها ونسائها، والآية قد أكدت على أربع صفات في الأمة المؤمنة وهي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهذه الصفات هي التي وعد الله المؤمنين عليها بالنصر والتمكين في الأرض ليحققوها في وصايتهم الرشيدة على البشرية (15). فالمرأة في قيامها بدعم كيان الأسرة تعبد الله، وإيمانها بهذا يضاعف من إخلاصها وحرصها على هذا الدعم، وتعي أن التفريط في مسؤوليتها تجاه الأسرة إثم ومعصية لأنه تفريط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم تقديم النصيحة والتوجيه، والاهتمام بأمر المسلمين. وما سبق القول فيه عن مسؤولية المرأة يهيئ لها أسباب القيام بهذه المسؤولية على خيروجه، فضلاً عما تتمتع به المرأة من عاطفة جياشة بحب الأسرة وحنان غامر لكل أفرادها، وتضحية أضحت مضرب الأمثال في التفاني والإيثار، فهي من ثم تدعم كيان الأسرة وهو دعم مستمر، وليس مجرد توجيه ورعاية ولكنه قد يكون أحياناً دعماً مادياً إذا كانت المرأة عاملة أولها ثروة خاصة، وكانت ظروف الأسرة الاقتصادية لا تكفل لها حياة كريمة أو مستوى من العيش لائقاً، وقد يموت رب الأسرة، وتجد المرأة نفسها مسؤولة عن كفالة أولادها فلا تجد غضاضة من أن تمارس عملاً شريفاً يدر عليها دخلاً يغطي نفقات الأسرة، إنها تضحي براحتها، وقد تضحي بأنوثتها من أجل أبنائها، فترفض الزواج لتتفرغ لأولادها وتحميهم بهذا من التشرد والضياع.على أن مسؤولية المرأة في دعم الأسرة لا يعني أن هذه المسؤولية محصورة في نطاق الأسرة الخاصة، ولكنها تتجاوز هذه الأسرة بحكم الموالاة بين المؤمنين والمؤمنات إلى غيرها من الأسر التي تحتاج إلى المساعدة والمعاونة (124) مادامت المرأة قادرة على القيام بهذه المسؤولية. والخلاصة أن المرأة مسؤولة شرعاً عن دعم كيان الأسرة، ولكي تنهض بهذه المسؤولية يجب إعدادها إعداداً دينياً شاملاً، وأن يكون المناخ العام في الأمة مساعداً لها على القيام بما فرض عليها، كما يكون الرجل ردءاً لها وليس ندا يقاوم نشاطها المشروع، وبذلك كله تظل الأسرة المسلمة – مهما تكن التحديات – عماد المجتمع وقاعدة الحياة البشرية، وتظل النبع الفياض بالحنان وإعداد الأجيال الناشئة إعداداً يؤهلهم لتحمل الأمانة في شجاعة وإتقان. الهوامش:  1- أنظر دور الأسرة كأداة للضبط الاجتماعي في المجتمع للدكتور عبد المجيد سيد أحمد منصور ص111 ط الرياض.
2- أنظر حديث وافدة النساء في صحيح مسلم.
3-أنظر مجلة الوعي الإسلامي العدد 69 ص25 – الكويت .
4- أنظر قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة ص 130 .
5- أنظر مجلة المجتمع العدد: 1359 ص 9.
6- أنظر مجلة الأمة القطرية عدد رجب سنة: 1405هـ ص 76.
7- أنظر مجلة الوعي الإسلامي العدد: 405 ص 55، وتقديم كتاب وثيقة مؤتمر السكان والتنمية، العدد 53 من كتاب الأمة ص 12.
8- أنظر تقديم وثيقة مؤتمر السكان والتنمية ص 13،14،17.
9-انظر تقديم وثيقة مؤتمر السكان والتنمية ص 13، 14 ، 17.
10- أنظر تقديم وثيقة السكان ص 28.
11- أنظر مجلة منار الإسلام عدد ذو الحجة: 1404هـ ص 68.
12- أنظر منار الإسلام عدد ربيع الأول والآخر سنة: 1408هـ: والحكم الشرعي في زواج المسلم بغير المسلمة للدكتور/ محمد عبد الحكيم ص 27.
13- أنظر العبادات في الإسلام للشيخ/ يوسف القرضاوي ص 152 القاهرة.
14- الآية: 71 في سورة التوبة.
15- أنظر في ظلال القرآن للشهيد سيد قطب المجلد الرابع ص 252 ط بيروت.

 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية