مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

وثائق في التقريب


 ـ 1-
فتوى جمع من المراجع وعلماء العراق بشأن
وجوب الدفاع عن الإسلام وحوزة المسلمين*

 

هذه وثيقة هامة أصدرها جمع من كبار علماء الشيعة في العراق حين نشبت الحرب بين الدولة العثمانية وإيطاليا، عند هجوم الطليان على طرابلس بليبيا سنة 1329 هـ.ق، ومدلولها الهام واضح لا يحتاج إلى تعليق.. ولكن لابد من الإشارة إلى أن هذه الفتوى صدرت في ظروف تعرض الشيعة في العراق لممارسات قمعية طائفية على يد بعض الولاة العثمانيين الجهلة.

عن علماء النجف الأشرف، إلى كافة المسلمين الموحدين وممن جمعتنا وإياهم جامعة الدين، والإقرار بمحمد سيد المرسلين.

السلام عليكم أيها المحامون عن التوحيد والمدافعون عن الدين والمحافظون على بيضة الإسلام.

لا يخفى عليكم أن الجهاد لدفع هجوم الكفار على بلاد الإسلام وثغوره مما قام إجماع المسلمين وضرورة الدين على وجوبه. قال الله سبحانه:

(انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالك وأنفسكم في سبيل الله).

 
_____________________________

* ـ نقلا عن كتاب: اسنادى در باره هجوم انگليس وروس به إيران (فارسي) = وثائق عن هجوم بريطانيا وروسيا على إيران، محمد تركمان، منشورات مكتب الدراسات السياسية والدولية، طهران 1370 هـ ش، ص 481 ـ 482.

 



هذه كفرة إيطاليا قد هجموا على طرابلس الغرب التي هي من أعظم الممالك الإسلامية وأهمها، فخربوا عامرها، وأبادوا أبنيتها، وقتلوا رجالها ونساءها وأطفالها. مالكم تبلغكم انتهاكُ حُرَمٍ فلا تجيبون ؟! وتوافيكم صرخة المسلمين فلا تغيثون؟!

أتنتظرون أن يزحف الكفار إلى بيت الله الحرام والنبي والأئمة عليهم السلام، ويمحوا الديانة الإسلامية عن شرق الأرض وغربها، وتكونوا معشر المسلمين أذل من قوم سباً ؟!

فالله الله في التوحيد الله الله في الرسالة، الله الله في نواميس الدين وقواعد الشرع المبين، فما بعد التوحيد إلا التثليث، ولا بعد الإقرار بمحمد صلى الله عليه وآله إلاّ عبادة المسيح، ولا بعد استقبال الكعبة إلا تعليق الصليب، ولا بعد الأذان إلا قرع النواقيس.

فبادروا إلى ما افترضه الله عليكم من الجهاد في سبيله، واتفقوا ولا تفرقوا، واجمعوا كلمتكم، وابذلوا أموالكم، وخذوا حذركم ]وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم[ لئلا يفوت وقت الدفاع وأنتم غافلون، وينقضي زمن الجهاد وأنتم متثاقلون ]فليحذر (1) الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم[.

خادم الشريعة المطهرة محمد كاظم الخراساني، الاحقر الجاني عبد الله المازندراين، الجاني شيخ الشريعة الأصفهاني، الأقل علي رفيش، أقل خدام الشريعة محمد حسين القمشة، الأقل الجاني مصطفى الحسيني الكاشاني، الراجي عفو ربه محمد آل الشيخ صاحب الجواهر قدس سره، الراجي عفو ربه الغفور محمد جواد الشيخ مشكور قدس سره، الاحقر جعفر ابن المرحوم الشيخ عبد الحسن قدس سره، بسم الله الناصر المعين أنا وكل مسلم نستعين الأقل محمد سعيد الحبوبي.

 
_____________________________

1 ـ في اصل: وليحذر.

 



ـ 2 -

رسالة من زين الدين إلى الباقوري *

 

هذه رسالة بعثها الشيخ محمد أمين زين الدين (من علماء النجف) إلى الشيخ أحمد حسن الباقوري بمناسبة اعتراف حكومة مصر بالمذهب الجفعري مذهبا رسميا عام 1963 م. وإعلان وزارة الأوقاف المصرية عن ذلك، ونشرها كتاب «المختصر النافع» للمحقق الحلي في فقه الإمامية، وإدخال تدريس هذا المذهب في مناهج الجامع الأزهر الشريف.

حضرة صاحب الفضيلة معالي السيد أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف المصرية المبجل.

تحية الإيمان، وثناء العلم، وشوق الاخوة.

أخي، واللّه يعلم أنها أحب نسبة إلى قلبي وألمسها لعاطفتي، وأبقاها أثراً في نفسي.

أخي، واللّه يعلم أنها ألذ دعوة في فمي، وأعز جامعة يناضل عنها قلمي.

أخي، واللّه يعلم أنها أصدق النعوت في رأيي، وأرفع المنازل في ديني، وأبر الدعوات عند ربي.

إني أقول: أبي، فأستبين صغري للكبير الذي أنسبه، وأقول ولدي، فأدل بكبري على الصغير الذي أنجبه، وأقول: أخي، فأشعر بأرض تسويني بمن أدعو على قدم، وبسقف يظلني وإياه على سواء، وبسبب جمعني وإياه في الوجود، ولبن شركني معه في الغذاء، وأحس بصلة تلفني به لف النظير بالنظير، وضم الظهير للظهير، وأذكر شريعة ماثلته بي في الحقوق، وعادلتني معه في الواجبات، وكافأني به في الحرمة.

 
_____________________________

* ـ عن مجلة البلاد، العدد 309.

 



بلى، وأذكر يداً كريمة عليا باركت لنا هذا النسب، ووطدت بيننا هذه الصلة، وعقدت بيننا ميثاق الولاية ومدته بقانون النصرة...

أخي..بَتَّ الله حوادث ظالمة أقصتني عنك وباعدتك عني، فما وصل الله هذا السبب ليقطع، وما نصب هذا الذمام ليخفر، وما حصن الرسول هذه الوحدة لتتمزق.

لم أر كالإسلام ديناً يتّسع لمذاهب الفكر، ويُكبرُ نتاج العلم، ولم أر كالقرآن كتاباً ينشّط حركة الرأي ويكره خمود الوعي، ثم لم أرَ كالمسلمين أتباعاً يحرجون بما انفسح له دينهم، ويبرمون بما نشط له كتابهم!!

إن المسلم يرث من سلف له قولاً، أو يرى باجتهاد منه رأياً، فيخال أن الإسلام حكر على رأيه، فلا إسلام وراء الأكمة ولا إيمان خارج المضيق.

وإذا لم يكن إسلام، فلا أخوة ترتجى.. بل ولا كرامة تحتشم... ولا رأي يحترم!

ما هذا؟! ما هذا؟!.

لقد فصلتني عن أخي فواصل، نعم، ولكن: أليس بيني وبينه ما يجمع؟!

أليس من حقي أن أحصي ما لديه من ثراء، فلعله اختص بشي‏ء من تراث أبي؟!

أقول: اختص، ولا أقول: استأثر، لأنني أراه يدعوني لمشاركته ما بيديه.

وأخي، أليس من حقه أن يطّلع على ما بيدي؟!

لئن كان هذا الإعراض عن زهد، فإن الزهد هنا مما يضحك، وإن كان عن قطيعة فإن القطعية هنا مما تبكي.

وإذا لم يكن محيص عن القول في أخي، وإذا لم يكن بد من الخصام، أفليس من واجب العلم أن أطلع على القول الذي أنقد، فأنقل بأمانة، ثم أخاصم على علم؟!

* * *

أخي: آن لنا أن ننظر ببصر يخرق الحجب، وببصيرة تمزق الغشاوات وبصبر يتحدى المعوقات.

آن لنا أن نستيقن أن حجباً فارقت بيننا في الصورة لا تقوى على أن تباعد ما بيننا في الجوهر، ولا تشجع أن تخالف ما بيننا في الروح، لا تملك شيئاً من ذلك ولن تملكه أبداً ما دامت ضالتنا الهدى، وما دام قائدنا الرسول الكريم، ورائدنا القرآن العظيم.


وقضية السنّة والشيعة - كما قلتم - قضية إيمان وعلم معاً، وإذا كانت كذلك فمن أولى بحلّها من العالم المؤمن؟

من أولى بحلّها من العالم المؤمن إذا كان يستطيع أن يقول ويستطيع أن يعمل؟

وقد بدأتم الشوط، وكانت خطوتكم موفقة مبرورة، يباركها اللّه ويباركها العلماء المؤمنون.

يباركها اللّه فهي غايته سبحانه لما شرع الدين ونهى عن التفرق فيه.
ويباركها العلماء المؤمنون لأن القضية قضيتهم، والشوط شوطهم، والمدى مداهم، ومن يبخل من العلماء المؤمنين أن يكون نصيراً للّه على غايته وردءاً للعلم والإيمان في قضيتهما؟ بدأتم الشوط وكانت خطوتكم موفقة مبرورة، وأن الإيمان والعلم ليبتهلان إلى اللّه أن يسددكم في الخطى، وأن يوفقكم لاتمام السعي، وأن يهنّئكم بالنجاح ويلقيكم عقبى الفائزين. 

 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية