مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية

اجتماع الامة على الثوابت
أ.د. علي محيي الدين القره داغي


رئيس قسم الفقه والاصول بجامعة قطرr ظهر تيار من المسلمين يكفّر باقي الفرق الاسلامية بل ويُحلّ قتل من لم يؤمن بما يؤمن به التكفيري ماهي أسباب ظهور هذا التيار؟n اعتقد ان فكرة التكفير بدأت بسجن الشباب المسلم في بعض البلدان الاسلامية وتعذيبهم، وعدم اعطائهم حقوقهم ومعاملتهم بسوء، مما اوجد نظرة تكفير حكوماتهم لديهم.r ما حدث في الغرب وفي فرنسا بالذات هل هو ثورة الجياع امر هناك اسباب اخرى وهل بإمكاننا ان نعتبر ذلك بداية لنهاية الحضارة الغربية .n باعتباري انا عضو في المجلس الأوروبي للإمفتاء والبحوث اقول بان ماحدث في فرنسا على الرغم من اننا لا نتفق مع هذا المنهج لا كعلماء ولا كمجلس إفتاء ، لأن المفروض للانسان ان يطالب بحقه بالطرق القانونية والمشروعة، وخصوصاً انها في الغرب كثيرة ومتاحة، وليس هناك قيد لحرية (74)المطالبة بها، ولكن يبدو كما يقول العرب بلغ السيل الربى، ووصل الحرمان الى درجة لايطاق، فتفجرت الطاقات الكامنة والمكبوتة التي ظنت انها تنتقل من الجحيم الى الفردوس الأعلى، فوجدوا انهم لازالوا في الجحيم فقالوا علينا وعلى اعدائنا.والمسألة الثانية الجوع والحرمان والاضطهاد النفسي وعدم المساواة والنظرة الدونية اليهم، وقد عبّر عنهم وزير الداخلية الفرنسي بحثالة الناس؛ فهذه الكلمات سيئة ونابية، وهي التي أشعلت الفتنة اكثر، وكان من الممكن ان تنتهي في بدايات الامر، لكن هذه النظرات العنصرية اغضبت هؤلاء «وهم من المسلمين والافارقة الفرنسيين» وكانت مؤشرا على عدم مصداقية كثير من الشعارات الموضوعة كاحترام حقوق الانسان وكرامته والمساواة بل تكون هذه العناوين خاصة بأنفسهم، وان الاوروبيين لايزالون يرون انهم وحدهم جديرون بهذه الامور، ولكن الغير لا يستحقونها.واذا نظرنا الى مافعلته امريكا في غوانتانامو بتجاوز كل القوانين والشرايع والانظمة العالميّة، وما اكتشف منها في السجون السرّية، والتي ندّدت به اوروبا نفسها، وما حدث في أبي غريب فكل هذه الحوادث تؤدّي الى انه قد انتهى الذي كان الغرب يتباهى به، فالجانب الاخلاقي قد انتهى ولم يبق سوى التفوق المالي والعسكري، فالمرجعية الاخلاقية قد انتهت وبقيت مرجعية القوة، ولا يمكن لها أن تدوم كثيرا. قد تكون هذه الاحداث بداية لنهاية، قد تكون طويلة لعدم وجود البديل الفعلي. وتاريخيّا مع وجود البديل الاسلامي وحضوره على الساحة، فقد فرح المؤمنون بعد صراع كسرى وقيصر وسقوطهما. فتحقق النصر للمسلمين كافة.ولذلك نلاحظ ان الغرب يحاول تشويه الجانب الاخلاقي المشرف في الاسلام لكي لا يكون بديلا عن الحضارة الغربية، بتركيز وسائل الاعلام على جانب العنف والارهاب، والاساءة للاسلام بعرض الافلام وما شابه ذلك كي لا يلتفت (75)الناس الى وجود بديل اخلاقي افضل مما هو موجود اليوم، وكأن القتل والارهاب واللااخلاقية لا تختص بحضارة دون اخرى.r كيف يمكن ترجمة العمل التقريبي من النخبة الى الواقع العملي والميداني في اوساط الامة.n اولا لابد من تفاعل مستمر بين علماء كل بلد حول هذا الموضوع ، ثم توجيه الناس بواسطة العلماء في الندوات والمؤتمرات والمراكز التي يحضرها عموم الناس، وكل هذا يتوقف على تفاعل العلماء ومعايشتهم لأمر التقريب ولا يتوقف العمل التقريبي على الاجتماعات السنوية او الفصلية فقط، بل يحتاج الى عمل دأوب ومستمر ومعايشة حقيقية للعمل التقريبي ونشره بكتبه ومقالاته وعمله، والقيام بالدور التوعوي لهداية الناس. هذا بالنسبة الى دور العلماء وعملهم الفردي والجماعي، واما العمل المؤسساتي ووسائل الاعلام البناءة كقنوات فضائية ووكالت أنباء تقريبية سواء كانت تابعة للمجمع العالمي للتقريب او غير تابعة، بل متعاطفة مع هذه الفكرة، وهي كثيرة بما فيها وسائل الاعلام في الدول الاسلامية بمختلف لغاتها، هذه الوسائل تقوم بتوجيه الناس وفقاً لمشروع مدروس ومعلن ومنظم، فهذا العمل الفردي والمؤسس سوف ينقل فكرة التقريب من النخبة الى كافة الناس.r ألا يعتبر الالتفاف حول الثوابت وقبول الاجتهدات المخالفة في المتغيرات طريقاً لعلاج التشرذم بين ابناء الامة الاسلامية؟ وكيف؟n جاءت نصوص الشريعة مركزة في نصوصها القطعية على الأسس والأركان التي يبني عليها هذا الدين، وتوضيح العقيدة الصحيحة، والقيم والأخلاق الراقية، وأسس المعاملات والتعامل مع الناس جميعاً تاركة التفاصيل في معظم الأشياء للأدلة الظنية، أو للاجتهادات الإنسانية في ظل المبادئ العامة والقواعد الكلية. (76)وبذلك جمعت الشريعة بين الثوابت التي لا تقبل التغيير (أي بمثابة الهيكل العظمي للإنسان)، والمتغيرات التي تشبه أحوال الإنسان العادية القابلة للتغيير وبذلك انسجمت الشريعة التي أرسلها للإنسان مع الإنسان الذي نزلت عليه: )أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ((1).فالإنسان ثابت في حقيقته وجوهره وأصل عقله وروحه ونفسه ومكوناته وضرورياته وحاجاته العامة إلى المأكل والملبس والمشرب (وإن كانت النوعيات مختلفة لكن الأصل العام لم يتغير منذ خلق الإنسان الى يومنا هذا)، ولكن الإنسان متغير في معارفه، وفي إمكانياته للتسخير وعلومه، وفي أنواع ملابسه ومشاربه ومآكله ومساكنه فقد وصل إلى القمر، ومع ذلك يظل بحاجة إلى الهداية الربانية والعقيدة التي تملأ فراغ روحه ونفسه، وإلى قيم وأخلاق ربانية تمنعه من الازدواجية والعنصرية والظلم والاعساف، وتدعوه إلى العدل والمساواة والإنصاف، وتردعه عن إذلال الإنسان وازدرائه وأكل حقوقه وأمواله(2). وبهذه الصفة العظيمة الجامعة بين الاستفادة من النقل والعقل، وبين الثوابت والمتغيرات يجتمع في الإنسان خير الدنيا والآخرة، ويتحقق له التآلف والمحبة والتقارب الحقيقي، لأننا حينئذ نتعاون ونتحد فيما أجمعنا عليه من الثوابت، ويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه، لأنه من المتغيرات الاجتهادية التي تقبل أكثر من رأي.فالمقصود بالثوابت هنا الأحكام الإسلامية التي ثبتت بأدلة قطعية الدلالة والثبوت أو الإجماع الصحيح الثابت الذي مضت عليه الأمة في قرونها الثلاثة الأول.وعلى ضوء ذلك فالثوابت تشمل أركان الإيمان الستة (الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى) ، وأركان الإسلام الخمسة (الشهادة والصلوات الخمس، والزكاة والصوم والحج لمن استطاع (77) إليه سبيلا)، وتشمل كذلك القيم والأخلاق الثابتة، والأسس العامة لأحكام الأسرة في الإسلام، والأحكام والمبادئ العامة للمعاملات والجهاد، والعلاقات الدولية،والقضاء ونحو ذلك، والخلاصة أن كل حكم من أحكام الإسلام في جميع مجالات الحياة إذا ثبت بدليل قطعي الثبوت والدلالة أو بإجماع الأمة إجماعاً صحيحاً قائماً على الدليل وليس العُرف فهو من الثوابت التي يجب الالتزام بها، وعدم التهاون في حقها، إلا ما هو من قبيل الضرورات التي تبيح المحظورات.وأما المتغيرات فالمقصود بها هنا هي الأحكام التي تثبت بدليل ظني (سواء أكانت الظنية في دلالة النص وثبوته، أم في أحدهما) أو باجتهاد قائم على القياس أو المصالح المرسلة، أو العرف، أو مقاصد الشريعة أو نحو ذلك.فنطاق المتغيرات في الفتاوى والأحكام الفقهية الظنية واسع جداً؛ وهو يشمل كل الاجتهادات الفقهية السابقة، إضافة إلى منطقة العفو التي تقبل التغييرات بشكل واضح حسب الاجتهادات الفقهية. يقول إمام الحرمين: (إن معظم الشريعة صادرة عن الاجتهاد، ولا تفي النصوص بعشر معشارها) (1).وذلك لأن الاجتهادات الفقهية السابقة لفقهائنا الكرام – مادامت ليست محل إجماع – تقبل إعادة النظر، بل ينبغي إعادة النظر فيها وغربلتها بكل تقدير واحترام من خلال الاجتهاد الانتقائي، والترجيح فيما بينها للوصول إلى ما هو الراجح، ثم تنزيله على قضايا العصر بكل دقة ووضوح. بل يمكن إعادة النظر في فهم هذه النصوص الظنية مرة أخرى على ضوء قواعد اللغة العربية وأصول الفقه، والسياق واللحاق وحينئذ يمكن الوصول إلى معان جديدة وأحكام جديدة لم ينتبه إليها السابقون، أو لم يخترها الجمهور، بل ذكرها قلة قليلة من السابقين.وأما منطقة العفو فيكون الاجتهاد فيها اجتهاداً انشائياً لابد من توافر شروط الاجتهاد وضوابط من يتصدى له. (78)ونطاق المتغيرات يشمل ما عدا الأصول والثوابت القطعية، وفي غير أصول العقائد والعبادات، وأكثر ما يظهر في عالم المعاملات الاقتصادية والمالية والقضايا السياسية والطبية، والعلاقات الدولية ونحوها، يقول الإمام الشاطبي: (مجال الاجتهاد المعتبر هي ما ترددت بين طرفين وصح في كل منهما قصد الشارع في الإثبات في أحدهما، والنفي في الآخر فلم تنصرف البتة إلى طرف النفي ولا إلى طرف الإثبات) (3).
r ماهو الخلاف المشروع على ضوء الثوابت والمتغيرات؟ n يعتبر من ثوابت هذا الدين وقواطعه وجوب الاتحاد والوحدة والترابط بين المسلمين، وحرمة التفرق والتمزق فيما بينهم ، فاتحاد الأمة فريضة شرعية يفرضها الدين الحنيف وضرورة واقعية يفرضها الواقع الذي نعيشه، حيث أصبحت بسبب تفرقها وتمزقها ضعيفة مهددة في وجودها وكيانها وسيادتها طمع فيها الطامعون، وغلب على معظمها المستعمرون والحاقدون، ولاسيما عالمنا اليوم الذي تكتلت فيه القوى وأصبح الإسلام الهدف الأساس لها.ولا نجد ديناً ولا نظاماً أولى عنايته بالاتحاد وخطورة التفرق مثل الاسلام حيث توالت الآيات الكثيرة والأحاديث المتضافرة على وجوب التعاون والاتحاد، وحرمة التفرق والاختلاف.فمنها قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(4).وقد نزلت هذه الآيات في الأوس والخزرج في الإسلام بعد أن بذل شاس بن قيس اليهودي جهداً كبيراً في إثارة ثغرات جاهلية بينهم، حيث أرسل شاب (79) يهودياً يذكرهم بيوم بعاث، فأنشدهم الأبيات فتذكروا، فتنازعوا وتفاخروا حتى كاد القتال أن ينشب بينهم فبلغ ذلك رسول الله(ص) فخرج إليهم فقال: (يا معشر المسلمين الله الله فقال: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ أبعد إذ هداكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً؟) فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم لهم فألقوا السلاح، وبكوا ، وعانق الرجال بعضهم بعضاً ثم انصرفوا مع رسول الله (ص) سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس، فأنزل الله تعالى هذه الآيات التي تبدأ بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ، وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(5). حيث دلت هذه الآيات على ما يأتي:1ـ أن أعداء الإسلام من الكفرة يبذلون كل جهودهم لتفريق الأمة الإسلامية وأنهم وراء ذلك وبالأخص الصهاينة والصليبيون، والاستعمار الذي رفع شعار (فرق تسد).2- أن اتباع هؤلاء الأعداء وطاعتهم في ذلك كفر (يردوكم بع إيمانكم كافرين) وهذا أعظم هجوم على التفرق وبالأخص إذا كان بسبب التبعية لأهل الكفر حيث سماه الله تعالى كفراً.3- هناك علامة تعجب واستغراب لمن يتفرق عن الجماعة المسلمة ويكفر مع وجود القرآن الكريم، والرسول في حال حياته، وسنته في حالة موته، وهذا يعني أن سبيل هذه الأمة هو الاتباع للكتاب والسنة المطهرة، وان طريق الوحدة ميسور إذا توافرت الإرادة والعزيمة، حيث أن أسباب وحدة المسلمين لازالت قائمة. (80)4- أهمية التقوى والاخلاص والتجرد عن الأهواء وخطورة التعصب والعصبية القومية، والقبلية والطائفية والمذهبية في إيجاد الاختلاف المذموم والتفرق المشؤوم فهذه هي الأمراض القاتلة التي فتكت بالأمة، ونخرت في عظامها.5- العناية القصوى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإصلاح الناس وفعل الخير، والدعوة إليه، ونشر الإحسان والتكافل بين المسلمين، فهذه وسائل عظيمة لحماية الأمة وجمعها على الطريق المستقيم والهداية والفلاح.6- أهمية الاعتصام بحبل الله المتين، والانشغال بالدعوة والجهاد لتوحيد الأمة، حيث وردت بذلك آيات كثيرة: منها قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)(6). ومنها قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)(7).وأما السنة النبوية فمنها ما رواه الشيخان بسندهما عن النبي(ص): (من فارق الجماعة شبراً فمات فيمتته جاهلية) (8).ومنها ما رواه الشيخان أيضاً عن أنس عن النبي(ص) قال: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) (9). والأحاديث في ذلك أكثر من أن نذكرها هنا(10).هذا هو الاختلاف المذموم الذي يخالف الثوابت والقواطع وهو الخلاف الذي يكون في أصول الدين وثوابته، أو الذي يوجب البغضاء والمنكر والتفرقة.أما الخلاف المشروع فهو الخلاف في الفروع، لا في الأصول، وفي الوسائل لا في المقاصد وفي الآليات لا في الغايات، وفي تنوع السبل إلى الخير لا في الأهداف العامة للشريعة، وفي المناهج العملية، والآليات والأولويات لا في المرجعية والمنهجية العلمية العامة. (81)فهذا الاختلاف مقبول ومشروع طبيعي جداً، وهو من الدين وليس خارجاً منه، لأن الدين الإسلامي – كما سبق – يستوعبه من خلال نصوصه المرنة ومبادئه العامة.r هل في الاختلاف تنوع وتيسير للمكلفين، أم هو تضاد وتضارب؟n بما أن الثوابت متفق عليها بين جميع المسلمين فإن اختلافهم إذا كان نابعاً عن الاجتهاد المنضبط فهو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، وقد جعل الشاطبي الاختلاف الذي يؤدي إلى الفرقة والتباغض من علامات كونه اختلافاً نابعاً عن الهوى، غير مقبول في الإسلام حيث يقول: (ومن هنا يظهر وجه الموالاة والتحاب والتعاطف فيما بين المختلفين في مسائل الاجتهاد، حتى لم يصيروا شيعاً، ولا تفرقوا فرقاً، لأنهم مجتمعون على طلب قصد الشارع، فاختلاف الطرق غير مؤثر) ثم قال: (وبهذا يظهر ان الخلاف الذي هو في حقيقته خلاف ناشئ عن الهوى المضل، لا عن تحري قصد الشارع باتباع الأدلة على الجملة والتفصيل، وهو الصادر عن أهل الأهواء، وإذا دخل الهوى أدى إلى اتباع المتشابه حرصاً على الغلبة والظهور بإقامة العذر في الخلاف، وأدى إلى الفرقة والعداوة والبغضاء، لاختلاف الأهواء، وعدم اتفاقهما، وإنما جاء الشرع لحسم مادة الهوى بإطلاق) (11).ومن المعلوم أن هذه الاختلافات الفقهية الكثيرة داخل الفقه الإسلامي دليل على يُسر الشريعة وسعتها ومرونتها وعظمتها، لأنها استوعبتها نصوصها، كل هذه الخلافات مرونة ورفع للحرج.بل الخلافات الفقهية والفكرية والسياسية ضرورية مادام الاجتهاد مشروعاً، فتكون الخلافات الفقهية ناتجة من ذلك فهي تدور معه وجوداً وعدماً، لاختلاف العقول والتصورات والأعراف والتأثيرات الخارجية والداخلية.ومن هنا فالمسلمون عندما يكون لديهم هذا الوعي لا يؤدي الاختلاف إلى التباغض يقول ابن تيمية: (وأما الاختلاف في الأحكام فأكثر من أن ينضبط (82) ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا اخوة) (12) حتى وسع الدائرة لتسع بعض الفرق أو الأشخاص الذين تصدر منهم أقوال خطرة، ومع ذلك لا يجوز تكفير شخص معين منهم حيث يقول: (وحقيقة الأمر في ذلك أن القول قد يكون كفراً، ينطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال: من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة... عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد تكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ، فإن الله يغفر له خطأه كائناً ما كان سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي(ص) وجماهير أئمة الإسلام) (13).
r كيف يمكن ان يكون الاختلاف في الفروع رحمة؟n جرى هذا الشعار على ألسنة السلف الصالح، فقال عمر بن عبدالعزيز: (ما يسرني أن أصحاب رسول الله(ص) لم يختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا لم يكن لنا رخصة) (14). وقد قال القاسم بن محمد أحد الفقهاء السبعة بالمدينة حينما سئل عن قراءة الفاتحة بعد الإمام: (إن قرأت فلك في رجال من أصحاب رسول الله أسوة، وإن لم تقرأ فلك في رجال من أصحاب رسول الله أسوة) (15). وقال يحيى بن سعيد: (ما برح أولو الفتوى يفتون فيحل هذا ويحرم هذا، فلا يرى المحرم أن المحل هلك لتحليله، ولا يرى المحل أن المحرم هلك لتحريمه) (16).وقد نقل المفسرون في تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولًِ)(17). عن الحسن البصري أنه قال: (وأما أهل رحمة الله فإنهم لا يختلفون اختلافاً يضرهم...) (18)، لأن هدفهم هو الوصول الى الحق والصواب ما أمكن، وإظهار الصحيح في نظرهم حتى ولو على لسان غيرهم، فالرأي الذي لم تصنعه الأهواء لا يتعصب صاحبه له.
r ماهي علاقة فقه الثوابت والمتغيرات بتوحيد الأمة؟ (83)n تظهر علاقة فقه الثوابت والمتغيرات بتوحيد الجماعات والمذاهب والأحزاب الإسلامية من خلال ما يأتي:أولاً: أن تلك الثوابت القواطع بمثابة المبادئ المشتركة والمنهاج السليم، والشرعية المتفق عليها عند جميع الطوائف الإسلامية والجماعات الإسلامية، وبمنزلة الدين المشترك، وأن من لم يعترف بهذه الثوابت فهي خارجة عن الإسلام مارقة في الضلالة، وليس حديثنا مع هؤلاء الذين لا تجمعهم تلك الثوابت والقواطع، وإنما حديثنا مع من يلتزم بهذه الثوابت القاطعات في الإسلام ولكنه يختلف في الفروع والوسائل ونحوها، يقول ابن تيمية: (فالأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع هي بمنزلة الدين المشترك بين الأنبياء ليس لأحد خروج عنه، ومن دخل فيها كان من أهل الإسلام المحض... وما تنوعوا فيه من الأعمال والأقوال المشروعة فهو بمنزلة ما تنوعت فيه الأنبياء.. والتنوع قد يكون في الوجوب تارة، وفي الاستحباب تارة أخرى، فالمذاهب والطرايق والسياسات للعلماء والمشايخ والأمراء إذا قصدوا بها وجه الله تعالى دون الأهواء ليكونوا مستمسكين بالملة والدين الجامع.. واتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم من الكتاب والسنة بحسب الإمكان بعد الاجتهاد التام – هي لهم من بعض الوجوه بمنزلة الشرع والمناهج للأنبياء، وهم مثابون..) (19).فعلى ضوء ذلك تجتمع الأمة الإسلامية على هذه الثوابت، وتتعاون فيما بينها فتتعارف، وتتحد، وتجعلها قاعدة لانطلاقتها، وصخرة صلبة لتكوين علاقاتها عليها، فهي القاعدة المشتركة المتفق عليها، والمعترف بها، فإذا كانت أوربا الغربية اتحدت على قاعدة السوق المشتركة والمصالح الاقتصادية المشتركة، وخطت كل هذه الخطوات من أجلها، أو ما تكفي كل هذه الثوابت المشتركة مع المصالح المشتركة لتجميع الأمة الإسلامية وتدفعهم نحو الوحدة العملية؟ (84)ثانياً: من خلال فقه الثوابت والمتغيرات يتم اعتراف كل جماعة بالأخرى وكل طائفة بالثانية ما دامت الثوابت مشتركة، ومادامت المتغيرات مقبولة ومشروعة بل مطلوبة، وبالتالي يكون من الطبيعي أن يعذر بعضهم بعضاً، أو يسعى بالحوار والجدال الأحسن الوصول إلى الأحوط والأفضل ، فأعظم المشاكل بين المسلمين أن بعضهم لا يعترف بالآخر،: فإذا وجدت التوعية بفقه الثوابت والتغيرات لاعترف بعضهم ببعض، كما أن هناك عدم المعرفة بالحقائق الموجودة لدى المذهب أو الجماعة الأخرى، وإنما وصلت معلومات مغلوطة أو قديمة، أو غير دقيقة، أو تخص فئة منهم، أو أشخاصاً معينين لا يجوز تعميم آرائهم ورؤاهم على جماعة بعينها، أو مذهب بعينه.ثالثاً: أنه من خلال فقه الثوابت والمتغيرات يعلم أن الخلافات الكثيرة مادامت في نطاق المتغيرات مقبولة شرعاً.وأخيراً فإن معرفة الثوابت المشتركة بين الجماعات والطوائف الإسلامية سوف تقرب فيما بينها، وتؤدي إلى التعاون البناء فيما بينها ورفض العداء والتوتر فيما بينها.وقد بيّن الشيخ القرضاوي أهمية التعاون في المتفق عليه وضرورة تركيز البحوث عليها، وإقامة الدروس لها، وإدارة الجدل فيها، وبناء الخصام على من خالفه، ثم يقول: (وأنا لا أكره البحث في المسائل الخلافية بحثاً علمياً مقارناً.. ولكن الذي أكرهه أن يصبح البحث في المسائل الخلافية أكبر همنا ومبلغ علمنا وأن نضخمها حتى تأكل أوقاتنا وجهودنا وطاقاتنا.. وأن يكون ذلك على حساب الاشتغال بالقضايا الأساسية).ثم ذكر بعض الأمثلة حيث ألف أحدهم رسالة سماها: (نهي الصحبة عن النزول على الركبة) وهو أمر يتعلق بهيئة الصلاة.. وأحدهم: (الواحة في جلسة الاستراحة). (85)ومن هنا كان الواجب على دعاة الإسلام الواعين أن ينبهوا على التركيز على مواطن الاتفاق قبل كل شيء، فإن هذا التعاون فريضة شرعية يوجبها الدين، وضرورة واقعية يحتمها الواقع الذي تمر به الأمة.وأعتقد أن ما نتفق عليه ليس بالشيء الهين ولا القيل، إنه يحتاج منا إلى جهود لا تتوقف، وعمل لا يكل، وإرادة لا تعرف الوهن يحتاج منا إلى عقول ذكية وعزائم قوية وأنفس أبية وطاقات بناءة.. حرام على الجهات الإسلامية أن تعترك فيما بينها على الجزئيات وتدع تلك الثغرات الهائلة دون أن تسدها بكتائب المؤمنين الصادقين(20).وحقاً فإن الثوابت لهذا الدين كثيرة وهي مشتركة بين جميع الجماعات والمذاهب الإسلامية، في مجال أصول العقيدة، والقيم والأخلاق، وفي أصول المعاملات والفروع، وفي عالم السياسة، وفي التحديات التي تواجه الأمة، مثل تحدي الإلحاد والكفر والعلمانية، وتحدي الغزو الثقافي والفكري، وتحدي التغريب والتمييع، وتحدي الاستكبار العالمي، والحروب الصليبية الجديدة، وتحدي الهجمات الصهيونية على المسلمين واحتلالها لفلسطين ودرتها القدس الشريف، والهجمات الوثنية في كشمير، والهجمات الصليبية والإلحادية في الشيشان والفيليبين؟فما أحوجنا إلى التوحد والتعاون والتكامل، وتوزيع الأدوار، والقبول بالبعض، والاجتماع على ما يجمعنا من الثوابت والمواقف السياسية، وعدم إثارة الاختلافات، وبالأخص في هذا العصر الذي تكالبت علينا الأعداء وتداعت كما تداعت الأكلة على قصعتها.فهل نستوعب الدرس؟ ونحسّ بخطورة الموقف؟ ونترك حظوظ النفس؟ وندع الحزبية الضيقة إلى ساحة الإسلام الواسعة، إلى منهج السلف في التيسير في الأحكام، والتبشير في الدعوة، وفي تحمل البعض، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن؟ (86)هذا ما أرجوه وأسأل الله تعالى أن يجمع هذه الأمة على كل ما يحقق عزتها وكرامتها وتقدمها وازدهارها.r صورة الآخر المختلفة اجتماعياً وفكرياً هل هي التباين والتعصب؟
صراع أم حوار؟ تصادم أو تعايش؟n لم يصدق الكثيرون أن الصراع الرأسمالي مع المعسكر الشيوعي (أو صراع الغرب الرأسمالي مع الشرق الشيوعي) تنتهي بهذه السرعة، وأن ينتهي الاتحاد السوفيتي في عام 1992 ويدخل هو ومعسكره في أحضان الغرب الرأسمالي وتغيير سوقه الاقتصادية من الاشتراكية، بل والشيوعية المتطرفة إلى اقتصاد السوق والاقتصاد الرأسمالي وتتحكم فيها العولمة ومنظمة الجات، ثم المنظمة الدولية للتجارة الحرة.وظن الكثيرون أن هذا الصراع المرير الذي راح ضحيته مئات الملايين من البشر والترليونات من الدولارات تنتهي حقبته، ويبدأ العالم عصراً جديداً من التفاهم والحوار، ويتحقق السلم والسلام العالميين لتنعم البشرية بشيء من الهدوء وراحة البال، ليفرغ العالم الغني لمساعدة العالم الفقير الذي يزيد على ثلثي السكان، وليصرف جزء من نفقات الحرب الباهظة على إسعاد الفقراء وإغنائهم، أو ليعيشوا عيشة كريمة تليق بالإنسان.وقد تحطمت هذه التوقعات على صخرة الواقع، وأدت بمعظم الساسة والمفكرين الغربيين ليختلقوا صراعاً آخر أكثر مرارة، وهو الصراع مع الإسلام وحضارته، ووضعه في دائرة العدو الأول مكان الاتحاد السوفيتي السابق، مع أن الإسلام كان له دور عظيم جداً في إبطال الأفكار الإلحادية للشيوعية والقضاء على المادية الجدلية التي تقوم عليها الفلسفة الشيوعية، كما أن المسلمين كان لهم دور كبير من خلال الجهاد في أفغانستان، وحتى بعض الغربيين (87)(مثل بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد كارتر) اعترفوا بأنه لولا الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي لما سقط بهذه السرعة.ويبدو أن المفكرين الغربيين أمام الوضع الحالي لهم اتجاهان، اتجاه يميل إلى أن العلاقة يجب أن تكون علاقة حوار، وتعايش، وحسن جوار، في حين يسير الاتجاه الآخر (وهو الغالب)، وبالأخص في العقد الأخير إلى تبني صدام الحضارات، واعتبار الإسلام أكبر خطر يهدد الحضارة الغربية وأمن دولها، والمنظومة القيمية الغربية، منطلقين من (الأنا المتضخمة الأقوى) متأثرين بما خلفته الحروب والصراعات الصليبية، وما أثارته الكنائس ضد الإسلام والمسلمين منذ سقوط الدولة الرومانية الشرقية بالكامل في عهد السلطان محمد الفاتح من سقوط قسطنطين في أيدي الإسلام والمسلمين، ثم التبريرات الاستشراقية التي ساندت المستعمرين لغزو ديار المسلمين.لم يكن معظم الساسة والمفكرين الغربيين يفصحون عن نواياهم خلال الحروب الباردة، حيث كان العدو الأول في نظرهم هو الفكر الأحمر الذي وراءه دولة قوية نووية تهيمن على نصف أوربا ولها نفوذها القوي في معظم بلاد العالم.بل إن هؤلاء كانوا يريدون أن يقف معهم العالم الإسلامي ضد الاتحاد السوفيتي، ويسخرون القوة الدينية الإسلامية ضده، وللحق نقول: إنهم قد استطاعوا في كثير من الأحوال الزج بالدول الإسلامية في هذا الصراع الرأسمالي الشيوعي لصالحهم، فقد وجدوا من خلال الحوار المسيحي الإسلامي والعلاقات الدينية التي ربطت بين الجهات الدينية الإسلامية الرسمية والجهات الكنسية توجيه ضربات قاصمة لظهر الفكر الشيوعي الإلحادي.وفي اعتقادي أن الأيدلوجية الشيوعية ما كان باستطاعة الفكر المسيحي المهلهل أن ينال منها بشيء يذكر، ولكن الذي استطاع أن ينال منها بقوة، (88)وينقض غزلها تماماً، ويسقط بنيانها من أساسها هو: العقيدة الإسلامية، والفكر الشمولي الإسلامي الجامع بين النقل والعقل.وهذا لا يعني أن ما قام به هؤلاء المفكرون الإسلاميون كان في خدمة الإستراتيجية الغربية، لأنهم لم يفعلوا إلاّ خدمة لدينهم أمام فكر إلحادي فاضح يعتبر الدين – حتى الإسلام – أفيون الشعوب، ولا يعترف بأي قيمة أخلاقية في مجال الأسرة والمال، فكان هذا الدفاع من الواجبات الإسلامية قبل أي شيء آخر.ولكن القصد هو أن الساسة الغربيين استفادوا من كل ضربة موجهة فكرياً إلى الفكر الأحمر، كما استفادوا سياسياً من كل صراع بين المسلمين والفكر الشيوعي، وبالأخص في أفغانستان حيث جيشوا كل الطاقات الممكنة لإسقاط الاتحاد السوفيتي، أو إضعافه في أفغانستان التي كانت شراكاً ومصيدة له (أيَّ مصيدة) فسخروا أموال جميع الدول في فلك الغرب، وضخموا خوفها من وصول السوفيت إلى بلادها لإسقاط أنظمتها التي كانت تعتمد على الغرب في إبقائها. وقد تحقق الهدف المنشود للغرب، وهو إسقاط الاتحاد السوفيتي بأموال المسلمين ودمائهم، ولكن جميع نتائج الانتصار عادت إلى الغرب فقط، بل إن المجاهدين في أفغانستان – بسبب خلافاتهم – حارب بعضهم بعضاً إلى أن انتهوا بحركة طالبان التي آلت هي الأخرى إلى الزوال والاضمحلال – كما شاهدنا – فلم يستفد هؤلاء وأولاء شيئاً يذكر، لا أقاموا دولة الإسلام، ولا حافظوا عليها، ولا أصبحوا قدوة لغيرهم في التضحية والإيثار وتقديم مصالح الأمة على مصالح أنفسهم.وأما المجاهدون العرب (أي الأفغان العرب) فقد كان جزاؤهم جزاء سنمار حيث منعوا حتى من العودة إلى ديارهم، وحوربوا من نفس الحكام الذين شجعوهم بالمال والدعم المعنوي واللوجستي لهم، حتى يبقوا مشكلة لإثارة مشكلة أخرى تستغل أيضا لصالح القوى.ومن خلال ذلك نفهم توجيه القرآن الكريم للمسلمين أن لا يفرحوا بهزيمة قوة على أخرى أو انتصارها إذا هم لم يستفيدوا من صراع القوتين حيث يقول تعالى: (ألم (89) غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(21). فالمؤمنون يجب أن يفرحوا بنصر الله لهم وقد كان نصر الله لهم حينما أسقطوا الإمبراطوريتين المنهمكتين بالصراع فيما بينهما.وما فعله الغرب (وبالأخص أمريكا) مع المسلمين خلال الحرب الباردة يفسره حقاً المفكر الأمريكي – صموئيل . ب. هانتينجتون – في مقالته: صراع الحضارات، حيث يذكر عدة حضارات، وهي الحضارات الإسلامية، والصينية، واليابانية، والهندية، والأرثوذوكسية السلافية، والأمريكية اللاتينية، والأفريقية، ثم يقترح بشدة أن تتحد الحضارة الغربية مع جميع الحضارات لكسر شوكة الإسلام، والصين، ثم تستوعب بقية الحضارات لتكون الهيمنة في الأخير للحضارة الغربية فقط(22).الهوامش:
1 - الملك/ 14.
2- شيخنا القرضاوي: المدخل إلى دراسة الشريعة/ ط . مكتبة الوهبة ، ص 257.
3- البحر المحيط، ط الطويت (4/472).
4- وسائل الشيعة ، ج 12، ص 346.
5- آل عمران/ 103 – 105.
6-آل عمران/ 100- 102.
7- الأنعام/ 159.
8- الأنفال/ 46.
9- صحيح البخاري كتاب الفتن مع الفتح (13/5)، ومسلم (3/1477) الحديث 1849، واحمد (2/82، 92،95، 123، 154).
10- صحيح البخاري مع الفتح (10/413) ومسلم الحديث 2560.
11- يراجع: الشيخ القرضاوي: الصحوة الاسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم ، ط دار الوفاء ، ص 34.
12- الموافقات للشاطبي ، ط دار المعرفة 2/576.
13- مجموع الفتاوى (24/173).
14- المرجع السابق 23/345 - 346.
15-فيض القدير 1/209.
16- جامع بيان العلم 2/80.
17- المرجع السابق.
18- النساء/ 59.
19- يراجع التفسير الآية: تفسير ابن عطية، ط قطر 4/108 وفتح القدير للشوكاني ، ط عالم الكتب 1/481-482 وتفسير الماوردي، ط الكويت 1/400.
20- مجموع الفتاوى 19/117 - ، 126 - 128.
21- الصحوة الإسلامية بين الاختلاف والتفرق المذموم، ص 145 – 157.
22- الروم / 1 - 6.
23- انظر: صموئيل هانتنجتون: صراع الحضارات، مقال مترجم في مجلة السياسة الدولية، يصدرها مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، مصرع 116 إبريل 1994 وكذلك خصصت مجلة الهلال المصرية عددها الخاص في شهر نوفمبر 1993 بهذا الكتاب وما أثير حوله، ويراجع: د. أحمد القديدي، الإسلام وصراع الحضارات، كتاب (الأمة) القطري ، ع 44 ، ص 52.

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية